تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : الصوم و الاعتكاف

اشارة

سرشناسه : فاضل موحدی لنکرانی، محمد، - 1310

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : الصوم و الاعتكاف / محمد الموحدی اللنکرانی الشهیر بالفاضل

مشخصات نشر : قم: جماعه المدرسین بقم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = - 1368.

فروست : (جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، دفتر انتشارات اسلامی ;502)

شابک : بها:1900ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول 1418ق = 1376): 10000 ریال

یادداشت : کتابنامه بصورت زیرنویس

عنوان دیگر : شرح تحریر الوسیله

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. شرح

شناسه افزوده : جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1368

رده بندی دیویی : 3422/297

شماره کتابشناسی ملی : م 68-852

[القول في النية]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصوم القول في النية

[مسألة 1: يشترط في الصوم النيّة]

مسألة 1: يشترط في الصوم النيّة؛ بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة و يعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القربة. و لا يعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر و لم يعلم بمفطريّة بعض الأشياء كالاحتقان مثلا، أو زعم عدمها و لكن لم يرتكبه، صحّ صومه. و كذا لو نوى الإمساك عن امور يعلم باشتمالها على المفطرات صحّ على الأقوى. و لا يعتبر في النيّة- بعد القربة و الإخلاص- سوى تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره. و يكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم غد من غير حاجة إلى تعيينه، بل لو نوى غيره فيه- جاهلا به أو ناسيا له- صحّ و وقع عن رمضان، بخلاف العالم به؛ فإنّه لا يقع لواحد منهما. و لا بدّ فيما عدا شهر رمضان من التعيين؛ بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص كالكفّارة و القضاء و النذر المطلق، بل المعيّن أيضا على الأقوى، و يكفي التعيين الإجمالي، كما إذا كان ما وجب في ذمّته صنفا واحدا، فقصد ما في الذمّة؛ فإنّه يجزئه، و الأظهر عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق، فلو نوى صوم غد للّه تعالى صحّ و وقع ندبا لو كان الزمان صالحا له و كان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم، بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 6

و كذا المندوب المعيّن أيضا إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كأيّام البيض و الجمعة و الخميس. نعم، في إحراز ثواب الخصوصيّة يعتبر إحراز ذلك اليوم و قصده (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام، و قبل الأخذ فيها و

التكلّم عنها نقول: إنّ الصوم كما هو المحكي عن اللغويّين بمعنى الإمساك، إمّا مطلقا و لو بالنسبة إلى الجمادات، كالمحكي عن الجوهري «1» و بعض آخر 2، أو أعمّ منها و من الحيوانات كما عن بعض آخر 3، أو يختصّ بالإنسان فقط كما عن ثالث «4».

و الظاهر أنّ البحث في ثبوت الحقيقة الشرعيّة له و عدمه هو البحث المعروف في الاصول؛ لأنّه من أسامي العبادات كالصلاة من دون فرق بينهما. كما أنّ الظاهر أنّ التعاريف المذكورة للصوم من كونه عبارة عن الإمساك «5» عن المفطرات المعهودة، أو كفّ النفس عنها «6»، أو توطينها «7» على تركها و مثل ذلك، منشؤه كما ذكره المحقّق الخراساني قدّس سرّه في الكفاية «8» و أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه «9» هنا، أنّهم كانوا بصدد شرح الاسم لا التعريف الجامع المانع، و لا وجه للتطويل في هذا المجال.

______________________________

(1) 1- 3 الصحاح 2: 1454، مصباح المنير: 352، لسان العرب 4: 89، العين 2: 1020، المفردات: 500، القاموس المحيط 4: 101، المغرب في ترتيب المعرب: 157.

(4) مجمع البحرين 2: 1060.

(5) المبسوط 1: 265- تذكرة الفقهاء 6: 5، رياض المسائل 5: 287، العروة الوثقى 2: 5، جواهر الكلام 16:

184.

(6) المختصر النافع: 127، رياض المسائل 5: 287.

(7) رسائل الشريف المرتضى 3: 53، قواعد الأحكام 1: 369.

(8) كفاية الاصول 1: 151.

(9) جواهر الكلام 16: 184.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 7

..........

______________________________

و يكفي في فضله الخاصّ ما ورد في شأنه من قوله تعالى في الحديث القدسي:

«الصوم لي و أنا اجزي به» «1» فإنّ الظاهر عدم كون المراد من الجملة الأولى هو مجرّد اعتبار قصد القربة المعتبر في جميع العبادات، بل

باعتبار الخصوصيّات الموجودة فيه من كونه أمرا عدميّا، و في مثله لا يجري الرّياء بوجه، و اشتماله على الكفّ عن أمور كثيرة في النهار الذي ربما تكون ساعاته كثيرة باختلاف الفصول، و تلك الأمور امور مهمّة ترتبط بحياة الإنسان و الغرائز الموجودة فيه و ممّا يبتلي به نوعا، خصوصا مع تكرّره في كلّ سنة شهرا، بخلاف الحجّ الذي لا يجب إلّا على المستطيع فقط في جميع عمره مرّة واحدة.

و أمّا قوله- تعالى-: «و أنا اجزي به» فالظاهر أنّه بصيغة المجهول؛ لأنّ جزاء جميع الأعمال الحسنة يرتبط به تعالى، فالمراد ظاهرا أنّه تعالى بنفسه جزاء الصوم، كما في قوله تعالى: وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اللّٰهِ أَكْبَرُ «2»، و هذا أعلى مراتب الجزاء و نهاية اللطف و الكرامة، و قد قال اللّه تعالى في ذيل آية الصوم تعليلا لإيجابه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «3». و الظاهر أنّ المراد به حصول التقوى بسببه؛ لأنّ من أمسك عن أكل ماله الحلال يسهل له الإمساك و الاجتناب عن المال الحرام، و من أمسك عن الجماع مع حليلته يهوّن عليه الاجتناب عن النساء المحرّمات و هكذا، فالصوم كأنّه مقدّمة لحصول الواجبات الاخر و ترك المحرمات، مضافا إلى ما يتضمّنه من جهات اجتماعيّة، فالإحساس بالجوع يثير في النفس التعاطف مع الجائعين، و كذلك درك الألم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 397- 403 كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، ب 1 ح 7 و 15، بحار الأنوار 70:

12 و ج 93: 254.

(2) سورة التوبة 9: 72.

(3) سورة البقرة 2: 183.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 8

..........

______________________________

بالنسبة إلى المحرومين، و لما يوجبه من إطفاء الغريزة، و لعلّ في الصوم منافع لا توجد في

غيره من الواجبات من الجهات الفردية و الاجتماعية.

إذا عرفت ذلك فأعلم أنّ في البين إشكالين لا بدّ من حلّهما:

الأوّل: أنّ الإمساك عن جميع المفطرات المعهودة أو نظيره إن كان له دخل في الحقيقة و الماهيّة، فاللازم الالتزام بعدم تحقّقه فيما لو لم يمسك عن بعضها جهلا أو نسيانا، مع أنّ مقتضى النصّ و الفتوى خلافه، و إن لم يكن له دخل فيها فأيّ شي ء له دخل في تحقّق الحقيقة و الماهيّة؟

و قد اجيب عن الإشكال بأحد وجهين:

أحدهما: الالتزام بعدم تحقّق حقيقة الصوم في الصورة المفروضة، و أنّ الحكم بالصحّة و سقوط الأمر و عدم وجوب القضاء عليه إنّما هو لأجل كون فعله بدلا عن الصوم، لا كونه من مصاديقه و أفراده- و إن كان مشتركا معه في جميع الآثار و الأحكام، فالإمساك في الصورة المفروضة قائم مقامه- و متّصفا بأنّه بديل عنه.

و يرد عليه- مضافا إلى أنّه خلاف ظاهر النصّ و الفتوى الدالّ على الحكم بالصحّة لأجل كونه من مصاديق الصوم و أفراده حقيقة لا لأجل البدليّة-: أنّه على تقدير ترتّب جميع أحكام الصوم و أثاره عليه لا بدّ من أن يقال بكون الواجب إمّا أحد الأمرين، و إمّا العنوان الجامع بينهما المنطبق على كليهما، و لا مسوّغ للالتزام بشي ء منهما؛ ضرورة أنّ الواجب ليس إلّا نفس عنوان الصوم فقط، و النصّ و الفتوى قائمان على تحقّقه في الصورة المفروضة دون ما هو بدل عنه.

ثانيهما: أخذ قيد الالتفات إلى كونه صائما في المفطرات التي يجب الاجتناب عنها؛ بأن يكون الصوم عبارة عن الإمساك عنها في خصوص صورة الالتفات إلى كونه صائما و أنّه يجب عليه الإمساك عنها أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم

و الاعتكاف، ص: 9

..........

______________________________

و يرد عليه: أنّه لا مجال لأخذ الالتفات إلى الصوم في حقيقته و ماهيّته؛ سواء كان بنحو الجزئيّة أو بنحو الشرطيّة و القيديّة؛ لأنّ الالتفات إلى الشي ء من العناوين المتأخّرة عن الشي ء، فلا يعقل أن يكون دخيلا في الحقيقة بعد ما كان متأخّرا عنها، فلا مجال لأن يكون الالتفات إلى الصوم ممّا له دخل في حقيقته.

و من هنا يمكن تقرير الإشكال بوجه آخر؛ و هو أنّ الإمساك عن المفطرات المأخوذ تعريفا للصوم و بيانا لحقيقته إن اخذ بنحو الإطلاق؛ أي سواء كان مقرونا مع الالتفات إلى كونه صائما، أم لم يكن مقرونا به، يلزم الحكم بالبطلان فيما تطابق النصّ و الفتوى على صحّته و ترتّب جميع أحكام الصوم عليه. و إن اخذ بنحو التقييد بخصوص صورة الالتفات إلى كونه صائما، يلزم أخذ الالتفات و التوجّه إلى الشي ء في حقيقته، مع أنّه من العناوين المتأخّرة عن الشي ء اللاحقة له أحيانا.

و التحقيق في الجواب أن يقال كما عن بعض المحقّقين «1»: إنّ الإمساك عن المفطرات المعهودة مأخوذ في ماهيّة الصوم لا بنحو الإطلاق و لا بنحو التقييد، بل بنحو الإهمال الذي يجتمع مع كلا الأمرين، كنظائر المقام التي لا بدّ فيها من الالتزام بالإهمال فيها، و إلّا يلزم بعض المحاذير حتى في مثل القضايا الحملية الممكنة؛ فإنّ قولك: «زيد قائم» لا مجال للإشكال في كونه قضيّة غير ضروريّة؛ لعدم ضرورة وصف القيام للإنسان.

و حينئذ يمكن أن يقال: إنّ زيدا المفروض موضوعا، هل يكون المراد به المطلق و الأعمّ من كونه قائما أو غير قائم، أو المراد به زيد المقيّد بوصف القيام؟ فعلى الأوّل يلزم التناقض؛ لأنّ زيدا مع فرض عدم قيامه كيف يمكن

أن يتّصف بالقيام؟ و على

______________________________

(1) مستمسك العروة 8: 193.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 10

..........

______________________________

الثاني يلزم تبدّل القضيّة الممكنة إلى الضروريّة؛ لوضوح صيرورة القضيّة ضروريّة بشرط المحمول؛ فإنّ زيدا المقيّد بالقيام لا يعقل أن يكون غير قائم، و لا محيص عن حلّ الإشكال إلّا بأن يقال: إنّ الموضوع مفروض بصورة الإهمال لا الإطلاق و لا التقييد. و في المقام نقول بأنّ الإمساك عن المفطرات الواقع في تعريف الصوم و بيان حقيقته واقع بنحو الإهمال من جهة الالتفات و عدمه. و عليه:

يندفع الإشكال بحذافيره من دون لزوم الالتزام بالبدليّة و الخروج عن الحقيقة.

الثاني: من الإشكالين المهمين اللذين لا بدّ من حلّهما، و لعلّه أهمّ من الأوّل و أشدّ إشكالا منه، أنّه لا إشكال في العبادات الوجوديّة التي يكون المقصود فيها إيجاد الطبيعة المأمور بها بقصد القربة؛ سواء كان المراد به هو الإتيان بداعي الأمر، أو يكون المراد به هو الإتيان بعنوان كونه مقرّبا و موجبا لحصول القرب من المولى.

و أمّا العبادات العدميّة التي يكون المقصود فيها الترك و عدم تحقّق الطبيعة، كالصوم في المقام على جميع تعاريفه التي ترجع إلى ترك المفطرات في الزمان المخصوص الذي هو النهار؛ لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «1» فيشكل الأمر فيها.

توضيح الإشكال: أنّ تحقّق الأمر الوجودي و خروجه من عالم العدم يفتقر إلى وجود العلّة التامّة بجميع أجزائها المركّبة من المقتضي و الشرط و عدم المانع، فإذا فرض في مورد فقدان واحد من تلك الأجزاء لا يكاد يعقل تحقّق المعلول؛ لفرض النقصان في علّته التامّة، غاية الأمر أنّ الفرق بين الأمور التعبّدية و الأمور التوصليّة لزوم كون الداعي و المحرّك في

القسم الأوّل هو قصد الأمر و الإتيان بداعي الامتثال، و عدم اللزوم في القسم الثاني.

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 11

..........

______________________________

و أمّا الواجبات العدميّة، فحيث يكون المقصود فيها الترك، و يكفي في تحقّق الترك فقدان جزء من أجزاء العلّة التامّة من المقتضي و الشرط و عدم المانع، و لا يلزم اجتماع أعدام أجزاء العلّة، فحينئذ يشكل الأمر من جهة كفاية فقدان بعض تلك الأجزاء في تحقّق المعلول من ناحية، و اعتبار قصد التقرّب من ناحية اخرى، بل قد تقرّر في موضعه أنّه مع انعدام المقتضي و الشرط و وجود المانع يكون انتساب العدم إلى عدم المقتضي أولى من الانتساب إلى عدم الشرط أو وجود المانع.

و عليه: فيتحقق الإشكال من هذه الجهة في صحّة الصوم في كثير من الموارد من جهة اعتبار أن يكون الترك مستندا إلى القربة و داعويّة الأمر، مع أنّا نرى بالوجدان استناد تحقّق الترك إلى عدم المقتضي أحيانا، فضلا عن عدم الشرط أو وجود المانع، فمن أكل قرب طلوع الفجر كاملا و شرب كذلك بحيث لم يكن يشتهي الأكل و الشرب عند الطلوع و بعده و لو بزمان قليل، هل يكون تركه للأكل و الشرب مسبّبا عن عدم المقتضي، أو يكون بداعي الأمر و قصد التقرّب الذي هو بمنزلة المانع؟ فإن فرض الأوّل يكون ذلك منافيا لعباديّة الصوم التي لا مجال للمناقشة فيها، و إن فرض الثاني يكون ذلك خلاف الواقع؛ لفرض عدم الميل إلى مأكول و لا مشروب.

هذا، مضافا إلى أنّ إيجاد شي ء يكون نوعا مع الالتفات و التوجّه إليه، و أمّا تركه فلا يكون كذلك. و عليه: فربما لا يكون

الترك موردا لتوجّهه حتى يقصد فيه القربة.

و بعبارة اخرى: ترك المفطرات في اللحظات الأوّليّة بعد طلوع الفجر في الفرض المزبور يكون مستندا إلى عدم المقتضي وجدانا و بلا ريب، لا إلى وجود المانع؛

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 12

..........

______________________________

و هي إطاعة أمر اللّه و سببيّته لذلك، و لذا لو لم يكن صوم لم يتحقّق منه الإفطار؛ لعدم المقتضي، كما عرفت.

و اللازم أن يقال في حلّ الإشكال بالفرق بين العبادات الوجوديّة و العدميّة من جهة إمكان رعاية قصد القربة في القسم الأوّل بالإضافة إلى جميع أجزائها، و أمّا في القسم الثاني فلا يعتبر فيه ذلك لعدم الإمكان؛ لأنّه بعد فرض لزوم وجود المقتضي و الشرائط يتحقّق حينئذ الترك المستند إلى وجود المانع؛ و هي إطاعة أمر اللّه و امتثاله، و هذا غير ممكن نوعا، خصوصا بالنسبة إلى الصوم الذي مرجعه إلى اجتماع أعدام مضافة، كعدم الأكل و الشرب و الجماع و مثلها في آن واحد مضافا إليه تعالى بفرض وجود المقتضي مثلا لكلّ من الأعدام، و حينئذ هل يمكن تحقّق المقتضي بالنسبة إلى جمع المفطرات في آن واحد، كثبوت المقتضي للأكل و الشرب و الجماع و سائر المفطرات في آن واحد معا؟ و من الواضح استحالته.

نعم، إذا كانت العبادة العدميّة عبارة عن أمر واحد عدميّ مثلا، يمكن فيه فرض وجود المقتضي و كون الترك مستندا إلى المانع. و أمّا مع اشتمالها على جملة من الأعدام المضافة فكيف يمكن فرض وجود المقتضي بالإضافة إلى إيجاد كلّ واحد منها، فلا محيص من أن يقال بأنّ المطلوب في مثلها هي نفس الترك، و لو كان مستندا إلى عدم المقتضي أو وجود المانع، فهل

يمكن الالتزام ببطلان صوم العنّين غير القادر على الجماع من جهة عدم ثبوت المقتضي له عليه؟ و هكذا.

و يمكن القول بأن الصحّة في مثل الفرض مع ضرورة عباديّة الصوم و اعتبار نيّة التقرّب فيه إنّما تكون لأجل ثبوت القضيّة التعليقيّة؛ و هو عدم الارتكاب و لو مع وجود المقتضي و تحقّق الشرائط و كفاية مثلها في العباديّة؛ لعدم إمكان غيرها كما عرفت، فمرجع العباديّة إلى أنّه لو فرض وجود المقتضي و الشرط أيضا لا يتحقّق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 13

..........

______________________________

منه الوجود بل الترك للإضافة إليه تعالى، و في هذا المجال قصّة لطيفة نقلها بعض الأصدقاء؛ و هي أنّه كان في أطراف شيراز رجل كبير السنّ ملتزم بالوظائف الإسلاميّة، و كان معتادا على التدخين بالقليان، و في شهر رمضان حيث كان يصوم فيه و يترك شرب الدخان لكنّه قبل الغروب كان يهيّئ القليان بنحو كامل و ينظر إليه منتظرا لدخول الوقت حتى يشرب الدخان بمجرّد دخوله.

و ممّا ذكرنا ظهرت خصوصيّة للعبادات العدميّة، سيّما مثل الصوم الذي اجتمعت فيه جملة من الأعدام المضافة، كما أنّ فيها خصوصيّة اخرى؛ و هي أنّه لا بدّ في العبادات الوجوديّة- و لو كانت مركّبة من أجزاء مختلفة- من التوجّه و الالتفات إليها و لو ارتكازا، و لا يلزم ذلك في العبادات العدميّة، خصوصا في مثل الصوم على ما عرفت.

فإذا نام الشخص في جميع أجزاء النهار، و كان قبل ذلك ناويا الصوم مقرونا بقصد القربة يكون صومه صحيحا و لا تكون صحّته على خلاف القاعدة. و هذا بخلاف ما إذا صلّى مثلا في حال النوم صلاة كاملة مشتملة على الوضوء الصحيح مثلا، كما ربّما

يتّفق ذلك، و قد نقل أنّ بعض النائمين خرج في حال النوم من حجرته في المدرسة و دار في أطرافها مرارا ثمّ رجع إلى محلّه الأصلي و أدام النوم فيه؛ فإنّ الصلاة في مثل الفرض باطلة، قال اللّه تعالى: لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ «1».

و بالجملة: فهذا و أشباهه يدلّنا على وجود خصوصيّة أو خصوصيّات للعبادات العدميّة، و لا محيص عن الالتزام بها، و إلّا يقع الإشكال في صحّتها في أكثر الموارد، فهل يمكن الالتزام ببطلان الصوم مع الاشتغال بالصلاة أو القرآن أو مثلهما الموجب

______________________________

(1) سورة النساء 4: 43.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 14

..........

______________________________

لعدم الالتفات إلى المفطرات، و عدم التوجّه إليها و لو في خصوص ذلك الحال؟

و بعد هذا نعود إلى الجهات التي وعدنا التكلّم فيها في هذه المسألة، فنقول:

الجهة الاولى: أنّه لا ريب في أنّ الصوم من العبادات، و يعتبر فيه قصد القربة بأيّ معنى من المعاني المذكورة له في محلّه، و يكفي في إثبات هذه الجهة كونه كذلك عند المتشرّعة و في رديف الصلاة، بل وضوح ذلك بمكان، و لا حاجة إلى الاستناد له حتّى بمثل ما تقدّم من قوله تعالى في الحديث القدسي: «الصوم لي و أنا اجزي به» «1»، و حينئذ لو فرض تحقّق الصوم منه لا بقصد القربة بل بقصد حصول الصحّة للجسم مثلا لا يتحقّق منه العبادة المأمور بها، و قد عرفت أن الصحّة في فرض كونه نائما و لو في جميع النهار من طلوع الفجر إلى الليل إنّما هي فيما إذا كان مقرونا بقصد القربة، فلا ينبغي الإشكال من هذه الجهة أصلا.

الجهة الثانية: أنّه لا

يعتبر العلم بالمفطرات على التفصيل، و يتفرّع عليه أمران مذكوران في المتن:

أحدهما: أنّه لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات- غاية الأمر أنّه لم يعلم بمفطريّة بعضها كالاحتقان مثلا، أو زعم عدمها و لكن لم يرتكبه في مقام العمل، و كان بحيث إنّه لو فرض له العلم به لكان واردا في رديف المفطرات التي نوى الإمساك عنها- يكون صومه صحيحا؛ لعدم تحقّق الإخلال له بشي ء ممّا يعتبر فيه، لا من جهة النيّة و لا من جهة المفطرات.

ثانيهما: أنّه لو نوى الإمساك عن عدّة امور يعلم باشتمالها على المفطرات و إن لم تكن معلومة تفصيلا، فقد قوّى الحكم بالصحّة في المتن، و الظاهر أنّ الوجه فيه

______________________________

(1) تقدّم في ص 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 15

..........

______________________________

ما ذكرنا، و مجرّد الإمساك عمّا لا يكون مفطرا لا يقدح في تحقّق الصوم بعد كون الإمساك عن الجميع- و لو لم يكن بعضه مفطرا- إنّما هو للاحتياط، و احتمال كونه مفطرا من دون لزوم تشريع و بدعة، ففي الحقيقة يتحقّق الإمساك عن ذلك البعض لأجل الاحتمال و عدم إمكان الطريق له إلى الواقع، أو عدم الفرصة له و مثلهما، فلا ينبغي الإشكال في الصحّة، كما في جميع العبادات التي يحتاط فيها احتمالا، أو لأجل العلم الإجمالي.

الجهة الثالثة: أنّه ذكر في المتن أنّه لا يعتبر في النيّة عدا القربة و الإخلاص سوى تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره، و يكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم الغد من غير حاجة إلى تعيينه، و في هذه الجهة احتمالات بل أقوال:

أحدها: ما أفاده المحقّق العراقي في شرح التبصرة؛ فإنّه بعد استشهاده لأصل كون الصوم من العناوين القصديّة،

بحرمة صوم العيدين مع عدم حرمة صرف الإمساك فيهما و ببعض الامور الاخر، و ثبوت الامتياز بذلك للصلاة و الصوم عن مثل الوضوء و الأغسال غير المعتبر فيها القصد زيادة على التقرّب، تنظّر في اعتبار القصد في سائر العناوين الطارئة عليه، كالكفّارة أو القضائيّة أو الرمضانيّة، قال:

و مجرّد وقوع الصوم على وجوه متعدّدة لا يجدي في الكشف عن الاختلاف في حقيقته؛ لكفاية اختلاف أسباب وجوبه في ذلك، كما أنّ عدم صلاحيّة رمضان لوقوع صوم آخر فيه لا يكشف عن المغايرة المزبورة، بل يكفي فيه عدم صلاحية غير رمضان من الأسباب لوقوع صومها فيه، و أضاف إلى ما أفاد قوله: و أوهن منهما في الدلالة ما ورد في قبول ما اتي به بنيّة شعبان من رمضان بتفضّل من اللّه، بتقريب أنّه مع وحدة الحقيقة فيهما لا يكون قبوله بتفضّل منه، بل هو عين الإتيان بالمأمور به، فهذا التفضّل لا مجال له إلّا بقبول حقيقة بدل حقيقة اخرى، و لا نعني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 16

..........

______________________________

من اختلاف حقيقة الصوم إلّا هذا.

توضيح الوهن: أنّ ذلك يمكن أن يكون من جهة عدم التقرّب بشخص أمره، و معلوم أنّ المعتبر في العبادة- على ما سنشير إليه- هو كون الداعي على إتيان أمره المتعلّق به لا أمر غيره و لو جهلا، و لذا نلتزم في موارد الخطأ في التطبيق أنّه لا تصحّ العبادة إلّا إذا كان قد قصدها بداعويّة الأمر بنحو تعدّد المطلوب كي ينتهي الأمر بالأخرة إلى داعويّة شخص الأمر المتعلّق به، و حينئذ فالاكتفاء بهذا المقدار في باب صوم يوم الشكّ لا بدّ أن يكون على خلاف القاعدة و كان بتفضّل

منه تعالى، فليس أنواع الصيام المأمور بها بأيّ عنوان من العناوين إلّا وجودات متعدّدة متّفقة الحقيقة «1». انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه.

ثانيها: ما حكي عن سيّد المستمسك «2» من أنّه كما يعتبر في أصل الصلاة و في الأنواع الواقعة تحتها، كالظهريّة و العصريّة و الأدائيّة و القضائيّة و غيرها، قصد العنوان، فلا يكفي الإتيان بأربع ركعات من دون نيّة الظهريّة أو العصريّة أو مثلهما، كما أنّه لا يكفي الإتيان بها من دون نيّة الأدائية و القضائيّة و هكذا، كذلك يعتبر في أصل عنوان الصوم، و كذا في الأنواع الواقعة تحته من الرمضانيّة و الكفّارة و غيرهما قصد العنوان الذي يريد إطاعة أمره، فلا يكفي الإتيان بها خالية عن القصد، كما لا يكفي مجرّد الإمساك من دون قصد عنوان الصّوم، كما عرفت في الكلام المتقدّم من عدم حرمة مجرّد الإمساك في العيدين اللذين يحرم الصوم فيهما.

و عليه: فاللازم أن يقال بعدم الاكتفاء بنيّة صوم الغد في شهر رمضان مع عدم

______________________________

(1) شرح تبصرة المتعلّمين 3: 124- 125.

(2) مستمسك العروة 8: 196- 197 و 200- 201.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 17

..........

______________________________

نيّة عنوان رمضان، و الظاهر أنّه لم يقل به أحد، أو يقال بالاكتفاء بها فيه: إمّا لأجل ثبوت العلم الإجمالي الارتكازي له، و مرجعه إلى وجود المعلوم و ثبوته في النفس و إن كان غير ملتفت إليه، و لا يكون هذا العلم الإجمالي في مقابل العلم التفصيلي الذي يتعيّن معلومه و لا يتردّد فيه بالخلاف، كما في العلم الإجمالي المبحوث عنه في باب الاشتغال من علم الاصول. و إمّا أن يقال بأنّ قصده للإتيان بالمأمور به

و متعلّق الأمر ينجرّ بالأخرة إلى نيّة رمضان؛ لعدم تعلّق الأمر به من غير هذه الجهة، كما هو المفروض.

ثالثها: ما يظهر من المتن و من ظاهر العروة الوثقى «1» و إن حكي توجيهه عن بعض الشرّاح «2»، و لكنّ التوجيه مخالف لظاهر العروة، و اختاره المحقّق الهمداني قدّس سرّه في محكيّ كتابه في الصوم «3»، و هو التفصيل في العناوين الطارئة المضاف إليها عنوان الصوم بين العناوين التي لا يكون لها خصوصيّة غير الزمان المعيّن، كصوم شهر رمضان الذي لا واقع له إلّا الوقوع في الشهر الخاصّ، و هي قطعة من الزمان الواقعة ضمن شهور السنة، و بين العناوين التي لا تكون لها هذه الخصوصيّة بل خصوصيّة أخرى، كصوم الكفّارة المسبّب عن الإفطار في شهر رمضان عمدا أو الظهار أو غير هما، و صوم القضاء الذي لا يكون له زمان معيّن و إن تضيّق وقته في بعض الأحيان.

فإن كان من قبيل القسم الأوّل، فلا حاجة فيه إلى التعيين، و تكفي نيّة صوم الغد إن كان من رمضان. و أمّا إن كان من قبيل القسم الثاني، فالظاهر الاحتياج فيه إلى

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 6- 7 فصل في النيّة.

(2) المستند في شرح العروة 21: 11- 14.

(3) مصباح الفقيه 14، كتاب الصوم: 302.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 18

..........

______________________________

التعيين؛ لعدم تعيّن الزمان له، خصوصا إذا كانت عليه عناوين متعدّدة من الصوم، فيصير حينئذ كالإتيان بأربع ركعات في المثال المتقدّم.

و الظاهر أنّ هذا هو الحقّ الموافق للتحقيق؛ فإنّه إذا لم يكن للعنوان الطارئ و المضاف إليه الصوم خصوصيّة غير الزمان المخصوص، و المفروض أنّه نوى الصوم في ذلك الزمان مع قصد القربة،

فلا وجه لاحتمال بطلان صومه و إن لم يكن العنوان معلوما له أصلا، و لذا ذكر في المتن أنّه لو نوى غير رمضان فيه جاهلا به أو ناسيا له صحّ صومه و يقع عن رمضان؛ لأنّه لا يزيد على الزمان المخصوص، و المفروض أنّه نوى الصوم في ذلك الزمان.

نعم، في صورة العلم بكون الغد من رمضان إذا نوى صوم غيره لا يقع لواحد منهما، أمّا غير رمضان فلعدم صلاحيّة الوقوع فيه؛ فإنّه لا بدّ في شهر رمضان إمّا الصوم مع وجود شرائط وجوبه، و إمّا الإفطار، كما في المريض و المسافر قبل الزوال، و أمّا الرمضان؛ فلانّه لم يقصد الإتيان بما هو المأمور به حقيقة، فلا وجه للوقوع عنه، و مرجع عدم لزوم قصد الرمضان إلى عدم اعتبار قصد هذا العنوان، لا كفاية قصد غيره الخارج عن هذا الزّمان، ففي صورة العلم لو نوى غيره لا يقع لواحد منهما، و سيأتي البحث عن هذا إنشاء اللّه تعالى.

هذا، و الظاهر أنّ الحكم بالصحّة في صورتي الجهل و النسيان مسلّم بينهم و مجمع عليه كذلك «1» و لم يخالف فيه أحد، غاية الأمر أنّ البحث إنّما هو من جهة كونه على وفق القاعدة بحيث لو فرض أنّه لو لم يكن في المسألة دليل آخر على الصحّة لقلنا بها وفقا للقاعدة، أو أنّه على خلافها، و لو لم يكن هناك رواية لما قلنا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 10، جواهر الكلام 16: 205، مستمسك العروة 8: 201.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 19

..........

______________________________

بها، أو اقتصرنا على خصوص موردها، الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ الحكم بالصحّة في جميع موارد الخطأ في التطبيق يكون على هذا

المنوال، فإذا ائتمّ بإمام بتخيّل أنّه زيد فتبيّن كونه عمروا العادل، فالظاهر صحّة جماعته للايتمام بإمام عادل و إن تخيّل كونه زيدا و أخطأ في التطبيق.

و على تقدير كون الحكم على خلاف القاعدة، فقد وردت في المسألة روايتان مرتبطتان بالمقام:

إحداهما: موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام يوما و لا يدري أ من رمضان هو أو من غيره- إلى أن قال:- إنّما يصام يوم الشك من شعبان و لا يصومه من شهر رمضان؛ لأنّه قد نهى أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك، و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه- عزّ و جل- و بما قد وسّع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس «1».

و من الواضح: أنّ موردها صورة الجهل و الشك، و هل يكون مقتضى إلغاء الخصوصيّة إلحاق صورة النسيان بالجهل أيضا لوجود العذر؟ و الحقّ أن يقال: إن قلنا بكون الصحّة في مورد الجهل على وفق القاعدة يكون الحكم في صورة النسيان أيضا ذلك؛ لعدم الفرق من جهة ثبوت العذر، و إن قلنا بكونها في مورده على خلاف القاعدة يمكن أن يقال بالاختصاص؛ لاختصاص مورد الرواية بصورة الشك و الجهل.

و يمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام «بتفضّل اللّه» إلخ يشعر بل يدلّ على الاحتمال الثاني

______________________________

(1) الكافي 4: 82 ح 6، تهذيب الأحكام 4: 182 ح 508، الاستبصار 2: 79 ح 240، و عنها وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 20

..........

______________________________

و إن كان لا يدلّ

على اختلاف الحقيقة و الماهيّة، كما عرفت في كلام المحقّق العراقي قدّس سرّه.

وجه الإمكان، أنّه لو كانت الصحّة على وفق القاعدة لما كان الإجزاء عن شهر رمضان بتفضّل من اللّه تعالى و بما قد وسّع على عباده، بل الإجزاء يكون حينئذ على ما تقتضيه القاعدة الأوّلية.

و لكنّ الظاهر عدم الدلالة و لا الإشعار أيضا بذلك؛ لعدم اقتضاء الحكم بالإجزاء عن الرمضان ذلك، خصوصا مع نيّة الصوم بعنوان شعبان قضاء أو كفّارة أو غيرهما من العناوين متّكأ على استصحاب عدم دخول رمضان، و لازمه عدم وجوب الصوم بعنوان رمضان.

ثانيتهما: رواية الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام في حديث طويل مشتمل على قوله عليه السّلام: لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بذلك لأجزأ عنه؛ لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه «1».

هذا، و لكنّ الرواية ضعيفة السند و إن كان الظاهر أنّ استناد المشهور إلى الروايتين يجبر الضعف حسب الظاهر على تقديره، و العمدة فيها هو التعليل الواقع فيها بقوله عليه السّلام: «لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه»، و المراد منه ظاهرا ما ذكرنا من تعلّق الوجوب بهذا اليوم بعنوان رمضان، و مرجعه إلى الخصوصيّة الزمانيّة الموجودة فيه، و هذه العلّة و إن كانت موجبة لعدم اختصاص الحكم بالجاهل و جريانه في الناسي أيضا، و إن كان مورد الرواية صوم يوم الشك و ثبوت الجهل؛ لأنّ التعليل يعمّم و يخصّص كما في سائر الموارد، إلّا أنّ الظاهر ثبوت المغايرة بينها

______________________________

(1) الكافي 4: 85 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 296 ح 895، الفقيه 2: 47 ح 208، و عنها وسائل الشيعة 10:

23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 21

..........

______________________________

و بين علّية التفضّل كما في الرواية السابقة؛ ضرورة اقتضاء هذه العلّة بوضوح و ظهور لكون الحكم بالصحّة على وفق القاعدة، بخلاف العلّة السابقة الظاهرة في العدم، أو عدم ثبوت الظهور لها أصلا كما قلنا، إلّا أن يقال: إنّ اختلاف الروايتين في مفاد العلّة لا يقدح فيما نحن بصدده، و إن كان لعلّه له قدح بالإضافة إلى بعض المسائل الآتية، فانتظر.

و كيف كان، لا مجال للمناقشة في الحكم بالصحّة في صورة الجهل، و كذا في صورة النسيان بعنوان رمضان و الإجزاء عنه، إنّما الكلام في صورة العلم التي عرفت أنّ ظاهر المتن أنّه إذا كان مع نيّة غير رمضان فلا يقع لواحد منهما، فهنا حكمان:

أحدهما: عدم الوقوع عمّا نوى من غير رمضان مع العلم بأنّ اليوم من رمضان.

ثانيهما: عدم الوقوع عن رمضان مع عدم نيّته، فهنا أمران لا ارتباط لأحدهما بالآخر.

و قد استدلّ بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته في شرح العروة على الأمر الثاني بأنّه لا ينبغي الشك في عدم الصحّة لعدم إتيانه بالمأمور به؛ فإنّه كان متقيّدا بعدم قصد عنوان آخر، و المفروض قصده، فما هو المأمور به لم يأت به، و ما أتى به لم يكن مأمورا به من رمضان، و الإجزاء يحتاج إلى دليل، و لا دليل «1»، و قد ذكر قبل ذلك أنّه لم يظهر من شي ء من الأدلّة لا الكتاب، و لا السنة أخذ عنوان شهر رمضان في صحّة صومه حتى يلزم قصده، بل اللازم تعلّق القصد بنفس الصوم مع

______________________________

(1) المستند في شرح

العروة 21: 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 22

..........

______________________________

العلم بأنّ غدا من رمضان، كما هو ظاهر قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1» أي من علم بالشهر يصوم ذلك الشهر بحيث يكون الشهر ظرفا للصوم، لا قيدا مأخوذا في العنوان ليلزم تعلّق القصد به. نعم، يعتبر أن لا يقصد عنوانا آخر من العناوين المضادّة لرمضان «2».

أقول: قد عرفت أنّ عنوان رمضان و خصوصيّته ليس كسائر العناوين الطارئة؛ فإنّ شهر رمضان زمان مخصوص لا عنوان، فالوجه في عدم وقوعه عن رمضان- مضافا إلى التسالم بحيث يعدّ من ضروريّات الفقه و إن لم يكن من ضروريّ الإسلام الموجب إنكاره للكفر و الارتداد- عدم كون الدّاعي له هو قصد امتثال الأمر المتعلّق بالصوم في خصوص هذا الزمان، بل الداعي له أمر آخر وجوبي أو استحبابي، كالإتيان بالصلاة بداعي الأمر المتعلّق بالصوم و هكذا.

و قد استدلّ على الأمر الأوّل بوضوحه بناء على ما ذكره الشيخ البهائي «3» من أنّه لا أقلّ من عدم الأمر، فتكون العبادة فاسدة لأجله، و أمّا على مقتضى مسلكه من جواز الأمر بالضدّين «4» على سبيل الترتّب، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة في المقام.

و نحن و إن اخترنا الجواز في الاصول لا بنحو الترتّب بل فوقه، كما قد قرّرناه في محلّه، إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا الحكم أيضا ضروري لا حاجة فيه إلى إقامة الدليل و إن كان هنا بعض الروايات غير نقيّة السند، لكنّ الظاهر تماميّة دلالتها و إن وقعت

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 185.

(2) المستند في شرح العروة 21: 18.

(3) انظر الحبل المتين 1: 80.

(4) أجود التقريرات 2: 79- 89.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الصوم و الاعتكاف، ص: 23

..........

______________________________

المناقشة فيها، مثل:

رواية الحسن بن بسّام الجمّال، عن رجل قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له:

جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال: إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما امرنا «1».

و الظاهر أنّ جواب الإمام عليه السّلام ظاهر في أنّه مع ثبوت الفرض و الوجوب لا يجوز أن نفعل إلّا ما أوجب علينا، فهذه بمنزلة الضابطة الكلّيّة و إن كان مورد الرواية خصوص السفر، كما لا يخفى، لكن في الرواية ضعف و إرسال و إن كان لا حاجة إليها؛ لما عرفت من كون الحكم ضروريّا في الفقه.

بقي الكلام في أصل المسألة في امور:

أحدها: مثل صوم القضاء و الكفّارة، و لا إشكال في لزوم قصد التعيين في ذلك؛ لما عرفت من أنّ المعتبر فيه خصوصيّة المغايرة لخصوصيّة الزمان، و لا يكون كعنوان رمضان الذي هي قطعة من الزمان و شهر من الشهور.

ثانيها: النذر، و هو على قسمين: نذر مطلق، و نذر معيّن، فالأوّل: كما إذا نذر صوم يوم من دون تعيين، و الثاني: كما إذا نذر صوم يوم معيّن كنصف شعبان مثلا، و قد حكم في المتن فيه بلزوم اعتبار قصد التعيين، كما في الصورة الاولى، و لا بدّ من التنبيه على أمر لعلّه ذكرناه فيما سبق، و هو: أنّ المستحبّ المنذور كعنوان صلاة

______________________________

(1) الكافي 4: 131 ح 5، تهذيب الأحكام 4: 236 ح 693، الاستبصار 2: 103 ح

335، و عنها وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 24

..........

______________________________

الليل الذي هو مستحب عباديّ لا يتغيّر عمّا كان عليه من الحكم بسبب تعلّق النذر به، فصلاة الليل لا تتغيّر عمّا كانت عليه من الحكم الاستحبابي التعبّدي بسبب النذر و إن كان الوفاء بالنذر واجبا توصّليّا، كما في الوفاء بالشرط المأخوذ في العقد اللزومي، كالخياطة المشترطة على البائع في البيع؛ فإنّ الواجب على الخيّاط ليس هي الخياطة بحيث تكون للخياطة حكمان: الإباحة قبل الشرط، و الوجوب بعده، بل الواجب عليه هو الوفاء بالشرط بعنوانه بمقتضى «المؤمنون عند شروطهم» «1».

و قد ثبت في محلّه أنّ الحكم لا يتعدّى عن متعلقه إلى غيره و لا يسري إليه حتى في موارد اتّحاد العنوانين خارجا، كما في موارد اجتماع الأمر و النهي- مثل الصلاة- و التصرّف في مال الغير بغير إذنه، فضلا عن المقام الذي لا يكون هناك اتّحاد أصلا.

و عليه: فلا مجال لاحتمال وجوب صلاة الليل بعنوانها و إن تعلّق النذر بها- مع أنّه إن قلنا بارتفاع الاستحباب بذلك فلم لا يرتفع عنوان العباديّة الناشئ من الحكم الاستحبابي التعبّدي؟- لما ذكرنا من أنّ وجوب الوفاء بالنذر توصّلي لا تعبّدي، و على ما ذكرنا فالصوم في المقام هو الصوم المستحب المنذور؛ ضرورة عدم الشمول للصوم المحرّم كما في صوم العيدين، و الانصراف عن الواجب كصوم القضاء يكون باقيا على استحبابه العبادي، و لا يتغيّر بسبب النذر عمّا كان عليه من الحكم، فيجري فيه حكمه.

و لو فرض زوال استحبابه فلا يبقى مجال لبقاء عباديّته الناشئة من استحبابه،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 371

ذ ح 1503، الاستبصار 3: 232 ذ ح 835، و عنهما وسائل الشيعة: 21/ 276، كتاب النكاح، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 25

..........

______________________________

و يترتّب على ما ذكرنا أنّ الصوم الذي يجب الإتيان به وفاء للنذر لا يكون من أقسام الصوم و أنواعه؛ لأنّ المراد منها ما تعلّق به الحكم لأجل الخصوصيّة الموجودة فيه، و قد عرفت عدم تعلّق الحكم بالصوم بل بالوفاء بالنذر، و العجب من الماتن قدّس سرّه أنّه مع أنّ هذا ممّا استفدنا منه في النذر كيف التزم بلزوم نيّة التعيين في النذر مطلقا؛ سواء كان النذر مطلقا أو معيّنا.

نعم، ذكر المحقّق العراقي قدّس سرّه في الشرح المزبور ما هذه عبارته: نعم، لو كان في ذمّته صوم غيره بإجارة أو ما هو متعلّق حقّ الغير بنذر أو غيره لا بدّ في وقوعه وفاء لأمر إجارته أو نذره مثلا؛ من قصد الصوم الخاصّ زائدا على القربة كي به يتعيّن الكلّي في ذمّته، كما هو الشأن في كلّية الديون الماليّة، و هذه الجهة هي نكتة قصديّة الوفاء في أمثال هذه المقامات، لا أنّها بنفسها من العناوين القصديّة كالظهريّة و العصريّة، انتهى «1».

و قد استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه الذي هو من تلاميذه ما ذكرناه أيضا ممّا يرجع إلى أنّ الأمر النذري توصّلي لا يحتاج سقوطه إلى قصد هذا العنوان، كما في العهد و اليمين و الشرط في ضمن العقد و نحو ذلك، و مناط العباديّة إنّما هو الأمر النفسي الاستحبابي العبادي المتعلّق بذات العمل، و في رتبة سابقة على الأمر الناشئ من قبل النذر و نحوه، و فرّع عليه: أنّه لو نذر

أن يصلّي نافلة الليل في ليلة خاصّة فغفل، و من باب الاتّفاق صلّى تلك الليلة برئت ذمّته و تحقّق الوفاء و إن كان غافلا عنه «2».

______________________________

(1) شرح تبصرة المتعلّمين 3: 125- 126.

(2) المستند في شرح العروة 21: 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 26

..........

______________________________

و قد صرّح في موضع آخر «1» بأنّه إذا كان مدينا لزيد بعشرة دنانير، و قد كان مدينا له أيضا بعشرة اخرى بعنوان الرهانة، فأدّى عشرة لطبيعي الدين من غير قصد فكّ الرهن، فحيث إنّه لم يقصد هذه الخصوصيّة فلا جرم كانت باقية و ينطبق الطبيعي على الأوّل الأخفّ مئونة بطبيعة الحال.

نعم، ربّما يتحقّق الخلط من جهة أنّ العنوان المتعلّق لوجوب الوفاء عنوان قصديّ لا يتحقّق إلّا بالقصد، كعنوان أداء الدين؛ فإنّه يعتبر فيه قصد الأداء بعنوانه به في مقابل الهبة و المصالحة و غيرهما، و أمّا السبب الموجب للوفاء من الإجارة و النذر و غيرهما فهو أمر توصّلي لا يعتبر فيه القصد بوجه، فتأمّل حتى لا يختلط عليك الأمر.

ثالثها: المندوب، و قد استظهر فيه في المتن عدم اعتبار نيّة التعيين في المندوب المطلق إذا كان في نفسه صحيحا، كما في المندوب المطلق الذي يصلح الزمان له لأجل عدم ثبوت الفرض عليه، و كون الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع، بل و كذا في المندوب المعيّن إذا كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كالأيّام المذكورة في المتن مع استدراكه توقّف الثواب الخاصّ على إحراز الخصوصيّة و قصدها.

أقول: أمّا عدم الاعتبار في المندوب المطلق، كما إذا نوى صوم الغد من دون خصوصيّة فيه؛ فلأجل أنّ الخصوصيّة التي يحتمل اعتبارها في النيّة هي الاستحباب في مقابل الوجوب؛ لعدم وجود شي ء غيره

مع وضوح أنّهما وصفان للأمر؛ فإنّه تارة يكون وجوبيّا و اخرى استحبابيا، و إلّا فليس للمتعلّق خصوصيّة، فإذا أتى بالمستحب بقصد القربة بتخيّل أنّه واجب كذلك فالظاهر هي

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 26- 27.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 27

..........

______________________________

الصحّة، فضلا عن المقام الذي لم ينو الوجوب أيضا، بل نوى صوم الغد للّه تعالى من دون تعيين خصوص الوجوب أو الاستحباب.

و أمّا المندوب المعيّن الذي يكون تعيّنه بالزمان الخاصّ، كما في الأمثلة المذكورة في المتن، فالظاهر هو التفصيل بين أصل الصحّة، و بين إحراز الخصوصيّة لأجل الوصول إلى الثواب المخصوص، ففي الأوّل لا يعتبر إلّا قصد أصل العبادة و الصوم مع رعاية قصد القربة، و في الثاني يعتبر إحراز الخصوصيّة و قصدها؛ فإنّ من صام يوم النصف من شعبان، فإن لم يلتفت إلى هذه الخصوصيّة أو ثبوتها في الشرع، بل صام فيه بما أنّها من الأيّام التي لا يحرم عليه الصوم فيه و لا يكون عليه قضاء و شبهه، لا مجال لاحتمال بطلان صومه لعدم رعاية هذه الخصوصيّة، بل ربما يكون الشخص ملتفتا إليها و مع ذلك يكون صومه فيه بما أنّه يوم من الأيام كذلك، فلا إشكال في الصحّة، فهل يمكن الالتزام بأنّه في يوم النصف من شعبان لا بدّ لمن ينوي الصوم فيه أن يصوم بهذه الخصوصيّة؟ و هل لا يجوز الصوم المطلق فيه؟ من الواضح خلافه.

نعم، توقّف حصول الثواب المخصوص على إحراز الخصوصيّة و قصده- مع أنّا ذكرنا بالإضافة إلى رمضان أنّ الخصوصيّة المأخوذة إن كانت من جهة الزمان الخاصّ لا يعتبر فيه خصوص ذلك الزمان- فلأجل ما تقدّم من الإجماع بل الضرورة على

اختصاص شهر رمضان و وجود الخصوصيّة فيه من جهة لزوم الصوم، أو الإفطار لأجل السفر و المرض و نحو هما، و لا تكون هذه الخصوصيّة موجودة في المقام، مضافا إلى عدم إمكان التعيين بدون النيّة، فمن صام في يوم من تلك الأيّام ملتفتا إلى الخصوصيّة الموجودة فيه لا يتعيّن صومه لها إلّا مع القصد لوجود الصحّة بالإضافة إلى كلتا الصورتين على ما عرفت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 28

[مسألة 2: يعتبر في القضاء عن الغير نيّة النيابة]

مسألة 2: يعتبر في القضاء عن الغير نيّة النيابة و لو لم يكن في ذمّته صوم آخر (1).

[مسألة 3: لا يقع في شهر رمضان صوم غيره]

مسألة 3: لا يقع في شهر رمضان صوم غيره؛ واجبا كان أو ندبا؛ سواء كان مكلّفا بصومه أم لا، كالمسافر و نحوه، بل مع الجهل بكونه رمضانا أو نسيانه

______________________________

(1) أمّا اعتبار نيّة النيابة في القضاء عن الغير فلثبوت عنوانين موجبين للقصد: القضاء، و كونه عن الغير، و قد عرفت أنّه في القضاء عن النفس لا بدّ من قصده؛ لكونه من العناوين الطارئة المنوعة غير المرتبطة بخصوصيّة الزمان كما في شهر رمضان، و أمّا لزوم كونه عن الغير؛ فلأنّ الوفاء بعقد الإجارة المأمور به لا يتحقّق بدون ذلك، فإنّ العمل المستأجر عليه هو الصوم نيابة عن الغير لا شي ء آخر و لا الصوم غير النيابي عنه، و هذا بخلاف النذر المتعلّق بالصوم؛ فإنّ المنذور هو نفس طبيعة الصوم من دون أمر آخر، فما ربّما يتوهّم في بادئ النظر من عدم الفرق بين وجوب الوفاء بعقد الإجارة، و بين وجوب الوفاء بالنذر ليس على ما ينبغي؛ فإنّ متعلّق الإجارة هو الصوم القضائي بنيابة الغير. و أمّا متعلّق النذر فليس إلّا نفس الطبيعة، و لأجله لا يكون النذر منوّعا كما عرفت، بخلاف القضاء عن الغير الذي هو متعلّق الإجارة، فالفرق بين الأمرين واضح.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين أن تكون النيابة استئجارية أو تبرّعية، كما إذا قضى صوم صاحبه الميّت الذي فات عنه الصوم في بعض الأيّام، كما أنّه لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون في ذمّته صوم آخر، و بين أن لم يكن؛ لعدم الموجب للفرق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 29

لو نوى فيه صوم غيره يقع عن رمضان كما مرّ (1).

[مسألة 4: الأقوى أنّه لا محلّ للنيّة شرعا في الواجب المعيّن رمضانا كان أو غيره]

مسألة 4: الأقوى أنّه لا محلّ للنيّة شرعا في الواجب المعيّن رمضانا كان أو غيره، بل المعيار حصول الصوم عن عزم و قصد باق في النفس و لو ذهل عنه بنوم أو غيره. و لا فرق في حدوث هذا العزم بين كونه مقارنا لطلوع الفجر أو قبله، و لا بين حدوثه في ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي، و نام على هذا العزم إلى آخر النهار، صحّ على الأصحّ. نعم، لو فاتته النيّة لعذر كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضانا أو مرض أو سفر، فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها شرعا إلى الزوال لو لم يتناول المفطر، فإذا زالت الشمس فات محلّها.

نعم، في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال، بل في المرض لا يخلو من إشكال و إن لا يخلو من قرب. و يمتدّ محلّها اختيارا في غير المعيّن إلى الزوال دون ما بعده، فلو أصبح ناويا للإفطار و لم يتناول مفطرا فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو كفّارة أو نذرا مطلقا، جاز و صحّ دون ما بعده. و محلّها في المندوب يمتدّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه (2).

______________________________

(1) قد تقدّم البحث عن هذه المسألة في ذيل المسألة الاولى المتقدّمة، و لا فائدة في الإعادة و التكرار، كما لا يخفى.

(2) قد وقع التعرّض إلى هذه المسألة في حكم أقسام الصوم من جهة محلّ النيّة، و هي ثلاثة:

الأوّل: ما إذا كان الصوم واجبا معيّنا رمضانا كان أو غيره، كالقضاء الذي ضاق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصوم و الاعتكاف، ص: 30

..........

______________________________

وقته الوسيع لأجل حلول الرمضان الآتي بعده بلا فصل، و قد قوّى في المتن في هذا القسم أنّه لا محلّ للنيّة شرعا؛ لأنّ المعيار حصول الصوم عن عزم و قصد باق في النفس و لو ذهل عنه بنوم أو غيره، من دون فرق بين أن يكون زمان حدوثه مقارنا لطلوع الفجر أو قبله، بل و كذا من دون فرق بين حدوث النيّة في ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي و نام على هذا العزم جميع النهار إلى آخره، صحّ على الأصحّ عند الماتن قدّس سرّه، و على الأقوى كما سيجي ء، و ليعلم أنّ الكلام في هذا القسم يقع في مقامين:

المقام الأوّل: صورة التوجّه و الالتفات إلى كون الصوم واجبا عليه كذلك غدا، و قد نسب إلى السيّد المرتضى قدّس سرّه أنّه يمتدّ وقت النيّة فيه إلى الزّوال «1»، و إلى ابن الجنيد الامتداد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديد النيّة فيه «2»، و هل هذا الحكم على فرض ثبوته على وفق القاعدة، أم على خلافها؟

لا ينبغي الإشكال في الثاني؛ ضرورة أنّ الصّوم و إن كان من الواجبات العدميّة و مشتملا على التروك المتعدّدة، إلّا أنّه أمر عباديّ يحتاج إلى نيّة عنوانه و إن كان في مثل النذر لا حاجة إلى نيّة عنوانه، كما عرفت من أنّ الأمر بالوفاء بالنذر أمر توصّلي لا تعبّدي. و من المعلوم أنّ هذا الأمر العبادي يكون ابتداؤه طلوع الفجر و انتهاؤه الليل، فاللازم أن يكون من أوّل الشروع مقرونا بالنيّة. و عليه:

فالحكم بالصحّة كما حكي عنهما لا بدّ و أن يكون على خلاف

القاعدة؛ لأجل الروايات الواردة الآتية التي لا بدّ من البحث فيها من جهة الشمول لصورة العلم

______________________________

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 53.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 235 مسألة 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 31

..........

______________________________

و الالتفات و عدمه.

المقام الثاني: صورة عدم التوجّه و الالتفات، و الحقّ فيها ما أفاده في المتن من كفاية كون النيّة مقارنة لطلوع الفجر أو قبله و إن كان حادثا في الليلة الماضية بل اليوم الماضي؛ لبقائها ارتكازا و استمرارها كذلك بحيث لو سئل عن ذلك لأجاب بأنّه صائم، و إلّا لما جاز له عدم التوجّه و لو في بعض النهار و إن كان في حال الصلاة؛ لأنّه مشتغل بالعبادة في جميع أجزاء النهار، و لا مجال لدعوى لزوم المقارنة مع طلوع الفجر، أو الوقوع متّصلا به بعد تعسّر ذلك لو فرض عدم تعذّره؛ لأنّ تشخيص الطلوع الحقيقي بحيث تحقّقت المقارنة، أو الاتّصال الموجب لعدم خلوّ جزء من العبادة و لو لحظة من النيّة المعتبرة في صحّة العبادة في غاية الصعوبة و الإشكال؛ لأنّه يتفرّع على كون الساعة التي هي آلة معروفة لتشخيص الوقت في كمال الإتقان و الصحّة، و كان الشخص متوجّها في تلك اللحظة غير نائم و لا مشتغل بشي ء يوجب انصرافه عن الصوم و عن مضيّ الدقائق و الآنات و اللحظات.

و من الواضح خلافه، و لذا حكي عن المشهور «1» الالتزام بجواز النيّة في الليل، حيث إنّهم يعبّرون بالتبييت بالنيّة الشامل لجميع أجزاء الليل و لو أوائله، و إن نسب إلى العامّة أو بعضهم لزوم كونها في النصف الآخر من الليل «2»، و ظاهره عدم الكفاية مع الحدوث في غير

النصف الآخر و إن كان في أواسطه.

و هل يكون مراد المشهور الحيث المنفي الذي مرجعه إلى عدم لزوم المقارنة و الاتّصال في الصوم لما ذكرنا، بخلاف العبادات الوجوديّة التي يلزم فيها الاتّصال

______________________________

(1) كفاية الفقه، المشهور ب «كفاية الأحكام» 1: 242، مفاتيح الشرائع 1: 243.

(2) تذكرة الفقهاء 6: 12، بداية المجتهد 1: 293.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 32

..........

______________________________

و لا يكفي الفصل بين زمان الحدوث و ظرف العمل، أم يكون مرادهم الحيث الإثباتي الذي مرجعه إلى لزوم وقوع النيّة في الليل، و لازمه عدم الكفاية لو نوى عصر آخر شعبان لصوم الغد بعنوان رمضان فرضا، و نام إلى آخر النهار من يوم رمضان على خلاف ما في المتن و ما قوّيناه.

و الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ المعتبر في العبادة استنادها إلى أمر اللّه تعالى، من دون فرق بين العبادات الوجوديّة و العدميّة، و قد ثبت و يثبت أنّه لا يلزم التوجّه التفصيلي إلى المفطرات الواقعيّة، و إلّا يلزم البطلان في كثير من الموارد بل أكثرها.

نعم، لازم ما ذكرنا عدم لزوم الحدوث في العبادات الوجوديّة مقارنة بها، مع أنّ المشهور على خلافه و إن التزموا بكفاية النيّة الارتكازيّة و استمرار النيّة حكما بعد الحدوث كذلك، لكن لقائل الاستشكال عليهم بعدم اللزوم في العبادات الوجوديّة أيضا مع إحراز الاستناد و عدم كون الداعي إلى الإتيان بها إلّا أمر اللّه تبارك و تعالى، لكنّ الكلام فعلا في الصوم الذي هو من الواجبات العدميّة، و الظاهر أنّ نظر المشهور إلى الحيث المنفي و عدم لزوم المقارنة و الاتّصال إلى طلوع الفجر. و عليه: فلا فرق بين كون الحدوث في الليل أو قبله، كما لا

يخفى.

ثمّ إنّه حكي عن ابن أبي عقيل «1» ما حكي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أنّه: لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل «2» و إن كان غير موجود في كتبنا الروائيّة، بل موجود في

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 253 مسألة 17.

(2) مستدرك الوسائل 7: 316، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 1، السنن الكبرى للبيهقي 6: 189، باب الدخول في الصوم بالنيّة ح 8001 و 8003 و ص 215 باب نيّة الصيام للغد ح 8081، كنز العمّال 8: 493 ح 23789- 23791.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 33

..........

______________________________

الكتب الفقهيّة «1»، و ظاهر هذا التعبير عدم كفاية المقارنة و الاتّصال، و تعيّن كون النيّة في الصوم واقعة في الليل، و لا أقلّ في النصف الآخر من الليل كما في المبيت بمنى، حيث إنّه لا فرق فيه بين النصف الأوّل و النصف الأخير، كما اخترناه في بحث الحجّ من هذا الشرح «2».

و عليه: فمرجعه إلى ثبوت خصوصيّة في باب الصوم غير ثابتة في غيره من العبادات و لو كانت عدميّة، و هل المراد ذلك، أو أنّ المراد هو الحيث المنفي الذي أشرنا إليه؛ و هو عدم اعتبار الاتّصال و المقارنة لطلوع الفجر؛ لما ذكرنا من التعسّر بل التعذّر و كفاية كون الحدوث من الليل و إن كان هناك فصل بين زمان الحدوث و بين الطلوع لكنّه باق و مستمرّ ارتكازا. و عليه: فلا يكون للصوم خصوصيّة من بين العبادات موجبة لذلك؟ الظاهر هو الثاني؛ لعدم الدليل على الأوّل، و كون ابن أبي عقيل متفرّدا في كثير من الفتاوي لا يوجب حمل

المقام عليه بعد إمكان كون المراد هو عدم جواز التأخير عن الطلوع مع التوجّه و الالتفات، كسائر العبادات من دون فرق. هذا كلّه مع التوجّه و الالتفات.

و أمّا إذا كان فوات النيّة في صورة عدم التوجّه، فلا إشكال في جواز التأخير عن الطلوع مع ثبوت العذر في الجملة، و قد قام الدليل على أنّ المسافر إذا رجع إلى وطنه قبل الزوال و لم يتحقّق منه الإفطار يجوز بل يجب عليه النيّة في رمضان، و بعد ملاحظة أنّ الحكم على خلاف القاعدة؛ لأنّ مقتضاها عدم خلوّ جزء من أجزاء النهار عن نيّة الصوم، و المفروض تحققها قبيل الزوال لا عند طلوع الفجر و لا قبله

______________________________

(1) المعتبر 2: 643، الانتصار: 181- 182، مصباح الفقيه 14، كتاب الصوم: 310.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5: 397.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 34

..........

______________________________

بنحو ما عرفت، فاللازم في إسراء الحكم على تقدير الجواز أن يدّعى إلغاء الخصوصيّة و أنّه لا خصوصيّة للسفر، بل الحكم المذكور إنّما هو لأجل كونه من الأعذار، أو يدّعى الفحوى و الأولويّة بلحاظ أنّ المسافر الذي لم يكن يجب عليه الصوم؛ لظهور الآية «1» في أنّ من كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام اخر.

و ظاهره تقسيم السنة من جهة الأيّام إلى شهر رمضان و غيره، و المسافر لا يجب عليه الصوم إلّا في أيّام اخر فيما إذا وجب عليه النيّة لو رجع قبل الزوال و لم يتحقّق منه الإفطار، فسائر ذوي الأعذار بطريق أولى، و لا أقلّ من دعوى إلغاء الخصوصيّة، سيّما بالإضافة إلى المريض المعطوف عليه المسافر في الآية التي عرفت.

و كيف كان،

فمقتضى الروايات الكثيرة الواردة في السفر أنّ المسافر إذا رجع إلى وطنه و لم يفطر يمتدّ وقت النيّة في صومه إلى الزوال، و مفادها وجوب ذلك عليه على خلاف القاعدة المقتضية؛ لما ذكرنا من بطلان العبادة إذا كان جزء منها فاقدا للنيّة، و قد وردت في الجهل مرسلة «2» عاميّة غير مذكورة في كتبنا الروائية دالّة على أنّ ليلة الشك أصبح الناس، فجاء أعرابيّ فشهد برؤية الهلال، فأمر صلّى اللّه عليه و آله مناديا ينادي من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك.

و هذه الرواية لا مجال للاعتماد عليها؛ لأنّها مضافا إلى الإرسال و كون الراوي عامّيا، لا دلالة فيها على كون الرجل الشاهد عادلا، فضلا عن لزوم التعدّد في الشاهد، بل الظاهر كونه مجهول الحال و أنّ التنوين للتنكير، مع أنّه لم يقع التعرّض فيها للفرق بين ما قبل الزوال و ما بعده، مع أنّ عدم الأكل أعمّ من تناول المفطر

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 184.

(2) المعتبر 2: 646، الحدائق الناضرة 13: 19- 20، مصباح الفقيه 14، كتاب الصوم: 314.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 35

..........

______________________________

الآخر كالجماع مثلا، فتدبّر. مع ورودها في الجهل بالموضوع؛ لأنّ المفروض كون اليوم يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان، فهل تمكن استفادة حكم المريض منها أو الجهل بالحكم أو زوال الحيض و مثله؟ و أمّا ما حكي عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه من دعوى الانجبار بعمل المشهور «1» فهو غير تامّ بعد عدم إحراز استناد المشهور إلى مثلها، و احتمال استنادهم إلى الوجوه الاخر التي مرّت الإشارة إليها.

ثمّ إنّه ربما يتمسّك للحكم في صورة الجهل و النسيان بحديث الرفع «2» المتضمّن

لرفع ما لا يعلمون و الخطأ و النسيان، مع أنّه من الواضح أنّ الحديث دالّ على رفع الحكم و مسوق في مقام الامتنان، و الغرض إثبات الوجوب على ذوي الأعذار قبل الزوال على خلاف القاعدة، كما في المسافر على ما عرفت، و الامتنان لا يلائم ذلك.

ثمّ إنّ قوله في المتن: «نعم في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال، بل في المرض لا يخلو من إشكال و إن لا يخلو من قرب» إلّا أنّه غير خال عن الإجمال و الإبهام؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله: «في مطلق الأعذار إشكال»، ناظر في نفسه إلى الأعذار غير المذكورة في كلامه من الجهل و النسيان و الغفلة و المرض و السفر، لكنّ التّرقّي عن ذلك بقوله: «بل في المرض لا يخلو من إشكال»، يشعر بل يدلّ على عدم كون المراد من المطلق ما ذكرنا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الحكم جار بالإضافة إلى المسافر الذي رجع قبل الزوال و لم يتناول المفطر، و هو على خلاف القاعدة المقتضية للبطلان على ما عرفت، فاللازم الاقتصار عليها ما لم يكن هناك دليل، و قد مرّ عدمه.

______________________________

(1) مصباح الفقيه 14: 314.

(2) الفقيه 1: 36 ح 132، الخصال: 417 ح 9، و عنهما وسائل الشيعة 8: 249، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 36

..........

______________________________

القسم الثاني: الواجب غير المعيّن، كالقضاء الذي لم يتضيّق وقته و نحو ذلك، و في المتن: أنّه «يمتدّ محلّها اختيارا في غير المعيّن إلى الزوال»، و قد فرّع عليه أنّه «لو أصبح ناويا للإفطار و لم يتناول مفطرا، فبدا له قبل الزوال أن

يصوم قضاء شهر رمضان أو كفّارة أو نذرا مطلقا، جاز و صحّ دون ما بعده». و لا ينافي ذلك ما ذكرناه في النذر من عدم كونه منوّعا لأقسام الصوم، بل لا يكون هناك إلّا وجوب الوفاء بالنذر، و هو تكليف توصّلي لا تعبّدي؛ لأنّ الكلام هنا إنّما هو بالإضافة إلى نيّة الصوم الذي عرفت أنّه أمر عبادي مفتقر إلى النيّة.

و ليعلم أنّه لا فرق في مقتضى القاعدة بين هذا القسم و بين القسم الأوّل؛ فإنّ العبادة كما عرفت تحتاج إلى النيّة بالإضافة إلى جميع أجزائها، و لا مجال للصحّة فيها في صورة خلوّ بعض الأجزاء من النيّة و لو لحظة، إلّا أنّ النصّ و الفتوى متطابقان على الصحّة في هذا القسم في صورة التأخير عن الطلوع و لو اختيارا، غاية الأمر أنّ المشهور ذهبوا إلى أنّ وقت النيّة في هذا القسم يمتدّ إلى الزوال؛ أي لحظة قبله، و حكي عن ابن الجنيد الامتداد إلى الغروب، كما في المندوب على ما يأتي، و اللازم ملاحظة الروايات من هذه الجهة، و إلّا فأصل جواز التأخير لا ارتياب فيه بالنظر إليها.

فنقول: هي كثيرة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت له: إنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أ يصوم؟ قال: نعم «1». و لا خفاء في انصرافها عن

______________________________

(1) الكافي 4: 121 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 1 و ص 19 ب 4 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 37

..........

______________________________

الواجب المعيّن و شمولها للواجب غير المعيّن، بل المندوب مطلقا، كما أنّه لا

خفاء في أنّ الفهم العرفي يقتضي الاختصاص بما إذا لم يتناول الرجل المفطر بوجه؛ ضرورة أنّ المراد من قوله عليه السّلام: «أراد أن يصوم ارتفاع النهار» خصوص هذه الصورة، و لا يشمل ما إذا تناول المفطر بوجه. نعم، خصوصيّة الرواية إنّما هي من جهة عدم الاختصاص بالقضاء كأكثر ما يأتي، و لا دلالة لها على انتهاء وقت النيّة و أنّه قبل الزوال، أو أعمّ منه و ممّا إذا نوى قبل الغروب، و لا تنفي الثاني كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: نعم، ليصمه و ليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا «1».

و هذه كالرواية السابقة، غاية الأمر أنّ موردها القضاء، و ظاهرها عدم كون القضاء واجبة عليه مع التضيّق، بل مع السعة. و قوله عليه السّلام: «إذا لم يكن أحدث شيئا» بعد ظهور كونه قيدا للجملتين، له ظهور أيضا في أنّ المراد من إحداث الشي ء هو تناول بعض المفطرات.

و منها: صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال عليّ عليه السّلام: إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار، إن شاء صام و إن شاء أفطر «2». و الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السّلام: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما» هو عدم نيّة الصوم من طلوع

______________________________

(1) الكافي 4: 122 ح 4، تهذيب الأحكام 4: 186 ذ ح 522، و عنهما وسائل

الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 187 ح 525، و عنه وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 38

..........

______________________________

الفجر؛ لعدم التوجّه إلى الصوم أصلا، لكن مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قبل الزوال و بعده إلى الغروب. ثمّ قد وقع فيها الخيار في الصوم و عدمه مقيّدا بصورة عدم تناول المفطر.

و منها: موثقة عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر. سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا، الحديث «1». و هذه هي الرواية الوحيدة التي حكم فيها بأنّ الغاية للامتداد هو زوال الشمس، و أنّه لا تجوز له النيّة بعد الزوال، و الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السّلام: «فإن كان نوى الإفطار» هو عدم نيّة الصوم بعد التذكّر و زوال الغفلة لا نيّة الإفطار، كما لا يخفى.

و حينئذ فالسؤال البعدي لعلّه ناظر إلى احتمال السائل أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: «فليفطر» في صورة نيّة الإفطار، هو الاستحباب غير المنافية لاستقامة نيّة الصوم و تحقّقه بعد الزوال، و لذا سئل عن ذلك فأجاب عليه السّلام بما يرجع إلى لزوم الإفطار في الصورة المذكورة، لا مجرّد الاستحباب.

و منها: رواية اخرى لعبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن

موسى عليه السّلام عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما و كان عليه يوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال: نعم، له أن يصومه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 280 ح 847، الاستبصار 2: 121 ح 396، و عنهما وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 39

..........

______________________________

و يعتدّ به من شهر رمضان «1». و الظاهر أنّ المتفاهم العرفي من ذهاب عامّة النهار هو ذهاب أكثر أجزائه، و حمل العبارة على المجاز- كما حكي عن جماعة من الأصحاب على ما في الوسائل- أو على أنّ ما بين طلوع الفجر و الزوال أكثر من نصف النهار «2»، خلاف الظاهر جدّا.

و منها: رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل يصبح و لا ينوى الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى «3». و التبعّض في أجزاء النهار و الحساب له من الوقت الذي نوى يوجب حمل الرواية على الصوم المندوب القابل له، دون الواجب و ان كان غير معيّن؛ لأنّ المطلوب فيه هو جميع أجزاء النهار كما لا يخفى، و بعبارة اخرى: يجري في كلامه الأخير عليه السّلام احتمالات ثلاثة:

أحدها: أن يكون كناية عن البطلان فيما لو تحقّقت النيّة بعد الزوال؛ نظرا إلى أنّ الصوم حيث يكون في جميع أجزاء النهار من جهة، و من

جهة اخرى يكون أمرا عباديّا، و لازمه وقوع جميع الأجزاء عن النيّة، و لذا قلنا بلزوم المقارنة مع طلوع الفجر أو تحقّق النيّة قبله مع الاستمرار الحكمي، فمرجع الكلام إلى أنّه لا يمكن التبعّض في الصوم، و هذا بخلاف ما إذا وقعت النيّة قبل الزوال؛ فإنّ الصوم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 187 ح 526 و 530، و عنه وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 11، جمل العلم و العمل: 89.

(3) تهذيب الأحكام 4: 188 ح 532 و 528، و عنه وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 40

..........

______________________________

فيه صحيح بالإضافة إلى جميع أجزاء النهار و لا يكون هناك تبعّض، فإذا استلزم ذلك في مورد يكون الحكم هو البطلان؛ لعدم القابليّة للتبعّض، و هذا خلاف الظاهر، خصوصا مع قوله عليه السّلام: «حسب له» كما لا يخفى.

ثانيها: دلالة الرواية على التبعّض في الصحّة، و لا محالة تكون محمولة على غير الواجب؛ لأنّ الواجب هو الصوم في جميع أجزاء النهار، و الرواية على هذا الاحتمال لا دلالة لها على قول المشهور، كما أنّها لا تنافيه، إلّا أنّها تدلّ على جواز التبعّض في الصوم. و عليه: فالنيّة قبل الزوال موجودة موجبة لتحقّق الصوم في جميع أجزاء اليوم، و النيّة بعد الزوال موجبة لتحقّقه من حيث حدوث النيّة.

ثالثها: أن يكون المراد هو التبعّض لا في الصحّة، بل فى الأجر و الثواب، و الصورتان مشتركتان في الحكم بالصحّة و كأنّها مفروغ عنها، إلّا أنّ من نوى قبل الزوال يكون المحسوب

له هو الصوم في جميع أجزاء النهار فيثاب و يؤجر عليه، بخلاف من نوى بعد الزوال؛ فإنّه لا يؤجر إلّا بمقدار ما بعد النيّة، و على هذا الاحتمال لا بدّ من الحمل على غير الواجب معيّنا كان أو غيره؛ لأنّ المطلوب فيه هو الصوم في المجموع، و لازم هذا الاحتمال أن يقال: إنّ «تعالى النهار» في قول السائل يشمل قبل الزوال و بعده، مع أن الظاهر اتّحاد معناه مع ارتفاع النهار الوارد في بعض الروايات المتقدّمة، و لا مانع من التبعّض في الأجر، كما في الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء من حيث التوجّه و العدم.

و هنا احتمال رابع في الرواية؛ و هو الحمل على كونها مجملة غير مبيّنة المراد، و لكنّه خلاف الظاهر جدّا.

و منها: رواية ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث: إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم؛ فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 41

..........

______________________________

فيها «1». و الظاهر أنّ قوله عليه السّلام: «فليصم» ناظر إلى الجواز و المشروعيّة، و يكون الأمر في مقام توهّم الحظر، لكن يرد عليها أنّ لازمها الإطلاق بالإضافة إلى قبل الزوال و بعده، كما أنّه وقع ارتفاع النهار موردا في الرواية المتقدّمة، مع أنّ الإمام عليه السّلام فرض له صورتين. و عليه: فاللازم تقييد هذه الرواية بما ورد في تلك الرواية. و إن قلنا: إنّ قوله عليه السّلام: «بعد ما ارتفع النهار» شامل لما قبل الزوال، فاللازم الالتزام بالاحتمال الثالث الراجع إلى الأجر و الفضيلة؛ لضرورة أنّه لو كانت النيّة قبل الزوال فلا إشكال في الصحّة بالإضافة

إلى جميع أجزاء النهار.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الترجيح مع الاحتمال الثالث المذكور.

و منها: مرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و يصبح فلا يأكل إلى العصر، أ يجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال: نعم «2».

و قد وقع توجيه الرواية لئلّا تكون مخالفة للمشهور بأحد وجهين كلاهما مخالف للظاهر جدّا:

أحدهما: أنّ تأخير النيّة إلى العصر لأجل عدم الأكل الذي يكون المراد به عدم الإتيان بشي ء من المفطرات أكلا أو شربا أو غيرهما، و المراد بالعصر هو وقت صلاة العصر الداخل بالزوال، لما في الروايات الكثيرة من أنّه «إذا زالت الشمس

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 187 ح 524، و عنه وسائل الشيعة 10: 10 كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام 4: 188 ح 529 و ص 315 ح 956، الاستبصار 2: 118 ح 385، و عنهما وسائل الشيعة 10: 12 كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 42

..........

______________________________

فقد دخل وقت الصلاتين» «1».

و يرد عليه: أنّ ظاهر المشهور لزوم تحقّق النيّة قبل الزوال، و هو لا يتحقّق إذا كان مقارنا له فضلا عمّا إذا كان متأخّرا عنه، كما هو كذلك لا محالة في هذا التوجيه، خصوصا بعد اختصاص أوّل الزوال بصلاة الظهر، كما قرّر في محلّه، فهذا التوجيه خلاف الظاهر.

ثانيهما: أن يقال بأنّ مورد السؤال صورة تحقّق أصل نيّة الصوم من طلوع الفجر، و محطّ السؤال جعله بعنوان القضاء بعد العصر، فمراد الرواية

الحكم بالجواز في هذه الصورة، و هي غير ما نحن فيه من السؤال عن وقت نية الصوم و متى تكون؟

و يرد عليه- مضافا إلى كونه خلاف ظاهر السؤال على ما هو المتفاهم منه عند العرف-: أنّ حمل الرواية على ذلك لا يجدي للمشهور شيئا؛ لأنّهم قائلون بلزوم النيّة مع جميع خصوصيّاتها قبل الزوال، خصوصا على ما ذكرنا من أنّ عنوان القضائية من العناوين المنوعة، و ليس مثل عنوان النذر الذي يوجب أن يكون الوفاء به واجبا و لا يوجب تبدّل الحكم في المنذور بوجه، كما عرفت.

فالإنصاف أنّ شيئا من التوجيهين ليس بوجيه و إن حكيا عن الشيخ و بعض الأصحاب «2»، فلا مجال لهما أصلا، لكنّ الرواية مرسلة غير معتبرة.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا من الروايات أنّ الرواية الوحيدة الدالّة على القول المشهور- و هو الامتداد اختيارا إلى الزوال فقط- هي موثقة عمّار الساباطي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 125- 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ذح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 43

..........

______________________________

المتقدّمة، و في مقابلها جملة من الروايات الدالّة على الامتداد إلى الغروب كذلك، كما اختاره ابن الجنيد «1»؛ و إن كانت بعضها مرسلة غير معتبرة، و إن كان مرسلها البزنطي، كما حقّقناه في محلّه، لكن فيها روايتان صحيحتان أيضا و إن وقع توجيههما بما لا يخالف المشهور، و لكن قد عرفت عدم تماميّة التوجيه و كونه مخالفا للظاهر.

و البحث هنا في أنّه مع قطع النظر عن الشهرة استنادا و إعراضا- حيث إنّ الأوّل أوّل المرجّحات، و الثاني موجب للسقوط و عدم

الاعتبار- هل يكون هناك جمع دلاليّ مخرج للروايات عن التعارض؛ لأنّ مورد الأخبار العلاجيّة التعارض العقلائي و الاختلاف العرفي، أو لا يكون في البين جمع بين الطرفين موجب للخروج عن الحديثين المختلفين؟ ظاهر صاحب الجواهر قدّس سرّه «2» الأوّل، و تبعه سيد المستمسك «3»، بل عبّر بقوله: لا ريب فيه، نظرا إلى أنّ قوله عليه السّلام في الموثّقة بالإضافة إلى ما بعد الزوال: «و إن كان نوى الإفطار فليفطر» و إن كانت جملة خبريّة في مقام الإنشاء، كقوله: يغتسل و يعيد و يتوضّأ و أمثالها، إلّا أنّها لا تتجاوز عن كون الدلالة بالظهور و إن كان ظهور الجملة الخبرية في الوجوب أقوى من ظهور صيغة افعل و مثلها.

فهذه الجملة في الموثّقة ظاهرة في وجوب الإفطار، لكنّها لا تبلغ في الظهور مرتبة الصحيحتين «4» الدالّتين على الامتداد إلى الغروب و عدم الاختصاص بما قبل الزوال، فهاتان الروايتان في الدلالة على عدم الوجوب أظهر، بل هما قرينتان على

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 238- 239 مسألة 9.

(2) جواهر الكلام 16: 195- 196.

(3) مستمسك العروة 8: 217.

(4) و هما صحيحتا ابن الحجاج و ابن هشام المتقدّمتان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 44

..........

______________________________

كون المراد من قوله عليه السّلام: «فليفطر» هو استحباب الإفطار؛ لفرض كون نيّة الإفطار التي يكون المراد بها عدم نيّة الصوم؛ ضرورة أنّ الصوم يحتاج إلى النيّة، و أمّا الإفطار فلا حاجة فيه إلى نيّة الإفطار بعد الزوال.

هذا، و لكنّ الظاهر خلاف ذلك و أنّه لا يمكن الجمع الدلالي بين الطرفين، و ذلك لأنّ حمل قوله عليه السّلام في الموثقة: «فليفطر» على استحباب الإفطار غير المنافي للصحّة في صورة

نيّة الصّوم ينافي السؤال الأخير في ذيل الرواية، حيث إنّه لا بدّ في توجيه السؤال- بعد بيان الإمام عليه السّلام لحكم كلتا الصورتين قبل الزوال: نيّة الصوم و نيّة الإفطار التي مفادها ما عرفت- أن يقال: لعلّ السائل قد اختلج في ذهنه إلى أنّ مراده عليه السّلام من قوله: «فليفطر» هو بيان الحكم التكليفي غير المنافي للصحة من جهة الحكم الوضعي، فلذا سئل عنه مباشرة و أنّه هل يستقيم الصوم فيما إذا لم ينوه قبل الزوال بل نواه بعده؟ و الجواب بقوله عليه السّلام: «لا» صريح في عدم الاستقامة و عدم الصحّة، و إلّا فلا وجه لهذا السؤال بعد تعرّض الإمام عليه السّلام لحكم فرضي المسألة، فتأمّل جيّدا.

فانقدح أنّه مع قطع النظر عن الشهرة لا يكون هناك جمع دلاليّ، بل اللازم ترجيح الموثقة لاستناد المشهور إليها، و كون الشهرة أوّل المرجّحات على ما حقّقناه في محلّه.

القسم الثالث: المندوب، و قد وقع فيه الاختلاف في الامتداد الاختياري و أنّه حتى الزوال أو إلى المغرب، و الظاهر عدم تحقّق الشهرة في المسألة بالإضافة إلى أحد القولين، بل وقع الخلاف في أنّ الشهرة هل توافق القول الأوّل، كما يظهر من عبارة المحقّق صاحب الشرائع «1»، أو توافق القول الثاني، كما يظهر من

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 45

..........

______________________________

غيرها «1»، و بالنتيجة لا بدّ من ملاحظة الروايات؛ لعدم ثبوت شهرة محقّقة لما عرفت من الاختلاف فيما نسب إلى المشهور. فنقول:

منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء و إلّا صمت؟ فإن كان عندهم

شي ء أتوه به و إلّا صام «2». و كلمة «كان» ظاهرة في تعدّد هذا الجريان و استمراره، لا وقوعه مرّة أو مرّتين، و حينئذ فمقتضى الإطلاق بناء على عدم وقوع التقييد بقبل الزوال الشمول لما بعده أيضا، كما أنّه لو فرض جريان العادة على أكل الطعام بعد الزوال- كما في هذه الأزمنة و الأمكنة- يكون مقتضى الرواية الجواز بعد الزّوال، كما أنّ ظاهر السياق الاختصاص بالصوم المندوب و عدم اقتضاء الإطلاق للشمول للواجب، أمّا الواجب المعيّن فواضح. و أمّا الواجب غير المعيّن؛ فلأنّه- مضافا إلى بعده في نفسه- يكون مقتضى إطلاق الرواية الشمول للمندوب أيضا، بل هو القدر المتيقّن منها.

و منها: موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة؟ قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء «3». و دلالتها على الصحّة في مفروض هذا القسم بلحاظ الفقرة الثانية الواقعة فيها واضحة؛ لدلالتها

______________________________

(1) مستمسك العروة 8: 217.

(2) تهذيب الأحكام 4: 188/ 531، و عنه وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 7.

(3) الكافي 4: 122 ح 2، الفقيه 2: 55 ح 242 و ص 97 ح 435، المقنع: 201، و عنها وسائل الشيعة 10: 14، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 46

..........

______________________________

على جواز نيّة صوم التطوّع بعد العصر و بعد الزوال.

و منها: صحيحة محمد بن قيس المتقدّمة «1» في القسم

الثاني، و مقتضى إطلاقها كما عرفت عدم الفرق بين ما قبل الزوال و ما بعده، كما أنّ مقتضى إطلاقها الشمول للصوم المندوب أيضا، كما لا يخفى.

و منها: رواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان: إنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار «2».

و في مقابلها رواية ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى ما مضى من النهار؟

قال: يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار «3». و في سندها أبو عبد اللّه الرازي الذي ضعّفه جماعة، كالصدوق و شيخه ابن الوليد و غيرهما «4».

و لا يخفى أنّه في الوسائل نقل قبل هذه الرواية موثقة ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ فقال:

أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار؟ «5» و الظاهر اتّحادها مع الرواية الاولى و عدم تعدّد هما و إن كان ظاهر الوسائل خلاف ذلك؛ لأنّ الراوي شخص واحد، و المسئول هو الإمام الصادق عليه السّلام، و مورد السؤال شي ء واحد، فرمي هذه الرواية

______________________________

(1) في ص 39.

(2) تهذيب الأحكام 4: 280 ح 849، الاستبصار 2: 122 ح 396، و عنهما وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 4 ح 4.

(3) تهذيب الأحكام 4: 322 ح 989، و عنه وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3.

(4) رجال النجاشي: 348 الرقم

939، الفهرست للشيخ الطوسي: 221- 222 الرقم 622.

(5) الكافي 4: 105 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 10: 68، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 47

..........

______________________________

بالضعف من الجهة المذكورة غير وجيه.

فالتحقيق في الجمع بين الروايات الدالّة على الانتهاء إلى الغروب، و الرواية الدالّة على الانتهاء إلى نصف النهار أن يقال: إنّه لو كان في البين رواية ثانية لابن بكير على ما عرفت، فعلاج التعارض إمّا برفع اليد عن هذه الرواية؛ لكونها ضعيفة من حيث السند، و الحال أنّ تلك الروايات بين صحيحة و موثّقة، و كلتاهما مشتركتان في الاعتبار و الحجّية، و إمّا الالتزام بالجمع الدلالي بينهما؛ بأن يقال بأنّ مورد هذه الرواية هو الواجب غير المعيّن، و مورد تلك الروايات الصوم التطوّعي. و إمّا الالتزام بعدم تعدّد الرواية و كونها واحدة.

غاية الأمر أنّ أحد الطريقين إلى الراوي معتبر، و الآخر غير معتبر، فاللازم الأخذ بالطريق المعتبر، و لا شبهة في أنّ الخصوصيّة المأخوذة فيه هو الصوم تطوّعا و إن كان أصل السؤال في كلتيهما واحدا، و قوله عليه السّلام: «أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار» إشارة إلى ثبوت هذا عند الراوي و في ارتكازه.

و عليه: فيمكن أن يقال بثبوت الجمع الدلالي من جهة تقديم النصّ أو الأظهر على الظاهر، نظرا إلى أنّ قوله عليه السّلام: «أ ليس هو بالخيار» إلخ و إن كان ظاهرا في الامتداد إلى خصوص نصف النهار، و لازمه عدم الصحّة بعده، إلّا أنّ قوله عليه السّلام في الموثقة في الجملة الأخيرة: «و إن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم و

إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء»، صريح أو كالصريح في الامتداد بعد العصر، و هو قرينة على التصرّف في الظاهر حملا للظاهر على النصّ على ما عرفت، فالذي يتحصّل من ذلك، الامتداد إلى الغروب في الصوم المندوب كما في المتن. و قد مرّ أنّ الظاهر عدم تحقّق شهرة على أحد الطرفين؛ للاختلاف فيما نسب إلى المشهور، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 48

[مسألة 5: يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان]

مسألة 5: يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان فلا يجب صومه، و لو صامه بنيّة أنّه من شعبان ندبا أجزأه عن رمضان لو بان أنّه منه. و كذا لو صامه بنيّة أنّه منه قضاء أو نذرا أجزأه لو صادفه، بل لو صامه على أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجبا، و إلّا كان مندوبا، لا يبعد الصحّة و لو على وجه الترديد في النيّة في المقام. نعم، لو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يقع لا له و لا لغيره (1).

______________________________

(1) في صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان جهات من الكلام:

الاولى: في ثبوت المشروعيّة له في الجملة، و المشروعيّة ناظرة إلى عدم ثبوت الوجوب و الكراهة، بل الحرمة كما هي ظاهر بعض الروايات «1»، كما أنّ التقييد به في الجملة ناظر إلى الفرع الأخير المذكور في المتن، و المحكوم بعدم الوقوع لا عن رمضان و لا عن غيره، فأصل المشروعيّة في الجملة ممّا لا ارتياب فيه.

الثانية: في عدم ثبوت الوجوب؛ لأنّ مقتضى القاعدة الحاكمة ببقاء شعبان و عدم دخول رمضان بعد، هو عدم الوجوب من حيث شهر رمضان و

إن كان ربما يعرض له الوجوب من جهة تضيّق وقت صومه القضائي و أمثال ذلك.

الثالثة: أنّ لصوم يوم الشك المذكور فيه ثلاثة فروض:

الأوّل: صومه بنيّة أنّه من شعبان ندبا، أو قضاء و لو تضيّق وقته، كما هو كذلك لا محالة؛ لفرض أنّه يوم الشك منه- أو نذرا.

الثاني: صومه بنيّة أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجبا، و إلّا كان مندوبا أو مثله.

الثالث: صومه بنيّة أنّه من رمضان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 20- 29، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 و 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 49

..........

______________________________

و قد حكم في المتن في الأوّل بالصحّة و الإجزاء عن رمضان لو انكشف كونه منه و نفى البعد عن الصحّة في الثاني و لو على وجه الترديد في النيّة، و في الثالث بعدم الوقوع لا لشعبان و لا لرمضان، و في الحقيقة يكون باطلا.

و اللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في المسألة.

فنقول: إنّها على طوائف:

الطائفة الاولى: ما يدلّ على صحّة الصوم يوم الشك بنيّة أنّه من شعبان و يجزئ عن رمضان لو بان أنّه منه، و هي:

رواية الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام في حديث طويل قال: و صوم يوم الشك امرنا به و نهينا عنه، امرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس ... الحديث «1». و الظاهر أنّ المراد من الجملة الأخيرة هو الصيام بعنوان أنّه من رمضان.

و رواية سماعة المشتملة على قوله عليه السّلام «إنّما يصام يوم الشك من شعبان و لا تصومه من شهر رمضان- إلى قوله:- و إنّما ينوي من الليلة أنّه

يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه- عزّ و جلّ- و بما قد وسّع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس «2».

و صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك؟ فقال: هو شي ء وفّق له «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 85 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 296 ح 895، الفقيه 2: 47 ح 208، و عنها وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 8.

(2) تقدّمت في ص 21.

(3) الكافي 4: 82 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 50

..........

______________________________

و من الواضح أنّ القدر المتيقّن من مورد السؤال صورة ما إذا صامه بنيّة أنّه من شعبان، كما لا يخفى.

و غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال الظاهرة في أنّه يصومه بعنوان شعبان، فإن كان منه يحسب تطوّعا، و إن كان من رمضان أجزأ عنه و هو شي ء وفّق له «1».

الطائفة الثانية: ما يدلّ بظاهره على بطلان صوم يوم الشك، مثل:

ما رواه المشايخ الثلاثة بأجمعهم، غاية الأمر أنّ بعضهم روى عن عبد الكريم بن عمرو، و البعض الآخر عن كرام- و هو لقب عبد الكريم- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه السّلام، فقال: صم، و لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق و لا اليوم الذي يشكّ فيه «2». و في بعض

الروايات: و لا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان 3.

و قد اجيب «4» عن الاستدلال بها على الحرمة التي هي ظاهر النهي، تارة بعدم ظهور الرواية في ورودها في فرض النذر، بل ظاهرها مجرّد الجعل على النفس و الالتزام به خارجا، و إلّا لكان اللازم أن يقول: «جعلت للّه على نفسي»؛ لأنّها صيغة النذر، و من المعلوم أنّ متعلّق هذا الجعل هو الصوم الذي لا يكون واجبا في نفسه؛ ضرورة أنّ ما هو كذلك كرمضان غني عن الجعل المزبور. و عليه: فالنهي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 20- 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5.

(2) 2، 3 تهذيب الأحكام 4: 183 ح 510 و ص 233 ح 683، الاستبصار 2: 79 ح 242، الكافي 4: 141 ح 1، الفقيه 2: 79 ح 351، المقنع: 186- 187، و عنها وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 3.

(4) المستند في شرح العروة 21: 66- 67.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 51

..........

______________________________

الواقع فيها قابل للحمل على الصوم بعنوان رمضان.

و اخرى بأنّه على فرض الظهور لا تقاوم الروايات الكثيرة الدالّة على المشروعيّة و لو مع عدم الجعل، فاللازم طرحها أو حملها على التقيّة؛ لما نسب إلى العامّة من ترك الصوم في هذا اليوم، خصوصا مع أنّ مقتضى استصحاب بقاء شعبان و عدم دخول رمضان كونه من الأوّل، و أثره الجواز بعنوانه كما لا يخفى، لا بعنوان رمضان، كما عرفت في رواية الزهري المتقدّمة.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ بظاهره على وجوب القضاء على من صام يوم الشك ثمّ انكشف كونه من رمضان، مثل:

صحيحة محمد بن

مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال: عليه قضاؤه و إن كان كذلك «1».

و صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في يوم الشك: من صامه قضاه و إن كان كذلك؛ يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوما من شهر رمضان؛ لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها كان عليه القضاء «2». و قوله: «يعني» يحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه السّلام، و يحتمل أن يكون من كلام الشيخ قدّس سرّه، و يحتمل أن يكون من كلام أحد الوسائط من الرواة، و الظاهر أنّ التعبير بالواو الظاهر في ثبوت القضاء في غير هذه الصورة أيضا ممّا لا يستقيم؛ لأنّ وجوب القضاء على تقديره ينحصر بما إذا انكشف كونه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 182 ح 507، الاستبصار 2: 78 ح 239، و عنهما وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 162 ح 457، و عنه وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 52

..........

______________________________

من رمضان؛ ضرورة أنّه لا مجال له مع عدم الانكشاف، و لعلّ هذا يؤيّد كون التفسير من الإمام عليه السّلام، خصوصا مع التعليل المذكور في الرواية، فتدبّر جيّدا.

ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الطوائف هو ما أفاده في المتن؛ من لزوم إيقاع الصوم في اليوم المذكور على تقدير إرادته بعنوان أنّه من شعبان، و أنّه يجزئه عن رمضان

لو بان أنّه منه، من دون فرق بين كون المنوي هو الصوم المندوب أو القضاء أو غيرهما و إن كان ظاهر بعض الروايات الاختصاص بالأوّل، بل مقتضى الجمود حسابه تطوّعا و إن لم يكن هو المنويّ، لكنّ الظاهر أنّ المراد الجدّي ما ذكرنا من عدم الإتيان بالصوم فيه بما أنّه من رمضان، كما لا يخفى.

بقي الكلام في هذه المسألة فيما أفاده من نفي البعد عن الصحّة فيما لو صامه على أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجبا، و إن كان من شهر شعبان كان مندوبا و لو على وجه الترديد في النيّة، و الظاهر أنّه ناظر إلى الإشكال في التفصيل الذي ذكره سيّد العروة «1» الذي مرجعه إلى التفصيل بين أن يكون الترديد في النيّة، و بين أن يكون الترديد في المنوي، فقوّى في الأوّل البطلان، و في الثاني الصحّة و إن جعل الاحتياط الاستحبابي خلافه.

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في شرحه على العروة في وجه التفصيل المزبور كلاما مفصّلا يرجع حاصله إلى:

أنّ الكلام قد يقع في بيان الصورتين موضوعا، و اخرى في صحّة التفصيل حكما.

أمّا الاولى: فالموضوع في المورد المحكوم بالبطلان هو مورد الامتثال الاحتمالي،

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 11 مسألة 2376، الوجه الرابع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 53

..........

______________________________

بمعنى أنّ الباعث له على الصيام إنّما هو احتمال رمضان، و أمّا الصوم الندبي من شعبان فلا اهتمام له به، بل قد يعلم ببطلانه، لعدم كونه مأمورا به في حقّه، كما لو كان عبدا قد منعه المولى عن الصوم الندبي- و فرض افتقاره إلى الإذن- فيصوم يوم الشكّ برجاء أنّه من رمضان لا على سبيل الجزم ليكون

من التشريع، فالقصد يتعلّق بعنوان رمضان لكن لا على سبيل الجزم، بل بنحو الترديد و الاحتمال.

و أمّا في المورد المحكوم بالصحّة فليس فيه رجاء أبدا، بل هو قاصد للأمر الفعلي الجزمي الجامع بين الوجوب و الاستحباب؛ للقطع بتعلّق الأمر بالصوم في هذا اليوم. غاية الأمر أنّ الخصوصيّة مجهولة، و صفة المنوي مردّدة، فتلغى تلك الخصوصيّة في مقام تعلّق القصد، و هذا هو الذي سمّاه بالترديد في المنوي دون النيّة، عكس الصورة السابقة.

و أمّا الثانية: فلأنّ الامتثال الاحتمالي و إن كان في نفسه محكوما بالصحّة، إلّا أنّه في خصوص المقام محكوم بالفساد، نظرا إلى إطلاق الروايات الواردة في المقام الدالّ على بطلان الصوم في يوم الشك بعنوان رمضان و لو كان ذلك على سبيل الاحتمال و الرجاء، بل لا يبعد أن يقال: إنّ الروايات ناظرة إلى نفس هذه الصورة؛ إذ من البعيد الاهتمام فيها بأمر لا يقع خارجا أو نادر الوقوع جدّا؛ و هو الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان بنيّة جزميّة تشريعيّة، فمن القريب جدّا أنّ النهي في هذه النصوص ناظر إلى ما هو المتعارف الخارجي؛ و هو الصوم بعنوان الاحتياط.

و هذا بخلاف الصورة الاخرى؛ لعدم كونها مشمولة للروايات و لو بالإطلاق؛ لأنّها إنّما نهت عن صوم تعلّق بعنوان رمضان، إمّا جزما، أو و لو احتمالا كما عرفت، و هذا إنّما قصد الطبيعيّ و المأمور به في شهر رمضان؛ و هو طبيعيّ الصوم، و لم يؤخذ فيه إلّا خصوصيّة عدميّة؛ و هي عدم قصد عنوان آخر و هو حاصل في المقام،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 54

[مسألة 6: لو كان في يوم الشك بانيا على الإفطار، ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان]

مسألة 6: لو كان في يوم الشك بانيا على الإفطار، ثمّ ظهر

في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان، فإن تناول المفطر، أو ظهر الحال بعد الزوال و إن لم يتناوله، يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّبا و قضاء ذلك اليوم، و إن كان قبل الزوال و لم يتناول مفطرا يجدّد النيّة و أجزأ عنه (1).

______________________________

انتهى موضع الحاجة «1».

و أنت خبير بأنّه- مضافا إلى أنّه من البعيد النهي عن الامتثال الاحتمالي و الإتيان رجاء في نفسه؛ لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال- لا يبعد أن يقال بعدم دلالة الروايات و لو بالإطلاق على البطلان؛ لأنّه و إن كان صوم يوم الشك مع الوصف المذكور بنيّة جزميّة بعنوان رمضان تشريعا، و لا يكاد يتحقّق ذلك نوعا خصوصا من العوام، إلّا أنّ المنشأ لذلك- و إن كان غير معتبر- هو شهادة جمع من الناس بذلك، كما في مورد موثقة سماعة المتقدّمة «2»، مع أنّه يمكن أن يقال بإطلاق مورد السؤال في صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة و ترك الاستفصال في الجواب، فالمتحصّل حينئذ ما في المتن من نفي البعد عن الصحّة و لو كان الترديد في النيّة لا في المنوي، كما عرفت.

(1) الوجه في ذلك ما تقدّم في المسألة الرابعة من أنّ محلّ النيّة في الواجب المعيّن يمتدّ إلى الزوال إلّا في ذوي الأعذار مطلقا أو خصوص البعض على ما مرّ، و حينئذ فلو بنى على الإفطار في يوم الشكّ الذي لا يجب الصيام فيه بمقتضى الاستصحاب،

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 75- 77.

(2) وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، ب 5 ح 4، و قد تقدّم ذيلها في ص 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 55

[مسألة 7: لو صام يوم الشك بنيّة أنّه من شعبان، ثمّ تناول المفطر نسيانا و تبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان]

مسألة

7: لو صام يوم الشك بنيّة أنّه من شعبان، ثمّ تناول المفطر نسيانا و تبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان أجزأ عنه. نعم، لو أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزئه منه حتى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال و جدّد النيّة (1).

______________________________

فإن تناول المفطر الذي كان يجوز له تناوله، أو ظهر الحال و أنّ اليوم المذكور من رمضان بعد الزّوال لا يبقى مجال لنيّة صوم رمضان، غاية الأمر أنّه يجب عليه قضاء ذلك اليوم الذي ظهر كونه من رمضان، و يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّبا كما سيأتي، و إن لم يتناول المفطر و كان الظهور المذكور قبل الزوال يجب عليه تجديد النيّة، و يكفي عن رمضان كما مرّ.

(1) أمّا الإجزاء في الصورة الاولى فلما يأتي من أنّ تناول المفطر نسيانا لا يوجب بطلان الصوم و إن كان واجبا معيّنا؛ لأنّ مقتضى حديث الرفع «1» و كون النسيان أحد الامور المرفوعة فيه، عدم كون تناول المفطر كذلك موجبا للبطلان، خصوصا مع ملاحظة أنّ النسيان لا يكون تحت الاختيار و الإرادة. و أمّا عدم الإجزاء في الصورة الثانية؛ و هي ما لو أفسد صومه بمثل الرياء و لو كان التبيّن قبل الزوال و جدّد النيّة في ذلك الوقت؛ فلانّ الرياء في جزء من العبادة يوجب بطلان العبادة بأجمعها، فمن رائى في ركوع صلاته تصير الصلاة فاسدة، و فرض كون الرياء قبل الزوال و تجديد النيّة بعده لا يوجب صيرورة العبادة صحيحة و إن قلنا في الواجب المعيّن بالامتداد إلى النهار، إلّا أنّ ذلك في صورة إمكان اتّصاف المجموع بالصحّة، فالرياء قبله بمنزلة تناول المفطر عمدا، و قد ذكرنا خروج وقت النيّة بذلك، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) تقدّم

في ص 37.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 56

[مسألة 8: كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه]

مسألة 8: كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه، فلو نوى القطع في الواجب المعيّن- بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم- بطل على الأقوى و إن عاد إلى نيّة الصوم قبل الزوال. و كذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه. و ينافي الاستدامة أيضا التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه. و كذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شي ء لم يدر أنّه مبطل لصومه أو لا. و أمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه. هذا كلّه في نيّة القطع. و أمّا نيّة القاطع- بمعنى نيّة ارتكاب المفطر- فليست بمفطرة على الأقوى و إن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعا. نعم، لو نوى القاطع و التفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالا بطل على الأقوى (1).

______________________________

(1) لا إشكال في وجوب استدامة النيّة في الصوم «1» كما تجب النيّة في ابتدائه؛ ضرورة افتقار العبادة بجميع أجزائها إلى النيّة، غاية الأمر الاكتفاء فيما يحتاج إلى أزمنة متعدّدة كثيرة أو قليلة بالاستمرار الارتكازي و الحكمي الذي مرجعه إلى عدم لزوم الالتفات التفصيلي، و كفاية كون الجواب بأنّه مشتغل بالعبادة بعد السؤال عن الاشتغال، و إلّا يلزم الإشكال، و قد فرّع على ذلك نيّة القطع أو القاطع، ففي المسألة صورتان:

الاولى: نيّة القطع، و المراد بها كما في المتن قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم.

و بعبارة اخرى: عدم الاستدامة المعتبرة في العبادة، بل ينافي الاستدامة اللازمة كذلك و لو ارتكازا، التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد

عنه.

و قد فصّل فيها في المتن بين الواجب المعيّن، فقوّى البطلان فيه و إن عاد إلى نيّة

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 192 و ص 215.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 57

..........

______________________________

الصوم قبل الزوال الذي هو انتهاء النيّة في الواجب المعيّن، كما تقدّم في بعض المسائل السابقة؛ لأنّ المراد من ذلك صورة عدم تحقّق النيّة حين طلوع الفجر، أو الليلة التي يريد صوم يومها. و أمّا مع التحقّق فاللازم الاستدامة المذكورة، فلا يجوز قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم، و كذا التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد، و في الحقيقة هذا القصد أو الترديد بمنزلة تناول المفطر غير ناس؛ فإنّه فيه لا مجال للانتهاء المذكور، و مثل الصورتين ما إذا قصد القطع لزعم اختلال الصوم ثمّ بان عدمه، أو كان تردّده في ذلك لعروض شي ء لم يدر أنّه مبطل لصومه أو لا.

و بين الواجب غير المعيّن، فحكم بالصحّة لو رجع قبل الزوال و المفروض عدم تناول المفطر، و الظاهر أنّ الحكم في المندوب كذلك إلى انتهاء اليوم و إن لم يقع التعرّض له في المتن في هذه المسألة.

الصورة الثانية: نيّة القاطع، و معناها نيّة ارتكاب المفطر بمجرّدها من دون تحقّق الارتكاب أصلا، و قد فصّل فيها في المتن بين صورتين مشتركتين في أنّ نيّة القاطع تستلزم نيّة القطع، غاية الأمر أنّ نيّة القطع التي تستلزمها نيّة القاطع قد تكون بالتبع، و قد تكون بنحو الاستقلال، فحكم بعدم البطلان في الصورة الاولى دون الثانية؛ فإنّها محكومة بالبطلان، و الوجه فيها واضح بعد ما عرفت من البطلان مع نيّة القطع. و أمّا الصحّة في الاولى؛ فلأنّ المفروض عدم ارتكاب

المفطر خارجا و بقاء النيّة واقعا و إن كانت نيّة القاطع مستلزمة لنيّة القطع، إلّا أنّ هذا الاستلزام غير ملتفت إليه أصلا، فلا مجال للحكم بالبطلان.

ثمّ إنّه ربما يفصّل بين نيّة القطع و نيّة القاطع تارة: بما يحتمل في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه «1»؛ من أنّ نيّة القطع و إن كانت مضرّة موجبة للإخلال بالنيّة، إلّا أنّ نيّة

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 215.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 58

..........

______________________________

القاطع تؤكّد الصوم فضلا عن المنافاة، حيث إنّه يبني على القطع فيما بعد، فهو بالفعل صائم لا محالة ليتّصف بعدئذ بالقطع، فإن بدا له و جدّد النيّة قبل تناول المفطر فلا مانع من الصحّة. كما أنّه قد يفصّل تارة اخرى: بين نيّة الإتيان بالمفطر فعلا، و بين الإتيان به فيما بعد، ببطلان الصوم في الأوّل دون الثاني.

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ كلا التفصيلين مبنيان على شي ء واحد؛ و هو الخلط بين أمرين: عنوان الصوم المقابل للإفطار، و صحّته. أمّا أصل الصوم فالذي ينافيه إنّما هو نيّة القطع، و أمّا لو نوى القاطع فهو ممسك فعلا و لم يرفع اليد عن صومه بوجه، فعنوان الصوم باق إلى أن يرتفع بمفطر.

و أمّا الصوم الصحيح القربي الذي هو عبارة عن نيّة الإمساك الخاصّ المحدود فيما بين الفجر إلى الغروب، فلا شكّ أنّ كلّا من نيّتي القطع و القاطع الحالي أو الاستقبالي تنافيه؛ ضرورة أنّه كيف يجتمع العزم على الإمساك المذكور مع نيّة القاطع و لو بعد ساعة؟ فنيّة القاطع فضلا عن القطع و لو فيما بعد لا تكاد تجتمع مع القصد إلى الصوم الصحيح، فهو نظير من شرع في الصلاة بانيا

على إبطالها في الركعة الثالثة؛ فإنّ مثله غير قاصد لامتثال الأمر بجميع أجزاء الصلاة و إن لم يكن بالفعل قاطعا للصلاة. انتهى «1».

و أنت خبير بأنّه لا دليل على البطلان بمجرّد قصد الإبطال في الركعة الثالثة ما لم يتحقّق الإبطال خارجا، فالأقوى حينئذ ما في المتن، فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 85- 86.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 59

[القول فيما يجب الإمساك عنه]

اشارة

القول فيما يجب الإمساك عنه مسألة 1: يجب على الصائم الإمساك عن امور:

[الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب]

اشارة

الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب؛ معتادا كان كالخبز و الماء، أو غيره كالحصاة و عصارة الأشجار؛ و لو كانا قليلين جدّا كعشر حبّة و عشر قطرة (1).

______________________________

(1) لا إشكال في مفطريّة الأكل و الشرب في الجملة، و يدلّ عليه قبل كلّ شي ء الكتاب العزيز المشتمل على قوله- تعالى-: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ- الآية «1»- و وجوب إتمام الصيام إلى الليل 2، و لعلّهما- كما يظهر من بعض الروايات- هما الأساس و الأصل في المفطريّة، و بقيّتها ملحقة بهما.

و كيف كان، فمفطريّتهما ضروريّة عند جميع المسلمين «3»، فاتّصافهما بها من ضرورة الإسلام لا الفقه فقط. و الظاهر أنّه لا فرق فيهما من حيث المعتاد و غيره من جهة المأكول و المشروب، كما أنّه لا فرق فيهما من حيث الإيصال إلى البطن من الطريق غير المتعارف كالأنف و غيره، أو من الطريق المتعارف كالفم، أمّا الثاني

______________________________

(1) 1، 2 سورة البقرة 2: 187.

(3) جواهر الكلام 16: 217، مستمسك العروة 8: 233، المستند في شرح العروة 21: 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 60

..........

______________________________

فسيأتي حكمه في المسألة الثانية إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا الأوّل: فالمشهور بل المتسالم عليه بينهم هو ذلك، بل ربما يقال «1»: إنّ المرتكز في أذهان عامّة المسلمين عدم الفرق في المأكول و المشروب من حيث المتعاد و غيره. و قد نسب الخلاف في ذلك إلى بعض المخالفين «2»، و السيّد في محكي بعض كتبه ادّعى الاتّفاق بين المسلمين على ذلك، و أنّ الخلاف المزبور مسبوق بالإجماع و ملحوق به «3»، و مع

ذلك فقد حكي عنه في بعض كتبه «4» و عن ابن الجنيد «5» المخالفة في ذلك و اختصاص المفطريّة بالمأكول و المشروب العاديين، مع أنّه من الواضح أنّ إطلاقات الكتاب و السنّة تشمل الجميع من دون إشعار بالاختصاص فضلا عن الدلالة.

و دعوى الاختصاص ممنوعة جدّا و لو كانت ناشئة عن ادعاء الانصراف الممنوع جدّا أيضا؛ لعدم الفرق في نظر العرف بين المعتاد و غيره، فلا فرق بين أكل الخبز و بين أكل الطين، و لذا ورد في الرواية: من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه «6».

نعم، هنا شي ء سيأتي البحث عنه إن شاء اللّه تعالى؛ و هو أنّه ربما تستعمل كلمة «الشرب» في امور لعلّها خارجة عن عنوان الشرب في نظر العرف، كشرب التتن الممثّل به في الاصول في بحث البراءة، مع أنّه خارج عن حقيقة الشرب، و اللازم

______________________________

(1) مستمسك العروة 8: 233، المستند في شرح العروة 21: 93، جواهر الكلام 16: 217.

(2) و هما الحسن بن صالح و أبو طلحة الأنصاري، و الناسب هو السيّد في مسائل الناصريّات: 294.

(3) مسائل الناصريات: 294، و الحاكي هو العلّامة في مختلف الشيعة 3: 258- 259 مسألة 21.

(4) رسائل الشريف المرتضى 3: 54 و جمل العلم و العمل: 90.

(5) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 257 مسألة 21.

(6) الكافي 6: 266 ح 8، المحاسن 2: 387 ح 2370، تهذيب الأحكام 9: 89 ح 376، و عنها وسائل الشيعة 24: 222، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 61

..........

______________________________

أن يقال في مفطريّة مثله: إنّه على تقديرها لا يكون من مصاديق الشرب، بل

من أشباه الغبار الداخل في الحلق الذي هو أجزاء دقيقة من التراب و شبهه، فانتظر.

ثمّ إنّه لا فرق في مفطريّة الأكل و الشرب بين الكثرة و القلّة و لو كانت في غايتها، و قد ذكر السيّد في العروة أنّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم و ابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه، إلّا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا تصدق عليه الرطوبة الخارجيّة، و كذا لو استاك و أخرج المسواك من فمه و كان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم؛ فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه إلّا مع الاستهلاك على الوجه المذكور «1». و ربما يستشكل في ذلك بمنع تحقّق الاستهلاك بعد فرض الاتّحاد في الجنس؛ فإنّه إنّما يتصوّر في غير المتجانسين على ما ذكروه في الشركة، كامتزاج التراب في الماء، أو وقوع قطرة من البول في كرّ من الماء مثلا، الموجب لزوال الموضوع و انعدامه.

و أمّا المزج الحاصل في المتجانسين- كما في المقام- فهو موجب لزيادة الكمّيّة و الإضافة على مقدارها، فكأنّ الريق أو الماء عشرة مثاقيل مثلا، فصار أحد عشر مثقالا، و إلّا فالمزيج باق على ما كان لا أنّه زال و انعدم.

و دفعه بعض الأعلام على ما في الشرح بما يرجع إلى أنّ ما ذكر إنّما يتمّ بالنظر إلى ذات المزيج، فلا يعقل الاستهلاك بملاحظة نفس الممتزجين المتّحدين في الجنس. و أمّا بالنظر إلى الوصف العنواني- الذي بملاحظته جعل موضوعا لحكم من الأحكام؛ بأن كان الأثر مترتّبا على صنف خاصّ من الطبيعة- فلا مناص من الالتزام بالاستهلاك من هذه الجهة، فلو فرضنا أنّ ماء البئر لا يجوز التوضّؤ به،

______________________________

(1) العروة

الوثقى 2: 13، فصل فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 62

..........

______________________________

فمزجنا مقدارا منه بماء النهر، فالاستهلاك بالنظر إلى ذات الماء غير متصوّر. و أمّا بالنظر الى الخصوصيّة- أي الإضافة إلى البئر- فالاستهلاك ضروريّ؛ لعدم بقاء هذه الإضافة بعد الامتزاج فيما إذا كان المزيج قليلا، و لا موضوع لتلك الحصّة الخاصّة، فلا يطلق على الممتزج أنّ هذا ماء البئر، أو أنّ فيه ماء البئر، فالماء بما هو ماء و إن لم يكن مستهلكا، و لكن بما هو ماء البئر مستهلك بطبيعة الحال.

و قد وسّع هذا الحكم فيما لو اخذ مقدار من الماء المغصوب و القي في الماء المباح، بحيث كان الأوّل يسيرا جدّا في قبال الثاني، كما لو القي مقدار من الماء المغصوب في الكرّ أو البحر، فهل يمكن التفوّه بعدم جواز الاستعمال من البحر أو الكرّ، بدعوى حصول الامتزاج و امتناع الاستهلاك في المتجانسين؟ و المقام من هذا القبيل؛ فإنّ الريق ما دام كونه في الفم يجوز ابتلاعه، و إذا خرج لا يجوز، فهناك صنفان محكومان بحكمين، فإذا امتزج الصنفان على نحو تحقّق معه الاستهلاك- لا بما هو ريق، بل بما هو ريق خارجي- جاز ابتلاعه.

ثمّ استدلّ عليه مضافا إلى القاعدة بالروايات الواردة في جواز السواك بالمسواك الرطب، و في بعضها جواز بلّه بالماء و السواك به بعد النفض «1»، و بما ورد من جواز المضمضة بل الاستياك بنفس الماء و أنّه يفرغ الماء من فمه و لا شي ء عليه «2»؛ فإنّه تبقى لا محالة أجزاء من الرطوبة المائيّة في الفم، إلّا أنّه من جهة الاستهلاك في الريق لا مانع من ابتلاعها،

انتهى «3».

قلت: الأمر كما أفاده زيد في علوّ مقامه، إلّا أنّه ينبغي التنبيه على أمر؛ و هو أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 83 و 85، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3 و 11.

(2) وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15 و 16 و ص 91 ب 31 ح 1.

(3) المستند في شرح العروة 21: 99- 101.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 63

..........

______________________________

الاستهلاك إنّما يؤثّر في المقام، و مثله في مسألة الوضوء بالماء الذي امتزج به ماء البئر أو الماء المغصوب، كما في المثالين المذكورين. و أمّا بالنظر إلى سراية النجاسة فلا أثر للاستهلاك بوجه، فإذا وقعت قطرة قليلة جدّا في داخل الإناء الذي يكون فيه أقلّ من ماء الكرّ يوجب تنجّس الجميع، و لذا ذكرنا في بحث النجاسات أنّ الرواية الواردة في هذا المورد إنّما هي في صورة العلم بإصابة الإناء؛ سواء كان من داخلها أم من خارجها، لا العلم بالإصابة من الداخل، كما عرفت في جواب الشيخ قدّس سرّه فراجع.

نعم، ربما يستدلّ لهما ببعض الروايات الدالّة على أنّه لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال أو أربع؛ و هي صحيحة محمد بن مسلم- التي رواها المشايخ الثلاثة- قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء «1». و في الوسائل: و في رواية محمد بن علي بن محبوب- الواقع في سند آخر للرواية- أربع خصال 2. و يحتمل قويّا أن يكون الاختلاف في العدد ناشئا عن عدّ

الطعام و الشراب أمرا واحدا أو أمرين.

و قد ورد في بعض الروايات أنّ حدود الصوم أربعة: أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب «3»، كما أنّه ربما يستدلّ لهما تارة اخرى بما دلّ على نفي البأس عن الاكتحال أو دخول الذباب في الحلق؛ معلّلا في كليهما بأنّه

______________________________

(1) 1، 2 تهذيب الأحكام 4: 189 ح 535 و ص 202 ح 584 و ص 318 ح 971، الاستبصار 2: 80 ح 244 و ص 84 ح 261، الفقيه 2: 67 ح 276، و عنها وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(3) تأتي في ص 112.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 64

[مسألة 2: المدار هو على صدق الأكل و الشرب]

مسألة 2: المدار هو على صدق الأكل و الشرب و لو كانا على النحو الغير المتعارف، فإذا أوصل الماء إلى جوفه من طريق أنفه، صدق الشرب عليه و إن كان بنحو غير متعارف (1).

______________________________

ليس بطعام «1».

و الجواب عن الصحيحة: أنّ الحصر إنّما هو بالإضافة إلى سائر الأفعال الخارجيّة و الامور الصادرة من الصائم من النوم و المشي و غيرهما، و لا دلالة فيها على اختصاص المفطريّة بما يصدق عليه الطعام و الشراب، مع احتمال أن يكون المراد هو المعنى المصدري، و مع ذلك فلا تقاوم الاطلاقات. و عن الدليل الثاني فبالإضافة إلى الاكتحال واضح؛ لأنّ المراد أنّه لا يتحقّق به الأكل، و بالنسبة إلى الذباب كذلك؛ لأنّ موردها صورة دخول الذباب في الحلق من غير اختيار؛ ضرورة أنّه لو فرض تحقّق الأكل الاختياري في مورده- كأكل الطين على ما عرفت- فلا يستفاد منه عدم البطلان. فالمتحصّل أنّ الحقّ مع ما هو المشهور.

(1) حكي

عن الفاضل الايرواني قدّس سرّه في رسالته العمليّة أنّه لا بأس بغير المتعارف «2»، و الظاهر هو ما ورد في المتن من عدم الفرق، كما هو كذلك بالإضافة إلى المحرّمات الاخر، فهل يحتمل اختصاص حرمة الخمر بما إذا دخلت من طريق الفم لا الأنف مثلا؟! كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 4: 111 ح 1 و ص 115 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 258 ح 765 و 766 و ص 323 ح 994، الاستبصار 2:

89 ح 278 و 279، و عنها وسائل الشيعة 10: 74 و 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1 و 6 و ص 109 ب 39 ح 2.

(2) الحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 65

[الثالث: الجماع]

الثالث: الجماع؛ ذكرا كان الموطوء أو انثى، إنسانا أو حيوانا، قبلا أو دبرا، حيّا أو ميّتا، صغيرا أو كبيرا، واطئا كان الصائم أو موطوءا. فتعمّد ذلك مبطل و إن لم ينزل، و لا يبطل مع النسيان أو القهر السالب للاختيار، دون الإكراه؛ فإنّه مبطل أيضا، فإن جامع نسيانا أو قهرا، فتذكّر أو ارتفع القهر في الأثناء، وجب الإخراج فورا، فإن تراخى بطل صومه. و لو قصد التفخيذ مثلا فدخل بلا قصد لم يبطل، و كذا لو قصد الإدخال و لم يتحقّق؛ لما مرّ من عدم مفطريّة قصد المفطر. و يتحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها، بل لا يبعد إبطال مسمّى الدخول في المقطوع و إن لم يكن بمقدارها (1).

______________________________

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الاولى: في مفطريّة الجماع في الجملة، و الظاهر أنّه ممّا لا إشكال فيه

و لا خلاف بين المسلمين، بل لعلّه من الضروريّات «1»، و يدلّ عليه قبل كلّ شي ء قوله- تعالى-: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «2»، و قد وردت فيه روايات مستفيضة، منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّه من الثلاثة أو الأربعة التي يجب الاجتناب عنها للصائم.

الثانية: الظاهر أنّه لا فرق في مفطريّة الجماع بين الموارد المذكورة في المتن و إن كان ربما يتخيّل- لأجل التعبير بالنساء في الصحيحة المتقدّمة- الاختصاص بإتيان الأهل، لا لأنّها محلّلة في نفسها، بل لأنّها انثى أوّلا، و لعلّ الظاهر صورة وطء المرأة قبلا، بل و لعلّه يختصّ بصورة الإنزال، مع أنّ الظاهر العموميّة في الجانبين،

______________________________

(1) المعتبر 2: 653، رياض المسائل 5: 310، جواهر الكلام 16: 219، مستمسك العروة 8: 239، المستند في شرح العروة 21: 111.

(2) سورة البقرة 2: 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 66

..........

______________________________

خصوصا مع ملاحظة التعبير عنه بالجنابة المتحقّقة في الصورتين، كما في رواية أبي سعيد القمّاط، أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال: لا شي ء عليه، و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال «1».

و من مثل هذه الرواية يستفاد أنّه لا خصوصيّة في الوطء قبلا، كما أنّه لا خصوصيّة لصورة الإنزال؛ لعدم الفرق في الجنابة بين الصورتين، كما أنّه يستفاد من هذا التعبير عدم الفرق بين أن يكون الصائم واطئا أو موطوءا؛ لإطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب.

الثالثة: ظاهر المتن التفصيل في مفطريّة الجماع بين صورة النسيان أو القهر الموجب لسلب الاختيار، و بين فرض الإكراه، فحكم بالعدم في الاولى و بثبوت

البطلان في الثانية. أمّا في القهر الموجب لسلب الاختيار؛ لأنّ القهر الكذائي يوجب سلب الإسناد المعتبر في مفطريّة المفطر و إبطاله للصوم. و أمّا الفرق بين النسيان و الإكراه مع اشتراكهما في حديث الرفع «2» المشتمل على رفع الامور التسعة المعروفة، فهو أنّ الحديث المزبور لا يرفع الحكم الوضعي و هي المفطريّة، غاية الأمر أنّه في صورة الإكراه غير البالغ حدّ القهر المذكور، حيث إنّ إسناد الفعل إلى المكره- بالفتح- صحيح، و هو فاعل له بالاختيار، غاية الأمر عدم الحرمة بالإضافة إليه لصدوره كذلك؛ لأجل عدم تحقّق التوعيد الذي وعد به، فلا محالة المفطريّة باقية في هذه الصورة و إن كان الارتكاب جائزا شرعا.

و أمّا في صورة النسيان، فلأنّ الحكم- كما يأتي- مورده التعمّد، و هو لا يجتمع

______________________________

(1) الفقيه 2: 74 ح 322، و عنه وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1.

(2) تقدّم في ص 37.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 67

..........

______________________________

مع النسيان، كما إذا جامع في حال النوم مثلا.

ثمّ إنّه يتفرّع على هذه الجهة أنّه لو جامع نسيانا فتذكّر في الأثناء، أو قهرا و ارتفع القهر في الأثناء، يجب عليه الإخراج فورا، و إن تراخى بطل صومه؛ لأنّه مع التراخي يتحقّق عنوان المفطر، و لا ملازمة بين الحدوث و الدوام، كما هو واضح، كما أنّه يترتّب على ما ذكرنا أنّه لو قصد التفخيذ مثلا فقط بدون قصد الدخول أصلا، ثمّ تحقّق الدخول لا يبطل صومه؛ لعدم تعمّده في ذلك.

الرابعة: لو قصد الإدخال و لم يتحقّق فالظاهر أنّ صحّة الصوم و بطلانه مبنيّان على أنّ نيّة القاطع مفطرة و إن

لم يرتكبه، أو لا و قد مرّ سابقا العدم، إلّا مع تعلّق القصد استقلالا بالقطع، فراجع.

الخامسة: أنّه لا إشكال في تحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها مثلا، و نفى البعد في المتن عن إبطال مسمّى الدخول في المقطوع و إن لم يكن بمقدارها. هذا، و لكن في العروة «1»: و يتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، فلا يبطل بأقلّ من ذلك، بل لو دخل بجملته ملتويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل و إن كان لو انتشر كان بمقدارها، و مبنى المسألة هو أنّ الاعتبار بنفس الجنابة الموجبة للغسل، و قد مرّ في بحث الأغسال أنّ المحقّق للجنابة إنّما هو دخول الحشفة، فلا يجب الغسل بإدخال الأقلّ من ذلك، فلا يبطل الصوم أيضا، و إن قلنا أنّ الاعتبار بعنوان الجماع، أو إتيان النساء، أو إتيان الأهل، فالظاهر أنّها أعمّ.

و الثمرة تظهر بالإضافة إلى مقطوع الحشفة. و أمّا بالنسبة إلى من لم تقطع حشفته فلا شبهة ظاهرا في الاكتفاء بإيلاجها، و يبقى الفرع المذكور في كلام السيّد قدّس سرّه،

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 14- 15، الأمر الثالث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 68

[الرابع: إنزال المني]

اشارة

الرابع: إنزال المني باستمناء، أو ملامسة، أو قبلة، أو تفخيذ، أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله، بل لو لم يقصد حصوله و كان من عادته ذلك بالفعل المزبور، فهو مبطل أيضا. نعم، لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شي ء يترتّب عليه حصوله- و لو من جهة عادته من دون قصد له- لم يكن مبطلا (1).

______________________________

و هو أنّه لو دخل بجملته متلويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل و إن كان

لو انتشر كان بمقدارها «1»، و الظاهر البطلان في الفرع المذكور؛ لأنّ المفروض فيه إدخال الذكر بأجمعه، فهل يحتمل عدم الاكتفاء به و إن كان ملتويا غير منتشر؟

(1) لا إشكال في مفطريّة الإنزال بأيّ سبب تحقّق، و على أيّ فعل ترتّب إذا كان المقصود من إيجاده إنزال المني، من دون فرق بين الأسباب المذكورة في المتن و غيرها حتى النظر إلى الأهل إذا قصد به ذلك و إن كان نادرا، فما حكي عن بعض كالمحقّق «2» من عدم البأس بالنظر و إن أنزل، محمول على عدم كون قصده من النظر الإنزال كما هو الغالب فيه، و إلّا فلا فرق بين النظر و غيره أصلا. نعم، قد عرفت أنّه لا يلزم في الجماع الإنزال؛ لأنّه مفطر مستقلّ في مقابل الإنزال و غيره من المفطرات.

و كيف كان، ففي الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة غنى و كفاية، مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟ قال: عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع «3».

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 15 ذ الأمر الثالث.

(2) شرائع الإسلام 1: 192.

(3) الكافي 4: 102 ح 4، تهذيب الأحكام 4: 206 ح 597 و ص 273 ح 826، الإستبصار 2: 81 ح 247، و عنها وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 69

..........

______________________________

و الظاهر أنّ قوله عليه السّلام: «حتّى يمني» يكون المراد به صورة قصد الإمناء و الإنزال لا خروج المني و إن لم يكن يترتب عليه نوعا، كما عرفت في

مثال النظر، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الجواب ثبوت البطلان أيضا للصوم لا مجرّد تحقّق الكفّارة.

هذا، و قد نقله في الوسائل في باب واحد مرّتين، و الظاهر الاتّحاد و عدم التعدّد كما نبّهنا عليه مرارا.

و موثقة سماعة المضمرة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستّين مسكينا، مدّ لكلّ مسكين «1». و التعبير بالفاء في قوله «فأنزل» في السؤال ظاهر فيما ذكرنا من كون قصده من إدامة اللزوق الإنزال و تحقّقه، كما أنّ الحكم بثبوت الكفّارة ظاهر في البطلان على ما هو المتفاهم عند العرف.

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني «2».

و غير ذلك من الروايات «3» التي يستفاد منها حكم المقام.

نعم، في المتن أنّه لو لم يقصد من الفعل الإنزال أصلا و لكن كان من عادته ذلك فهو أيضا مبطل و إن لم يكن الإنزال مقصودا له بنفسه؛ لأنّ تعلّق القصد و الاختيار بإيجاد الفعل الذي يترتّب عليه الإنزال قهرا مع التوجّه و الالتفات إلى ذلك، يوجب سوق القصد إلى الإنزال لا محالة، فإذا علم أنّ لعبه بامرأته يوجب خروج المني

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 320 ح 980، و عنه وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.

(2) الكافي 4: 104 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 97 ب 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 70

[مسألة 3: لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار]

مسألة 3: لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار؛ و إن علم بخروج بقايا المنيّ الذي في المجرى إذا كان ذلك قبل الغسل من الجنابة.

و أمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه، بل لا يخلو لزومه من قوّة، و لا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله، خصوصا مع الحرج و الإضرار (1).

______________________________

عادة و يترتّب عليه الإنزال قهرا، فإيجاده عن اختيار لا ينفك عن قصد الإنزال لا محالة. نعم، لو سبقه المني من دون إيجاد شي ء يترتّب عليه حصوله و لو من جهة عادته و لم يقصد الإنزال بوجه لم يكن مبطلا؛ لأنّ المفروض سبقة المني و عدم وجود القصد إلى حصوله من جهة العادة، فالخروج حينئذ لا يستند إليه بوجه، فلا يكون مبطلا أصلا.

و من هنا لا يكون الاحتلام في النهار مبطلا و إن علم أنّه لو نام احتلم، أو كان من عادته ذلك بعد النوم؛ لعدم كون الاحتلام محرّما و عدم صدق الإسناد إليه بوجه و إن احتاط السيّد في العروة استحبابا بالترك في الصورة المزبورة، و لكنّه استظهر الجواز خصوصا إذا كان الترك موجبا للحرج «1».

(1) من احتلم في النهار و استبرأ بالبول أو الخرطات، فإن كان ذلك قبل الغسل للجنابة الحاصلة بالاحتلام فالظاهر أنّه لا مانع منه؛ سواء علم بخروج بقايا المني الذي في المجرى أم لم يعلم بذلك. أمّا في صورة عدم العلم فواضح؛ لعدم خروج المني منه على سبيل الجزم، و اللازم في المفطريّة الإحراز. و أمّا في صورة العلم؛ فلأنّ المفروض أنّ خروج البقايا قبل الغسل لا يوجب جنابة جديدة، و لا يجدي

______________________________

(1) العروة الوثقى 2:

16 مسألة 2397.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 71

[الخامس: تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان و قضائه.]

اشارة

الخامس: تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان و قضائه. بل الأقوى في الثاني البطلان بالإصباح جنبا و إن لم يكن عن عمد. كما أنّ الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا- قبل الفجر- حتّى مضى عليه يوم أو أيّام، بل الأحوط إلحاق غير شهر رمضان- من النذر المعيّن و نحوه- به و إن كان الأقوى خلافه إلّا في قضاء شهر رمضان، فلا يترك الاحتياط فيه. و أمّا غير شهر رمضان و قضائه من الواجب المعيّن و الموسّع و المندوب، ففي بطلانه

______________________________

في ذلك الفرق بين الخروج بالاحتلام الذي هو أمر غير اختياري، و بين إخراج البقايا اختيارا؛ و ذلك لما عرفت من عدم تكثّر الجنابة و عدم تعدّدها.

و أمّا إن كان ذلك- أي الاستبراء- بعد الغسل، فإن لم يعلم بحدوث جنابة جديدة فواضح لما عرفت، و أمّا مع العلم بحدوث جنابة جديدة فبما أنّ المفروض العلم بالخروج و كون الاستبراء بعد الغسل فقد احتاط وجوبا الترك، بل نفى خلوّ لزومه عن القوّة؛ و ذلك لأنّ الجنابة الحاصلة جنابة جديدة حاصلة بالاختيار؛ أي الاستبراء، و مع ذلك ربما يحتمل الجواز نظرا إلى عدم كون المنيّ الخارج معدودا أمرا مستقلا، بل من بقايا المني الخارج قبل ذلك بالاحتلام، و قد تعرّض في المتن في ذيل المسألة لفرع آخر؛ و هو أنّه هل يجب التحفّظ من خروج المني بعد الإنزال إن استيقظ قبله؟ فحكم فيه بعدم الوجوب، خصوصا مع الحرج و الإضرار.

قلت: إن كان مراده التحفّظ من خروج المني بعد الإنزال و مرجعه إلى إرادة عدم الاستدامة بعد أصل

الخروج، فالحكم فيه واضح يظهر وجهه ممّا مرّ. و إن كان المراد التحفّظ من أصل الخروج- و إن تحقّق النوم الذي هو سبب لخروجه عادة- فالظاهر اللزوم في صورة عدم الحرج و الإضرار؛ لأنّه إنزال اختياريّ و مفطر عمديّ. نعم، لا مانع منه في الصورة المذكورة؛ للزوم الحرج، كما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 72

بسبب تعمّد البقاء على الجنابة إشكال، الأحوط ذلك خصوصا في الواجب الموسّع، و الأقوى العدم خصوصا في المندوب (1).

______________________________

(1) مفطريّة هذا الأمر هو المشهور، بل ادّعي عليه الإجماع «1»، و إن نسب الخلاف إلى جماعة كالصدوق و الأردبيلي و الكاشاني و بعض آخر «2»، لكن قد ادّعى في محكي الرياض «3» تواتر الأخبار بذلك.

و من الروايات الدالّة على هذا الأمر بالمطابقة صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح، قال: يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا. قال:

و قال: إنّه حقيق (لخليق خ ل) أن لا أراه يدركه أبدا «4»؛ فإنّ المتفاهم العرفي من إيجاب كفّارة من تعمّد الإفطار في شهر رمضان هو البطلان، و لا مجال لاحتمال الصحّة مع ثبوت الكفّارة تعبّدا.

و من هذا القبيل رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي، عن الفقيه عليه السّلام قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه «5»، و هي أظهر من

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 316، جواهر الكلام 16: 236، مستمسك العروة 8: 274، المستند في شرح العروة

21: 185.

(2) المقنع: 189، مجمع الفائدة و البرهان 5: 36، مفاتيح الشرائع 1: 247، الحدائق الناضرة 13: 113- 114.

(3) رياض المسائل 5: 316.

(4) تهذيب الأحكام 4: 212 ح 616، الاستبصار 2: 87 ح 272، و عنهما وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.

(5) تهذيب الأحكام 4: 212 ح 617، الاستبصار 2: 87 ح 273، و عنهما وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 73

..........

______________________________

الرواية المتقدّمة بلحاظ إيجاب صوم يوم واحد، و ظاهره أنّه قضاء ذلك اليوم، و هو لا ينطبق إلّا على البطلان، و مع ذلك تكون أضعف منها بلحاظ عدم التعرّض لتمام الكفّارة من عتق الرقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، كما لا يخفى.

و من الروايات الدالّة على مفطريّة التعمّد ما ورد فيمن نسي غسل الجنابة حتى مضى عليه يوم أو أيّام ممّا يدلّ على وجوب القضاء عليه، أو فيما إذا اغتسل للجمعة يجب عليه قضاء ما قبلها من الأيّام «1»؛ فإنّه لو لا أنّ التعمّد مفطر لا يكون مجال لوجوب القضاء في صورة النسيان، كما لا يخفى.

و منها: ما ورد فيمن تعمّد النوم جنبا حتى مطلع الفجر ممّا يدلّ على وجوب القضاء بل الكفّارة عليه «2»؛ فإنّها تدلّ على البطلان في المقام، و قد نفى البعد بعض الأعلام قدّس سرّه في الشرح بلوغ الروايات حدّ التواتر و لو إجمالا «3».

و بإزاء ما ذكر قد ورد بعض ما يتوهّم فيه المعارضة لما مرّ من الروايات، مثل:

صحيحة حبيب الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتى يطلع الفجر «4».

و رواية العيص بن القاسم، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: لا بأس «5». و قد رواه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 258، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة ب 39 ح 1، و ج 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1 و ص 237- 238، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30.

(2) وسائل الشيعة 10: 61- 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 و 16.

(3) المستند في شرح العروة 21: 185.

(4) تهذيب الأحكام 4: 213 ح 620، الاستبصار 2: 88 ح 277، و عنهما وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 5.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 73

(5) الفقيه 2: 75 ح 325، و عنه وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 74

..........

______________________________

الوسائل في باب واحد مرّتين.

و رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى يصبح، أيّ شي ء عليه؟ قال: لا يضرّه هذا و لا يفطر و لا يبالي؛

فإنّ أبي عليه السّلام قال: قالت عائشة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام، قال: لا يفطر و لا يبالي. و رجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح، أيّ شي ء يجب عليه؟ قال: لا شي ء عليه، يغتسل ... الحديث «1».

هذا، و لكنّ الظاهر عدم إمكان الالتزام بمفاد الاولى الظاهر في عدم صدور هذا الأمر منه مرّة أو مرّتين؛ للتعبير بكلمة «كان» الظاهر في الاستمرار و التكرّر مرّات، و من المعلوم عدم ملائمته لشأن النبي صلّى اللّه عليه و آله. و دعوى كونه من خصائص النبي صلّى اللّه عليه و آله ممنوعة جدّا، فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله.

و الروايتان الأخيرتان- مع أنّ الثانية منهما مشتملة على الاستشهاد بكلام عائشة و هو ظاهر في التقيّة، بل في كلام المحقّق العراقي «2» الجزم بكونه من مفتريات عائشة- لا تصلحان للمعارضة؛ لما سيأتي في بحث هذا الفرع من فروع هذا الأمر من الفرق بين النومة الاولى و غيرها؛ لأنّه لا أقلّ من المخالفة للشهرة التي هي أوّل المرجّحات، كما مرّ مرارا.

و من هذا القبيل ما رواه في المقنع، عن حمّاد بن عثمان، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل و أخّر الغسل حتى يطلع الفجر؟

فقال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجامع نساءه من أوّل الليل ثمّ يؤخّر الغسل حتى يطلع

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 210 ح 610، الاستبصار 2: 85 ح 266 و ص 88 ح 275، و عنهما وسائل الشيعة 10:

59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.

(2) شرح تبصرة المتعلّمين 3: 150.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 75

..........

______________________________

الفجر، و لا أقول كما تقول هؤلاء الأقشاب: يقضي يوما مكانه «1»، مع أنّ الرواية مرسلة؛ لعدم إمكان أن يرويها الصدوق عن حمّاد من دون واسط، و يرد على دلالتها ما مرّ، و من أنّ التعبير بقوله: «حتى يطلع الفجر» ظاهر في التأخير العمدي، بخلاف قوله: «حتى طلع الفجر» كما في بعض الروايات «2».

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال بملاحظة النصّ و الفتوى أنّ تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر مفطر في الجملة بالإضافة إلى شهر رمضان الذي يكون الصوم متعيّنا بالتعيّن الزماني.

و أمّا القضاء، فقد وردت فيها روايات خاصّة، مثل:

صحيحة عبد اللّه بن سنان، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره «3»، و رواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين.

و موثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى أدركه الفجر؟ فقال عليه السّلام: عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان؟

قال: فليأكل يومه ذلك و ليقض؛ فإنّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور «4».

______________________________

(1) المقنع: 189، و عنه وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 58، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 4 و 5.

(3) الفقيه 2: 75 ح 324، تهذيب

الأحكام 4: 277 ح 837، و عنهما وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.

(4) تهذيب الأحكام 4: 211 ح 611، الاستبصار 2: 86 ح 267، و عنهما وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 76

..........

______________________________

و ظاهر المتن أنّ الأقوى في قضاء شهر رمضان البطلان بالإصباح جنبا و إن لم يكن عن عمد، خلافا لظاهر العروة «1»، و لعلّ الوجه فيه إطلاق الروايتين، بل ظهور الثانية في صورة عدم التعمّد.

بقي في المسألة فروع متعددة:

الأوّل: من مضى عليه صوم يوم أو أيّام من شهر رمضان و نسي غسل الجنابة، و قد قوّى في المتن فيه البطلان للروايات الواردة في هذا المجال، مثل:

رواية إبراهيم بن ميمون- التي رواها المشايخ الثلاثة- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى تمضي لذلك جمعة، أو يخرج شهر رمضان؟ قال: عليه قضاء الصلاة و الصوم «2».

و رواية الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال: عليه أن يقضي الصلاة و الصيام «3».

و يدلّ عليه في خصوص الصلاة حديث «لا تعاد» «4» المعروف؛ لأنّ الطهور أحد الخمسة المستثناة فيه، كما لا يخفى.

الثاني: الفرض بالإضافة إلى غير شهر رمضان من النذر المعيّن و قضاء شهر رمضان، و قد قوّى في المتن عدم اللحوق مع النهي عن ترك الاحتياط في قضاء

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 22، الأمر الثامن.

(2) الفقيه 2: 74 ح 320،

الكافي 4: 106 ح 5، تهذيب الأحكام 4: 332 ح 1043، و عنها وسائل الشيعة 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1، و ص 238، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام 4: 311 ح 938 و ص 322 ح 990، و عنه وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30 ح 3.

(4) الفقيه 1: 181 ح 857، تهذيب الأحكام 2: 152 ح 597، و عنهما وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 77

..........

______________________________

ما ذكر، و الوجه في عدم لحوق النذر المعيّن و مثله بشهر رمضان، عدم الدليل عليه بعد ما عرفت من ورود الروايتين في رمضان، و أمّا النهي عن ترك الاحتياط في القضاء بالنسبة إلى من نسي غسل الجنابة، فلما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه ممّا يرجع إلى أنّ التعدّي عن الأداء إلى القضاء مبنيّ على أحد أمرين: إمّا دعوى تبعيّة القضاء للأداء استنادا إلى اتّحاد المقضي و قضائه في الخصوصيّات، أو دعوى دخول النسيان في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة في القضاء، و أجاب عن كلا الأمرين بما حاصله: أنّ الأوّل لا دليل فيه على التبعيّة إلّا في الخصوصيّات المعتبرة في أصل الطبيعة، و الثاني قاصر عن الشمول لصورة النسيان و لا ملازمة أصلا «1».

أقول: و إن كان الأمران المذكوران يكون الجواب عنهما هو ما أفاده، إلّا أنّه مع ذلك يكون ترك الاحتياط في القضاء منهيّا عنه.

الثالث: غير شهر رمضان و قضائه من الواجب المعيّن و الموسّع و المندوب من

حيث مفطريّة تعمّد البقاء و عدمها، و قد استشكل فيها في المتن أوّلا ثمّ قال:

«الأحوط ذلك خصوصا في الواجب الموسّع، و الأقوى العدم خصوصا في المندوب»، فظاهره كون الاحتياط في الجميع استحبابيا، و أنّ الأقوى فيه العدم و إن كان بينهما اختلاف في مرتبة الاحتياط.

أقول: مضافا إلى أنّه لا دليل فيها على الإلحاق، قد وردت في الفرع بعض الروايات، مثل:

رواية حبيب الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن التطوّع و عن [صوم] هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أنّي أجنبت فأنام متعمّدا

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 1: 212.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 78

[مسألة 4: من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم مع علمه بذلك]

مسألة 4: من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم مع علمه بذلك، فهو كمتعمّد البقاء عليها، و لو وسع التيمّم خاصّة عصى و صحّ صومه المعيّن، و الأحوط القضاء (1).

______________________________

حتّى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم «1».

و رواية ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار؟

الحديث «2». و دلالتهما على عدم مفطريّة البقاء على الجنابة متعمّدا في المندوب واضحة، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين النوم مع الجنابة مع البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر، و بينه مع العلم بأنّه ينام إلى الطلوع. و أمّا صوم الثلاثة الأيّام فالظاهر أنّ المراد به هو الصوم الواجب بدلا عن الهدي الواجب في حجّ التمتّع لمن لا يقدر عليه، فهو أيضا من أفراد الواجب المعيّن، نظير رمضان و قضائه في صورة

التضيّق.

(1) لا شبهة في صحّة الصلاة مع التيمّم في صورة عدم إمكان الاغتسال؛ لعدم وجدان الماء و مثله ممّا يوجب الرخصة في التيمّم. و أمّا صحّة الصوم فالظاهر أنّه لا ينبغي الارتياب في ذلك في الجملة؛ لقيام السيرة من المتشرّعة على الإجناب الاختياري في ليالي رمضان مع العلم بوجوب الصوم عليهم، الذي يقدح فيه تعمّد البقاء على الجنابة مع عدم التمكّن من الاغتسال، و مع فرض التمكّن من التيمّم وسعة الوقت له.

______________________________

(1) الفقيه 2: 49 ح 212، و عنه وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 1.

(2) الكافي 4: 105 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 79

..........

______________________________

إنّما الإشكال في مشروعيّة الانتقال إلى التيمّم في موارد التعجيز الاختياري، و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه عدم المشروعيّة لقصور المقتضي؛ نظرا إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً ... «1» هو عدم الوجدان بالطبع، لا جعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء مثلا. نعم، في خصوص باب الصلاة لا بدّ من الالتزام بالمشروعيّة؛ لقوله عليه السّلام: «لا تترك الصلاة بحال» «2» مع ملاحظة اشتراطها بالطهارة. و أمّا في مثل الصوم فلم يرد مثل هذا الدليل، و استنتج من ذلك العصيان و البطلان؛ لكونه من مصاديق تعمّد البقاء على الجنابة «3».

و الظاهر أنّه لا مجال للحكم بالبطلان؛ لأنّ قوله عليه السّلام: التيمّم أحد الطّهورين «4» يكون المتفاهم منه قيام التيمّم مقام الوضوء و الغسل مطلقا، خصوصا مع ملاحظة قوله صلّى اللّه عليه و آله: يكفيك

الصعيد عشر سنين «5»؛ فإنّ الكفاية في مثل هذه المدة الطويلة مع حدوث حوادث مختلفة بالإضافة إلى الأشخاص يوجب أن يكون الصوم المذكور واجدا لوصف الصحّة، غاية الأمر ثبوت العصيان؛ لأنّه كإراقة الماء عامدا في باب الوضوء الموجب للانتقال إلى التيمّم قهرا من ثبوت الصحّة للصلاة و تحقّق العصيان. نعم، لا مجال لإنكار أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام قضاء ذلك الصوم.

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 6.

(2) لم نجد بهذا اللفظ. نعم، يستفاد من الروايات الواردة في وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 11، و ج 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

(3) المستند في شرح العروة 1: 199- 200.

(4) الكافي 3: 63 ح 4، تهذيب الأحكام 1: 200 ح 580، و عنهما وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب 21 ح 1.

(5) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب 14 ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 80

[مسألة 5: لو ظنّ السعة و أجنب فبان الخلاف، لم يكن عليه شي ء إذا كان مع المراعاة]

مسألة 5: لو ظنّ السعة و أجنب فبان الخلاف، لم يكن عليه شي ء إذا كان مع المراعاة، و إلّا فعليه القضاء (1).

[مسألة 6: كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّدا، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر]

مسألة 6: كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّدا، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر، فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم، و مع تركهما عمدا يبطل صومهما. و كذا يشترط على الأقوى في صحّة صوم المستحاضة الأغسال النهاريّة التي للصلاة دون غيرها، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل- كالمتوسّطة و الكثيرة- فتركت الغسل بطل صومها، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين، فتركت الغسل إلى الغروب؛ فإنّه

______________________________

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الحكم فيمن أحدث بسبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم مع العلم بذلك هو جريان حكم تعمّد البقاء، كما لا يخفى.

(1) لو ظنّ و تخيّل سعة الوقت و أجنب فبان الخلاف و أنّه لم يكن الوقت وسيعا من هذه الجهة، لم يجب القضاء و لا الكفّارة، و في المتن قيّده بما إذا كان مع المراعاة، و إلّا فعليه القضاء، و الظاهر أنّ مقصوده من المراعاة هو اعتبار الظن من جهة قيام البيّنة أو قول العادل الواحد على تقدير اعتباره في الموضوعات على خلاف التحقيق، كما مرّ «1»، و المقصود من ثبوت القضاء في صورة عدم المراعاة الاعتماد على الاستصحاب ثمّ انكشاف الخلاف، و إن كان ظاهر العبارة يفيد أنّ المفروض في كلتا الصورتين الاعتماد على الظنّ، فتأمّل فيها.

______________________________

(1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد و التقليد، مسألة العدالة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 81

لا يبطله،

و لا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية، و يكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر، فصحّ صومها حينئذ على الأقوى (1).

______________________________

(1) في المسألة مقامان:

المقام الأوّل: البقاء على حدث الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر، و ظاهر المتن أنّ الباقية على أحدهما كالباقي على الجنابة متعمّدا إلى طلوع الفجر، و الدليل عليه أمّا في الحيض فهو:

ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم «1».

و في السند علي بن الحسن الفضال الذي اشتهر بالإضافة إلى اسرته «خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا» «2». و لكن مع ذلك فقد وصفها جماعة فيما هو المحكي منهم بضعف السند، كالشيخ و المحقّق و الأردبيلي و صاحب المدارك «3». و اجيب عن ذلك بانجبار الضعف باستناد المشهور إلى الرواية، و قد قرّر في محلّه جابريّة الشهرة الفتوائيّة و قادحيّتها في صورتي الاستناد و الإعراض.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 393 ح 1213، و عنه وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.

(2) غيبة الشيخ: 390 ذح 355، و عنه وسائل الشيعة 27: 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13.

(3) المعتبر 1: 227، مجمع الفائدة و البرهان 5: 47، مدارك الأحكام 6: 57، و حكاه عن النهاية في مصباح الفقيه 14: 419، و لم نجده في النهاية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 82

..........

______________________________

و لكنّه أورد

على هذا الجواب بعض الأعلام قدّس سرّه في الشرح- مضافا إلى منع الكبرى كما هو مختاره- بمنع الصغرى؛ لأنّ القدماء من الأصحاب لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم، مع أنّ الإشكال لا ينحصر في وجود ابن فضّال في السند، بل في طريق الشيخ إليه علي بن محمد بن الزبير، و لم يذكر فيه قدح و لا مدح، مع أنّه لا أصل للشهرة المذكورة و إن كانت مذكورة في بعض كتب الشيخ الأعظم قدّس سرّه «1»، و الأصل فيها ما ذكره الشيخ في محكي كتاب الغيبة أنّه سئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغاني، فأجاب بأنّي أقول فيها بما قاله العسكري عليه السّلام في كتب بني فضال:

خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا «2».

و استظهر عدم صحّة هذه الرواية؛ لأنّها مروية عن خادم الحسين بن روح و هو مجهول حتى اسما، فالإشكال المهمّ عدم إحراز وجود أصل الرواية في كتاب ابن فضّال، و ذكر في الذيل أنّ طريق الشيخ إلى كتاب ابن فضّال و إن كان ضعيفا لما ذكر، إلّا أنّه حيث يكون طريق النجاشي إليه صحيحا، و شيخهما شخص واحد؛ و هو أحمد بن محمد بن عبدون، فطبيعة الحال تقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي من دون زيادة و لا نقيصة، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ إليه «3».

أقول: هذا الطريق يكفي جوابا عن عدم وجود الرواية في كتاب ابن فضال احتمالا، و أمّا الاعتماد على أصل رواياتهم فهو- أي الإشكال- بحاله؛ لما مرّ منه من أنّ الراوي عن الحسين بن روح خادمه المجهول من حيث الاسم فضلا عن

______________________________

(1) كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1: 36.

(2) غيبة الشيخ: 389

ح 355.

(3) المستند في شرح العروة 21: 201- 203.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 83

..........

______________________________

الوصف، فلم تثبت صحّة الرواية، ثمّ إنّه يمكن إثبات الحكم في الحيض بطريق الأولويّة بالإضافة إلى الاستحاضة التي سيأتي فيها أنّ ترك الأغسال النهاريّة موجب للبطلان؛ لأنّ الحيض أهمّ من الاستحاضة بلا إشكال.

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في أصل الحكم؛ و هو كون التعمّد على البقاء على حدث الحيض، كالبقاء على الجنابة متعمّدا في عدم صحّة الصوم و بطلانه، فتدبّر.

هذا كلّه في الحيض.

و أمّا النفاس- فمضافا إلى ما عرفت من الأولويّة بالإضافة إلى الاستحاضة التي هي أقلّ شأنا من النفاس، فالرواية الواردة فيها «1» تشمل النفاس أيضا- يدلّ عليه ما يستفاد من الروايات- مع ما فيها من التعابير المختلفة من حيث إنّه حيض محتبس نظرا إلى أنّ الحامل لا تحيض غالبا، خصوصا المقرب منها و إن كان ربّما يناقش في هذه الروايات بعدم كونها نقيّة من حيث السند- أنّ النفاس- إلّا في بعض الخصوصيّات- كالأقلّ الذي هو في الحيض ثلاثة أيّام و في النفاس لحظة، فالظاهر حينئذ جريان حكم الحيض بالنسبة إلى النفاس.

المقام الثاني: الاستحاضة، و قد فصّل فيها في المتن بين الأغسال النهاريّة المعتبرة في الصلوات النهاريّة كالاستحاضة الكثيرة أو المتوسّطة التي يجب فيها الغسل قبل الصلاة، فحكم فيها ببطلان الصوم مع ترك الاغتسال قبلها، و بين الغسل الواجب لأجل صلاة المغرب، كما في المثال إذا استحاضت بعد صلاة الظهرين، فحكم فيه بعدم كون ترك الاغتسال موجبا للبطلان. و في العروة «2» جعل

______________________________

(1) تأتي في ص 86.

(2) العروة الوثقى 2: 23 مسألة 2432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم

و الاعتكاف، ص: 84

..........

______________________________

الاشتراط في الفرض الأوّل مقتضى الاحتياط الوجوبي.

و الدليل الوحيد في هذا الباب صحيحة علي بن مهزيار التي رواها المشايخ الثلاثة قال: كتبت إليه عليه السّلام: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز (يصحّ خ ل) صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السّلام: تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر (فاطمة خ ل) و المؤمنات من نسائه بذلك «1».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية: هذا يحتمل إرادة وجوب قضاء الصلاة و الصوم؛ بأن يكون إنكارا لا إخبارا، يعني: كيف تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟ بل تقضيهما معا؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر بذلك. و يحتمل أن يكون عدل عن جواب السؤال للتقيّة؛ لأنّ الاستحاضة عند العامّة حدث أصغر، و إنّما ذكر فيه حكم الحائض و النفساء دون المستحاضة، و يحتمل كون لفظ «ولاء» ممدودا؛ أي متواليا متتابعا، فيدلّ على قضاء الصلاة و الصوم، و قد حملها الشيخ على جهلها بوجوب الغسل، انتهى ما في الوسائل.

و في الرواية جهات من الكلام:

الاولى: التفكيك بين قضاء الصوم و قضاء الصلاة، مع أنّ مقتضى القاعدة قضاء الصلاة حتما؛ لأنّ الطهور أحد الخمسة المستثناة في حديث «لا تعاد» «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 136 ح 6، تهذيب الأحكام 4: 31 ح 937، الفقيه 2: 94 ح 419، علل الشرائع: 293 ح 1، منتقى الجمان 2: 501، و عنها وسائل الشيعة 2: 349، كتاب الطهارة، أبواب

الحائض ب 41 ح 7 و ج 10:

66، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.

(2) تقدّم في ص 78.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 85

..........

______________________________

و اجيب «1» عنها بأنّ التفكيك بين فقرات الحديث في الحجّية غير عزيز، فتطرح تلك الفقرة حملا على اشتباه الراوي في النقل.

الثانية: اشتمالها في بعض النسخ على أمر فاطمة عليها السّلام بذلك، مع أنّها لم تكن ترى حمرة أصلا، و يحتمل قويّا أن يكون الوجه في تسميتها عليها السّلام بذلك هو كونها قد فطمت من الدمّ، و إن كان يحتمل أن يكون في معناها أنّ الخلق قد فطموا عن كنه معرفتها، كما أنّه يحتمل أن يكون الوجه فيها هو أنّ اللّه قد فطم فاطمة و شيعتها و محبّيها من النار، كما في بعض الروايات «2».

و اجيب عنها بوجهين:

أحدهما: أن يكون المراد فاطمة اخرى، و هي بنت أبي حبيش المذكورة في روايات اخر «3»، و لا يخفى بعد هذا الوجه خصوصا مع التخصيص بالذكر.

ثانيهما: أن يكون المراد أمر الزهراء- سلام اللّه عليها- لأجل أن تعلم المؤمنات لا لعمل نفسها «4»، و لا يخفى بعد هذا الوجه أيضا، فالظاهر أن يقال بعدم وجود هذا الاسم الشريف في الرواية، كما في بعض نسخ نقلها «5».

الثالثة: لا ريب في دلالة الرواية على حكم الاستحاضة الكثيرة، و أمّا شموله للاستحاضة المتوسّطة بل القليلة فمشكل؛ من أنّ مورد السؤال هو المستحاضة التي يجب عليها الغسل لكلّ صلاتين، و هي ليست إلّا الكثيرة، و من أنّ المتفاهم منها

______________________________

(1) المجيب هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 207.

(2) بحار الأنوار 43: 12- 15 ح 3 و

4 و 8- 12، و هكذا.

(3) وسائل الشيعة 2: 276، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب 3 ح 4 و ص 281 ب 5 ح 1.

(4) المجيب هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 208.

(5) الفقيه 2: 144 ح 1989، طبع جامعة المدرّسين، علل الشرائع: 293 ب 224 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 86

..........

______________________________

مطلق الحدث من هذه الناحية و لو كانت قليلة، و لا خفاء في بعد الثاني و عدم دلالة الرواية على حكم الاستحاضة القليلة، و على تقدير الشكّ فالمرجع أصالة العدم.

الرابعة: عدم دلالة الرواية على التفصيل المذكور في المتن بالنسبة إلى الأغسال النهاريّة، و مرجعه إلى الغسل لكلّ صلاتين، إلّا أن يقال: إنّه يكفي في ناحية عدم المعلول عدم شي ء من أجزاء علّته، و لا يقدح فيه عدم الامور الاخر بوجه، فالمستحاضة الكثيرة على ما هو المفروض إذا تركت الغسل في مجموع شهر رمضان فقد تركت الأغسال النهاريّة طبعا. نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا عملت المستحاضة الأعمال الواجبة عليها من الغسل بالنسبة إلى اسبوع من شهر رمضان مثلا، لا يمكن لنا الحكم ببطلان صومها بالنسبة إلى ذلك الاسبوع و إن كان باطلا بالنسبة إلى غيره، كما لا يخفى.

أقول: و هذا و إن كان أمرا صحيحا في نفسه، إلّا أنّ البحث في دلالة الرواية على خصوصيّة للأغسال النهاريّة و عدمها، و الظاهر العدم. و أمّا الأغسال الليلية، فقد قال السيّد في العروة: و لا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة و إن كان أحوط. و كذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية؛ بمعنى أنّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها

لأجل ذلك. نعم، يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة «1»، و في المتن: «و لا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية، و يكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر، فصحّ صومها حينئذ على الأقوى».

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّه لا وجه لتخصيص الغسل فيها بالنهاري بعد

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 23- 24 مسألة 2432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 87

..........

______________________________

شمول قوله عليه السّلام: «من الغسل لكلّ صلاتين» للأغسال الليلية أيضا، بل استظهر الشمول لغسل الفجر و إن كان اللّفظ قاصرا، و المراد أنّها لم تعمل بوظيفتها من الغسل للصلوات، و لا يحتمل الفرق بين الغسل للفجر و بينه للظهرين و العشاءين.

نعم، لو كانت جملة: «لكلّ صلاتين» مذكورة في كلام الإمام عليه السّلام أمكن التفكيك بينهما، و لكنّه ليس كذلك. و عليه: فالمراد أنّها لم تعمل بوظيفتها و لم ترفع حدثها بالفعل؛ أي بالغسل. و عليه: فإذا لم تغتسل للّيلة الماضية حتى طلع الفجر فهي بمثابة الحائض التي دخلت في الصبح مع الحدث «1».

أقول: أمّا بالإضافة إلى الليلة المستقبلة- بأن كان الغسل فيها شرطا لصحّة صوم اليوم الماضي- فهو و إن كان ممكنا في مقام الثبوت؛ لما قرّر في علم الاصول في بحث الشرط المتأخّر و إمكان تصوّره كالشرط المقارن أو السابق، إلّا أنّه لا دليل عليه في مقام الإثبات و إن وقع الاحتياط الاستحبابي فيه، كما عرفت في كلام العروة؛ و هو الذي يستفاد من المتن باعتبار عدم التعرّض لاعتباره و شرطيّته.

و أمّا بالإضافة إلى الليلة الماضية، فالظاهر أنّه لا دليل عليه. نعم، إذا استمرّت الاستحاضة إلى

الطلوع فاغتسلت قبله لصلاة الليل أو الفجر يكفي، و في صورة عدم الاستمرار فربّما يقال: إنّه أيضا كذلك؛ لاتّصافها بالدخول في الصبح مع الحدث، فهي بمثابة الحائض كما مرّ، و بهذا يتحقّق الفرق بينه و بين ما لو حدثت الاستحاضة الموجبة للغسل بعد الإتيان بالظهرين قبل الغروب و انقطعت بعده قبل العشاءين.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 208- 209.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 88

..........

______________________________

ثمّ إنّه استظهر البعض المتقدّم أيضا أنّ المستفاد من الرواية- أي المتقدّمة- أنّ الدخيل في صحّة الصوم إنّما هو الغسل للصلاة؛ بأن تعمل المستحاضة ما هو وظيفتها من الأغسال، لا أنّ الغسل معتبر بنفسه للصوم كي يكون البقاء على حدث الاستحاضة مضرّا. و عليه: فلو اغتسلت بعد الفجر لصلاة الصبح كفى، و لا يلزمها الغسل قبل الفجر للصوم كي يتكلّم في أنّه يغني عن الغسل لصلاة الفجر، بل يجوز لها أن تبقى على حدثها و تغتسل بعد الفجر، بل قد يتأمّل في المشروعيّة قبله؛ للزوم الموالاة بين الغسل و الصلاة، و المفروض استمرار الدم الذي هو موجب للحدث إلخ «1».

و يرد عليه- مضافا إلى منافاته لاستظهاره المتقدّم؛ لأنّه كان مبنيّا على أنّ حدث الاستحاضة كحدث الحيض الذي دخلت المرأة في الصبح معه، و المتفاهم العرفي من الرواية أيضا ذلك-: أنّه و إن كان لا دليل على مدخليّة غير الاغتسال من الأعمال الواجبة عليها- كتغيير الخرقة و القطنة و نحوه- في صحّة الصوم، و لذا صرّح السيّد في العروة «2» بعدم الدخالة و إن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك، و يمكن إسناده إلى المتن من جهة عدم التعرّض لغير الغسل من تلك الأعمال، إلّا أنّ ذلك

لا ينافي كون دخالته- كحدث الحيض- من ناحية الاتّصاف بذلك.

و حينئذ فصحّة الصوم في المثال المفروض ممنوعة، بل الظاهر لزوم تقديم الغسل على الفجر، غاية الأمر أنّه حيث يكون اغتسالها للصلاة، فاللازم أن

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 209- 210.

(2) العروة الوثقى 2: 24 ذ مسألة 2432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 89

[مسألة 7: فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس.]

مسألة 7: فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس. نعم، فيما يفسده البقاء على الجنابة و لو عن غير عمد- كقضاء شهر رمضان- فالظاهر بطلانه به (1).

[مسألة 8: لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت]

مسألة 8: لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت، كما لا يضرّ مسّه به في أثناء النهار (2).

______________________________

يكون ذلك بالإضافة إلى صلاة الليل أو صلاة الفجر. و أمّا أصل الإتيان بالصلاة بحيث لو اغتسلت للصلاة و لم تصلّ أو صلّت و فقدت شرطا من شرائط الصلاة، فالظاهر أنّه لا يستفاد من الرواية ذلك، كما أنّه لا دليل على التعدّي عن مورد الرواية بالنسبة إلى غير شهر رمضان حتى القضاء، فالمرجع في ذلك أصالة البراءة، مضافا إلى الأدلّة الواردة في النواقض المطلقة و حصرها، فتدبّر.

(1) لا إشكال في أنّ فاقد الطهورين لا يسقط عنه وجوب الصوم، بل يصحّ صومه و إن كان متعمّدا في الإجناب، و كذا في حدوث حدث الحيض أو النفاس؛ لأنّه يستحيل له رفع الحدث في مفروض المسألة، فلا بدّ من أن يقال: إمّا بسقوط الوجوب و لا سبيل إليه، أو بصحته مع شي ء من الأحداث المذكورة. نعم، في قضاء شهر رمضان مع عدم التضيّق قد عرفت أنّ الإصباح جنبا قادح في الصوم و إن لم يكن عن عمد، فالحكم هنا كذلك؛ أي لا مجال له القضاء مع الوصف المذكور.

(2) لعدم الدليل على مفطريّة مسّ الميّت و إن كان موجبا لغسله، من دون فرق بين أن يتحقّق ذلك في الليل أو النهار.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 90

[مسألة 9: من لم يتمكّن من الغسل- لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم]

مسألة 9: من لم يتمكّن من الغسل- لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم؛ و لو لضيق الوقت- وجب عليه التيمّم للصوم، فمن تركه حتّى أصبح كان كتارك الغسل. و لا يجب عليه البقاء على التيمّم مستيقظا حتّى يصبح و إن كان أحوط (1).

[مسألة 10: لو استيقظ بعد الصبح محتلما]

مسألة 10: لو استيقظ بعد الصبح محتلما، فإن علم أنّ جنابته حصلت في الليل صحّ صومه إن كان مضيّقا إلّا في قضاء شهر رمضان، فإنّ الأحوط فيه الإتيان به و بعوضه؛ و إن كان جواز الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة. و إن كان موسّعا بطل إن كان قضاء شهر رمضان، و صحّ إن كان غيره أو كان مندوبا، إلّا أنّ الأحوط إلحاقهما به. و إن لم يعلم بوقت وقوع الجنابة، أو علم بوقوعها نهارا، لا يبطل صومه من غير فرق بين الموسّع و غيره و المندوب، و لا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب على كلّ من أجنب

______________________________

(1) من لم يتمكّن من الغسل بسبب فقدان الماء أو بغيره من الأسباب- و لو كان هو ضيق الوقت- تنتقل وظيفته إلى التيمّم، و هو يكفي بدله، كما هو مفاد قوله عليه السّلام «التيمّم أحد الطهورين». و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يكفيك الصعيد عشر سنين» «1».

ثمّ إنّه لا يجب على المتيمّم البقاء على التيمّم مستيقظا حتّى يصبح، و منشأ توهّم الوجوب بطلان التيمّم بمجرّد النوم، فيصدق البقاء على الجنابة مثلا متعمّدا، و الوجه في العدم أنّ النوم كما يؤثّر في بطلان التيمّم كذلك يؤثّر في بطلان الغسل؛ و لأجله يجب التوضّؤ للصلاة إذا اغتسل قبل النوم، و من الواضح عدم لزوم تكراره بل جواز النوم

بعده. نعم، مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك كما في المتن.

______________________________

(1) تقدّما في ص 81.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 91

بالنهار بدون اختيار؛ و إن كان أحوط (1).

______________________________

(1) لو استيقظ بعد الصبح محتلما ففي المسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا علم أنّ جنابته الحاصلة في النوم قد حصلت في الليل قبل طلوع الفجر، فإن كان الصوم واجبا مضيّقا يصحّ صومه؛ لما عرفت من أنّ المفطر هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر، و المحتلم في النوم ليس بمتعمّد أصلا، و قد استثنى منه في المتن قضاء شهر رمضان المضيّق، و احتاط فيه بالإتيان به و بعوضه بعد انقضاء شهر رمضان الآتي و إن حكم بجواز الاكتفاء بالعوض كذلك- أي بعد شهر رمضان- على سبيل نفي الخلوّ عن القوّة، و هو يدلّ على كون احتياطه استحبابيّا لا وجوبيّا مطلقا، و الوجه في الاحتياط واضح.

و أمّا جواز الاكتفاء بالعوض فلبطلان الصوم في القضاء بالإصباح جنبا و إن لم يكن متعمّدا، كما عرفت، و المفروض تضيّقه و عدم إمكان الإتيان به قبل رمضان، فلا محالة يجوز الاكتفاء به بعده، و إن كان غير واجب مضيّق بل موسّعا؛ سواء كان واجبا أو مندوبا، فقد فصّل في المتن بينهما بالبطلان في الأوّل إذا كان قضاء شهر رمضان، و بالصحّة في غيره، إلّا أنّه احتاط استحبابا بإلحاق الصورتين بالواجب المضيّق، و الوجه في التفصيل ما عرفت، و في الاحتياط واضح.

الصورة الثانية: إذا شكّ في زمان الاحتلام و حدوث الجنابة، و أنّه كان قبل طلوع الفجر أو بعده، أو علم بالوقوع في النهار و بعد طلوع الفجر، و قد حكم فيها بعدم البطلان في جميع فروضها، مضيّقا كان

الواجب، أو موسّعا، أو كان مندوبا، و الوجه فيه- مضافا إلى عدم كون الاحتلام من الامور الاختياريّة فلا وجه لبطلان الصيام به-: الروايات الواردة في هذه المسألة التي عمدتها صحيحة عبد اللّه ابن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 92

[مسألة 11: من أجنب في الليل في شهر رمضان]

مسألة 11: من أجنب في الليل في شهر رمضان، جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين، بل و أزيد، خصوصا مع اعتياد الاستيقاظ، فلا يكون نومه حراما؛ و إن كان الأحوط شديدا ترك النوم الثاني فما زاد. و لو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع

______________________________

و الحجامة، الحديث «1» و تؤيّدها الروايات الاخر و إن كانت غير نقيّة السند.

و لا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب على كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار؛ لعدم الدليل على وجوب البدار و إن كان مقتضى الاحتياط ذلك، و قد ورد في مرسلة مضمرة قوله عليه السّلام: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل، الحديث «2».

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الصحيحة- و أنّ الاحتلام بعنوانه لا يكون مفطرا- أنّه لا فرق في ذلك بين الاحتلام غير الاختياري المحض، و بينه مع الانتهاء إلى الاختيار، كما فيما لو علم لأجل العادة أو غيرها بأنّه لو نام يحتلم؛ فإنّه لا مانع له من النوم و لا يكون ممنوعا منه في النهار، لإطلاق الصحيحة من ناحية، و عدم الانصراف فيها بتخيّل اتّصاف الفرد المذكور بالندرة؛ للمنع صغرى و كبرى، مضافا إلى عدم شمول العناوين الممنوعة في الروايات

من الجماع أو إتيان الأهل، أو العبث بها، أو اللزوق أو أمثال ذلك للاحتلام قطعا، فلا وجه لعدم جواز النوم في المورد المفروض، فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 260 ح 775، الاستبصار 2: 90 ح 288، و عنهما وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 320 ح 982، المقنعة: 348، و عنهما وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 93

الفجر، فإن كان بانيا على عدم الاغتسال لو استيقظ، أو متردّدا فيه، أو غير ناو له- و إن لم يكن متردّدا و لا ذاهلا و غافلا- لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة، فعليه القضاء و الكفّارة كما يأتي، و إن كان بانيا على الاغتسال لا شي ء عليه؛ لا القضاء و لا الكفّارة. لكن لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط- لو استيقظ ثمّ نام و لم يستيقظ حتّى طلع الفجر- بالجمع بين صوم يومه و قضائه و إن كان الأقوى صحّته.

و لو انتبه ثمّ نام ثانيا حتّى طلع الفجر بطل صومه، فيجب عليه الإمساك تأدّبا و القضاء. و لو عاد إلى النوم ثالثا و لم ينتبه فعليه الكفّارة أيضا على المشهور، و فيه تردّد، بل عدم وجوبها لا يخلو من قوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط. و لو كان ذاهلا و غافلا عن الاغتسال، و لم يكن بانيا عليه و لا على تركه، ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان، أوجههما اللحوق بالثاني (1).

______________________________

(1) وقع التعرّض في هذه المسألة لحكم النوم قبل الاغتسال لمن أجنب في الليل في

شهر رمضان؛ سواء كانت جنابته اختياريّة كالجماع و نحوه، أو غير اختياريّة كالاحتلام، و فيه فرضان:

الأوّل: صورة احتمال الاستيقاظ حتى بعد انتباهة أو انتباهتين، بل و أزيد خصوصا مع اعتياد الاستيقاظ، كما ربما يشاهد في بعض الأفراد و فرض تحقّق الاستيقاظ و الغسل قبل طلوع الفجر.

و في هذا الفرض لا يكون نومه حراما و إن احتاط شديدا ترك النوم الثاني فما زاد، و سيأتي بيان وجهه إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: لو نام مع احتمال الاستيقاظ فضلا عن العلم به، فلم يستيقظ حتى طلع الفجر، و فيه صور:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 94

..........

______________________________

الاولى: ما لو كان بانيا على عدم الاغتسال لأجل فسقه و عدم مبالاته بالشئون الدينيّة و الوظائف الشرعيّة، أو متردّدا فيه، أو غير ناو للاغتسال و إن لم يكن متردّدا و لا ذاهلا و غافلا، فلا إشكال في كونه من المصاديق الظاهرة لتعمّد البقاء؛ لعدم الفرق في تحقّق التعمّد بين صورة الاستيقاظ إلى الطلوع و ترك الاغتسال قبله، و بين ما لو كان بانيا على عدم الاغتسال لو استيقظ و إن كان يجري في الثاني احتمال التوبة و العزم على الغسل لو استيقظ قبله، و لكنّه لا يجدي بالإضافة إلى الوصف الفعلي؛ و هو البناء على عدم الاغتسال و استمرار النوم إلى الطلوع.

كما أنّه لا فرق بين صورة البناء على عدم الاغتسال مع الاستيقاظ، و بين صورة الترديد فيه، بل و صورة عدم نيّة الاغتسال و إن كانت مع عدم الترديد؛ لأنّ الصوم عبارة عن النيّة على ترك المفطرات في الزمن المخصوص مقترنا بقصد التقرّب، و المفروض في هذه الصور بأجمعها عدم تحقّق النيّة المعتبرة، فاللازم عليه

القضاء و الكفّارة على ما تأتي.

الثانية: عكس الصورة السابقة؛ و هي ما لو كان بانيا على الاغتسال و عازما عليه و لكن استمرّ نومه إلى الطلوع و لم يستيقظ قبله أصلا، و في المتن حكم بأنّه لا شي ء عليه لا القضاء و لا الكفّارة، لكن استدركه بقوله: «لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط- لو استيقظ ثمّ نام و لم يستيقظ حتى طلع الفجر- بالجمع بين صوم يومه و قضائه و إن كان الأقوى صحّته» إلخ.

أقول: أمّا وجه الصحّة و أنّه لا شي ء عليه لا القضاء و لا الكفّارة؛ فلأنّه و إن صار جنبا و لو اختيارا، إلّا أنّه مع البناء على الاغتسال و العزم عليه و استمرار النوم إلى الطلوع- الذي لا محالة يكون أمرا غير اختياري- لا وجه للحكم بالبطلان.

نعم، هنا روايات لا بدّ من ملاحظتها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 95

..........

______________________________

فنقول:

منها: رواية أبي سعيد القماط، أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال: لا شي ء عليه، و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال «1». و مقتضى التعليل عدم الفرق بين النومة الاولى و غيرها، كما أنّ مقتضى إطلاق السؤال و الجواب عدم الفرق بين الجنابة الاختياريّة و غير الاختياريّة.

و منها: رواية العيص بن القاسم، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: لا بأس «2». و نفي طبيعة البأس ظاهر في عدم وجوب القضاء و لا الكفّارة، كما أنّ موردها النومة الاولى، فلا دلالة لها على عدم البأس في غيرها؛ لعدم

الملازمة.

و منها: رواية سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال: عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر، الحديث «3».

و منها: رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي، عن الفقيه عليه السّلام قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه «4»، و ظاهرها البطلان، و لا ينافي وجوب الإمساك عليه لأجل شهر رمضان، كما هو المراد من الرواية السابقة ظاهرا.

______________________________

(1) الفقيه 2: 74 ح 322، و عنه وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1.

(2) تقدّمت في ص 75.

(3) تقدّمت بكاملها في ص 77.

(4) تقدّمت في ص 74.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 96

..........

______________________________

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليل، أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال: يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه «1». و يمكن أن يكون الأصل: إذ أفطر.

و منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح. قال: يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا. قال: و قال: إنّه حقيق (لخليق خ ل) أن لا أراه يدركه أبدا «2».

و الأخيرتان ظاهرتان في التفصيل بين صورة تعمّد ترك الغسل حتى الإصباح فيجب

عليه القضاء غير المنافي لوجوب الكفّارة عليه أيضا، أو وجوب الكفّارة الظاهر في وجوب القضاء أيضا، كما في جميع موارد الثبوت في الصوم، و بين غير هذه الصورة فلا يجب عليه شي ء، لا القضاء و لا الكفّارة.

و يمكن أن يقال: إنّ مراد الأخيرتين من تعمّد ترك الغسل حتّى الإصباح البناء على عدم الاغتسال حتى مع الاستيقاظ، كما في صحيحة أبي بصير، و به يجمع بين الاوليين و المتوسطتين، بحمل ما دلّ على أنّه لا شي ء عليه، أو لا بأس به على صورة عدم البناء المذكور، و حمل ما دلّ على لزوم القضاء أو الكفّارة على صورة البناء المذكور، و به يرتفع التعارض و ينقطع التخاصم، كما لا يخفى.

و لا يبقى حينئذ مجال لما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في الشرح من أنّ المقام من

______________________________

(1) الكافي 4: 105 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.

(2) تقدّمت في ص 74.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 97

..........

______________________________

موارد انقلاب النسبة، نظرا إلى أنّ الطائفتين الاوليين متعارضتان بالتباين، و لكنّ الثالثة أخصّ من الاولى فتتقيّد بها، و بعدئذ تنقلب النسبة بينها و بين الثانية من التباين إلى العموم و الخصوص المطلق، فتتقيّد الثانية بها، فتكون النتيجة اختصاص البطلان و الحكم بالقضاء بل الكفّارة بصورة العمد، و أمّا إذا كان عن غير عمد فلا شي ء عليه «1».

هذا كلّه بالإضافة إلى النومة الاولى التي يكون المراد بها في الجنابة الاختياريّة هو النوم الحاصل بعد العلم بها، و في الاحتلام الذي هي جنابة غير اختياريّة هو الاستيقاظ بعد التوجّه به و النوم

بعده. و أمّا النومة الثانية فقد حكم فيها في المتن ببطلان الصوم و وجوب القضاء، غاية الأمر لزوم الإمساك في شهر رمضان تأدّبا، و الظاهر أنّه هو المعروف، و تدلّ عليه روايتان:

إحداهما: صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال: ليس عليه شي ء. قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح؟ قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة «2»، بحمل الصدر ناظرا إلى النومة الاولى، و الذيل على النومة الثانية، و المراد من كلتا الجملتين صورة عدم التعمّد إلى ترك الاغتسال قبل طلوع الفجر، و لا مجال لحمل الجملة الاولى فقط على صورة عدم التعمّد، و الثانية على صورة التعمّد، بعد ظهور الرواية في اشتراكهما في الموضوع و اختلافهما في الحكم فقط، خصوصا مع ملاحظة التعبير بقوله عليه السّلام: «عقوبة» الظاهر في أنّ ذلك ليس لأجل التعمّد المقتضي لوجوب القضاء

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 225.

(2) تهذيب الأحكام 4: 212 ح 615، الاستبصار 2: 87 ح 271، و عنهما وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 98

..........

______________________________

على القاعدة، بل لأجل التسامح في إيجاد الغسل، فيحتاج إلى نوع من التنبيه، كما في مورد نسيان النجاسة الذي هو أمر غير اختياري.

ثانيتهما: صحيحة ابن أبي يعفور- الذي ثبتت وثاقته من رواية أجلّاء الرواة و أعاظمهم عنه، كما نقلناه في كتاب الاجتهاد و التقليد عن سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي قدّس سرّه «1» قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ (حتّى

خ ل) يستيقظ، ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح؟ قال: يتمّ يومه (صومه خ ل) و يقضي يوما آخر، و إن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ (صومه خ ل) يومه و جاز له «2». و في تعليقة الوسائل نقلا عن التهذيبين: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح، قال يتمّ صومه (يومه صا)، و في أخره: أتمّ يومه «3».

و الرواية على هذا لا تكون متعرّضة لحكم النومة الثانية الذي هو محلّ الكلام؛ و لأجله ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ الاختلاف لا يكون حينئذ من جهة اختلاف نسخ الوسائل، بل من جهة اختلاف المصادر، و الأمر دائر بين الزيادة و النقيصة، و لا يبعد أن يكون الترجيح مع الفقيه؛ لأنّه أضبط من التهذيبين من جهة الاشتباه الناشئ من الاستعجال في التأليف، حتى ادّعى صاحب الحدائق: أنّه قلّما توجد رواية خالية عن الخلل سندا أو متنا «4» فيهما و إن كان فيه مبالغة واضحة، إلى أن قال ما ملخّصه:

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد و التقليد: 239- 242 بحث في العدالة.

(2) الفقيه 2: 75 ح 323، تهذيب الأحكام 4: 211 ح 612، الاستبصار 2: 86 ح 269، و عنها وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.

(3) أي في وسائل الشيعة 7: 41، الطبعة الإسلاميّة، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي.

(4) الحدائق الناضرة 3: 156.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 99

..........

______________________________

إنّه إن لم تثبت الزيادة ففي صحيحة معاوية المتقدّمة غنى و كفاية، و إن ثبتت كان حالها حالها، بل الدلالة فيها أظهر، إذ قد فرض

فيها نومات ثلاث، نومة الجنابة، و نومة بعد الاستيقاظ عنها، و النومة الأخيرة المستمرّة إلى الصّباح، و قوله عليه السّلام في الذيل: «و إن لم يستيقظ» إلخ، لا يحتمل رجوعه إلى نومة الجنابة؛ لأنّ لازمه ترك التعرّض لما هو الأولى بالذكر، و هي النومة المتوسطة؛ فإنّ الإعراض عن حكم هذا و التعرّض لما هو واضح لدى كلّ أحد لعلّه مستبشع يصان عنه كلام الحكيم، فلا مناص من رجوعه إلى النومة الثانية- أي الاولى بعد الاحتلام-. أمّا الأخيرة فالمفروض استمرارها إلى الصباح، فلا معنى للرجوع إليها، كما هو ظاهر.

و لكنّه مع ذلك كلّه يمكن أن يكون قوله عليه السّلام: «و إن لم يستيقظ» إلخ، راجعا إلى الصدر؛ أي إذا لم يستيقظ من الجنابة أصلا حتى أصبح فلا شي ء عليه، و لعلّ هذا أوفق، و يكون موافقا لما في التهذيبين؛ فإنّ ما نقله الشيخ قدّس سرّه أقلّ تعقيدا ممّا نقله الصدوق قدّس سرّه، و تكون الرواية حينئذ من الروايات المطلقة الدالّة على لزوم القضاء في النوم الأوّل، و كيفما كان، فرواية الصدوق مجملة بالنسبة إلى هذا الحكم في النومة الثانية، فالمرجع في الوجوب حينئذ صحيحة معاوية بن عمار، و فيها الكفاية «1»، انتهى.

أقول: لا ينبغي الإشكال في كون قوله عليه السّلام في الذيل: «و إن لم يستيقظ» إلخ، راجعا إلى الصدر و عدلا آخر في مقابله، و المقصود إدامة الجنابة و استمرار نومه إلى الطلوع مع البناء على الاغتسال قبله- كما هو المفروض في محلّ البحث- من دون تحقّق استيقاظ في البين أصلا، و هذا ربّما يؤيّد عدم كون الجملة السابقة متعرّضة

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 228- 230.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم

و الاعتكاف، ص: 100

..........

______________________________

لحكم النومة الثالثة، بل غايتها التعرّض لحكم النومة الثانية و وجوب القضاء فيها، كما أنّه ربما يؤيّد أنّ الرواية مشتملة على كلمة «حتى» في صدر الرواية، و المقصود البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر، و يشعر بذلك أمران.

أحدهما: عدم ذكر المنام في هذه المرحلة.

و الثاني: أنّ المراد من إجناب الرجل نفسه و صيرورته متّصفا بالجنابة لا يكون المقصود منه الاحتلام فقط، بل يشمل الجنابة الاختياريّة الحاصلة في حال اليقظة غالبا.

و عليه: فيبدو أنّ المراد من قوله عليه السّلام: «حتى يستيقظ» هو البناء على الاغتسال بعد الاستيقاظ قبل طلوع الفجر و إن وقع التعبير ب «ثمّ» في نقل التهذيبين و الفقيه، و كيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال في دلالة الرواية على وجوب القضاء بالإضافة إلى النومة الثانية، كما في المتن.

و أمّا النومة الثالثة، فقد تردّد فيها في وجوب الكفّارة أيضا، كما عليه المشهور و إن قال فيه: «لا ينبغي ترك الاحتياط»، و الظاهر أنّه لا دليل على وجوبها سوى أمرين:

أحدهما: الملازمة بين وجوب القضاء الثابت هنا بطريق أولى، و وجوب الكفّارة، و الظاهر عدم ثبوتها و عدم الدليل عليها، بل الدليل على العدم، كما عرفت بالإضافة إلى النومة الثانية.

ثانيهما: ادّعاء الإجماع في جملة من الكلمات، مع أنّه من الواضح عدم حجّيّة الإجماع المنقول، كما قد قرّر في الاصول، مضافا إلى أنّ الإجماع على تقدير ثبوته لا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام بعد القطع، بل احتمال كون المستند الروايات، و هي خالية عن الدلالة على وجوب الكفّارة. نعم، ينبغي مراعاة الاحتياط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 101

[السادس: تعمّد الكذب على اللّه تعالى و رسوله و الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- على الأقوى]

اشارة

السادس: تعمّد الكذب على اللّه تعالى

و رسوله و الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- على الأقوى، و كذا باقي الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام على الأحوط، من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا، و بين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية و نحوها؛ ممّا يصدق عليه الكذب عليهم عليهم السّلام، فلو سأله سائل: هل قال النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا»، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه. و كذا لو أخبر صادقا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال: ما أخبرت به عنه كذب، أو أخبر عنه كاذبا في الليل، ثمّ قال في النهار: إنّ ما أخبرت به في الليل صدق، فسد صومه. و الأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها، كالإخبار كاذبا بأنّه فعل كذا، أو كان كذا. و الأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّي إلى الإخبار؛ بأن كان هاذلا أو لاغيا (1).

______________________________

لذهاب المشهور «1» إليه، كما عرفت.

الصورة الثالثة: ما لو كان ذاهلا و غافلا عن الاغتسال بوجه لا يكون بانيا على فعله و لا بانيا على تركه، و قد ذكر وجهين في اللحوق بالأوّل أو الثاني، و جعل الأوجه اللحوق بالثاني؛ أي في وجوب القضاء عليه، و لعلّ الوجه فيه ما عرفت من كون الصوم أمرا عباديا يعتبر فيه قصد الإمساك عن المفطرات التي منها تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر، و لا يلائمه عدم البناء و لو كان منشؤه الذهول و الغفلة.

(1) لا إشكال و لا خلاف «2» في ثبوت الحرمة التكليفيّة في الكذب على اللّه- تعالى- و رسوله و الأئمّة صلوات اللّه عليهم، و كذا غيرهم، خصوصا الأنبياء و

الأوصياء عليهم السّلام.

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 355- 356، جواهر الكلام 16: 275، مستمسك العروة 8: 298.

(2) رياض المسائل 5: 322، جواهر الكلام 16: 223- 224، المستند في شرح العروة 21: 131.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 102

..........

______________________________

إنّما الكلام في ثبوت الحرمة الوضعيّة الراجعة إلى المفطريّة للصوم، فالمنسوب إلى المشهور المفطريّة- بل ادّعى بعض القدماء منهم الإجماع عليها- بالنسبة إلى الثلاثة الاولى «1» المذكورة في المتن، و إلى المشهور بين المتأخّرين العدم «2» و إن كان يوجب النقص في الصوم لكنّه لا يكون مفطرا له، و لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال، فنقول:

منها: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل كذب في رمضان؟ فقال: قد أفطر و عليه قضاؤه، فقلت: فما كذبته؟ قال: يكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله «3».

و رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين، و الظاهر عدم ثبوت التعدّد في البين و إن زاد في إحداهما مكان السؤال في الاخرى قوله عليه السّلام: «و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد».

و منها: موثقة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم، قال: قلت: هلكنا، قال: ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام «4». و رواها في الوسائل أيضا في باب واحد مرّتين

______________________________

(1) الانتصار: 184- 185، غنية النزوع: 138، رياض المسائل 5: 341- 342، جواهر الكلام 16: 224، مستمسك العروة الوثقى 8: 252.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 54، مختلف الشيعة 3: 268 مسألة 24، السرائر 1:

375- 376، مسالك

الأفهام 2: 16، مدارك الأحكام 6: 46 و 88.

(3) تهذيب الأحكام 4: 189 ح 536 و ص 203 ح 586، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 20 ح 8، و عنهما وسائل الشيعة 10: 33 و 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1 و 3.

(4) تهذيب الأحكام 4: 203 ح 585، الكافي 2: 340 ح 9 و ج 4: 89 ح 10، معاني الاخبار: 165 ح 1، نوادر ابن عيسى: 24 ح 14، و عنها وسائل الشيعة 10: 33- 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2 و 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 103

..........

______________________________

مع اختلاف يسير، كما أنّ الاختلاف حاصل بالنسبة إلى النقلين في الرواية الاولى من حيث الاشتمال على نقض الوضوء أيضا و عدمه. و قد نوقش «1» في الاستدلال بالرواية للحكم الوضعي- و هو البطلان- بوجوه:

الأوّل: ضعف السند و عدم صحّة التعويل عليه.

و الجواب: أنّ المبنى كما قرّر في الاصول عدم اعتبار أكثر من الوثاقة في الرواة، و لا يعتبر أن يكون الراوي في جميع الطبقات عدلا إماميّا، كما هو مبنى صاحب المدارك.

الثاني: منافاتها لما دلّ على انحصار المفطرات بالثلاث أو الأربع، كما تقدّم، و مقتضى الجمع حمل الرواية في المقام على مرتبة الكمال غير المنافية للاتّصاف بأصل الصحّة الذي هو المراد في الفقه.

و يؤيّد هذه المناقشة ما ورد في جملة من الروايات من بطلان الصوم بالغيبة و الافتراء و الفحش و أشباه ذلك من كلّ ما لا يقدح في أصل الصحّة، بل له دخل في الاتّصاف بالكمال، ففي رواية عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله في حديث قال:

و من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه و نقض وضوءه، فإن مات و هو كذلك مات و هو مستحلّ لما حرّم اللّه «2».

و يؤيّدها أيضا دلالة الرواية في بعض النقول على انتقاض الوضوء أيضا بذلك، مع أنّه من المعلوم العدم، كما قرّر في نواقض الوضوء.

و الجواب: أنّه لا بدّ من التصرف فيما يدلّ على انحصار المفطرات بالثلاث أو الأربع؛ لضرورة كونها أزيد من ذلك، و كيفيّة التصرّف هو حمل المطلق على المقيّد،

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 133- 138.

(2) عقاب الأعمال: 335، و عنه وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 104

..........

______________________________

و هذا الحمل يجري في المقام بعد اعتبار الرواية لأجل الوثاقة، و عطف قضاء الوضوء بقضاء الصوم لا يقدح في ذلك بعد قيام الدليل على عدم الانتقاض في الوضوء، و إمكان التفكيك في رواية واحدة بين جملتين.

الثالث: قد عرفت أنّه قد ورد في موثقة سماعة على أحد النقلين قوله عليه السّلام: «قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم» إلخ، و ظاهره عدم بطلان الصوم بسبب ذلك، غاية الأمر لزوم القضاء عليه.

و الجواب:- مضافا إلى ما عرفت من أنّ الظاهر عدم تعدّد الموثقة، و هذا التعبير واقع في أحد النقلين فقط، فلم يثبت وجوده بعد دوران الأمر بين الزيادة و النقيصة- ما افيد من أنّ قوله عليه السّلام: «قد أفطر و عليه قضاؤه» ظاهر في البطلان، و قوله عليه السّلام:

«و هو صائم» دالّ على الصحّة، و الأمران متنافيان؛ لعدم إمكان الجمع بينهما، فلا بدّ أنّ يقال بإجمال الرواية و لزوم

حمل قوله عليه السّلام: «و هو صائم» على أحد امور:

الأوّل: أن يراد بالصوم معناه اللغوي الذي هو عبارة عن مطلق الإمساك، و مرجعه إلى عدم صحّة الصوم و لزوم الإمساك تأدّبا و إن استبعده بما قرّره في الاصول؛ من أنّ استعمال الجملة الفعليّة الظاهرة في الخبريّة في مقام الإنشاء و إن كان كثيرا شائعا، إلّا أنّ استعمال الجملة الاسميّة في هذا المقام غير متعارف و غير معهود.

الثاني: أنّ الراوي حيث سأل عن مطلق الكذب في شهر رمضان من غير فرض كون الرجل صائما، و لعلّ في ذهنه أنّ لشهر رمضان أحكاما خاصّة، و من الجائز أن تكون للكذب في هذا الشهر الشريف خصوصيّة من كفّارة و غيرها و إن لم يكن الكاذب صائما، فقيّده الإمام عليه السّلام بأنّه قد أفطر و عليه القضاء إذا كان صائما، و أمّا غير الصائم كالمسافر و المريض و نحوهما فلا شي ء عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 105

..........

______________________________

و أفاد أنّ هذا الوجه أبعد من سابقه جدّا، و لا يكاد يساعده الفهم العرفي؛ لعدم معهوديّة التعبير عن هذا المقصود بمثل ذلك، كما لا يخفى.

الثالث: حمل قوله عليه السّلام: «و هو صائم» على حقيقته، أي على مرتبة من الصحّة، و حمل قوله عليه السّلام: «أفطر» على الادّعاء و التنزيل، فهو مفطر تنزيلا و صائم واقعا، و هذا الوجه أيضا مخالف للظاهر، إذ حمل إحدى الجملتين على التنزيلي و الادّعائي، و الاخرى على الواقعي خلاف الظاهر.

الرابع: الحمل على الصوم الإضافي؛ أي إذا كان ممسكا من غير هذه الناحية، فهو مفطر من جهة الكذب و إن كان صائما من غير هذه الناحية، قال: و هذا مع بعده

في نفسه أقرب من غيره.

أقول: لا مجال لحمل قوله عليه السّلام: «قد أفطر» على خلاف معناه الظاهر، بقرينة قوله عليه السّلام: بعده: «و عليه قضاؤه». و عليه: فقوله عليه السّلام: «و هو صائم»- بناء على أحد النقلين كما عرفت- لا بدّ و أن يحمل على لزوم الإمساك تأدّبا، و لأجله لا نسلّم عدم جواز استعمال الجملة الاسميّة و إرادة المعنى الإنشائي و كونه خلاف المعهود، كما قرّره «1» في محلّه. فالمراد البقاء على الصوم الذي كان فيه قبل ذلك و الاستمرار عليه و إن كان باطلا و يجب عليه قضاؤه، كما هو المصرّح به فيها.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحّة ما قوّاه في المتن من مفطريّة تعمّد الكذب على اللّه أو على الرسول أو على الأئمّة عليهم السّلام، و قد وقع التعبير بالتعمّد في الموثقة، و أمّا باقي الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام فكون تعمّد الكذب بالإضافة إليهم مفطرا، فهو إمّا لأجل رجوع الكذب عليهم بالكذب على اللّه، و هو ممنوع، خصوصا بناء على

______________________________

(1) أي السيّد الخوئي قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 106

..........

______________________________

عدم الاختصاص بالأمور الأخرويّة و الشمول للأمور الدنيويّة، كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى. و إمّا لعدم الفرق من جهة العصمة، و هو ممنوع كبرى و صغرى، فتدبّر، و لكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط رعاية هذا الأمر بالنسبة إليهم أيضا.

و أمّا عدم الفرق بين الامور الاخرويّة و الشئون الدنيويّة- مع أنّ المحكي عن كاشف الغطاء التخصيص بالأوّل «1» استنادا إلى الانصراف الذي هو غير ظاهر- فالوجه فيه إطلاق ما دلّ على المفطريّة و إن كان يبدو في النظر أنّ تعمّد الكذب

عليهم يرجع عرفا إلى سريان الكذب و لو تدريجا إلى بيانهم للأحكام الشرعيّة و يوجب التزلزل فيه، و إلّا فمن البعيد أن تكون نسبة القيام إلى النبيّ أو الأئمّة عليهم السّلام مكان القعود، أو النوم مكان اليقظة، أو السفر مكان الحضر موجبة لبطلان الصوم و إن كان الإطلاق مقتضيا له.

ثمّ إنّ المعيار هو تعمّد الكذب على هؤلاء المعصومين عليهم السّلام؛ سواء كان بالقول أو بالكتابة أو بالكناية أو بالإشارة، فيتحقّق هذا العنوان في الموارد المذكورة في المتن، مثل تكذيب النفس في النهار مع الإخبار عنهم بالصدق في الليل، و أمثال ذلك من الموارد.

و على ما ذكرنا فيشكل الأمر بالإضافة إلى المبلّغين و الناطقين عنهم في شهر رمضان على رءوس المنابر و غيرها، و اللازم مراعاة الاحتياط؛ و هي تتحقّق بالإسناد إلى الرواية أو الكتاب الذين ينقلون عنهما، و لا يجوز لهم الإسناد إليهم عليهم السّلام مستقيما إلّا مع اعتبار الرواية و النقل، و هي قليلة، خصوصا في غير باب الأحكام الشرعيّة من العقائد و الأخلاق و المواعظ و غيرها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) كشف الغطاء 4: 39.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 107

[مسألة 12: لو قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ]

مسألة 12: لو قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ، و كذا إذا قصد الكذب فبان صدقا و إن علم بمفطريّته (1).

[مسألة 13: لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولا له أو لغيره]

مسألة 13: لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولا له أو لغيره، كما إذا كان مذكورا في بعض كتب التواريخ أو الأخبار إذا كان على وجه الإخبار. نعم، لا يفسده إذا كان على وجه الحكاية و النقل من شخص أو كتاب (2).

______________________________

نعم، لا ينبغي الإشكال في عدم الشمول لصورة الهزل و المزاح و اللغو و مثله ممّا لا يقترن بالقصد الجدّي أصلا.

(1) حيث إنّ المأخوذ في عنوان المفطر هو التعمّد المضاف إلى الكذب، كما مرّ في الرواية، فإذا انتفى شي ء من الأمرين: التعمّد و الكذب، تنتفي المفطريّة، و المفروض في هذه المسألة التي حكم فيها بعدم الإضرار صورتان: صورة عدم التعمّد، و صورة الصدق و عدم قصد الكذب، و الحكم بعدم الإضرار في الصورة الثانية مبنيّ على عدم كون قصد المفطر مفطرا، و إلّا فالظاهر البطلان، و قد مرّ التفصيل فيما تقدّم «1».

(2) مقتضى الإطلاق أنّه لا فرق في مفطريّة تعمّد الكذب بين أن يكون الكذب مجعولا لنفسه، أو مجعولا لغيره، كما إذا كان مذكورا في بعض كتب التواريخ أو الأخبار، و في المتن التفصيل في هذا بين ما إذا كان على وجه الإخبار، و بين ما إذا كان على وجه الحكاية و النقل من شخص أو كتاب، فحكم بالمفطريّة في الفرض الأوّل، و عدم الإفساد- أي للصوم- في الفرض الثاني، و الوجه في الثاني واضح؛ لأنّه لم ينسبه إلّا إلى غيره من الكتاب أو الشخص.

______________________________

(1) في 58- 60.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 108

[السابع: رمس الرأس في الماء على الأحوط و لو مع خروج البدن]

اشارة

السابع: رمس الرأس في الماء على الأحوط و لو مع خروج البدن، و لا يلحق المضاف بالمطلق. نعم، لا يترك الاحتياط في مثل الجلّاب

خصوصا مع ذهاب رائحته، و لا بأس بالإفاضة و نحوها ممّا لا يسمّى رمسا و إن كثر الماء، بل لا بأس برمس البعض و إن كان فيه المنافذ، و لا بغمس التمام على التعاقب؛ بأن غمس نصفه ثمّ أخرجه، و غمس نصفه الآخر (1).

______________________________

و أمّا الأوّل، ففي صورة العلم بالكذب و عدم مطابقة النسبة للواقع- كما هو المحقّق في تعريف الكذب في مقابل الصّدق- فواضح؛ لأنّ الذكر في الكتاب أو ذكر الشخص إيّاه لا يغيّره عن حقيقته، و المفروض العلم بذلك و بعدم المطابقة المذكورة.

و أمّا مع الظنّ أو الشك فضلا عن الوهم فالظاهر أيضا أنّ الأمر كذلك؛ لأنّ الظنّ لا يغني عن الحقّ شيئا إلّا مع قيام الدليل القطعي النقلي أو العقلي على اعتباره و الأخذ به، و قد ثبت في محلّه أنّ الشكّ في الحجّيّة أيضا يساوق القطع بعدمها، كما لا يخفى. و عليه: فمقتضى الاحتياط اللازم في مثل المورد المذكور الحكاية و النقل و النسبة إلى الكتاب أو الشخص لا الإخبار به، فتدبّر.

(1) قد وقع بينهم الاختلاف في مفطريّة رمس جميع الرأس في الماء، بل و في الحرمة التكليفيّة على تقدير العدم، فالمشهور بين الأصحاب هي المفطريّة «1»، و ذهب جماعة من الأجلّاء كالشيخ و المحقّق و العلّامة و الشهيد الثاني و آخرون إلى الحرمة التكليفيّة «2»، و عن السيّد المرتضى قدّس سرّه و ابن

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 227- 229، مستمسك العروة 8: 262- 263، المستند في شرح العروة 21: 160.

(2) الاستبصار 2: 85، شرائع الإسلام 1: 170، مختلف الشيعة 3: 270- 271، مسالك الأفهام 2: 16، مدارك الأحكام 6: 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص:

109

..........

______________________________

إدريس «1» و بعض آخر «2» القول بثبوت الكراهة و عدم الحرمة التكليفيّة أيضا، فلا يترتّب على فعله حتى الإثم فضلا عن القضاء و الكفّارة، و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال، فنقول:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصائم يستنقع في الماء و لا يرمس رأسه «3».

و منها: صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء «4». بناء على ظهور النهي في الإرشاد إلى الفساد؛ كقوله عليه السّلام: لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه «5»، و مثل ذلك من الموارد، و النهي بالإضافة إلى المحرم بلحاظ حرمة تغطية الرأس للرجال، كما قد حقّق في محلّه.

و منها: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه، و يتبرّد بالثوب، و ينضح بالمروحة، و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء «6».

و منها: مرفوعة الخصال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خمسة أشياء تفطر الصائم:

______________________________

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 54، السرائر 1: 386- 387.

(2) نسبه إلى ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 3: 270 مسألة 25.

(3) تهذيب الأحكام 4: 203 ح 587، الاستبصار 2: 84 ح 258، الكافي 4: 106 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عن الصائم ب 3 ح 7.

(4) الكافي 4: 106 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 203 ح 588، الاستبصار 2: 84 ح 259، و عنها وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 8.

(5) علل الشرائع:

342 ب 43 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 2 ح 7.

(6) الكافي 4: 106 ح 3، الاستبصار 2: 84 ح 260 و ص 91 ح 292، تهذيب الأحكام 4: 204 ح 591 و ص 262 ح 785، و عنها وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 110

..........

______________________________

الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام «1».

و منها: صحيحة اخرى لمحمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء «2».

و منها: ما رواه السيّد المرتضى قدّس سرّه بإسناده عن علي عليه السّلام قال: و أمّا حدود الصيام فأربعة حدود: أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب، و الثاني: اجتناب النكاح، و الثالث: اجتناب القي ء متعمّدا، و الرابع: اجتناب الاغتماس في الماء، و ما يتّصل بها و ما يجري مجراها و السنن كلّها «3».

و في مقابل هذه الروايات- التي لو لم تكن لها معارض لما كان محيص عن الذهاب إلى المفطريّة- موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: ليس عليه قضاؤه و لا يعودن «4». و الجواب ظاهر في عدم البطلان و ثبوت الحرمة التكليفيّة له.

______________________________

(1) الخصال: 286 ح 39، و عنه وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2

ح 6.

(2) تهذيب الأحكام 4: 189 ح 535 و ص 202 ح 584 و ص 318 ح 971، الاستبصار 2: 80 ح 244 و ص 84 ح 261، الفقيه 2: 67 ح 276، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 23 ح 16، و عنها وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1، و ص 166، أبواب آداب الصائم ب 11 ح 14، و في بحار الأنوار 96: 277 ح 24 عن نوادر ابن عيسى.

(3) رسالة المحكم و المتشابه، المطبوع في ج 3 جامع الأخبار و الآثار: 234، و عنه وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 3.

(4) تهذيب الأحكام 4: 209 ح 607 و ص 324 ح 1000، الاستبصار 2: 84 ح 263، و عنهما وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 111

..........

______________________________

و قد جمع بينهما بوجهين:

أحدهما: حمل الطائفة الاولى على مجرّد الحرمة التكليفيّة؛ لدلالة الموثقة على أنّه ليس عليه قضاؤه، الظاهر في عدم ثبوت الحرمة الوضعيّة.

و لكنّ الظاهر عدم صحّة هذا الحمل لإباء جملة منها عن ذلك، كصحيحة محمد ابن مسلم المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في البطلان، خصوصا مع جعل الارتماس في عداد الطعام و الشراب و النساء.

ثانيهما: حمل النهي في الأخبار الناهية على الكراهة الوضعيّة الناشئة من نقصان مرتبة الصوم، فيحمل الإضرار في الارتماس على الإضرار ببعض مراتبه، لا الصحّة المبحوث عن وجودها و عدمها في المقام.

و لكنّ الظاهر عدم صحّة هذا الحمل أيضا؛ لعدم تعقّل معنى صحيح للكراهة الوضعيّة

عند العرف، و لا بدّ من أن يكون الجمع مقبولا لدى العقلاء حتّى يصير بذلك خارجا عن موضوع الأخبار العلاجيّة، كالجمع بين العامّ و الخاصّ في مقام التقنين، و إلّا ففي غير هذا المقام أيضا هما متناقضان؛ لأنّ الموجبة الجزئيّة نقيض السالبة الكلّية، و السالبة الجزئيّة نقيض الموجبة الجزئيّة، كما في المنطق، إذا فلا محيص عن الالتزام بثبوت المعارضة و عدم إمكان الجمع بين الطرفين.

و حيث إنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من تلك الأخبار هي الشهرة الفتوائيّة، و الظاهر موافقتها للطائفة الاولى، فلا محيص عن الأخذ بها و الحكم بالبطلان في مورد الارتماس بنحو الفتوى أو بنحو الاحتياط المطلق، كما هو ظاهر المتن.

نعم، هنا أمران دخيلان في المفطريّة:

أحدهما: أن يكون الرمس المضاف إلى الرأس ظاهرا في تمامه، و قد وقع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 112

[مسألة 14: لو ألقى نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل]

مسألة 14: لو ألقى نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل، لم يبطل صومه إذا لم تقض العادة برمسه، و إلّا فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلّا مع القطع بعدمه (1).

______________________________

التصريح بذلك في بعض الروايات «1» لو لم نقل بظهوره في نفسه في ذلك، و يؤيّده عطف المحرم على الصائم، مع أنّ المنهي عنه بالإضافة إلى المحرم إذا كان رجلا هي تغطية الرأس، و يتفرّع على ذلك أنّه لو ارتمس بدنه في الماء دون رأسه لا يكون باطلا، كما أنّه يتفرّع عليه أنّه لو ارتمس بعض الرأس أوّلا، ثمّ أخرجه و ارتمس البعض الآخر لا يقدح ذلك في صومه؛ لعدم كون جميع الرأس في الماء في آن واحد، كما أنّه يظهر من ذلك عدم بطلان الإفاضة على الرأس مع عدم صدق

الرّمس، فجعل الرأس تحت مثل الانبوب في الحمامات و غيرها لا يوجب البطلان إلّا إذا كان الماء كثيرا جدّا بحيث يصدق مع الرمس، كما لا يخفى.

ثانيهما: أن يكون الرمس في الماء الذي يطلق عليه الماء، لا في المضاف الذي تكون الإضافة دخيلة في حقيقته، و لا يصدق عليه عنوان الماء بنحو الإطلاق، كماء الرّمان و سائر الفواكه. نعم، نهى في المتن عن ترك الاحتياط بالإضافة إلى الجلّاب خصوصا مع ذهاب رائحته، و الظاهر أنّ خصوصيّة الجلّاب إنّما هي كونه أقرب إلى الماء المطلق، خصوصا مع كونه في الأصل ماء، بخلاف ماء الفواكه كما لا يخفى.

(1) الوجه في ذلك هو أنّ النهي في أمثال المقام و لو كان إرشادا إلى الفساد و البطلان، إلّا أنّه لا بدّ أن يكون المنهيّ عنه مقدورا للمكلّف صادرا عنه باختيار و إرادة، فإذا لم تكن هناك عادة، أو قطع برمسه في المورد المفروض في المتن، بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 36 و 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2 و 7 و 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 113

[مسألة 15: لو ارتمس الصائم مغتسلا]

مسألة 15: لو ارتمس الصائم مغتسلا، فإن كان تطوّعا أو واجبا موسّعا، بطل صومه و صحّ غسله، و إن كان واجبا معيّنا، فإن قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس، بطل صومه و غسله على تأمّل فيه، و إن نواه بالمكث أو الخروج صحّ غسله دون صومه في غير شهر رمضان، و أمّا فيه فيبطلان معا، إلّا إذا تاب و نوى الغسل بالخروج؛ فإنّه صحيح حينئذ (1).

______________________________

كان إلقاء النفس في الماء بتخيّل عدم الرمس فاتّفق أحيانا، لا يكون مثله بقادح في صحّة

الصوم، و سيجي ء أيضا.

(1) لو أراد الصائم أن يغتسل ارتماسيا مع فرض كونه صائما و رمس الرأس في الماء مفطرا، فقد وقع في المتن التفصيل بين ما إذا كان الصوم تطوّعا أو واجبا موسّعا، و بين ما إذا كان واجبا معيّنا، فحكم ببطلان الصوم و صحّة الغسل في الأوّل، و مقتضى المقابلة أنّه لا فرق في ذلك بين ما لو قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس، أو نواه بالمكث أو الخروج؛ و ذلك لعدم وجوب صوم هذا اليوم عليه بوجه، فيجوز له الإتيان بالمفطر كالأكل و الشرب و نحوهما، و بعده يبطل صومه و يصحّ غسله بلا إشكال، و حكم في الواجب المعيّن بالتفصيل بين ما لو قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس الحاصل بأوّل تحقّقه، فالحكم فيه بطلان الصوم و الغسل مع إضافة قوله: «على تأمّل فيه»، و بين ما لو نواه بالمكث لا بأوّل المسمّى أو الخروج فالحكم فيه في غير شهر رمضان صحّة الغسل دون الصوم. و أمّا في شهر رمضان فالحكم فيه بطلانهما إلّا إذا تاب و نوى الغسل بالخروج؛ فإنّه صحيح حينئذ.

و الظاهر أنّ قوله: «على تأمّل فيه» راجع إلى كلا الأمرين: الصوم و الغسل، و منشأ التأمّل يمكن أن يكون مفطريّة الارتماس عنده إنّما كانت بنحو الاحتياط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 114

[الثامن: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق]

الثامن: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق، بل و غير الغليظ على الأحوط و إن كان الأقوى خلافه؛ سواء كان الإيصال بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه، أو بإثارة غيره، أو بإثارة الهواء؛ مع تمكينه من الوصول و عدم التحفّظ، و فيما يعسر التحرّز عنه تأمّل. و لا بأس به مع النسيان أو

الغفلة أو القهر الرافع للاختيار أو تخيّل عدم الوصول، إلّا أن يجتمع في فضاء الفم ثمّ أكله اختيارا. و الأقوى

______________________________

الوجوبي لا بنحو الفتوى، و يمكن أن يكون الوجه فيه التأمّل في بطلان العبادة في المجمع في مسألة اجتماع الأمر و النهي، نظرا إلى أنّ الوجود الواحد لا يمكن أن يكون مقرّبا و مبعّدا معا، و المقام من هذا القبيل؛ لأنّ الارتماس محرّم، و الغسل عبادة و إن كان ارتماسيّا. هذا، و لكنّ الأقوى عندي الجواز؛ لأنّ الاتّصاف بالعنوانين يصحّح صيرورة الوجود الواحد مقرّبا و مبعّدا، و التحقيق في محلّه.

و أمّا التفصيل بين الصوم و الغسل فيما إذا نواه بالمكث أو الخروج في غير شهر رمضان؛ فلأنّ بطلان الصوم إنّما هو للارتماس العمدي المفروض فيه المفطريّة، و الغسل قد تحقّق بالمكث أو الخروج المتحقّقين بعد بطلان الصوم، فلا مجال لبطلانه و إن قلنا بالمبنى المتقدّم في مورد اجتماع الأمر و النهي. هذا، و أمّا في شهر رمضان، فالحكم فيه بطلان كلا العملين، و استدرك صورة التوبة و نيّة الغسل بالخروج؛ فإنّه يصحّ الغسل حينئذ، و الظاهر أنّ الوجه في البطلان لزوم الإمساك عن المفطرات في شهر رمضان و لو بعد إبطال صومه، و حينئذ فيجب عليه الاجتناب عن الارتماس و لو لم يكن صائما، فلا فرق بين أوّل مسمّى الارتماس و المكث بعده.

نعم، في خصوص ما لو أراد الغسل بالخروج يكون الغسل صحيحا، كالصلاة في الدار المغصوبة حال الخروج منها، كما بيّن في الاصول. و الظاهر أنّ ذكر التوبة إنّما هو لأجل التمكّن من ذلك، و إلّا فلا فرق بين صورة التوبة و عدمها، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف،

ص: 115

عدم لحوق البخار به إلّا إذا انقلب في الفم ماء و ابتلعه. كما أنّ الأقوى عدم لحوق الدخان به أيضا. نعم، يلحق به شرب الأدخنة على الأحوط (1).

______________________________

(1) في هذا الأمر جهتان من الكلام:

الاولى: أصل المفطريّة و الدليل عليها.

فنقول: قد وقع بينهم الاختلاف في أنّه هل يوجب القضاء فقط كما هو المنسوب إلى المشهور «1»، أو الكفّارة أيضا كما اختاره صاحب الوسائل «2»؟ كما أنّه قد وقع الاختلاف بين القائلين بالمفطريّة، حيث إنّهم بين من أطلق، و بين من قيّده بالغلظة، فالأوّل محكيّ عن الشرائع «3»، و الثاني عن جماعة «4» كما في المتن، و معلوم أنّ مراد الثاني صورة عدم تحقّق الغلظة بحيث يصدق عليه عنوان الأكل، و إلّا فهو داخل في الأمر الأوّل من المفطرات، كما هو ظاهر.

و الدليل الوحيد في هذا الباب رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي قال: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح «5». و في الوسائل «6» نقل

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 232، مستمسك العروة 8: 259، المستند في شرح العروة 21: 151.

(2) وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22.

(3) شرائع الإسلام 1: 170.

(4) قواعد الأحكام 1: 372، مختلف الشيعة 3: 272- 273 مسألة 26، الدروس الشرعيّة 1: 266، رياض المسائل 5: 315.

(5) تهذيب الأحكام 4: 214 ح 621، الاستبصار 2: 94 ح 305، و عنهما وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم

ب 22 ح 1.

(6) أي في وسائل الشيعة، الطبعة الإسلامية 7: 48، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 116

..........

______________________________

الرواية عن سليمان بن جعفر و جعل بين القوسين (حفص) كما ذكرناه، لكن بعض الأعلام قدّس سرّه المتبحّر في علم الرجال أيضا- و قد صنّف فيه كتابا مفصّلا- ادّعى أنّ سليمان بن جعفر لا وجود له بتاتا، و الصحيح سليمان بن حفص «1»، و الرواية صحيحة.

و قد وقعت الرواية موردا للمناقشة من وجوه:

الأوّل: ما عن المدارك من المناقشة فيها بالإضمار تارة، و بالاشتمال على عدّة من المجاهيل اخرى، و لذا وصفها بأنّها ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها «2».

و الجواب عن ذلك، أنّ الرواية قد رواها الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان المذكور «3»، و قد حكي عنه أنّه صرّح في آخر التهذيب بأنّ كلّ ما يرويه فيه من رواية فهي منقولة عن كتاب من بدأ سندها به «4». و عليه: فلازم ما ذكر وجود الرواية في كتاب محمد بن الحسن الصفار، و لا يحتمل أن يروي مثله عن غير الإمام عليه السّلام و لو مع وجود الواسطة، و من هذا الطريق يجاب عن دعوى ضعف السند، و لا حاجة إلى دعوى الانجبار باستناد المشهور حتى يناقش فيها بالممنوعيّة كبرى أو صغرى أو هما معا، و قد عرفت أنّ الراوي هو سليمان بن حفص، و هو ثقة لوقوعه في أسناد كتاب كامل الزيارات، و هو حجّة إذا لم يعارضه قدح خاصّ.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 152.

(2) مدارك الاحكام 6: 51- 52.

(3) تهذيب الأحكام 4: 214 ح 621.

(4)

تهذيب الأحكام: 10 شرح المشيخة: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 117

..........

______________________________

و من العجب ما حكي عن صاحب الرياض «1» من أنّ الرواية مقطوعة مع أنّها مضمرة، كما عرفت، فلا قطع في السند بوجه، و قد ظهر اعتبارها مع إضمارها.

الثاني: المناقشة فيها من حيث الدلالة؛ نظرا إلى دلالتها على مفطريّة امور لم يقل بها الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين، كالمضمضة و الاستنشاق متعمّدا و شمّ الرائحة الغليظة، فإذا حمل الأوّلان على صورة الوصول إلى الحلق، فالثالث لا يجري فيه هذا الحمل بوجه.

و الجواب: أنّ الرواية المشتملة على أحكام عديدة إذا لم تكن جملة منها موردا لنظر الأصحاب و معرضا عنها عندهم، لا يستلزم أن يكون معرضا عنها بالإضافة إلى الجميع، و مورد البحث فيها من هذا القبيل.

الثالث: تعارضها مع موثّقة عمرو بن سعيد، عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال: جائز لا بأس به.

قال: و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: لا بأس «2». و بعد التعارض و التساقط يرجع إلى ما يدلّ على حصر المفطر في امور لا يكون هذا الأمر منها.

و قد اجيب عنه بوجهين:

أحدهما: ما ذكره صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين من أنّ هذه- أي الرواية الثانية- محمولة على الدخان و الغبار غير الغليظين. و اورد عليه «3» بخلوّ كلتا الروايتين عن التقييد بالغلظة، فإمّا أن يكون مطلقا فهو ثابت في كلتيهما، و إمّا أن

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 316.

(2) تهذيب الأحكام 4: 324 ح 1003، و عنه وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح

2.

(3) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 156.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 118

..........

______________________________

يكون مقيّدا فهو أيضا ثابت في كلتيهما، فلا مجال للتفكيك.

ثانيهما: ما يرجع إلى أنّ التعارض بينهما إنّما هو بالإطلاق و التقييد، و الاختلاف بينهما كالاختلاف بين الخاصّ و العامّ كما عرفت، لا يوجب الدخول في موضوع الأخبار العلاجية التي موردها خصوص صورة عدم إمكان الجمع العقلائي بين الخبرين المختلفين، و الوجه في ذلك ظهور رواية سليمان المتقدّمة في كون الامور المذكورة فيها يراد بها صورة التعمّد لوحدة السياق أوّلا، و لفرض الكنس الذي يوجب دخول الغبار إلى حلقه كذلك بعد كونه اختياريا ثانيا، و الكنس ملازم لذلك نوعا، فموردها صورة التعمّد، خصوصا مع التصريح فيها بثبوت الكفّارة التي لا تكون ثابتة إلّا في صورة العمد، كما سيأتي إنّ شاء اللّه تعالى.

و أمّا رواية عمرو، فقوله: «يتدخّن بعود» و إن كان ظاهرا في حال الاختيار، إلّا أنّ السؤال الآخر سؤال مستقلّ ليس بين السؤالين وحدة السياق، فلا مانع من حمل الإطلاق فيها على صورة عدم التعمّد، خصوصا مع عدم فرض الكنس الذي يجري فيها ما ذكرناه فيها، و الظاهر أنّ هذا الجواب صحيح لا مناص عنه، قد أشار إليه في الوسائل بعد الجمع السابق.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحّة ما في المتن من أنّ إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق مفطر، و أنّ الأحوط ذلك في الغبار غير الغليظ أيضا. و لكن بعض الأعلام قدّس سرّه في الشرح «1» صرّح بعدم الفرق بين الموردين، كما ربما يؤيّده ذكر الغبار في الرواية الاولى بنحو النكرة في سياق النفي الظاهرة في الإطلاق، إلّا أنّ

الظاهر ما ذكرنا، خصوصا مع عدم ورود لفظ الغلظة.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 156.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 119

..........

______________________________

ثمّ إنّه لا فرق في المفطر المذكور بين أن يكون سبب تحقّقه الكنس، أو إثارة الغير، أو إثارة الهواء مع إمكان التحفّظ من الوصول، خلافا للبعض المتقدّم، حيث ذكر أنّ الموثقة الدالّة على المفطريّة قاصرة عن إثبات البطلان فيما لو كان بإثارة الهواء، كما يتّفق كثيرا في فصل الربيع، و لا سيّما في هذه البلاد التي يكثر فيها العجاج، و استظهر عدم البطلان بمثل ذلك حاكيا له عن كاشف الغطاء «1»، مستندا إلى أنّه لو كان التحفّظ عن مثل ذلك لازما كان على الأصحاب التعرّض له، بل كان من الواضحات، لشدّة الابتلاء به، خصوصا لسكنة البلاد التي كان يسكنها الأئمّة عليهم السّلام، مع أنّه لم ترد بذلك رواية و لو ضعيفة، و لم يتعرّض له الأصحاب «2».

و أنت خبير- مضافا إلى بعد هذا الفرق في نفسه؛ لأنّه و إن كان لا يحتمل أنّ مفطريّة الغبار إنّما هي لأجل كونه من مصاديق الأكل؛ ضرورة جعل الغبار مفطرا في نفسه في مقابل الأكل، و عدم كون الغبار الواصل إلى الحلق من مصاديق الأكل عرفا بوجه- بأنّه لا يرى العرف خصوصيّة للكنس، خصوصا إذا كان المراد كنس نفس الصائم بالمباشرة كما هو المذكور في الموثّقة، بداهة عدم الاختصاص به، و كما لا يكون للكنس الصادر من الصائم خصوصيّة، كذلك لا يكون الحكم مختصّا بصورة الكنس و إن كانت هي المذكورة في الموثقة.

و قد كنت أنا مقيما في بلدة يزد زمن الطاغوت قبل ثلاثين سنة تقريبا بالإقامة الإجبارية، فأصبحت في يوم من أيّام

فصل الربيع، فرأيت أنّ العجاج غطّى جميع النواحي كالثلج في الشتاء، و قد تعجّبت من ذلك كثيرا، فهل يمكن القول بأنّ ذلك

______________________________

(1) كشف الغطاء 4: 32.

(2) المستند في شرح العروة 21: 157.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 120

..........

______________________________

العجاج لا يكون من موارد الغبار الغليظ، فلا يكون مفطرا أصلا؟ من الواضح العدم. و أمّا عدم تعرّض الأصحاب؛ فلأنّهم اكتفوا بجعل كلّي الغبار الغليظ مفطرا، و لا يجب عليهم التعرّض للمصاديق نفيا و إثباتا، كما أنّ الإمام عليه السّلام قد بيّن في الموثقة ذلك، و المذكور فيها و إن كان عنوان الكنس، إلّا أنّ تفريع دخول الغبار في الأنف أو الحلق شاهد عرفا على أنّه لا خصوصيّة للكنس، خصوصا لو فرض كون المراد كنس الصائم مباشرة، فكما أنّه لا خصوصيّة لكنس نفس الصائم، لا تحتمل الخصوصيّة بالإضافة إلى أصل الكنس، بل الملاك دخول الغبار المفطر عمدا، كما لا يخفى.

الجهة الثانية: أنّه قوّى في المتن عدم لحوق البخار بالغبار، و الوجه فيه أنّهما حقيقتان مختلفتان، و استثنى صورة ما إذا انقلب في الفم إلى الماء و ابتلعه و إن كان في غاية القلّة؛ لما عرفت في باب الأكل و الشرب من عدم خصوصيّة للكيفيّة و لا للكميّة.

كما أنّه قوّى فيه عدم لحوق الدخان بالغبار أيضا لما ذكر، و للتصريح بعدم البأس فيه في موثقة عمرو بن سعيد المتقدّمة. نعم، احتاط وجوبا فيه بلحوق شرب الأدخنة بالغبار، و قد مرّ سابقا أنّ استعمال كلمة الشرب في التتن و نحوه إنّما هو على سبيل المسامحة لا الحقيقة و إن اشتهر إطلاق كلمة الشرب في مسألة البراءة من الاصول إلى التتن و نحوه.

و عليه:

فربما يشكل في الحكم باللحوق المذكور بخلوّه عن الدليل، و مجرّد كون الشرب المزبور موجبا للدخول في الحلق غالبا لا يوجب الحكم بكونه مثل الغبار، خصوصا بعد تفريع الدخول في الحلق على التدخين بعود و نحوه في الموثقة، إذن فالظاهر عدم اللحوق و إن كان المرتكز في أذهان المتشرّعة لعلّه غير ذلك.

و لذا لا يتحقّق الصوم من المعتادين بالترياك و التتن و نحوهما، فيأكلون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 121

[التاسع: الحقنة بالمائع و لو لمرض و نحوه]

التاسع: الحقنة بالمائع و لو لمرض و نحوه، و لا بأس بالجامد المستعمل للتداوي كالشياف. و أمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين به و غيرهم للتغذّي و الاستنعاش ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى، بل و غيره كتلقيح ما يتغذّى به. نعم، لا بأس بتلقيح غيره للتداوي، كما لا بأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه (1).

______________________________

و يشربون في شهر رمضان متكّأ على اعتيادهم بذلك، و من الواضح أنّه خلاف الاحتياط، بل مقتضاه الإمساك عن المفطرات و الاقتصار في اليوم على مقدار الضرورة من ذلك من جهة الكيفيّة بالسعي في عدم الدخول في الحلق لو كان كافيا في رفع مقتضى الاعتياد، كما ربما يشاهد في بعض الأفراد، و كذلك من جهة الكمّية بالاقتصار على أقلّ ما يلزم استعماله عليهم بحسب الاعتياد.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه مع عدم إمكان الاقتصار على ذلك لا وجه للفرار عن الصيام و الأخذ بذيل الاعتياد، بل يجب عليهم الإمساك الصومي و إن كان لا يمكن لهم ذلك. و إن شئت قلت: إنّ الموثقة المزبورة ظاهرة في أنّه لا بأس بالتدخين بعود و نحوه، و

لا فرق في ذلك بينه و بين شرب التتن أو الترياك أصلا، كما لا يخفى.

(1) هذا الأمر أيضا كسابقه مورد لاختلاف الأنظار، فالمنسوب إلى المشهور «1» كما في المتن من المفطريّة بالإضافة إلى خصوص المائع و لو كان لأجل المرض، و عن المحقّق في المعتبر و العلّامة في المختلف و صاحب المدارك فيها التعميم و عدم

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 292، مشارق الشموس 2: 344، غنائم الأيّام 5: 135، المستند في شرح العروة 21:

241- 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 122

..........

______________________________

الاختصاص بالمائع «1»، و عن الصدوق و المفيد و السيّد إطلاق القول بعدم الجواز «2»، و عن ابن الجنيد استحباب الاجتناب عنه «3».

و قد ورد في هذا المجال روايات:

منها: صحيحة ابن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن عليه السّلام، أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان؟ فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن «4».

و استظهر انصراف إطلاق الاحتقان إلى المائع «5»، بل لعلّه لا يستعمل عرفا بنحو الحقيقة إلّا فيه، و ظاهرها عدم الجواز و لو في صورة المرض.

و منها: موثّقة محمد بن الحسين (الحسن ظ) عن أبيه قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بالجامد «6». و فيما رواه الشيخ أنّه قال: في التلطف من الأشياف «7»، و هذه الرواية صالحة لتقييد الإطلاق في الصحيحة على تقدير ثبوت الإطلاق فيها؛ للتصريح بعدم البأس بالإضافة إلى الجامد فيها، ثمّ إنّ الصحيحة قد رواها المشايخ الثلاثة

______________________________

(1) المعتبر 2: 679، مختلف الشيعة 3: 280- 282، مسألة 31، مدارك الأحكام 6: 64.

(2) المقنع:

191، المقنعة: 344، رسائل الشريف المرتضى 3: 54.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 281 مسألة 31.

(4) الكافي 4: 110 ح 3، الفقيه 2: 69 ح 292، تهذيب الأحكام 4: 204 ح 589، الاستبصار 2: 83 ح 256 و عنها وسائل الشيعة 10: 42، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

(5) المستند في شرح العروة 21: 242.

(6) الكافي 4: 110 ح 6، و عنه وسائل الشيعة 10: 41، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2.

(7) تهذيب الأحكام 4: 204 ح 590، الاستبصار 2: 83 ح 257- و السند فيهما هكذا: أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، عن أبيه؛ أي الحسن بن فضّال- و عنهما وسائل الشيعة 10: 42، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 123

..........

______________________________

و إن كان في طريق الكليني إلى البزنطي سهل بن زياد، و أمّا الأخيرة التي عبّر عنها بالموثّقة المرويّة عن الكافي فيما هو المحكي عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1» فهي مرويّة الكليني في الكافي و الشيخ في التهذيبين، و قد اورد عليها بأنّها موثقة على طريق الشيخ و ضعيفة على طريق الكليني «2»، و لكنّ الأمر سهل؛ لكفاية الوثاقة على أحد الطريقين المتحقّقة في البين.

و قد استشكل في المتن في إدخال الترياك للمعتادين به و غيرهم للتغذّي و الاستنعاش، بل نهى عن ترك الاحتياط فيه بالاجتناب عن ذلك، و الظاهر أنّ الوجه فيه: أنّ حصول التغذّي و الاستنعاش بإدخاله إنّما هو كالاستفادة من التزريقات القائمة مقام الأكل و الشرب، فكما أنّها مشكلة و لو لم

يكن الطريق إلى الوصول إلى الجوف و أجزاء البدن الحلق؛ لأنّها ليست إلّا تزريقا، فكذلك المقام.

نعم، لو قلنا بأنّه لا مانع من التدخين بالدخانيات التي منها الترياك لكان الظاهر أنّ إدخاله للاستنعاش لا يكون أشدّ حكما من التدخين به، و لذا وقع في المتن التصريح بأنّ كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى- أي الإدخال في الدبر- يترتّب عليه حكم التلقيح المؤثّر في ذلك. نعم، هنا أمران لا بأس بهما:

أحدهما: التلقيح غير المقصود منه التغذّي، بل التلقيح لأجل التداوي، و الظاهر أنّه لا مانع منه؛ لأنّ التداوي هو المراد أوّلا، و المفروض عدم الإيصال من طريق الحلق، و من هنا يظهر أنّ شرب بعض الأشربة المصنوعة للتداوي كوجع الصدر و نحوه، يوجب بطلان الصوم و إن كان الغرض منحصرا بالتداوي، كالحقنة

______________________________

(1) مصباح الفقيه 14، كتاب الصوم: 443.

(2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 243.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 124

[العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة]

اشارة

العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة، دون ما كان منه بلا عمد، و المدار صدق مسمّاه. و لو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه، و يكون القي ء في النهار مقدّمة له، صحّ صومه لو ترك القي ء عصيانا و لو انحصر إخراجه به. نعم، لو فرض ابتلاع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه، ففي الصحّة و البطلان تردّد، و الصحّة أشبه (1).

______________________________

بالمائع على ما عرفت من دلالة الرواية على عدم جوازها للصائم و لو لأجل العلّة و المرض.

ثانيهما: أنّه لا بأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه؛ لعدم انطباق شي ء من العناوين المفطرة عليه؛ لعدم صدق عنوان الأكل، لا من جهة عدم العبور

من الفم إلى الحلق لكفاية العبور من الأنف مثلا، بل لعدم صدق العنوان المذكور بوجه.

(1) المشهور «1» أنّ هذا الأمر- أي تعمّد القي ء- من المفطرات و يفسد به الصوم، و في مقابله قول السيّد المرتضى، بل نسب الكراهة إلى الفقهاء و أنّه يوجب نقصان الصوم لا بطلانه «2»، و قول ابن إدريس القائل بأنّه حرام تكليفا فقط «3»، من دون ثبوت حرمة وضعيّة، و لا يساعدهما رواية و لو ضعيفة حتى يؤخذ بها على خلاف ما هو المحكيّ عنهما من عدم حجّيّة خبر الواحد بوجه، و العمدة الروايات الواردة

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 289 مسألة 39، جواهر الكلام 16: 287، مستمسك العروة 8: 308، المستند في شرح العروة 21: 247.

(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 54.

(3) السرائر 1: 387.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 125

..........

______________________________

في المسألة، فنقول:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه «1». و قد رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين، و الظاهر اتّحاد الاثنين و عدم ثبوت التعدّد في البين.

و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن القي ء في رمضان؟ فقال: إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه أفطر و عليه القضاء، الحديث «2».

و فيما رواه الصدوق في المقنع، إسقاط قوله عليه السّلام: «و عليه القضاء»، لكن كلمة «أفطر» تدلّ عليه، كما لا يخفى.

و منها: موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام، أنّه قال: من تقيّأ متعمّدا و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة، فإن شاء اللّه عذّبه، و

إن شاء غفر له. و قال: من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء «3».

و في مقابلها صحيحة عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال:

ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة «4».

و لا بدّ من تقديم تلك الطائفة على هذه الرواية. إمّا بتقييد إطلاقها الشامل

______________________________

(1) الكافي 4: 108 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 264 ح 791، و عنهما وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 322 ح 991، الفقيه 2: 69 ح 291، المقنع: 190، و عنها وسائل الشيعة 10: 87، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.

(3) تهذيب الأحكام 4: 264 ح 792، و عنه وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.

(4) تهذيب الأحكام 4: 260 ح 775، الاستبصار 2: 90 ح 288، و عنهما وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 126

..........

______________________________

لصورة غير العمد بتلك الطائفة المختصّة بصورة العمد حملا للمطلق على المقيّد، و هو يوجب الخروج عن عنوان الاختلاف و التعارض الموضوع في الأخبار العلاجية، كما مرّت الإشارة إليه. و إمّا بثبوت الترجيح لتلك الطائفة؛ نظرا إلى استناد المشهور إليها، و كون الشهرة هي أوّل المرجّحات على المختار، فلا مجال للإشكال في أصل المسألة، و أنّ تعمّد القي ء من المفطرات و إن كان للضرورة؛ لعدم خروجه بها عن عنوان التعمّد، كما عرفت نظيره. ثم إنّه تعرّض في المتن لفرعين:

أحدهما: أنّه لو ابتلع

في الليل ما يجب عليه ردّه و يكون القي ء في النهار مقدّمة له، فلو ترك القي ء عصيانا لا يضرّ ذلك بصحّة صومه و لو فرض انحصار إخراجه بالقي ء؛ و ذلك لأنّ المفروض أنّه لم يتقيّأ أصلا، و مخالفة حكم الشارع بوجوب الردّ لا توجب بطلان الصوم؛ لأنّ غاية الأمر ثبوت العصيان و الضمان من جهة عدم الردّ، و هذان لا يرتبطان بالصوم أصلا، كما لا يخفى.

ثانيهما: لو ابتلع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه، كما لو كان مالا للغير و لم يعرض له التلف، كدينار أو درهم مثلا، فقد تردّد في المتن في الصحّة و البطلان أوّلا، و جعل الأشبه الصحّة، و ظاهر العروة «1» فساد الصوم إن كان الإخراج منحصرا في القي ء و إن لم يتحقّق منه القي ء أصلا، بقرينة المقابلة مع الصورة التي حكم فيها بالبطلان فيما إذا اختار القي ء مع إمكان الإخراج بغيره.

و الظاهر أنّ وجه الأشبهيّة ما اختاره في مسألة الترتّب المعنونة في الاصول من ثبوت الأمر بالإضافة إلى كلا الضدّين لا على سبيل الترتّب؛ بأن يكون الأمر

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 38 مسألة 2453.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 127

[مسألة 16: لو خرج بالتجشّؤ شي ء و وصل إلى فضاء الفم، ثمّ نزل من غير اختيار]

مسألة 16: لو خرج بالتجشّؤ شي ء و وصل إلى فضاء الفم، ثمّ نزل من غير اختيار، لم يبطل صومه، و لو بلعه اختيارا بطل و عليه القضاء و الكفّارة.

و لا يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا إذا علم بخروج شي ء معه يصدق عليه القي ء، أو ينحدر بعد الخروج بلا اختيار، و إن لم يعلم به- بل احتمله- فلا بأس به، بل لو ترتّب عليه حينئذ الخروج و الانحدار لم يبطل صومه. هذا إذا لم يكن من عادته

ذلك، و إلّا ففيه إشكال، و لا يترك الاحتياط (1).

______________________________

بالأهمّ مطلقا و الأمر بالمهمّ معلّقا على عصيانه، بل بنحو ثبوت الإطلاق في كلّ من الأمرين، و عدم كون التضادّ و عدم إمكان الاجتماع موجبا لخروج الأمر بالمهمّ عن الإطلاق، و لا محالة تكون العبادة صحيحة متعلّقة للأمر غير المشروط، و قد اخترنا هذا النظر في ذلك البحث فراجع «1». و مبنى العروة ظاهرا عدم الإمكان، كما لعلّه المشهور، و لذا اختار البطلان و لو مع عدم تحقّق القي ء أصلا، كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو خرج بالتجشّؤ غير الاختياري شي ء و وصل إلى فضاء الفم، فتارة:

ينزل من غير اختيار كخروجه، ففي هذا الفرض لا يبطل صومه. و اخرى: لو بلعه اختيارا و لم يكن نزوله كخروجه غير اختياري يبطل صومه، و يترتّب عليه القضاء و الكفّارة؛ لصدق الأكل الاختياري حقيقة، و قد عرفت أنّه لا خصوصيّة للمأكول؛ فإنّ الأكل يوجب البطلان و لو كان المأكول مثل التراب فضلا عمّا يؤكل عادة.

______________________________

(1) سيري كامل در اصول فقه 6: 224- 230.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 128

[مسألة 17: لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم]

مسألة 17: لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم و إن كان بتذكّر ما كان سببا لاجتماعه، و لا بابتلاع النخامة التي لم تصل إلى فضاء الفم؛ من غير فرق بين النازلة من الرأس و الخارجة من الصدر على الأقوى. و أمّا الواصلة إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط بترك ابتلاعها، و لو خرجت عن الفم ثمّ ابتلعها بطل صومه، و كذا البصاق. بل لو كانت في فمه حصاة، فأخرجها و عليها بلّة من الريق، ثمّ أعادها و ابتلعها، أو بلّ

الخيّاط الخيط بريقه، ثمّ ردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة، أو استاك و أخرج المسواك المبلّل بالريق، فردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة إلى غير ذلك، بطل صومه.

نعم لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه- على وجه لا يصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره- لا بأس به. و مثله ذوق المرق و مضغ الطعام و المتخلّف من

______________________________

الثاني: ما إذا علم الصائم أنّه إذا تجشّأ اختيارا يخرج شي ء و يصدق عليه القي ء؛ فإنّه غير جائز حينئذ؛ لصدق تعمّد القي ء عليه، و كذا إذا علم بالانحدار القهري بعد الخروج الاختياري؛ فإنّه أيضا غير جائز؛ لصدق الأكل الاختياري بعد كون مقدّمته- و هي الخروج- كذلك.

الثالث: صورة الاحتمال و عدم العلم، إمّا بأصل الخروج، أو بالانحدار بعده و الوصول إلى فضاء الفم، و قد فصّل في هذا الفرع بين ما إذا لم يكن من عادته ذلك، فنفى عنه البأس؛ لصدق عدم التعمّد في صورة عدم العلم، و بين ما إذا كان من عادته ذلك، فقد استشكل فيه و نهى عن ترك الاحتياط، و ظاهره وجوب هذا الاحتياط؛ نظرا إلى أنّ العادة بمنزلة العلم، فكأنّها توجب صدق التعمّد مع وجود الاحتمال. نعم، قد عرفت أنّه لو كان عالما بالعدم لما كان يترتّب على الخروج، أو الانحدار شي ء من القضاء أو الكفّارة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 129

ماء المضمضة. و كذا لا بأس بالعلك على الأصحّ و إن وجد منه طعما في ريقه ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزائه و لو كان بنحو الذّوبان في الفم (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا فروع:

الأوّل: ابتلاع البصاق المجتمع في الفم غير

الخارج عن فضائه؛ فإنّه لا يوجب بطلان الصوم مطلقا، أي سواء كان بتذكّر ما كان سببا لاجتماعه، كالتوجّه إلى الشي ء الحامض، أو لم يكن كذلك؛ لعدم صدق شي ء من العناوين المفطرة عليه.

الثاني: ابتلاع النخامة، و فيه صور ثلاث:

الاولى: النخامة غير الواصلة إلى فضاء الفم رأسا، و قد قوّى في المتن أنّه لا فرق بين النازلة من الرأس و الخارجة من الصدر في عدم بطلان الصوم بابتلاعها، و الظاهر عدم صدق عنوان الأكل المفطر، بل قوّى السيّد في العروة «1» جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق من غير الوصول إلى فضاء الفم و إن احتاط بالترك. نعم، ربّما يقال: إنّ ظاهر المحقّق في الشرائع «2» أنّ النخامة خصوص ما يخرج من الصدر، و عن بعض اللغويّين «3» عكس ذلك، و أنّ ما يخرج من الصدر هي النخاعة، و عن جماعة كثيرة منهم «4» أنّهما مترادفتان كما هو ظاهر المتن، فإن ثبت الأخير فاللازم الحكم بلزوم الاجتناب عنهما، و إلّا فيكفي عدم ثبوت الأوّل في الحكم بذلك و لو من باب الاحتياط، و هو كذلك و إن اختاره المحقّق في الشرائع، و هو قليل النظير بل عديمه، خصوصا مع تضلّعه في نقد العرب؛ لأنّها كانت لسانه.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 14 مسألة 2386.

(2) شرائع الإسلام 1: 174.

(3) و هو صاحب مختصر الصحاح، المستند في شرح العروة 21: 108.

(4) لسان العرب 6: 160، مجمع البحرين 3: 1762- 1763، أقرب الموارد 2: 1283.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 130

..........

______________________________

الثانية: النخامة الواصلة إلى فضاء الفم، و نهى في المتن عن ترك الاحتياط بترك ابتلاع هذا النوع من النخامة و انحدارها اختيارا، و السرّ فيه صدق

عنوان الأكل في هذه الصورة.

الثالثة: الفرض مع الخروج عن الفم ثمّ ابتلاعها، و لا مجال للإشكال في هذه الصورة في بطلان الصوم، كما هو واضح.

الثالث: ابتلاع البصاق الخارج عن الفم، و قد حكم فيه بمثل ما تقدّم، و قد وقع في المتن الترقّي إلى أنّه «لو كانت في فمه حصاة فأخرجها و عليها بلّة من الريق، ثمّ أعادها و ابتلعها- أي البلّة المذكورة؛ ضرورة أنّ ابتلاع الحصاة لا إشكال في بطلان الصوم كما مرّ في الأمر الأوّل- أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه ثمّ ردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة»- كما هو المتعارف بين الخيّاطين- أو نحو هما، يوجب ذلك البطلان، و قد استدرك ممّا ذكر صورة ما إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه على وجه لا يصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره، فنفى عنه البأس.

و قد مرّ في مفطريّة الأمر الأوّل مناقشة بعض الأعلام «1» قدّس سرّه في تحقّق الاستهلاك بالإضافة إلى المتجانسين؛ فإنّه لو زيد على منّ من الماء مقدار قليل و لو في غاية القلّة ماء آخر لا يكون هناك استهلاك، بل منّ و إضافة مقدار من الماء، و قد ذكر هناك أنّ الاستهلاك و إن كان غير متحقّق في المتجانسين، إلّا أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنظر إلى ذات المزيج. و أمّا بالنظر إلى الوصف العنواني الذي بملاحظته جعل موضوعا للحكم فالاستهلاك متحقّق، و بالنتيجة لا يبطل الصوم في المقام في هذه الصورة فراجع. و مثله ذوق المرق و مضغ الطعام و المتخلّف من ماء المضمضة، فلا بأس بها في صورة الاستهلاك.

______________________________

(1) في ص 63- 64.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 131

[مسألة 18: كلّ ما مرّ من أنّه يفسد الصوم- ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه- إنّما يفسده إذا وقع عن عمد]

مسألة

18: كلّ ما مرّ من أنّه يفسد الصوم- ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه- إنّما يفسده إذا وقع عن عمد، لا بدونه كالنسيان أو عدم القصد؛ فإنّه لا يفسده بأقسامه. كما أنّ العمد يفسده بأقسامه؛ من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به، مقصّرا على الأقوى، أو قاصرا على الأحوط. و من العمد من أكل ناسيا فظنّ فساده فأفطر عامدا. و المقهور المسلوب عنه الاختيار الموجر في حلقه لا يبطل صومه. و المكره الذي يتناول بنفسه يبطله. و لو اتّقى من المخالفين في أمر يرجع إلى فتواهم أو حكمهم فلا يفطره، فلو ارتكب تقيّة ما لا يرى المخالف مفطرا صحّ صومه على الأقوى.

و كذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة؛ بل و كذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة- لحكم قضاتهم بحسب الموازين الشرعيّة التي عندهم- لا يجب عليه القضاء مع بقاء

______________________________

الرابع: العلك، و قد وردت فيه روايتان:

إحداهما: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: الصائم يمضغ العلك؟

قال: لا «1».

ثانيتهما: رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا محمد إيّاك أن تمضغ علكا؛ فإنّي مضغت اليوم علكا و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا «2». و التعليل الواقع في هذه الرواية ظاهر في أنّ المنع عن المضغ بلحاظ وجدان شي ء منه في النفس، فمع عدمه لا مانع منه. و بعبارة أخرى: أنّ الرواية الثانية قرينة على حمل الاولى على الكراهة. و عليه: فيصحّ الاستدراك المذكور في المتن، فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) الكافي 4: 114 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2.

(2) الكافي 4: 114 ح 2،

و عنه وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 132

الشكّ على الأقوى. نعم، لو علم بأنّ حكمهم بالعيد مخالف للواقع، يجب عليه الإفطار تقيّة، و عليه القضاء على الأحوط (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: كلّ ما مرّ من مفطرات الصوم- سوى البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه، خصوصا بالإضافة إلى النومات الثلاث بعد العلم بالجنابة- إنّما يفسده و يوجب القضاء إذا وقع عن عمد و قصد لا بدونه؛ كالأمرين المذكورين في المتن؛ لأنّه- مضافا إلى اعتبار عنوان التعمّد في روايات بعض المفطرات، كما تقدّم من تعمّد القي ء و نحوه «1»- يدلّ على عدم الفساد في صورة عدم التعمّد ما ورد في الصحيحة المتقدّمة؛ من أنّه لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال، أو ثلاث خصال إلى آخره «2»؛ فإنّ الاجتناب لا يتحقّق إلّا في صورة القصد، مع أنّ المسألة متسالم عليها بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم، و هذا في العالم بالحكم واضح لا ارتياب فيه.

و أمّا بالإضافة إلى الجاهل به، فإن كان مقصّرا فهو مثل العالم بلا إشكال؛ لفرض اطّلاعه على جهله و إمكان تحصيل الحكم و الوصول إليه، كما هو معنى الجاهل المقصّر، و لذا لا نرى أنّ حديث «لا تعاد» «3» الوارد في الصلاة الدالّ على عدم إعادتها إلّا إذا أخلّ بأحد الامور الخمسة المذكورة فيه، شاملا للجاهل المقصّر الذي فيه الخصوصيتان المذكورتان.

______________________________

(1) في ص 127.

(2) تقدّمت في ص 112.

(3) الفقيه 1: 181 ح 857، تهذيب الأحكام 2: 152 ح 597، و عنهما وسائل الشيعة 4:

312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 133

..........

______________________________

و أمّا الجاهل القاصر الذي لا يعلم بالحكم، إمّا لأجل قطعه بخلافه، أو عدم الطريق له إلى تحصيله و الوصول إليه، فقد حكم في المتن بأنّ الاحتياط المطلق يقتضي الحكم بالفساد، و قد صرّح سيّد العروة بأنّه لا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه و العالم «1»، و لكن حكي عن ابن إدريس «2» الاختصاص بالعالم، و تبعه في ذلك صاحب الحدائق مع الإصرار عليه كما قد حكي «3».

و منشأ الشمول للجاهل الاطلاقات الواردة في المفطريّة بضميمة أنّ الجاهل عامد قاصد؛ فإنّ مقتضاها ثبوت البطلان و وجوب القضاء على الجاهل مطلقا و لو لم يكن مقصّرا؛ فإنّ عدم التقصير إنّما يؤثّر في عدم ثبوت العقاب لا في الصحّة و عدمها. نعم، قد ذكر في مقابل الاطلاقات المذكورة روايتان:

إحداهما: موثقة زرارة و أبي بصير قالا جميعا: سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له؟

قال: ليس عليه شي ء «4».

ثانيتهما: صحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس المخيط حال الإحرام جاهلا «أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» «5»؛ فإنّ مقتضى الضابطة أنّ ارتكاب أمر محرّم ناشئا عن الجهل مطلقا عدم ثبوت القضاء فضلا عن الكفّارة، فإطلاق

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 30، فصل في اعتبار العمد و الاختيار في الإفطار.

(2) السرائر 1: 386.

(3) الحدائق الناضرة 13: 61- 62.

(4) تهذيب الأحكام 4: 208 ح 603، و عنه وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم

ب 9 ح 12.

(5) تهذيب الأحكام 5: 72 ح 239، و عنه وسائل الشيعة 12: 488- 489، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 134

..........

______________________________

الثانية بل القدر المتيقّن منها هو الجاهل القاصر، و هو ظاهر الرواية الاولى.

و ربّما يقال في وجه علاج التعارض بينهما، و بين تلك المطلقات الدالّة على وجوب القضاء مطلقا من دون فرق بين العالم و الجاهل: إنّ النسبة عموم من وجه؛ لاختصاص المطلقات بالقضاء و إن كانت شاملة للجاهل أيضا، و اختصاصهما بالجاهل و إن كان مقتضى الإطلاق عدم وجوب القضاء و كذا الكفّارة، و يتحقّق بينهما التعارض في الجاهل بوجوب القضاء، و بعد تساقط المتعارضين يرجع إلى أصالة البراءة من تقيّد الصوم بذلك، كما هو الشأن في الدوران بين الأقلّ و الأكثر.

و قد اجيب عن ذلك بجوابين:

أوّلا: بما يرجع إلى لزوم تقديم الإطلاقات؛ لأنّ تقييد الحكم بالعلم به و إن كان أمرا ممكنا في نفسه، بل واقعا في بابي القصر و الإتمام، و الجهر و الإخفات، و قد قرّر ذلك في علم الاصول، إلّا أنّه يأباه الفهم العرفي و لا يساعد عليه أصلا.

و ثانيا: قصور الروايتين عن الإطلاق الشامل للقضاء أيضا، بل تختصّان بنفي الكفّارة فقط. أمّا الصحيحة فالأمر فيها واضح؛ ضرورة أنّ لبس المخيط لا يستوجب بطلان الحجّ ليحتاج إلى القضاء حتى في صورة العلم و العمد، بل غايته الإثم و الكفّارة، فهو تكليف محض.

إن قلت: إنّ التأمّل في الصحيحة صدرا و ذيلا يشهد بأنّها ناظرة إلى نفي فساد الحجّ الذي أفتى به العامّة، و أنّه ليس عليه الحجّ من قابل، كما أنّه ليس عليه بدنة،

فهي مسوقة لنفي كلا الحكمين لدى الجهل بمقتضى الضابطة المذكورة فيها.

قلت: الصحيحة و إن كانت مسوقة لنفي الفساد الذي أفتى به العامّة، إلّا أنّه لا يحتمل أن يكون نفي الفساد فيها من آثار الجهل و متفرّعا عليه؛ لما عرفت من الصحّة و لو مع لبس المخيط عامدا عالما بلا خلاف فيه و لا إشكال، فيعلم من هذه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 135

..........

______________________________

القرينة الواضحة أنّ نظره عليه السّلام في الضابطة الكلّية إلى نفي الكفّارة فقط، و لا نظر له إلى عدم وجوب القضاء.

و أمّا الموثقة- بل و كذا الصحيحة لو لم يتمّ ما ذكرناه فيها-؛ فلأنّ المنفي في ظرف الجهل إنّما هو الأثر المترتّب على الفعل لا ما يترتّب على الترك، و من المعلوم أنّ الأثر المترتّب على الإفطار إنّما هي الكفّارة فقط. و أمّا القضاء، فهو من آثار ترك الصوم و عدم الإتيان به في ظرفه على وجهه، و هو أثر للعدم لا للوجود. نعم، لأجل الملازمة بين الأمرين- أعني الإفطار و ترك الصوم؛ لأنّهما ضدّان لا ثالث لهما- صحّ إسناد أثر أحدهما إلى الآخر مجازا و بنحو العناية، فيقال: إنّ الإفطار موجب للقضاء مع أنّ الموجب لازمه، و هو ترك الصوم، و الصحيحة مفادها أنّه لا شي ء عليه من ناحية ركوبه الأمر بجهالة، و ذلك الأثر هو الكفّارة المترتّبة على الإفطار.

و أمّا القضاء فهو من آثار ترك الصوم، إذن فالروايتان إنّما تنفيان الآثار المترتّبة على الفعل، و لا نظر لهما إلى بقيّة الآثار المترتّبة على ملازم هذا الفعل، فلا تعارض حتى تصل النوبة إلى تساقط الإطلاقين و الرجوع إلى الأصل العملي.

و قد أوضح المجيب «1» هذا

الجواب بكلام طويل لا حاجة فعلا إلى بيانه و لو مع التلخيص.

و أنت خبير بأنّه يمكن المناقشة في الجواب الثاني الذي هو المهمّ من الجوابين؛ أنّه لا ينبغي الارتياب في كونها مسوقة لبيان نفي وجوب القضاء في قبال من يفتي منهم بوجوبه، و هذا الأمر الذي اعترف بأنّه متسالم عليه بين الأصحاب قد استفيد

______________________________

(1) المجيب هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 21: 270- 275.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 136

..........

______________________________

من مثل الرواية، و إلّا فأيّ دليل على عدم وجوب القضاء، و العلّة المذكورة فيها إنّما هي للإرشاد إلى مخالفتهم و عدم الموافقة لهم في وجوب القضاء؛ و هي مشتملة على نكتة العدم، و سرّ بطلان الفتوى بالوجوب مع كون المورد ركوب الأمر بجهالة.

نعم، لا مانع من استفادة نفي وجوب الكفّارة أيضا.

و ما افيد في الذيل من أنّ الإسناد المجازي يقتضي جواز الإسناد إلى الفعل، فهو أمر عقليّ لا عقلائيّ يصحّ الاتّكال عليه، إذن فالظاهر ثبوت التعارض و لزوم تقديم الإطلاقات لاستناد المشهور إليها، فاللازم الحكم بما في المتن، غاية الأمر وضوح الحكم المذكور بالإضافة إلى الجاهل المقصّر، و أمّا الجاهل القاصر فالحكم بالإضافة إليه غير واضح، فلا يترك الاحتياط فيه، و ذكر في المتن بعده أنّ من أكل عامدا بظنّ فساد صومه و عدم حرمة الأكل عليه من ناحية الصوم فهو عامد، و السرّ فيه كونه في أكله عامدا، غاية الأمر أنّ الداعي إليه و المحرّك هو ظنّ الفساد الذي انكشف خلافه، و لا يقدح ذلك في الصدق المذكور.

المقام الثاني: أنّ المقهور المسلوب عنه الاختيار كالموجر في حلقه لا يبطل به صومه بخلاف المكره،

أمّا عدم البطلان في الفرض الأوّل فوجهه واضح؛ لأنّه مع القهر الكذائي لا يسند الفعل إليه حتّى يتّصف بالمفطريّة. و أمّا البطلان في الفرض الثاني؛ فلأنّ المكره- بالفتح- إنّما يفعل باختياره و إرادته، غاية الأمر أنّ المحرّك له عليه هو التوعيد الصادر من المكره بالكسر، فهو فاعل اختيارا فرارا عن الوعيد، و إلّا فمن الواضح أنّه لا يوجب سلب الاختيار عنه و إن كان مع عدم الإكراه لا يختار الفعل أصلا.

المقام الثالث: في حكم التقيّة، و فيها صور:

الاولى: ما إذا ارتكب تقيّة ما لا يراه للناس مفطرا، و لا يفتي علماؤهم

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 137

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 137

..........

______________________________

المتصدّون للفتوى ببطلان الصّوم معه، كالارتماس في الماء و بعض المفطرات الاخر، و في هذه الصورة حكم بصحّة الصوم مع الأمر الكذائي، و لازمه عدم وجوب القضاء عليه، و لكن أطلق السيّد في العروة بطلان الصوم مع الإفطار تقيّة، فقال:

إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه «1»، انتهى. و هو البادئ في النظر؛ نظرا إلى أنّ التقيّة ترفع الحكم التكليفي و تنقلب الحرمة إلى الجواز، بل إلى الوجوب. و أمّا بطلان الصوم فهو باق بحاله؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه طبقا لمذهبه الذي هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام، فاللازم القضاء لأدلّته.

و التحقيق في المقام أن يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة جملة غير قليلة من العبادات مع

صدورها تقيّة، كالصلاة و الوضوء، بل الحجّ الذي ذكرنا في كتاب الحجّ «2» أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يحجّون مع الناس طبقا لحكم قضاتهم برؤية الهلال، فكانوا يرتّبون آثار عيد الأضحى على يوم كانوا يرونه عيدا، و استمرّ هذا الأمر حدود مائتين سنة تقريبا من دون إشعار منهم بوجوب القضاء على شيعتهم، و كانت الشيعة بل جمع من أنفسهم عليهم السّلام مجبورين بالصلاة معهم جماعة مع الاختلاف العظيم بيننا و بينهم من جهات مختلفة، و لم ينقل منهم الإعادة أو إعلام الشيعة بذلك.

بل ذكرنا في رسالة مختصرة كتبناها في التقيّة المداراتيّة «3» سابقا عدم وجوب الإعادة أو القضاء مع وجودها، فضلا عن التقيّة الاضطراريّة الجائزة لدفع الخطر الاحتمالي عن النفس، فهل لا يستفاد من مجموع ذلك صحّة العمل العبادي مطلقا

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 31 مسألة 2463.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5: 106

(3) تقيّه مداراتى: 17- 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 138

..........

______________________________

و لو كان صوما، كما هو المبحوث عنه في المقام، أو يقال بالاختصاص بخصوص ما قام الدليل على الإجزاء فيه من العبادات المخصوصة؟ الظاهر هو الأوّل كما قوّاه في المتن.

الثانية: ما إذا أفطر قبل ذهاب الحمرة على مبناهم، القائلين بتحقّق الغروب باستتار القرص و لا حاجة إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة، كما هو المشهور بين علماء الشيعة «1»، و قد ذكر فيه أنّ حكمها حكم الصورة الاولى، و لكن تحقّق موضوع التقيّة في هذا المورد مشكل، فقد سمعت من بعض المعتمرين في رمضان خصوصا في مكّة المكرّمة أنّ الصائمين المجتمعين قبل الغروب في المسجدين اللذين أكثرهم منهم بل الشيعة في مقابلهم عدد قليل، لا

يفطرون بمجرّد سماع الأذان قبل ذهاب الحمرة، بل هم بين مفطر حينه، و بين مفطر بعده، و بين مفطر بعد صلاة المغرب، التي كان ذهاب الحمرة معه متحقّقا قطعا، فمع هذا الاختلاف لا مورد للتقيّة بالإفطار قبله إلّا في موارد شخصيّة، كما لا يخفى.

الثالثة: الإفطار يوم الشك في أنّه من رمضان أو من شوّال، فيكون عيد الفطر الذي يحرم الصوم فيه، كما لا يخفى.

و قد فصّل فيها في هذه الصورة بعد كون حكمهم بالعيد، مستندا إلى الموازين القضائية الثابتة عندهم بالنسبة إلى الرؤية، بين صورة بقاء الشك و عدم وضوح حال اليوم من كونه آخر رمضان أو أوّل شوّال، بعدم وجوب القضاء على الأقوى مع وجوب الإفطار كما هو مقتضى التقيّة، و تدلّ عليه قرينة المقابلة، و بين صورة العلم بكون حكمهم مخالفا، و أنّ هذا اليوم كان آخر رمضان، فأوجب الإفطار

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 22، مفاتيح الشرائع 1: 94، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 227.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 139

..........

______________________________

لأجل التقيّة و احتاط وجوبا القضاء، و ببالي استثناء صورة العلم بالمخالفة من لزوم التبعيّة لأجل التقيّة، و عدم وجوب الإعادة بالمعنى الأعمّ في باب الحجّ من جهة حكمهم بثبوت الرؤية.

و لكنّا استشكلنا في ذلك بأنّ مقتضى الدليل الذي ذكرناه من حجّ المعصوم عليه السّلام معهم في المدّة الطويلة المذكورة من دون التفوّه فيما يرتبط إلى العيد من مطابقة حكمهم للواقع أو مخالفته له، لعلّه ربما يدلّ على لزوم المتابعة و لو مع العلم بالخلاف؛ إذ من البعيد الالتزام بعدم العلم بكون حكمهم مطابقا و لو مرّة أو مرّات أو مخالفا.

فمن هذا الطريق

يستفاد وجوب التقيّة، كما أنّه يستفاد عدم وجوب الإعادة، و لا غرو في ذلك بعد عدم الوجوب في مثل باب الصلاة التي هي أساس الدين و ركن العبادات إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ «1». نعم، لا بأس في المقام بالذهاب إلى اقتضاء الاحتياط الاستحبابي للقضاء، فافهم و اغتنم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 34، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 8 ح 10 و 13 و ص 108، أبواب المواقيت ب 1 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 141

[القول فيما يكره للصائم ارتكابه]

اشارة

القول فيما يكره للصائم ارتكابه

[مسألة 1: يكره للصائم امور]

مسألة 1: يكره للصائم امور:

منها: مباشرة النساء تقبيلا و لمسا و ملاعبة، و للشابّ الشّبق و من تتحرّك شهوته أشدّ. هذا إذا لم يقصد الإنزال بذلك و لم يكن من عادته، و إلّا حرم في الصوم المعيّن. بل الأولى ترك ذلك حتّى لمن لم تتحرّك شهوته عادة مع احتمال التحرّك بذلك.

و منها: الاكتحال إذا كان بالذرّ أو كان فيه مسك أو يصل منه إلى الحلق، أو يخاف وصوله، أو يجد طعمه فيه لما فيه من الصبر و نحوه.

و منها: إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها، بل كلّ ما يورث ذلك أو يصير سببا لهيجان المرّة، من غير فرق بين شهر رمضان و غيره و إن اشتدّ فيه، بل يحرم ذلك فيه- بل في مطلق الصوم المعيّن- إذا علم حصول الغشيان المبطل و لم تكن ضرورة تدعو إليه.

و منها: دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف.

و منها: السّعوط، و خصوصا مع العلم بوصوله إلى الدماغ أو الجوف، بل يفسد الصوم مع التعدّي إلى الحلق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 142

و منها: شمّ الرياحين، خصوصا النرجس، و المراد بها كلّ نبت طيّب الريح. نعم، لا بأس بالطيب؛ فإنّه تحفة الصائم، لكنّ الأولى ترك المسك منه، بل يكره التطيّب به للصائم. كما أنّ الأولى ترك شمّ الرائحة الغليظة حتّى تصل إلى الحلق (1).

[مسألة 2: لا بأس باستنقاع الرجل في الماء]

مسألة 2: لا بأس باستنقاع الرجل في الماء، و يكره للامرأة. كما أنّه يكره لهما بلّ الثوب و وضعه على الجسد. و لا بأس بمضغ الطعام للصبيّ، و لا زقّ الطائر، و لا ذوق المرق، و لا غيرها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، أو تعدّى من غير قصد، أو مع

القصد و لكن عن نسيان؛ و لا فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح أو لا. نعم، يكره الذوق للشي ء. و لا بأس بالسواك باليابس،

______________________________

(1) قد ذكر في هذه المسألة جملة من الامور التي يكره للصائم ارتكابها، و قد اورد في الوسائل الروايات المرتبطة بها في أبواب متفرّقة، و الظاهر أنّ التعرّض الدقيق لمفادها قليل الجدوى، خصوصا لو قلنا بدلالة أخبار من بلغ «1» على عدم اعتبار الوثاقة في باب المكروهات أيضا، سيّما مع تعميم عنوان البلوغ للفتوى و القول بعدم اختصاصها بالروايات، و التحقيق في محلّه من علم الاصول، و خصوصا مع أنّه لم يبق من العمر ظاهرا إلّا القليل، و الأمراض المتنوّعة كثيرة لا محيص عنها، فصرف الوقت فيما هو أهم من المطالب أولى، و مع أنّ الحكم بالحرمة في بعض الفروض يستفاد وجهه ممّا تقدّم، و الإعادة لا تزيد في الفائدة، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 80، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 18، بحار الأنوار 2: 256 ب 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 143

بل هو مستحبّ. نعم، لا يبعد الكراهة بالرطب. كما أنّه يكره نزع الضّرس، بل مطلق ما فيه إدماء (1).

______________________________

(1) هذه المسألة أيضا كالسابقة في التعرّض لجملة من المكروهات، و لا حاجة إلى التعرّض للأدلّة الدالّة عليها أيضا، و المهمّ بيان أمرين:

أحدهما: مضغ الطعام للصبي، و زقّ الطائر، و ذوق المرق و شبهها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، أو مع التعدّي من غير قصد، أو مع القصد و لكن عن نسيان، من دون فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح، و بين غيره كالأمثلة المذكورة، و السرّ

عدم تحقّق الأكل و لا الشرب المفطرين؛ لما عرفت من اختصاص المفطريّة بصورة العمد و التوجّه.

ثانيهما: أنّ السواك إن كان باليابس فلا بأس به، بل هو مستحب كما في غير الصيام؛ لإطلاق دليل استحباب السواك، و إن كان بالرطب فقد نفى في المتن البعد عن الكراهة، و لعلّ الوجه فيه امتزاج رطوبته مع ماء الفم و تعدّي المجموع إلى الحلق عادة، و منه يظهر عدم الجواز في صورة العلم به، كما أنّ الظاهر الجواز من دون كراهة مع العلم بالعدم، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 145

[القول فيما يترتّب على الإفطار]

اشارة

القول فيما يترتّب على الإفطار

[مسألة 1: الإتيان بالمفطرات المذكورة- كما أنّه موجب للقضاء- موجب للكفّارة أيضا]

مسألة 1: الإتيان بالمفطرات المذكورة- كما أنّه موجب للقضاء- موجب للكفّارة أيضا إذا كان مع العمد و الاختيار- من غير كره- على الأحوط في الكذب على اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام، و في الارتماس و الحقنة، و على الأقوى في البقيّة، بل في الكذب عليهم عليهم السّلام أيضا لا يخلو من قوّة. نعم، القي ء لا يوجبها على الأقوى. و لا فرق بين العالم و الجاهل المقصّر على الأحوط. و أمّا القاصر غير الملتفت إلى السؤال، فالظاهر عدم وجوبها عليه و إن كان أحوط (1).

______________________________

(1) قد علّق الحكم بوجوب الكفّارة في الروايات المتعدّدة على الإفطار متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، مثل:

صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال: يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق «1».

______________________________

(1) الكافي 4: 101 ح 1، الفقيه 2: 72 ح 308، تهذيب الأحكام 4: 321 ح 984، و عنها وسائل الشيعة 10:

45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 146

..........

______________________________

و غير ذلك من الروايات «1».

و الظاهر أنّ هذا العنوان يتحقّق بارتكاب أيّ مفطر، خصوصا إذا وقع في كلام الإمام عليه السّلام، أو في كلام السائل مع ترك الاستفصال في الجواب، و ربما يحكى عن الجواهر «2» دعوى انصراف عنوان الإفطار إلى خصوص الأكل و الشرب المفطرين، و لكنّها غير مقبولة؛ لما عرفت من اعتبار الإمساك عن عدّة

امور كثيرة في نظر الشارع، و الاكتفاء في بعض الأخبار على مجرّد القضاء من دون التعرّض للكفّارة لا يدلّ على عدم ثبوتها في مورده.

نعم، لا ننكر اختلاف المفطرات من هذه الجهة بعد اشتراكها في ثبوت القضاء مع الإفطار متعمّدا. نعم، يشترط في ثبوتها عدم الإكراه؛ لأنّه و إن كان لا يرفع وجوب القضاء؛ لأنّ تحقّق الفعل المكره عليه من المكره (بالفتح) إنّما يكون باختياره و إرادته، إلّا أنّ تقييد الإفطار الموجب للكفّارة في الرواية المتقدّمة بعدم العذر شاهد على عدم ثبوت الكفّارة مع العذر، و الإكراه عذر لا محالة، مضافا إلى دلالة حديث الرفع «3»، فتدبّر.

و قد فصّل في المتن بين الكذب على اللّه تعالى أو رسوله أو الأئمّة عليهم السّلام و الارتماس و الحقنة، فحكم بثبوت الكفّارة فيها على الأحوط، و بين البقيّة، فقوّى فيها الثبوت، بل نفى الخلوّ عن القوّة في الثبوت في الكذب عليهم عليهم السّلام، و استدرك القي ء و أنّه لا يوجبها، و قد حكم السيّد في العروة «4» بثبوت الكفّارة في الجميع حتّى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.

(2) جواهر الكلام 16: 218- 219.

(3) تقدّم في ص 37.

(4) العروة الوثقى 2: 34، فصل فيما يوجب الكفّارة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 147

..........

______________________________

الارتماس و الحقنة و الكذب إلّا في بعض النومات بعد العلم بالجنابة، و قد تقدّم تفصيل الكلام بالإضافة إلى المورد الذي استثناه، و لا نعيد.

و أمّا مستند الحكم بثبوت الكفّارة في الجميع، فالظاهر أنّه ليس إلّا الصحيحة المتقدّمة و مثلها ممّا حكم فيه بثبوت الكفّارة على من أفطر متعمّدا من غير عذر، بضميمة ما عرفت

من الأدلّة الواردة في عدّ امور من المفطرات.

و أمّا التفصيل الذي أفاده في المتن، ففي مورد إثبات الكفّارة يكون الحكم هو مقتضى إطلاق مثل الصحيحة بالتقريب المذكور، و في مورد نفي الكفّارة كالقي ء فالظاهر عدم دلالة شي ء من أدلّة مفطريّته على لزوم القضاء، بل في بعضها رتّب وجوب القضاء على تحقّق الإفطار، و هذا لا ينافي ما ذكرنا من أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب القضاء لا تنفي وجوب الكفّارة؛ و ذلك أنّ هذا الكلام فيما إذا لم يكن لتلك الأدلّة ظهور في عدم وجوب الكفّارة، و هنا يكون كذلك، فتأمّل جيّدا.

نعم، الأحوط في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن ثبوت الكفّارة، بل قد عرفت أنّه نفى في المتن البعد في وجوب الكفّارة في الكذب عليهم عليهم السّلام؛ أي على اللّه- عزّ و جلّ- أو الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام، و يؤيّده بل يدلّ عليه- مضافا إلى أنّه محرّم في نفسه و لو في غير الصائم، و لذا يحتمل فيه جريان حكم لزوم الجمع في الكفّارات بلحاظ كونه إفطارا بالمحرّم، و سيجي ء عن قريب- إطلاق مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة عليه؛ لأنّه من الامور المفطرة كما عرفت.

ثمّ إنّ الفرق بين الجاهل المقصّر، و بين الجاهل القاصر غير الملتفت إلى السؤال بالاحتياط بثبوت الكفّارة في الأوّل، و استظهار عدم الوجوب في الثاني و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك؛ فلأنّ الروايتين المتقدّمتين تدلّان على أنّه إذا ارتكب المرء أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، و ظاهره نفي وجوب الكفّارة أيضا مضافا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 148

[مسألة 2: كفّارة إفطار شهر رمضان امور ثلاثة]

مسألة 2: كفّارة إفطار شهر رمضان امور ثلاثة:

عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا مخيّرا بينها؛ و إن كان الأحوط الترتيب مع الإمكان. و الأحوط الجمع بين الخصال إذا أفطر بشي ء محرّم، كأكل المغضوب، و شرب الخمر، و الجماع المحرّم و نحو ذلك (1).

______________________________

إلى القضاء. نعم، ربّما يقال بالشمول للجاهل المقصّر أيضا؛ نظرا إلى أنّه و إن كان مستحقّا للعقوبة و معاقبا لتقصيره، إلّا أنّه حين الارتكاب لا يرى إلّا أنّه حلال.

نعم، ذكر السيّد في العروة «1» قيد غير الملتفت في الجاهل المقصّر و جعل الملتفت إليه هو الإفطار، فيساوق الغافل. و أمّا ما في المتن من تقييد القاصر بغير الملتفت إلى السؤال فلا يرى له وجه أصلا بعد ثبوت الجهل عن قصور.

(1) يقع الكلام في المسألة في مقامات:

الأوّل: كفّارة الإفطار في شهر رمضان امور ثلاثة: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا، و هذا غير القضاء الواجب بالبطلان، و هي الخصال الثلاث المعروفة، و قد دلّت عليها جملة من الروايات.

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة و غيرها.

الثاني: في ثبوت التخيير بينها في غير صورة الإفطار بشي ء محرّم كما هو المشهور «2»، أو لزوم رعاية الترتيب- كما قد نسب إلى المرتضى «3»

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 34، فصل فيما يوجب الكفّارة.

(2) رياض المسائل 5: 347، جواهر الكلام 16: 267، مستمسك العروة 8: 342، المستند في شرح العروة 21: 310.

(3) حكى عنه في جواهر الكلام 16: 268 قائلا: و المرتضى في أحد قوليه، و لكن لم نعثر عليه في كتبه التي لدينا عاجلا غير ما في كتابه رسائل الشريف المرتضى 3: 55.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 149

..........

______________________________

و العماني «1»- بين

الخصال بلزوم تقديم الاولى و هو عتق الرقبة، و مع عدم التمكّن صيام شهرين متتابعين، و مع عدم التمكّن إطعام ستّين مسكينا، قولان، و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا المجال؛ فإنّها كما قيل على طوائف أربع:

الاولى: ما يدلّ على التخيير، كالصحيحة المتقدّمة، و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّدا؟ قال: عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم، و من أين له مثل ذلك «2».

و إيراد الإطعام و ذكره قبل الصيام يوجب قوّة الظهور في التخيير، و من الواضح أنّه لا خصوصيّة للإفطار بالجماع من هذه الجهة، فتدلّ على ثبوت الحكم في كلّ ما يوجب القضاء و الكفّارة، كما لا يخفى.

الثانية: ما اقتصر فيها على الإطعام، مثل:

موثّقة اخرى لسماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستّين مسكينا، مدّ لكلّ مسكين «3».

و الظاهر أنّ هذه الطائفة ساقطة عن الاعتبار؛ للإعراض عنها على كلا القولين:

التخيير، و الترتيب.

الثالثة: ما ظاهره وجوب العتق تعيينا، مثل:

رواية المشرقي- الذي هو هشام بن إبراهيم، أو هاشم بن إبراهيم العبّاسي،

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 305 مسألة 54.

(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 68 ح 140، تهذيب الأحكام 4: 208 ح 604، الاستبصار 2: 97 ح 315، و عنها وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13 و ص 54 ب 10 ح 2.

(3) تهذيب الأحكام 4: 320 ح 980، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 68 ح 141، و عنهما وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح

12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 150

..........

______________________________

و على أيّ فهو غير موثّق- عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب: من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم «1». و هذه الطائفة أيضا كالسابقة معرض عنها على كلا القولين، و يبعد خصوص هذه الطائفة أنّ بقاء الأحكام إلى يوم القيامة في جميع الأمكنة و الأزمنة، مع اهتمام الشارع على عدم بقاء الرقّ و الرقّية، و عدم وجود العبد في أكثر الأمكنة، مع كثرة الإفطار الموجب للكفّارة، لا يلائم مع هذه الطائفة.

الرابعة: ما تدلّ بالصراحة على الترتيب، و هي روايتان:

إحداهما: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه «2».

ثانيتهما: رواية عبد المؤمن بن الهيثم (القاسم خ ل) الأنصاري؛ عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ رجلا أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: هلكت و أهلكت! فقال: و ما أهلكك؟ قال:

أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم. فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أعتق رقبة. قال:

لا أجد. قال: فصم شهرين متتابعين. قال: لا أطيق، قال: تصدّق على ستّين مسكينا. قال: لا أجد. فاتي النبي صلى اللّه عليه و آله بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 207 ح 600، الاستبصار 2: 96 ح

311، و عنهما وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.

(2) مسائل علي بن جعفر: 116 ح 47، و عنه وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 151

..........

______________________________

تمر، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: خذ هذا و تصدّق بها. فقال: و الذي بعثك بالحقّ نبيّا ما بين لا بيتها «1» أهل بيت أحوج إليه منّا، فقال: خذه و كله أنت و أهلك؛ فإنّه كفّارة لك «2».

و هذه الرواية ضعيفة، كما أنّك عرفت سقوط الطائفتين المتوسطتين عن الاعتبار لأجل الإعراض، فتبقى الصحيحة الأخيرة الصريحة في الترتيب في مقابل الطائفة الاولى، فلو قلنا بوجود التعارض و عدم إمكان الجمع المقبول عند العقلاء الموجب للخروج عن عنوان المتعارضين، فاللازم الأخذ بالطائفة الاولى؛ لموافقتها لفتوى المشهور التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مرارا.

و أمّا ما افيد «3» من دلالة تلك الطائفة على التخيير بالظهور الوضعي، و دلالة الصحيحة الأخيرة على التعيين بالظهور الإطلاقي، و هو لا يقاوم الظهور الوضعي كما قرّر في الاصول، فهو لا يوجب الخروج عن عنوان المتعارضين، و هو الملاك كما قرّر فيه، فتدبّر.

المقام الثالث: فيما جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي من لزوم الجمع بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم، كالأمثلة المذكورة في المتن، و قد أفتى به السيّد قدّس سرّه في العروة «4»، و عن المحقّق في المعتبر «5» أنّه لم يجد عاملا بكفّارة الجمع، و كيف كان،

______________________________

(1) يعني المدينة المنوّرة، و لابتاها: حرّتان عظيمتان يكتنفانها (مجمع البحرين 3: 1654- 1655، لوب).

(2) الفقيه 2: 72 ح

309، معاني الأخبار: 336 ح 1، المقنع: 193، و عنها وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.

(3) المستند في شرح العروة 21: 313.

(4) العروة الوثقى 2: 35 مسألة 2470.

(5) المعتبر 2: 668.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 152

..........

______________________________

فقد استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ هذا القول حدث بين المتأخّرين عن زمن العلّامة قدّس سرّه، و تبعه جماعة ممّن تأخّر عنه، منهم: صاحب الحدائق قدّس سرّه «1». و أمّا القدماء فلم ينسب إليهم ذلك ما عدا الصدوق في الفقيه «2»، فهو قول على خلاف المشهور «3». و كيف كان، فقد استدلّ عليه بعدّة روايات:

منها: موثقة سماعة المتقدّمة في المقام الثاني، بناء على اشتمالها على «و» مكان «أو»، و على حمل الشيخ «4» إيّاها على إتيان الأهل على وجه محرّم، كحال الحيض، و بعد الظهار قبل الكفّارة، و احتمل قدّس سرّه أيضا أن يكون المراد ب «و» التخيير دون الجمع، كما احتمل أيضا الحمل على الاستحباب، جمعا بينها و بين روايات التخيير.

أقول: الرواية قد نقلناها عن الطبع الحديث للوسائل، و هي لا تشتمل على «و»، مع أنّه لا شاهد على الحمل على إتيان الأهل على وجه محرّم، كما لا يخفى.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري- يعني عن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف- فيمن أفطر في شهر رمضان متعمّدا بجماع محرّم عليه، أو بطعام محرّم عليه، أنّ عليه ثلاث كفّارات «5».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 222.

(2) الفقيه 2: 74.

(3) المستند في

شرح العروة 21: 314.

(4) تهذيب الأحكام 4: 208- 209، الاستبصار 2: 97.

(5) الفقيه 2: 73- 74 ح 317، و عنه وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 153

..........

______________________________

و قد استند إليها الصدوق- في المحكي عنه- في فتواه السابقة.

و الظاهر أنّ قوله: «يعني عن المهدي عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» تفسير لصاحب الوسائل، و إلّا فليس في كتاب الصدوق هذا التفسير، كما أنّ رواية الصدوق عن العمري بلحاظ حكايته عن الصاحب عجل اللّه تعالى فرجه الشريف- ضرورة أنّه ليس بمعصوم- يكون قوله حجّة، و الإشكال إنّما هو في الإرسال المتحقّق بين الصدوق، و بين أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، فالرواية حينئذ لا تكون قابلة للاستناد إليها، و قد عبّر نفسه عنها بالمرسلة.

و منها: ما رواه الشيخ قدّس سرّه بإسناده عن الصدوق، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السّلام: يا ابن رسول اللّه قد روي عن آبائك عليهم السّلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات، و روي عنهم عليهم السّلام أيضا كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما، أو أفطر على حرام في شهر رمضان، فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم. و إن كان نكح حلالا، أو أفطر على حلال، فعليه كفّارة واحدة، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه «1».

و الظاهر أنّ الرواية معتبرة

قابلة للاستناد على مسلكنا في حجّية الأخبار. نعم، على مبنى صاحب المدارك من اعتبار كون الراوي في جميع الطبقات عدلا إماميّا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 209 ح 605، الاستبصار 2: 97 ح 316، الفقيه 3: 238 ح 1128، عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 314 ح 88، معاني الأخبار: 389 ح 27، و عنها وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 154

..........

______________________________

فهي غير معتبرة، و ربّما يناقش «1» في وثاقة علي بن محمد بن قتيبة؛ نظرا إلى أنّ المستند في ذلك كون الرجل من مشايخ الكشّي، مع أنّ هذا المقدار لا يكفي في وثاقته بعد ما نرى من توصيف النجاشي للكشّي بأنّه يروي عن الضعفاء كثيرا «2» و إن كان يعظّمه في نفسه. و عليه: فمجرّد رواية الكشّي عن شخص لا دلالة فيها على الوثاقة.

نعم، لو كان شيخا لإجازته فالدلالة غير قابلة للمناقشة، إلّا أنّ شيخ الإجازة غير مجرّد الرواية، خصوصا مع ما عرفت من النجاشي. هذا بالإضافة إلى علي بن محمد بن قتيبة.

و أمّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، فالذي أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ الصدوق عمل بروايته، بل وصفها بالصحّة «3»، لكن يبعّده استناد الصدوق فيما نحن فيه إلى المرسلة مع كونه راويا لهذه الرواية عنه، و الدلالة فيها قويّة جدّا، فهل لا يكون هذا قرينة على الخلاف؟ خصوصا مع أنّ الرجل لم يوثّق أصلا، و يحتمل قويّا أن يكون الجاري عند الصدوق هي أصالة العدالة المعروفة عند القدماء، فمع ذلك كيف يمكن الاعتماد على الرواية؟ و إن قلنا بأوسع ممّا

قاله صاحب المدارك في باب حجّية الأخبار.

و كيف كان، فهذه الروايات الثلاث المتقدّمة و إن لم يمكن الاستناد إليها لا منفردا و لا مجتمعا للفتوى بثبوت كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم، إلّا أنّه يمكن أن تصير منشأ للاحتياط الوجوبي، كما هو المذكور في المتن.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 318- 319.

(2) رجال النجاشي: 372، الرقم 1018.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 127 ب 35 ذ ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 155

[مسألة 3: الأقوى أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد حتّى الجماع]

مسألة 3: الأقوى أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد- حتّى الجماع- و إن اختلف جنس الموجب، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الجماع (1).

______________________________

ثمّ إنّه على تقدير وجوب كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم فتوى أو احتياطا لا يختصّ الحكم بالمفطر الذي كان له حالتان: الحلّية و الحرمة، كالأكل و الشرب و الجماع مثلا، بل يعمّ المفطر الذي ليس له إلّا حالة واحدة، كالكذب على اللّه- تعالى- و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام؛ لأنّه محرّم صرف، و لا يكون له حكم آخر.

و عليه: فيشكل الأمر بالإضافة إلى مورد التبليغ في أيّام شهر رمضان كما هو المتداول و المعمول، سيّما المنبر و التكلّم عليه؛ فإنّ اللازم على المتصدّي له الالتفات إلى هذه الجهة، أو الانتساب إلى قول الآخرين أو كتبهم، و لا يقتصر على ذكر ما يرتبط بهذه الذوات المقدّسة من دون العلم أو الاطمئنان، و من دون الانتساب المذكور، فالاحتياط الذي لا ينبغي تركه هو ترك ذلك في اليوم و الاكتفاء بالليل.

(1) لا شبهة في تكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين أو أزيد؛ سواء اتّحد جنس الموجب

كالجماع فيهما، أو اختلف كالأكل و الجماع مثلا، إنّما الإشكال في التكرّر بتكرّر الموجب في يوم واحد، كما إذا جامع مرّتين أو أكل كذلك، و يظهر من المتن وجوب الفرق بين الجماع و غيره.

فنقول: أمّا غير الجماع، فالوجه في عدم التكرّر فيه؛ أنّه بارتكاب المفطر الأوّل يصير صومه فاسدا و إن كان يجب عليه مجرّد الإمساك في بقيّة اليوم، فارتكاب المفطر الثاني لا يكون إفطارا في الحقيقة، فلا وجه لإيجابه الكفّارة إذ لم يقم دليل على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 156

[مسألة 4: تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان، و قضائه بعد الزوال، و النذر المعيّن]

مسألة 4: تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان، و قضائه بعد الزوال، و النذر المعيّن، و لا تجب فيما عداها من أقسام الصوم؛ واجبا كان أو مندوبا، أفطر قبل الزوال أو بعده. نعم، ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب، و هم بين معمّم لها لجميع المفطرات، و مخصّص بالجماع، و لكنّ الظاهر الاختصاص بالجماع، كما أنّ الظاهر أنّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم، و لذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار. نعم، لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفّارتان، كما أنّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجماع تجب كفّارة

______________________________

ثبوتها في ما يجب فيه الإمساك و لو مع اتّصاف الصوم بالبطلان، و لا فرق في هذه الجهة بين صورة اختلافه و صورة اتّحاده، فالوجه فيه واضح.

و أمّا الجماع، فقد قال في المتن: إنّه لا ينبغي ترك الاحتياط فيه و إن كان السيّد في العروة «1» بعد حكمه بالاحتياط قد قوّى التكرّر، و الوجه فيه: أنّ الموضوع للحكم في جملة كثيرة من الروايات، هو عنوان الجماع الشامل لحالتي التلبّس بالصوم و عدمه

مع فرض كونه مكلّفا بالصوم.

و عليه: فتبتني المسألة على أنّ مقتضى الأصل عند اجتماع الأسباب هل هو التداخل أو عدمه؟ و هذا بخلاف غير الجماع؛ فإنّه لا يبتني على ذلك؛ لبطلان الصوم بالمفطر الأوّل، و لم يقم دليل على ثبوت الكفّارة و لو بعد البطلان.

و دعوى انصراف الجماع في تلك الروايات إلى خصوص الجماع الأوّل الواقع في حالة الصوم، و الانصراف عن الجماع الثاني الواقع بعد بطلانه، غير مسموعة و إن كانت ربما يتوهّم في بادئ النظر، كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 35- 36 مسألة 2471.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 157

شهر رمضان فقط (1).

______________________________

(1) قد تعرّض في هذه المسألة لموارد وجوب الكفّارة في الإفطار، و موارد عدم وجوبها فيه، و المورد المختلف فيه:

فمن القسم الأوّل: الإفطار في صوم رمضان متعمّدا، و قد مرّ البحث في هذا القسم في المسألة الاولى المتقدّمة، و لا فرق في هذا القسم بين ما قبل الزوال و ما بعده بلا إشكال.

و منه: قضاء صوم شهر رمضان، و قد فصّل فيه بين ما بعد الزوال، و بين غيره بالحكم بثبوت الكفّارة في الأوّل دون الثاني؛ و ذلك لجواز الإفطار في الثاني دون الأوّل، و الظاهر أنّ مورده صورة عدم تضيّق الوقت بدخول رمضان الآتي، و إلّا فهو كالنذر المعيّن، و يدلّ على الحكم المذكور مضافا إلى التسالم «1» تقريبا روايات:

منها: موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال: لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال «2».

و منها: موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام

من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس، فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان ينوي الإفطار فليفطر. سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا. سئل: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 352- 353، المستند في شرح العروة 21: 320.

(2) الكافي 4: 122 ح 6، الفقيه 2: 96 ح 432، تهذيب الأحكام 4: 278 ح 842، الاستبصار 2: 120 ح 390، و عنها وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 4 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 158

..........

______________________________

قال: قد أساء و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه «1». و ربما يقال بأنّ غاية مفاد الروايتين الدلالة على عدم جواز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان، و أمّا الدلالة على ثبوت الكفّارة فلا، بل ربما يدلّ ذيل الأخيرة على عدم وجوب الكفّارة فيها بلحاظ قوله: «ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم» إلخ، كما ربما ينسب القول به إلى العمّاني قدّس سرّه «2».

و توهّم أنّ جواز الإفطار و عدمه أمر، و ثبوت الكفّارة و العدم أمر آخر، كما في محرّمات الإحرام، حيث إنّها تصير جائزة في بعض الحالات، و مع ذلك تكون الكفّارة ثابتة، كلبس المخيط للرجال في حال الضرورة لمرض و نحوه؛ فإنّه جائز و لكنّ الكفّارة غير ساقطة، فمن الممكن في المقام أيضا القول بجواز الإفطار مع ثبوت الكفّارة، مدفوع بأنّ الظاهر أنّ عدم الملازمة هناك يرتبط

بحال المكلّف، و هنا يكون الجواز مربوطا بالصوم من حيث قبل الزوال و بعده، فتدبّر.

و لكن يدلّ على ثبوت الكفّارة فيها بالصراحة بعض الروايات، مثل:

رواية بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم. و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس، فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «3». و لكنّها ضعيفة ظاهرا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 280 ح 847، الاستبصار 2: 121 ح 394، و عنهما وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 10، و ص 348، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 319 مسألة 65.

(3) الكافي 4: 122 ح 5، الفقيه 2: 96 ح 430، المقنع: 200، تهذيب الأحكام 4: 278 ح 844، الاستبصار 2:

120 ح 391، و عنها وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 159

..........

______________________________

و صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان؟ فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك «1». هذا، مضافا إلى كون رواية الكفّارة موافقة لفتوى المشهور

«2»، بل المتسالم عليه بينهم تقريبا كما عرفت، فعلى تقدير عدم إمكان الجمع الدلالي- كما هو الظاهر- لا بدّ من الأخذ بهما، كما لا يخفى.

و من هذا القسم: صوم النذر المعيّن بالذات أو بالعرض كما في صورة التضيّق، و لم ينسب الخلاف هنا أيضا إلّا إلى ابن أبي عقيل «3»، و لكن بعد ما تكرّر منّا في هذا الشرح أنّ المنذور بما هو له عنوان خاصّ لا يصير واجبا بوجه، بل الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر الذي هو أمر توصّلي، و لكن إذا كان المنذور عبادة فاللازم الإتيان به بعنوان العباديّة، فإذا نذر صلاة الليل مثلا لا تصير صلاة الليل واجبة بحيث تبدّل حكمها من الاستحباب إلى الوجوب، بل هي باقية على استحبابها، غاية الأمر لزوم الإتيان بها مع قصد القربة، و هكذا المقام، فإذا فرض أنّه نذر صوم يوم معيّن بالذات مثلا، فالصوم لا يصير واجبا بالنذر، بل الواجب هو الوفاء به، و هو لا يتحقّق إلّا بالصيام في ذلك اليوم.

و عليه: فالكفّارة هنا لا تكون إلّا كفّارة حنث النذر لا الإفطار في الصوم المنذور، و لذا تثبت هذه الكفّارة في سائر موارد مخالفة النذر، و حيث إنّ البحث هنا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 279 ح 845، الاستبصار 2: 120 ح 392، و عنهما وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(2) المستند في شرح العروة 2: 321.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 418- 419 مسألة 134.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 160

..........

______________________________

في أصل ثبوت الكفّارة و عدمه، كما في القسمين الأوّلين، فالتعرّض لمقدارها لا يرتبط بالمقام، بل بكتاب الكفّارات، و

لعلّه لذا ترك الماتن قدّس سرّه التعرّض لذكر المقدار هنا، بخلاف السيّد قدّس سرّه في العروة، حيث إنّه تعرّض لمقدارها أيضا «1».

و أمّا القسم الثاني: الذي لا تجب فيه الكفّارة؛ سواء كان واجبا كالصوم الواقع كفّارة، أو ثلاثة و سبعة بدل الهدي، كما حقّقناه في محلّه، أم مندوبا كما في الأغلب، فالدليل على عدم ثبوت الكفّارة فيه و لو مع وجوب الصوم بعنوانه- و لازمه عدم جواز الإفطار عن تعمّد و اختيار- هو عدم الدليل عليها، مع احتياجه كسائر التكاليف إلى الدليل، و قد عرفت أنّ مجرّد عدم جواز الإفطار لا يترتّب عليه وجوب الكفّارة.

و أمّا القسم الثالث: الذي كان موردا للاختلاف فهو صوم الاعتكاف، و الكلام فيه تارة: في الجماع، و اخرى: في غيره من المفطرات.

أمّا الأوّل: فالظاهر أنّه لا إشكال و لا خلاف في وجوب الكفّارة في الجماع في صوم الاعتكاف «2» و إن وقع الاختلاف في تعيين المقدار، و أنّه هل هو كفّارة شهر رمضان، كما ذهب إليه المشهور «3»، أو أنّها كفّارة الظهار، كما عن صاحب المدارك «4»؟ و الأخبار مختلفة من هذه الجهة و إن كان بينها اتّفاق في أصل ثبوت الكفّارة، مثل:

موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 35 مسألة 2470.

(2) رياض المسائل 5: 526، مستمسك العروة 8: 351، المستند في شرح العروة 21: 334.

(3) الحدائق الناضرة 13: 496، رياض المسائل 5: 527، جواهر الكلام 17: 210.

(4) مدارك الأحكام 6: 244.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 161

..........

______________________________

(قال خ ل): هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «1»، و رواها في الوسائل

في باب واحد مرّتين، مع أنّه من الواضح عدم ثبوت التعدّد في البين.

و صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع (أهله خ ل)؟

قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر «2».

و لكن قد عرفت أنّ الكلام هنا لا يكون إلّا في أصل ثبوت الكفّارة و عدمها لا في مقدارها. و عليه: فلا إشكال في ثبوت الكفّارة في الجماع، و لذا لو وقع في الليل الذي لا يصام فيه تكون الكفّارة ثابتة، و لم يستفصل في الروايتين عن أنّ الجماع هل وقع في الليل أو في النهار الذي يصوم المعتكف فيه؟

و أمّا الثاني: فالمشهور «3» فيه عدم الإيجاب للكفّارة؛ إذ لا ملازمة بينه و بين الحرمة، و المحكي عن المفيد و السيّدين و العلّامة وجوب الكفّارة مطلقا «4»، بل عن الغنية دعوى الإجماع على الإلحاق بالجماع، و هي كما ترى، مضافا إلى كونه من الإجماع المنقول الذي ليس بحجّة، مخالفة للمشهور كما عرفت، و نسب إلى بعض «5» إلحاق الاستمناء بالجماع، و هو فاقد للدليل؛ لأنّ ما ورد إنّما هو بالإضافة إلى الجماع، من دون فرق بين النهار و الليل.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو كان الاعتكاف في شهر رمضان يكون الجماع في النهار

______________________________

(1) الفقيه 2: 123 ح 534، الكافي 4: 179 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 291 ح 886 و ص 292 ح 888، الاستبصار 2: 130 ح 423 و 425، و عنها وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2 و 5.

(2) الفقيه 2: 122 ح 532، الكافي 4: 179 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 291 ح 787، الاستبصار 2: 130 ح 424، و عنها وسائل الشيعة 10:

546، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1.

(3) جواهر الكلام 17: 208، مدارك الأحكام 6: 349، مستند الشيعة 10: 575، ذخيرة المعاد: 542.

(4) المقنعة: 363، غنية النزوع: 147، رسائل الشريف المرتضى 3: 61، تذكرة الفقهاء 6: 318.

(5) المبسوط 1: 294، الخلاف 2: 238 مسألة 113، تذكرة الفقهاء 6: 318.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 162

[مسألة 5: لو أفطر متعمّدا لم تسقط عنه الكفّارة- على الأقوى]

مسألة 5: لو أفطر متعمّدا لم تسقط عنه الكفّارة- على الأقوى- لو سافر فرارا من الكفّارة، أو سافر بعد الزوال، و على الأحوط في غيره. و كذا لا تسقط لو سافر و أفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على الأحوط. بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّدا، ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض و غير ذلك و إن كان الأقوى سقوطها. كما أنّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال، فالأقوى سقوطها كالقضاء (1).

______________________________

موجبا لثبوت كفّارتين للإفطار في شهر رمضان و للاعتكاف، و هو مع أنّه مقتضى القاعدة، يدلّ عليه رواية عبد الأعلى بن أعين- التي في طريقها محمد بن سنان- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال: عليه الكفّارة. قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال: عليه كفّارتان «1». و لا مجال لاحتمال التداخل في مثل ذلك بعد كون الموجبين مختلفين و إن فرض اتّحاد جنس الكفّارتين، فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو أفطر متعمّدا فيما لو كان الإفطار موجبا للكفّارة و سافر بعد ذلك، فقد فصّل في المتن بين ما لو كان السفر لأجل الفرار من الكفّارة، أو كان السفر بعد الزوال،

فقد قوّى فيه عدم سقوط الكفّارة، و بين غيره، كما لو لم يكن السفر لأجل الفرار و لم يكن بعد الزوال؛ بأن كان قبله لا للفرار، فاحتاط وجوبا عدم السقوط.

أمّا وجه قوّة العدم في الفرض الأوّل؛ فلأنّ مقتضى الاستصحاب عدم السقوط؛

______________________________

(1) الفقيه 2: 122 ح 533، تهذيب الأحكام 4: 292 ح 889، و عنهما وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 163

..........

______________________________

لفرض الثبوت حين الإفطار بعد تحقّقه من ناحية، و عدم السفر حال الإفطار، فهو مكلّف بالصوم حاله، و قد وقع إفطاره متعمّدا، فتجب عليه الكفّارة.

و لا مجال لأن يقال: إنّ السفر قبل الزوال خصوصا فيما لو كانت نيّته من الليل- لا حادثة في النهار- يكشف عن عدم كونه مكلّفا بالصوم الذي هو الإمساك في جميع النهار بقصد الصوم و الأمر المتعلّق به؛ لأنّ عنوان الإفطار متعمّدا في حاله كان محفوظا، أ فيجوز قطع الصلاة على تقدير الحرمة بمجرّد العلم بخروج الحدث منه قبل إتمامها؟ و هل يكون الخروج المزبور كاشفا عن عدم كون خروجه عن الصلاة فهو غير محرّم؟

و المقام كذلك، خصوصا فيما إذا كان السفر لأجل الفرار عن الكفّارة، مع أنّه لو كان السفر للفرار المزبور مفرّا عن تعمّد الإفطار الموجب للكفّارة لاشير إليه في جملة من الروايات الدالّة على ذلك، مع أنّه لم تقع الإشارة إليه و لو في واحدة فضلا عن المتعدّدة، و هذا مع أنّه مقتضى القاعدة، يدلّ عليه بعض النصوص، مثل:

صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه. قلت

له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال:

ليس عليه شي ء أبدا. قال و قال زرارة عنه عليه السّلام: أنّه قال: إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه، و قال: إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء، بمنزلة من خرج ثمّ أفطر ... إلخ «1»؛ فإنّه لا مجال معها للمناقشة في أنّه إذا خرج بعد تعمّد

______________________________

(1) الكافي 3: 525 ح 4، تهذيب الأحكام 4: 35 ح 92، الفقيه 2: 17 ح 54، و عنها وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 164

..........

______________________________

الإفطار الموجب للكفّارة في آخر النهار الذي يراد به لا محالة بعد الزوال، و كان غرضه من الخروج للسفر إبطال الكفّارة فهي لا تسقط، و لأجله لا بدّ من الحكم به بنحو الفتوى كما في المتن.

نعم، لو كان خروجه في أوّل النهار، الذي يراد به قبل الزوال بغير قصد الفرار عن الكفّارة فقد احتاط فيه وجوبا بعدم السقوط، و لعلّ الوجه فيه استفادة وحدة الملاك؛ و هو حصول الإفطار في زمان كان مأمورا فيه بالصيام و إن انكشف الخلاف بعد.

الثاني: لو سافر و أفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص المجوّز للإفطار؛ فإنّه احتاط وجوبا أيضا فيه بالملاك المتقدّم.

الثالث: ما لو تعمّد الإفطار ثمّ عرض له عارض قهريّ من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها، فقد قوّى فيه في المتن

سقوطها و احتاط استحبابا بالعدم، و لازم ما ذكرنا من الملاك هو القول بعدم السقوط في هذا الفرع أيضا؛ لأنّه كان مأمورا حين الإفطار بالصيام و عدم جواز الإفطار، لكن يمكن أن يقال بالسقوط هنا؛ لأنّه لم يفعل موجبه اختيارا، و حتى لا يكون كالسفر بعد الزوال، بل العلّة ناشئة من أمر غير اختياري، و إن شئت قلت: إنّه كما لا يجب في هذه الصورة القضاء في أكثر مواردها، كذلك لا تجب الكفّارة، فتدبّر جيّدا.

الرابع: ما لو أفطر في يوم الشكّ من شوّال ثم تبيّن أنّه لم يكن من شهر رمضان و أنّ الإفطار قد وقع في يوم العيد، فقد قوّى في هذه الصورة عدم وجوب الكفّارة و لا القضاء، و لعلّ الوجه فيه أنّ الإفطار الكذائي واقع في محلّه، غاية الأمر عدم الاطّلاع عليه و كون مقتضى الاستصحاب العدم، و مع انكشاف الخلاف يعلم بالعدم، فلا وجه فيه لشي ء من الأمرين أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 165

[مسألة 6: لو جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان]

مسألة 6: لو جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان، فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة و التعزير، و هو خمسة و عشرون سوطا، و إن أكرهها على ذلك يتحمّل عنها كفّارتها و تعزيرها، و إن أكرهها في الابتداء- على وجه سلب منها الاختيار و الإرادة- ثمّ طاوعته في الأثناء، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه و كفّارة عليها، و إن كان الإكراه على وجه صدر الفعل بإرادتها و إن كانت مكرهة، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه و عدم كفّارة عليها. و كذا الحال في التعزير على الظاهر. و لا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبيّة. و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و

المنقطعة. و لو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا (1).

______________________________

(1) لو جامع زوجته في شهر رمضان و هو صائم، فتارة: لا تكون هي صائمة فالحكم لا يعدو عنه، و لا مجال لاحتمال التحمّل. و أمّا إذا كانت صائمة ففيه صور ثلاث:

الاولى: ما إذا كانت مطاوعة ابتداء و استدامة، فعلى كلّ منهما حكمه من الكفّارة و التعزير، و المستند الوحيد في هذا الأمر هي رواية المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة، و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا «1».

قال صاحب الوسائل قدّس سرّه بعد نقل الرواية: ذكر المحقّق في «المعتبر» أنّ سندها

______________________________

(1) الكافي 4: 103 ح 9، الفقيه 2: 73 ح 313، تهذيب الأحكام 4: 215 ح 625، المقنعة: 348، و عنها وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 166

..........

______________________________

ضعيف، لكنّ علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة فيجب العمل بها، و تعلم نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السّلام باشتهارها «1»، انتهى.

و الظاهر أنّ الأمر كذلك؛ لعدم ذكر التعزير في رواية اخرى، و عدم ثبوته على الصائم المجامع لامرأته مع عدم كونها صائمة أصلا؛ لما عرفت من أنّ الثابت في هذه الحالة ليس إلّا الكفّارة، فالحكم بثبوت التعزير في المقام لا بدّ و أن يكون مستندا إلى هذه الرواية، و

الظاهر أنّ هذا هو مراد المحقّق من الإجماع، لا الإجماع المصطلح الذي هو فوق الشهرة، كما صرّح به في آخر كلامه، فالإيراد «2» عليه باحتمال أن يكون مراد المحقّق التمسّك بالإجماع و إلغاء الرواية لضعفها، في غاية البعد.

الثانية: عكس الصورة السابقة، و هو ما لم تكن هناك مطاوعة أصلا لا ابتداء و لا استدامة، و الحكم فيها- كما يستفاد من الرواية- لزوم تحمّله عنها الكفّارة و التعزير، فيجب عليه كفّارتان كما أنّه يجب عليه تعزيران؛ و هما خمسون سوطا على ما فيها.

الثالثة: ما إذا كانت مكرهة في الابتداء مطاوعة في الاستدامة، و قد فصّل فيها في المتن بين ما لو كان الإكراه في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار و الإرادة ثمّ طاوعته بعد ذلك، فحكم بثبوت كفّارتين عليه و كفّارة عليها، و بين ما لو كان الإكراه- كما في سائر الموارد- على وجه صدر منها الفعل عن إرادة و اختيار، غاية الأمر أنّ المحرّك هو الفرار عن توعيده و تهديده، فقد قوّى فيه ثبوت كفّارتين عليه و عدم كفّارة عليها، و هكذا التعزير.

______________________________

(1) المعتبر 2: 681.

(2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 369.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 167

[مسألة 7: لو كان مفطرا لكونه مسافرا أو مريضا، و كانت زوجته صائمة]

مسألة 7: لو كان مفطرا لكونه مسافرا أو مريضا، و كانت زوجته صائمة، لا يجوز إكراهها على الجماع، و إن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة (1).

______________________________

و الظاهر أنّ وجه التفصيل المذكور؛ أنّ الإكراه الموجب لسلب الاختيار و الإرادة في الابتداء كما في الفرض الأوّل يوجب ثبوت كفّارتين عليه، و بالمطاوعة البعديّة تثبت كفّارة عليها، و لا يكون تحمّل الزوج مانعا عن ثبوتها عليها لأجل

المطاوعة، و أمّا الإكراه بالمعنى الآخر فلا ينافي الاختيار و الإرادة من الأوّل، و المطاوعة العارضة لا تؤثّر في حدوث الإرادة، غاية الأمر أنّ الرواية دلّت على تحمّل الزوج لأمرين، فلم يتحقّق هنا عنوان آخر موجب لتغيّر الحكم أو الثبوت على الزوجة زائدا على الزوج.

و بعبارة اخرى: حيث يكون أصل التحمّل على خلاف القاعدة؛ لأنّها مقتضية للثبوت على نفس الشخص مع بقاء الإرادة، و للسقوط عنه على تقدير عدمها، و التحمّل يحتاج إلى دليل على الخلاف المذكور، فلا بدّ من الأخذ بالرواية التي قد اخذ فيها عنوان الإكراه لثبوت تحمّل الزوج، من دون التعرّض لصورة المطاوعة بعد الإكراه، بل اللازم الحكم فيها على طبق القاعدة، و مقتضاها ثبوت كفّارات ثلاث، بخلاف الإكراه بالمعنى الثاني الذي لا يكاد ينفكّ عن الإرادة و الاختيار.

ثمّ إنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة؛ لإطلاق الرواية، نظرا إلى السؤال و ترك الاستفصال في الجواب. و حيث عرفت أنّ التحمّل على خلاف القاعدة مدلولا عليه بالنصّ، فلا يجري الحكم في الزوجة الصائمة إذا أكرهت زوجها الصائم على الجماع، كما أنّه لا يجري فيها إذا أكره الرجل المرأة الأجنبية على الجماع و إن كانا صائمين؛ لخروج الفرضين عن مورد الرواية.

(1) لو كان الزوج مفطرا لكونه مسافرا رجع من سفره بعد الزوال، أو بعد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 168

..........

______________________________

الإفطار في السفر، أو كان مريضا لا يجب عليه الصوم، و كانت زوجته صائمة في شهر رمضان، فهنا أمران:

الأوّل: أنّه إذا أكرهها على الجماع من غير مطاوعة، فهل يتحمّل عنها الكفّارة، غاية الأمر لزوم كفّارة واحدة؛ لعدم كونه بنفسه صائما؟ احتاط وجوبا في المتن بالتحمّل،

و لكن صرّح السيّد في العروة «1» بالعدم، و هو الظاهر في بادئ النظر؛ بلحاظ ما عرفت من كون التحمّل على خلاف القاعدة، و مورد الرواية المتقدّمة هما الزوجان الصائمان، فإذا لم يكن الزوج صائما فهو خارج عنه، و لكنّ التأمّل فيها يقضي بأنّ منشأ التحمّل هي صفة الصوم المتحقّقة في المرأة و إكراهها على الجماع من دون مطاوعة، و لا فرق في ذلك بين صورة صوم الزوج الموجب لتحقّق الكفّارة، و ثبوتها عليه في الجماع في شهر رمضان مثلا، و بين صورة العدم كما في فرض المقام، فالظاهر هو الاحتياط المذكور في المتن.

الثاني: أصل جواز الإكراه في هذه الصورة و عدمه، و قد صرّح في المتن بعدم الجواز، كما ربما يحكى «2» عن البعض الآخر؛ نظرا إلى أنّه لا يجوز لأحد أن يكره غيره فيما ليس له عليه حقّ. نعم، في حقّه الثابت المشروع له الإكراه، كما بالإضافة إلى المديون القادر على أداء الدين الممتنع فيه، و في المقام ليس له حقّ؛ لأنّ الزوج و إن كان له حقّ الاستمتاع إلّا أنّه ليس له هذا الحقّ في هذه الحالة، كما في حال الحيض.

و لكن استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّه لا دليل على حرمة إكراه الغير على ما ليس فيه الحقّ على نحو الكبرى الكلّية. نعم، لو كان العمل المكره عليه محرّما كشرب

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 38 مسألة 2487.

(2) الحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 374.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 169

..........

______________________________

الخمر، أو كان الشي ء المتوعّد عليه أمرا لا يسوغ ارتكابه في حدّ نفسه؛ كما لو هدّده بالقتل أو مثله، كان الإكراه حينئذ

حراما. و أمّا لو كان العمل سائغا و إن لم يكن فيه الحقّ، أو كان التوعيد بما هو أيضا سائغ في حدّ نفسه، كما لو فرض أنّ الزوجة تعمل عملا غير مناف لحقّ الزوج من خياطة أو نحو ذلك، و لكنّ الزوج لا يعجبه ذلك العمل و لا يرضى به، فيهدّدها بما هو جائز له من الطلاق أو التسرّي عليها، فلا دليل على حرمة مثل هذا الإكراه بعد عدم كونه ظلما و لا تعدّيا، و إنّما هو إلزام و توعيد للغير بالفعل الكذائي أو ترك الكذائي.

فمع كون الأمر المكره عليه سائغا في نفسه و الإكراه أيضا بشي ء و هو سائغ للمكره، أ فهل هناك مانع عن جواز الإكراه؟ و المقام من هذا القبيل؛ فإنّ تمكين الزوجة الصائمة و إن كان حراما، إلّا أنّه يرتفع بالإكراه موضوع الحرمة بمقتضى حديث الرفع «1»، فيصدر عنها الفعل بنحو سائغ، فإذا أكرهها الزوج بالتوعيد بشي ء و هو سائغ في نفسه من الطلاق و نحوه، فأيّ مانع من هذا الإكراه؟

نعم، الذي ينبغي التكلّم فيه أنّه هل يجوز الإكراه على أمر محرّم في نفسه و لو كان المتوعّد عليه مباحا؛ نظرا إلى صيرورته حلالا بالإكراه؟ و بعبارة اخرى: هل يجوز إيجاد موضوع الجواز بالإكراه أو لا؟ و استظهر عدم الجواز؛ لأنّ المولى إذا نهى شخصين عن عمل يفهم العرف منه أنّ المبغوض للمولى صدور هذا العمل من غير خصوصيّة لجهة الإصدار، و أنّ المتصدّي له هو الفاعل بالمباشرة أو بالتسبب، فإذا منع المولى شخصين عن الدخول عليه، فأكره أحدهما الآخر و أجبره على الدخول، يعاقب المكره على فعله التسبّبي و إن كان المكره معذورا في عمله.

______________________________

(1) تقدّم في ص 37.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 170

[مسألة 8: مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء]

مسألة 8: مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء: إمّا بإشباعهم، و إمّا بالتسليم إلى كلّ واحد منهم مدّا من حنطة، أو شعير، أو دقيق، أو أرز، أو خبز، أو غير ذلك من أقسام الطعام، و الأحوط مدّان، و لا يكفي في كفّارة واحدة- مع التمكّن من الستّين- إشباع شخص واحد مرّتين أو مرّات، أو إعطاؤه مدّين أو أمداد، بل لا بدّ من ستّين نفسا. و لو كان للفقير عيال يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مدّا؛ مع الوثوق بأنّه يطعمهم أو يعطيهم، و المدّ ربع الصاع، و الصاع ستّمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال (1).

______________________________

و قصارى ما يقتضيه حديث الرفع هو رفع العقاب دون المبغوضيّة، و على هذا الأساس يكون البناء على عدم جواز تقديم المأكول النجس إلى المكلّف الجاهل ليأكله. نعم، يتوقّف ما ذكر على إحراز ثبوت مقتضي الحرمة كما في المقام، و إلّا ففي صورة الشك لا يبعد الحكم بالجواز، كما لو جامع الزوج غير الصائم زوجته الصائمة في حال النوم، فإنّ الظاهر أنّه لا بأس بهذا الجماع «1»، انتهى تقريبا.

و أنت خبير بأنّ ما أفاده بطوله و إن كان في غاية المتانة و لا تجري فيه المناقشة، إلّا أنّ مرجعه إلى ما ذكر من أنّه ليس للزوج حقّ الاستمتاع في هذه الحالة كحال الحيض على ما مثّلنا، فإذا أكرهها على الجماع في حال الصوم في رمضان مثلا، فالحرمة و إن كانت مرفوعة عن الزوجة المكرهة، إلّا أنّه ليس له حقّ الاستمتاع في هذه الحالة، فيكون الإكراه غير جائز.

(1) الكلام في هذه المسألة في جهات:

الاولى: لا إشكال في أنّ مصرف

الكفّارة هو الفقير، و في أنّ المراد منه هو

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 375- 378.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 171

..........

______________________________

المسكين المذكور في الآية «1» و الروايات؛ لأنّهما إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا، و المراد منه من يقابل الغني الذي له مئونة السنة بالفعل أو بالقوّة و لو لأجل القدرة على العمل، كما هو المعمول في زماننا من وجود جماعة مخصوصة معدّين أنفسهم للاستئجار على الأعمال، و ذلك يكفي في ارتزاقهم و في اتّصافهم بالغنى و إن كان لعلّه خلاف العرف، لكن ملاكه في نظر الشرع واحد، كما في الموارد الاخرى، و يدلّ عليه مضافا إلى ما ذكر، موثقة إسحاق بن عمّار الواردة في كفّارة الإطعام الدالّة على قوله: قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال:

نعم ... إلخ «2»؛ فإنّه يظهر منها أنّ الملاك مجرّد الحاجة من غير فرق بين القرابة و غيرهم.

الثانية: أنّ للإطعام طريقين:

أحدهما: الإشباع؛ أي إشباع ستّين مسكينا؛ لأنّه و إن كان يتحقّق الإطعام بمسمّاه و إن لم يبلغ حدّ الإشباع، إلّا أنّ المتفاهم العرفي منه صورة الإشباع، كما في التعبير القرآني الذي أطعمهم من جوع «3»، الظاهر في مقابلة الإطعام مع الجوع، كمقابلة الأمن مع الخوف في الآية 4 المعطوفة على هذه الآية، و الظاهر ثبوت المقابلة مطلقا لا في خصوص المورد، كما لا يخفى.

و ثانيهما: التسليم إلى كلّ واحد من الفقراء، و ينبغي التكلّم في هذه الجهة من أمرين:

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 89 و 95.

(2) تهذيب الأحكام 8: 298 ح 1103، الاستبصار 4: 53 ح 185، تفسير العيّاشي 1: 336 ح 166، و عنها وسائل الشيعة 22: 386، كتاب

الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 16 ح 2.

(3) 3، 4 سورة قريش (إيلاف) 106: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 172

..........

______________________________

الأوّل: هل اللازم مع التسليم إلى الفقراء مدّان، أو مدّ واحد؟ فالمشهور «1» على الثاني، و المحكي عن الشيخ و من تبعه الأوّل «2»، و الظاهر أنّه لم يرد في روايات الباب إلّا مدّ واحد، و لكنّ الشيخ لعلّه استفاد ذلك من ثبوت مدّين في كفّارة الظهار؛ نظرا إلى أنّه لا فرق بين المقامين، فإن قلنا بالتفكيك و إمكان الفرق و لزوم الاقتصار على المورد فهو، و إلّا فاللازم الحمل على الاستحباب جمعا بين نصوص البابين، و على فرض التعارض فالشهرة تعيّن المدّ في المقام، كما أنّه لو وصلت النوبة إلى الأصل فمقتضاه كفاية الاقتصار على الأقلّ؛ للدوران بين الأقلّ و الأكثر، كما لا يخفى.

الثاني: الظاهر بلحاظ تعيين العدد في الفقراء إشباعا أو تسليما لزوم رعاية ذلك بالنسبة إلى الستّين، فلا يكفي الأقلّ و لو بلغ ستّين مرّة، بل لا بدّ من البلوغ إلى العدد المذكور. نعم، إذا كان للفقير عيال يجوز إعطاء الكفّارة إلى الفقير مع الوثوق بإطعامهم إشباعا أو تسليما، و لكن لا بدّ من البلوغ إلى العدد المذكور، و هو ستّون نفسا.

الجهة الثالثة: المدّ ربع الصاع، و قد اشتهر أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع، و في المتن ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال، و قد مرّ في باب المياه من كتاب الطهارة في بحث الكرّ «3» ما يتضمّن التحقيق في هذا المقام و لا حاجة إلى الإعادة، فراجع.

______________________________

(1) جواهر الكلام 33: 258، مستمسك العروة

8: 374، المستند في شرح العروة 21: 396.

(2) الخلاف 4: 560 مسألة 62، المبسوط 1: 286، الوسيلة: 353.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 135- 151.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 173

[مسألة 9: يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت؛ لصوم كانت أو لغيره.]

مسألة 9: يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت؛ لصوم كانت أو لغيره. و في جوازه عن الحيّ إشكال، و الأحوط العدم، خصوصا في الصوم (1).

______________________________

(1) أمّا جواز التبرّع بالكفّارة عن الميّت لصوم كانت أو لغيره- فمضافا إلى أنّه لا إشكال فيه بل لا خلاف «1»- فلما فصّلناه في مبحث الحجّ النيابي «2» من أنّ النيابة و إن كانت على خلاف الأصل و القاعدة، إلّا أنّه قد دلّت الروايات الكثيرة «3» على جريانها في الحجّ و الصلاة و أمثال ذلك من الامور العباديّة فضلا عن غيرها، كأداء دين الميّت. نعم، في الجواز عن الحيّ إشكال و اختلاف، فالمشهور المنع «4»، و قد جوّزه جماعة «5»، كما أنّ المحقّق فصّل في محكي الشرائع «6» بين الصوم فلا يجوز، و بين غيره كالعتق و الإطعام فيجوز، و احتاط الماتن بالاحتياط الوجوبي بالعدم مطلقا، خصوصا في الصوم.

و الدليل على الجواز المطلق، إطلاق كلمة الدين على حقوق «7» اللّه و كلّ دين

______________________________

(1) مستمسك العروة 8: 370، المستند في شرح العروة 21: 384.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ: 2/ 13.

(3) وسائل الشيعة 2: 443، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار ب 28، و ج 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب 12، و ج 11: 163، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحج ب 1 و 2 و 3، و ج 18: 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض

ب 30.

(4) جواهر الكلام 16: 314.

(5) المبسوط 1: 276، مختلف الشيعة 3: 318 مسألة 63.

(6) شرائع الإسلام 1: 176.

(7) مسند أحمد بن حنبل 1: 489 ح 2005، صحيح البخاري 3: 294، كتاب الصوم ب 42 ح 1953، صحيح مسلم 2: 661، كتاب الصيام ب 27 ح 154 و 155، سنن أبي داود: 514، كتاب الأيمان و النذور ب 26 ح 3310.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 174

[مسألة 10: يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني]

مسألة 10: يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني، و يجوز له التفريق في البقيّة و لو اختيارا. و لو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع لغير عذر وجب استئنافه، و إن كان للعذر- كالمرض و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري- لم يجب عليه استئنافه، بل يبني على ما مضى.

و من العذر نسيان النيّة حتّى فات وقتها؛ بأن تذكّر بعد الزوال (1).

______________________________

يسوغ فيه التبرّع، مع أنّه قد اورد «1» على الصغرى بأنّ إطلاق كلمة الدين عليها و إن ورد في بعض الروايات المعتبرة، لكنّه مبنيّ على ضرب من المسامحة و نوع من العناية، و إلّا فالمتبادر منه هو الدين المالي. و على الكبرى بعدم ثبوت جواز التبرّع عن الغير في كلّ دين، و إنّما الثابت في خصوص الديون الماليّة، و أمّا أنّ مطلق ما كان واجبا يصحّ التبرّع به عن الغير، فلم يدلّ عليه دليل.

و أمّا التفصيل، فالدليل على العدم في الصوم ما مرّ من أنّ النيابة على خلاف القاعدة، و على الجواز في غيره وضوح جريان التوكيل فيه، و لازمه جريان التبرّع أيضا مع أنّ الملازمة ممنوعة، فالاحتياط كما في المتن، لا

يجوز أن يترك.

(1) هل التتابع في صوم شهرين متتابعين الذي هو إحدى الخصال معتبر بالنسبة إلى جميع أيّامهما؛ أي الستون أو ما يقرب منه، أو أنّه معتبر بالنسبة إلى الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني، بحيث يصدق التتابع من حيث الشهر، و لا يعتبر التتابع في الأيّام، شبيه ما ذكرناه في كتاب الحجّ «2» بالنسبة إلى العمرة المفردة؛ من أنّ

______________________________

(1) المورد هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 21: 388- 390.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 235- 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 175

..........

______________________________

ما ورد «أنّ لكلّ شهر عمرة» «1» لا يراد به اعتبار فصل مقدار يساوي الشهر بين عمرتين، بل المراد به أنّ لكل عنوان من عناوين الشهور عمرة مستقلّة؛ فيجوز أن يأتي بعمرة في أواخر رجب، و بعده في أوائل شعبان و إن كانت عن نفسه و لم يتحقّق الفصل إلّا بمقدار قليل، غاية الأمر تغيّر عنوان الشهر و تبدّله، بخلاف ما إذا أوقع الثانية في نفس الشهر الذي أتى بالاولى فيه؛ فإنّه غير جائز و إن كان الفصل أزيد من عشرين يوما.

و بعبارة اخرى: التتابع الذي اخذ وصفا هل يعتبر بين الشهرين، أو بين أيّامهما أيضا؟ الظاهر هو الأوّل، و لازمه أنّه لو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع من غير عذر يلزم استئنافه لحصوله. نعم، لو كان مستندا إلى العذر كالحيض و النفاس أو السفر غير الاختياري لا يجب الاستئناف حينئذ، بل يبني على ما مضى و يراعي البقيّة مثل صورة رعاية التتابع. ثمّ إنّ من مصاديق العذر نسيان نيّة الصوم- الذي هو أمر غير

اختياري- حتّى فات وقتها؛ بأن يتذكّر بعد الزوال.

و من الروايات الدالّة على أصل الحكم رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام، المشتملة على قوله عليه السّلام: و إنّما وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؛ لأنّ الفرض الذي فرض اللّه تعالى على الخلق هو شهر واحد، فضوعف هذا الشهر في الكفّارة توكيدا و تغليظا عليه، و إنّما جعلت متتابعين لئلّا يهون عليه الأداء فيستخفّ به؛ لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء و استخفّ بالإيمان «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 14: 307، كتاب الحجّ، أبواب العمرة ب 6.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 119 ب 34 قطعة من ح 1، علل الشرائع: 272- 273 ب 182 قطعة من ح 9، و عنهما وسائل الشيعة 10: 370، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 176

[مسألة 11: لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان]

مسألة 11: لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان، يجب عليه التصدّق بما يطيق، و مع عدم التمكّن يستغفر اللّه و لو مرّة. و الأحوط الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة (1).

______________________________

و من الروايات الواردة في صورة العذر رواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين؟ قال: تصوم و تستأنف أيّامها التي قعدت حتّى تتمّ الشهرين. قلت: أ رأيت إن هي يئست من المحيض أ تقضيه؟ قال: لا تقضي يجزئها الأوّل «1».

(1) قد صرّح السيّد في العروة بأنّه في صورة العجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان يتخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوما،

أو يتصدّق بما يطيق «2»، و ظاهر المتن تعيّن الثاني، و احتمل أن يكون الأوّل للمشهور «3»، و المنشأ وجود روايات في هذا المجال بعضها ظاهرة في أنّ البدل في صورة العجز هو صيام ثمانية عشر يوما، و الاخرى ظاهرة في أنّ البدل هو التصدّق بما يطيق.

فمن الطائفة الاولى: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام، و لم يقدر على العتق، و لم يقدر على الصدقة؟ قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 137 ح 10، و عنه وسائل الشيعة 10: 371، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 1.

(2) العروة الوثقى 2: 39 مسألة 2488.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 274، المستند في شرح العروة 21: 378.

(4) تهذيب الأحكام 4: 312 ح 944، الاستبصار 2: 97 ح 314، المقنعة: 345- 346، و عنها وسائل الشيعة 10:

381، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 177

..........

______________________________

و في تعليقة الوسائل «1» نقل الرواية عن الاستبصار، عن أبي بصير و سماعة بن مهران قالا: سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام، و ترك قوله: و لم يقدر على العتق. و الرواية موثّقة و إن كان بعض رواتها من أسناد كتاب كامل الزيارات «2»، و بعضها من أسناد كتاب التفسير لعلي بن إبراهيم «3».

و من الطائفة الثانية: ما تقدّم من صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال:

يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق «4». بناء على كون المراد من قوله عليه السّلام: «فإن لم يقدر» عدم القدرة على شي ء من الخصال الثلاث كما هو الظاهر، لا عدم القدرة على خصوص الأخيرة.

هذا، و قد رواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين من دون أن يكون هناك تعدّد في البين.

و الجمع بين الطائفتين اللتين لهما ظهور في التعيّن بالحمل على التخيير، كما عن المشهور.

و حيث إنّ رواية أبي بصير قد نقلها في الوسائل في باب الكفّارات أيضا «5»، مع أنّ الظاهر الاتّحاد و عدم التعدّد، و قد ذكر هناك عنوان الظهار الذي كفّارته الخصال

______________________________

(1) أي في وسائل الشيعة 7: 279، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي.

(2) كامل الزيارات: 166 ب 26، الرقم 217 و ص 253 ب 49، الرقم 378.

(3) تفسير القمّي 1: 205.

(4) تقدّمت في ص 140.

(5) وسائل الشيعة 22: 372، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 8 ح 1 عن تهذيب الأحكام 8:

23 ح 74.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 178

..........

______________________________

بنحو الترتيب، لا بنحو التخيير كما في كفّارة رمضان على ما تقدّم، فلذلك اورد «1» على المشهور بعدم ثبوت التعارض بين الروايتين بعد كون موردهما أمرين غير مرتبطين؛ لورود إحداهما في الظهار، و الاخرى في كفّارة رمضان، و هي المبحوث عنها في المقام، و هو مستند المتن، خصوصا بعد كون الاتّصاف بالصحّة فيه أمرا لا ريب فيه.

و يؤيّده أنّه في النقل الآخر الخالي عن التعرّض للظهار يكون المسئول عنه صورة تعيّن صيام شهرين متتابعين عليه، و هو لا ينطبق على كفّارة رمضان، مع أنّ

جعل صوم ثمانية عشر يوما بدلا عن إطعام ستّين مسكينا و إن كان مناسبا لكفّارة اليمين، التي يدلّ عليها قوله تعالى: فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ- إلى- فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ «2» إلّا أنّ الظاهر أنّ مورده صورة تعيّن الإطعام عليه، و إلّا فاللازم جعل البدل للثلاث لا للأخيرة، خصوصا مع كونها غير مرتّبة.

و مع الاستشكال في أنّ موردها الظهار، فلا محالة تكون مطلقة، و تكون الصحيحة الواردة في خصوص كفّارة رمضان مقيّدة. فاللازم حمل المطلق على المقيّد و الحكم بتعيّن التصدّق في المقام، كما هو ظاهر المتن.

بقي في المسألة أمران:

أحدهما: أنّه مع عدم التمكّن من التصدّق أصلا يستغفر اللّه و لو مرّة، فالظاهر أنّه لا دليل عليه بالخصوص من الروايات إلّا صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن

______________________________

(1) المورد بعض الأعلام رحمه اللّه في المستند في شرح العروة 21: 379.

(2) سورة المائدة 5: 89.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 179

..........

______________________________

أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه «1». و هي و إن كان مفادها الترتيب في كفّارة الإفطار في شهر رمضان، و قد عرفت أنّ مقتضى التحقيق ثبوتها فيه بنحو التخيير، إلّا أنّ دلالتها على لزوم الاستغفار بطبيعته الصادقة على المرّة في صورة عدم التمكّن من شي ء من الخصال ظاهرة، كما لا يخفى.

ثانيهما: أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة، و لعلّ الوجه أنّ سقوط

الكفّارة بسبب العجز إنّما هو ما دام العجز باقيا و كونه موقّتا به؛ فمع فرض التمكّن يستكشف عدم السقوط من رأس، غاية الأمر تخيّله و زعم خلافه، فالاحتياط يقتضي ما ذكر، و قد أفتى بذلك السيّد في العروة «2».

ثمّ إنّ مورد هذا الاحتياط أو الفتوى- كما في المتن التصريح به- هي الأخيرة التي هو عبارة عن التصدّق بما يطيق، و إلّا فلا إشكال في أنّه لو كان متمكّنا من التصدّق و كان يتصدّق، لا يجب عليه شي ء من الخصال الثلاث، و من البعيد غاية البعد أنّه في صورة عدم التمكّن من الصدقة، ثمّ عروض التمكّن من الخصال كان يجب عليه الخصال المزبورة، بحيث كان وجود التصدّق مع العجز حاله مسقطا للثبوت بعد ذهاب العجز. و أمّا مع العدم فلا يكون هناك إسقاط، فمورد الحكم المذكور في المتن إنّما هي صورة التمكّن من الأخيرة، فتدبّر.

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 116 ح 47، و عنه وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

(2) العروة الوثقى 2: 39 مسألة 2488.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 180

[مسألة 12: يجب القضاء دون الكفّارة في موارد]

اشارة

مسألة 12: يجب القضاء دون الكفّارة في موارد:

[الأوّل: فيما إذا نام المجنب في الليل ثانيا بعد انتباهه من النوم]

الأوّل: فيما إذا نام المجنب في الليل ثانيا بعد انتباهه من النوم، و استمرّ نومه إلى طلوع الفجر، بل الأقوى ذلك في النوم الثالث بعد انتباهتين و إن كان الأحوط شديدا فيه وجوب الكفّارة أيضا، و النوم الذي احتلم فيه لا يعدّ من النومة الاولى حتّى يكون النوم الذي بعده النومة الثانية، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط الذي مرّ (1).

[الثاني: إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النيّة أو بالرياء]

الثاني: إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النيّة أو بالرياء أو نيّة القطع مع عدم

______________________________

(1) قد مرّ هذا البحث في الثامن من الامور التي يجب الإمساك منها، و لا نرى حاجة إلى الإعادة، كما أنّه قد تقدّم المراد من النومة الاولى و النومة الثانية و النومة الثالثة، و الذي اضيف هنا الاحتياط الشديد بالإضافة إلى الكفّارة في النومة الثالثة.

و قد حكي عن المشهور «1» ذهابهم إلى وجوب الكفّارة في هذه النومة، إلّا أنّها لم ترد فيه آية و لا رواية و لو ضعيفة، و إن ادّعي عليه الإجماع في كلمات جملة من الفقهاء رضوان اللّه عليهم أجمعين «2»، إلّا أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة- كما قرّر في علم الاصول «3»- خصوصا من بعض المدّعين، و الإجماع الكاشف ليس بحاصل، خصوصا مع مخالفة جماعة اخرى، كصاحب المدارك و قبله الفاضلان «4»، و لكن مع ذلك لا يجوز التنزّل عمّا في المتن، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 192، مسالك الأفهام 2: 25.

(2) الوسيلة: 142، غنية النزوع 138، جامع المقاصد 3: 70.

(3) سيرى كامل در اصول فقه 10: 321- 326.

(4) المعتبر 2: 674، منتهى المطلب 9: 127- 128، مدارك الأحكام 6: 90.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 181

الإتيان بشي ء من المفطرات.

[الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام]

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ (1).

______________________________

(1) ما ذكرناه في أوّل مباحث كتاب الصوم «1» من لزوم أن يكون الصوم مقرونا بنيّة، و لا يكفي مجرّد الإمساك و لو عن جميع المفطرات من دون نيّة الصوم، أو ما هو بمعناه في سائر اللغات؛ لأنّه من العناوين القصديّة التي قوامها بالقصد، كعنوان الصلاة، كما أنّا ذكرنا

فيه 2 عباديّة الصوم و أن يكون قصده مقرونا بنيّة القربة و خاليا عن الرياء المخلّ بالعباديّة، فمع الإخلال بشي ء من الأمرين و إن كان لا يتحقّق الصوم المأمور به في الشريعة، إلّا أنّ غايته عدم التحقّق، و هو يوجب القضاء؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

و أمّا إيجابه للكفّارة أيضا فلم يقم دليل عليه، كما أنّه لم يقم دليل على وجوب الكفّارة في كلّ مورد وجوب القضاء؛ لعدم الملازمة بين الأمرين أصلا، و المفروض عدم الإتيان بشي ء من المفطرات الموجبة للكفّارة، و هكذا الإخلال باستمرار النيّة المعتبرة من حين طلوع الفجر إلى الغروب، و قد ذكرنا «3» أنّ نيّة القطع معناها عدم استمرار نيّة الصوم و لو ارتكازا. و أمّا نيّة القاطع، فقد فصّلنا فيها 4 بأنّه إن رجعت إلى نيّة القطع يجري عليها حكمها، و إن لم ترجع لا دليل على البطلان بها. و بعبارة اخرى: إن توجّه إلى الملازمة و لو بالتبع فهو موجب للبطلان فقط، و إلّا فلا قضاء فضلا عن الكفّارة.

و أمّا من نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام، فقد تقدّم البحث عن

______________________________

(1) 1، 2 في ص 7- 17.

(3) 3، 4 في ص 58- 60.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 182

[الرابع: إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر]

الرابع: إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر، ثمّ ظهر سبق طلوعه إذا كان قادرا على المراعاة، بل أو عاجزا على الاحوط. و كذا مع المراعاة و عدم التيقّن ببقاء الليل؛ بأن كان ظانّا بالطلوع أو شاكّا فيه على الأحوط و إن كان الأقوى عدم وجوب القضاء مع حصول الظنّ بعد المراعاة، بل عدمه مع الشكّ بعدها لا يخلو من

قوّة أيضا. كما أنّه لو راعى و تيقّن البقاء فأكل، ثمّ تبيّن خلافه صحّ صومه.

هذا في صوم شهر رمضان. و أمّا غيره من أقسام الصوم- حتّى الواجب المعيّن- فالظاهر بطلانه بوقوع الأكل بعد طلوع الفجر مطلقا؛ حتّى مع المراعاة و تيقّن بقاء الليل (1).

______________________________

حكمه في مسألة تعمّد البقاء على الجنابة «1»، و لا حاجة إلى الإعادة، فراجع.

(1) في هذا الأمر في الحقيقة فرعان:

الأوّل: ما إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه، ففي فرض القدرة على المراعاة يجب عليه القضاء، و في فرض العجز على الأحوط. و يدلّ على وجوب القضاء و إن كان مقتضى الاستصحاب الجواز- مضافا إلى أنّه مقتضى القاعدة؛ لفرض سبق الطلوع و عدم وقوع مجموع النهار ظرفا للصوم- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن؟ فقال: يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه ... الحديث «2». و لعلّ مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورة القدرة على المراعاة و صورة العجز و إن كان المتيقّن هي الاولى، و لذا احتاط في الثانية بالاحتياط الوجوبي.

______________________________

(1) في ص 78- 80.

(2) الكافي 4: 96 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 269 ح 812، الاستبصار 2: 116 ح 379، و عنها وسائل الشيعة 10: 115، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 183

..........

______________________________

الثاني: ما إذا أتى بالمفطر مع المراعاة و عدم التيقّن ببقاء الليل؛ بأن كان ظانّا بالطلوع أو شاكّا فيه، و قد احتاط فيه بالقضاء و إن أفتى بعدم

الوجوب في صورة الظنّ، بل نفى خلوّ عدم الوجوب في صورة الشكّ عن القوّة.

و المستند في هذا الفرع موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال: إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوما آخر؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة «1». و الرواية ظاهرة- خصوصا مع التعليل المذكور فيها- في التفصيل بين صورة المراعاة فلا يجب القضاء، و بين صورة عدم المراعاة- كما في الفرع الأوّل- فيجب القضاء و إن كان يجب الصوم بمعنى الإمساك في هذا اليوم أيضا، كما مرّ.

و أمّا التفصيل المذكور في آخر الكلام في صورة تيقّن البقاء بالإضافة إلى شهر رمضان و غيره من أقسام الصوم الواجب حتى المعيّن منه، بصحّة الصوم في الأوّل و البطلان في الثاني و إن كان واجبا معيّنا و فرض تيقّن البقاء و المراعاة فضلا عن غيرها، فالوجه في عدم البطلان و عدم وجوب القضاء في شهر رمضان موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة على وجوب الإتمام و عدم الإعادة فيه، و الوجه في البطلان في غيره مطلقا ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة في مثله ذلك؛ لعدم وقوع المأمور به في ظرفه الزماني المخصوص، و قد مرّ أنّ مورد الموثّقة شهر رمضان، فلا بدّ من

______________________________

(1) الكافي 4: 96 ح 2، الفقيه 2: 82 ح 366، تهذيب الأحكام 4: 269 ح 811، الاستبصار 2: 116 ح 378، و عنها وسائل الشيعة 10: 115،

كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 184

[الخامس: الأكل تعويلا على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعا.]

الخامس: الأكل تعويلا على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعا.

[السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر.]

اشارة

السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر.

[مسألة 13: يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص]

مسألة 13: يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص، فلو أكل أو شرب و الحال هذه، و لم يتبيّن الطلوع و لا عدمه، لم يكن عليه شي ء. و أمّا مع عدم التيقّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار، فلو أفطر و الحال هذه يجب عليه القضاء و الكفّارة و إن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار و بقي على شكّه 1.

______________________________

الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النصّ، و في غيره الرجوع إلى القاعدة التي عرفت أنّ مقتضاها البطلان.

(1) الوجه في وجوب القضاء في الأمر الخامس- ما مرّ- من أنّه مقتضى القاعدة لفرض كون الفجر طالعا حين الأكل، خصوصا في صورة عدم حصول الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة القطع عند العقلاء؛ لعدم حجيّة قول الواحد و لو كان عادلا في الموضوعات الخارجيّة، كما قرّرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة «1»، كما أنّه هو الوجه في وجوب القضاء في الأمر السادس. و أمّا ما أفاده في المسألة فأمران:

أحدهما: أنّه يجوز تكليفا لغير المتيقّن بطلوع الفجر و من بحكمه تناول المفطر من دون فحص و نظر؛ لاستصحاب بقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع عدم وجوب الفحص في الموضوعات الخارجيّة، فلو تبيّن بعد ذلك أحد الأمرين فقد تقدّم

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 494- 498.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 185

[السابع: الإفطار تعويلا على من أخبر بدخول الليل و لم يدخل]

السابع: الإفطار تعويلا على من أخبر بدخول الليل و لم يدخل؛ إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل على إخباره، كما إذا أخبر عدلان بل عدل واحد، و إلّا فالأقوى وجوب الكفّارة أيضا.

[الثامن: الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها و لم يدخل]

الثامن: الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها و لم يدخل؛ مع عدم وجود علّة في السماء. و أمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ، فلا يجب عليه القضاء (1).

______________________________

حكمه، و مع عدم التبيّن لا يجب عليه شي ء؛ لعدم إحراز الفوت بوجه.

ثانيهما: أنّه لا يجوز تكليفا الإفطار مع عدم التيقّن بدخول الليل؛ لاستصحاب بقاء النهار و عدم دخول الليل. فلو أفطر و الحال هذه، فإن حصل له اليقين أو ما بحكمه بعدم كون إفطاره قبل الدخول فلا يجب عليه شي ء، و في غير هذه الصورة يترتّب عليه حكم الإفطار مع العلم بالوقوع في اليوم من وجوب القضاء و الكفّارة؛ لاقتضاء الاستصحاب ذلك.

(1) ذكر في الأمر الأوّل من هذين الأمرين أنّه إذا كان المخبر ممّن جاز شرعا التعويل على إخباره، كما إذا أخبر عدلان- أي البيّنة التي تكون شهادتها و إخبارها حجّة في الموضوعات- أو عدل واحد بناء على مختاره من اعتبار قوله فيها، خلافا لما ذكرنا من عدم الاعتبار؛ لاستلزامه اللغوية لحجّية البيّنة بعد اتحادهما من جميع الخصوصيّات إلّا من جهة العدد قلّة و كثرة، فإذا كان قول العادل الواحد حجّة في الموضوعات، فجعل الحجّية للأزيد مع عدم دخالة فيه بوجه لا مجال له، كما لا يخفى.

و كيف كان، إذا أخبر من يجوز التعويل على إخباره بدخول الليل فأفطر، ثمّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 186

..........

______________________________

انكشف الخلاف و أنّه لم يدخل

حين الإفطار، فقد حكم أوّلا بوجوب القضاء عليه، و ثانيا بوجوب الكفّارة أيضا، بل ربما يقال «1» بوجوب الأمرين في صورة عدم الانكشاف أيضا، و المحكي عن صاحب المدارك قدّس سرّه «2» عدم وجوب القضاء؛ لقيام الحجّة الشرعيّة على دخول الليل، و معه لا وجه للقضاء فضلا عن الكفّارة.

و أجيب «3» عنه بأنّ الحكم الشرعي المزبور ظاهريّ مغيّا بعدم انكشاف الخلاف، و البيّنة لا تغيّر الواقع و لا توجب قلبه، فهذا الإفطار قد وقع في النهار، و مثله محكوم بالبطلان، غاية الأمر أنّه معذور في الإفطار في النهار غير معاقب عليه لأجل الاتّكال على مثل البيّنة.

و أنت خبير بأنّه لو كان الحكم الظاهري المزبور مغيّا من أوّل الأمر لكان اللازم عدم جواز الإفطار أيضا؛ لعدم إحراز وجود الغاية و عدمها، فاللازم الالتزام بعدم كونه مغيّا، و لازمه عدم وجوب القضاء فضلا عن الكفّارة، و قد حقّقنا هذا المطلب في بحث الاصول «4».

و أمّا الأمر الثاني: أي الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل معها، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا لم تكن علّة في السماء فيجب القضاء، و بين ما إذا كانت في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ؛ فإنّه لا يجب عليه القضاء.

و فيه خلاف بينهم «5»، كما أنّه قد وقع الاختلاف في التعبيرات أيضا «6»، بل في

______________________________

(1) القائل هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 21: 426.

(2) مدارك الأحكام 6: 94.

(3) المجيب بعض الأعلام رحمه اللّه في المستند في شرح العروة 21: 424.

(4) سيرى كامل در اصول فقه شيعة 14: 311- 325.

(5) الحدائق الناضرة 13: 105- 106، جواهر الكلام 16: 283، المستند في شرح العروة

21: 425.

(6) شرائع الإسلام 1: 173.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 187

..........

______________________________

المتن مع ذكر عنوان القطع في موضوع المسألة ذكر عنوان الظنّ في أحد فرضيها، و الروايات الواردة فيه مختلفة:

فطائفة تدلّ على عدم وجوب القضاء، مثل:

صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا «1». و الظاهر أنّ موردها ما إذا كان المنشأ لعدم الرؤية قبل ذلك وجود علّة في السماء من غيم و نحوه.

و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال: قد تمّ صومه و لا يقضيه «2». و غير ذلك من الروايات الدالّة على هذا المعنى.

و بإزاء هذه الطائفة موثّقة أبي بصير و سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «3» فمن أكل قبل أن

______________________________

(1) الكافي 3: 279 ح 5، الفقيه 2: 75 ح 327، تهذيب الأحكام 4: 271 ح 818، الاستبصار 2: 115 ح 376، و عنها وسائل الشيعة 10: 122، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 270 ح 816، الاستبصار 2: 115 ح

374، الفقيه 2: 75 ح 326، و عنها وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3.

(3) سورة البقرة 2: 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 188

[التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الحلق]

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الحلق. و كذا لو أدخله عبثا. و أمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه. و كذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء. و الأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة و إن كان عدمه لمطلق الوضوء- بل لمطلق الطهارة- لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّدا «1».

و المناقشة في الطائفة المتقدّمة سندا أو دلالة واضحة المنع، كما في محكي الجواهر «2»، و الجمع من حيث الدلالة غير ممكن، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات، و الثابت منها هو مخالفة العامّة المتحقّقة بالإضافة إلى الطائفة الدالّة على عدم وجوب القضاء، غاية الأمر في خصوص موردها؛ و هو ما إذا كان في السماء غيم و إن لم يكن هناك قطع بدخول الغروب، بل كان مجرّد الظنّ لحجّيّته بالإضافة إلى المغرب في الصورة المذكورة. و لعلّه هو الوجه في التعبير به في هذه الصورة و إن كان شروع الأمر معنونا بعنوان القطع، كما عرفت.

(1) قد وردت في هذا المقام روايات، و العمدة منها روايتان:

إحداهما: رواية عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم؟ قال: ليس عليه شي ء إذا لم يتعمّد ذلك. قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: ليس عليه شي ء.

______________________________

(1) الكافي 4: 100 ح 1

و 2، تهذيب الأحكام 4: 270 ح 815، و عنهما وسائل الشيعة 10: 121، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.

(2) جواهر الكلام 16: 285.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 189

..........

______________________________

قلت: فإن تمضمض الثالثة؟ قال: فقال: قد أساء، ليس عليه شي ء و لا قضاء «1».

ثانيتهما: ما رواه سماعة- في حديث- قال: سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال: عليه قضاؤه، و إن كان في وضوء فلا بأس به «2». و مقتضى قاعدة الإطلاق و التقييد حمل الاولى على الثانية و الحكم بأنّ التمضمض الموجب لدخول الماء في الحلق قهرا لا يوجب القضاء إذا كان في وضوئه، و أمّا إذا كان عبثا أو للفرار من العطش فهو يوجب القضاء. و التعبير بقوله عليه السّلام في جواب السؤال عن تمضمض الثالثة: «قد أساء» لا يدلّ على أزيد من الكراهة، خصوصا مع التعبير بعده بأنّه «ليس عليه شي ء و لا قضاء»، فاللازم الالتزام بالتفصيل خلافا للمتن.

نعم، فيه: أنّ الأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة و إن كان عدمه لمطلق الوضوء بل لمطلق الطهارة لا يخلو عن قوّة. و الوجه في الإطلاق- مضافا إلى إطلاق الوضوء الوارد في رواية سماعة المتقدّمة- أنّ الحكم بالقضاء يكون على خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن؛ و هو التمضمض من عطش أو عبث، و الوجه فيه: هو أنّ الدخول في الحلق في مفروض المسألة قهريّ غير اختياري، فلا يتحقّق فيه التعمّد بوجه، فالحكم بالقضاء على خلاف القاعدة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 323 ح 996، و عنه وسائل الشيعة 10: 72، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك

عنه الصائم ب 23 ح 5.

(2) تهذيب الأحكام 4: 322 ح 991، الفقيه 2: 69 ح 290، و عنهما وسائل الشيعة 10: 71، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 191

[القول في شرائط صحّة الصوم و وجوبه]

اشارة

القول في شرائط صحّة الصوم و وجوبه

[مسألة 1: شرائط صحّة الصوم امور]

مسألة 1: شرائط صحّة الصوم امور: الإسلام و الإيمان و العقل، و الخلوّ من الحيض و النفاس، فلا يصحّ من غير المؤمن و لو في جزء من النهار، فلو ارتدّ في الأثناء، ثمّ عاد لم يصحّ و إن كان الصوم معيّنا و جدّد النيّة قبل الزوال. و كذا من المجنون و لو أدوارا مستغرقا للنهار أو حاصلا في بعضه، و كذا السكران و المغمى عليه. و الأحوط لمن أفاق من السّكر- مع سبق نيّة الصوم- الإتمام ثمّ القضاء، و لمن أفاق من الإغماء مع سبقها الإتمام، و إلّا فالقضاء. و يصحّ من النائم لو سبقت منه النيّة و إن استوعب تمام النهار. و كذا لا يصحّ من الحائض و النفساء و إن فاجأهما الدم قبل الغروب بلحظة، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة.

و من شرائط صحّته: عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم؛ لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الاحتمال الموجب للخوف، و يلحق به الخوف من حدوث المرض و الضرر بسببه إذا كان له منشأ عقلائيّ يعتني به العقلاء، فلا يصحّ معه الصوم، و يجوز بل يجب عليه الإفطار.

و لا يكفي الضعف و إن كان مفرطا. نعم، لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 192

و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة.

و من شرائط الصحّة: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة، فلا يصحّ منه الصوم حتّى المندوب على الأقوى. نعم، استثني ثلاثة مواضع:

أحدها:

صوم ثلاثة أيّام بدل الهدي.

الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا، و هو ثمانية عشر يوما.

الثالث: صوم النذر المشترط إيقاعه في خصوص السفر، أو المصرّح بأن يوقع سفرا و حضرا دون النذر المطلق (1).

______________________________

(1) قد تعرّض في هذه المسألة لشرائط صحّة الصوم و اتّصافه بكونه موافقا للمأمور به، و هي أمور كثيرة تكون جملة منها معتبرة في جميع العبادات، صوما كانت أو غيره، و البعض الآخر في الصوم و مثله.

فمن الاولى: الإسلام و الإيمان و العقل؛ فإنّها معتبرة في صحّة جميع العبادات.

أمّا اعتبار الإسلام: فعلى تقدير القول باختصاص الفروع بغير الكفّار، خصوصا في مثل الصوم الذي وقع في أوّل آيته في الكتاب «1» الخطاب بالمؤمنين، فواضح؛ لعدم تكليف الكفّار بالصوم حتى يصحّ منهم، و ليس عدم تكليفهم كعدم تكليف غير البالغ الذي سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المسألة الثالثة التعرّض له، و ذلك لأنّ تكليف غير البالغ يراد به عدم ثبوت التكليف الإلزامي إيجابا أو تحريما عليه، و إلّا

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 183.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 193

..........

______________________________

فعبادات الصبي شرعيّة كما حققناه في محلّه «1»، و أمّا على تقدير القول بأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالاصول، فلا شبهة في أنّ الكافر إذا كان مشركا يكون عمله كلا عمل بمقتضى قوله- تعالى-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) «2» فإذا كان الشرك المتأخّر موجبا للحبط، فالشرك المقارن يكون مانعا عن الصحّة بطريق أولى، و من الواضح بل المسلّم أنّه لا فرق بين المشرك و غيره من أفراد الكافر.

نعم، هنا شبهة مندفعة في محلّها، و ببالي أنّا تعرّضنا لها و لجوابها في مباحث الحجّ

«3»، و هي: أنّ الكافر إذا فرض تكليفه بالعبادات لا يكون قادرا على ذلك؛ لأنّه ما دام كونه كافرا لا يصحّ عبادة منه، و بعد الإسلام يكون التكليف ساقطا عنه؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله «4» على ما فصّلنا القول في هذه القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهيّة «5».

و كيف كان، فالإسلام معتبر في الصحّة مطلقا؛ سواء قلنا بأنّهم مكلّفون بالفروع، أم لم نقل بذلك على خلاف التحقيق، و مرجع ذلك إلى اعتبار الإسلام في مجموع النهار الذي يكون ظرفا زمانيا للصوم، كما هو مقتضى قوله تعالى: (وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 355- 370.

(2) سورة الزمر 39: 65.

(3) تفصيل الشريعة في شرح الوسيلة، كتاب الحج: 1/ 302- 309.

(4) الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 286، المسند لابن حنبل 6: 232 قطعة من ح 17792 و ص 243 ح 17829 و ص 246 ح 17844، دلائل النبوّة 4: 351، كنز العمال 1: 66 ح 243، السيرة الحلبيّة 3: 37.

(5) القواعد الفقهيّة: 1/ 265- 286.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 194

..........

______________________________

الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ) «1»، و عليه: فيصحّ ما رتّب عليه في المتن من أنّه لو ارتدّ في الأثناء ثمّ عاد لم يصحّ، و إن كان تفريع عنوان غير المؤمن مع الحكم باعتبار الإسلام و الإيمان معا ممّا لا يستقيم، إلّا أن يقال بأنّ عنوان غير المؤمن أعمّ من أن يكون مسلما، أم لا يكون كذلك.

و أمّا اعتبار الإيمان زائدا على الإسلام: فقد وقع التعرّض لمثله في جملة من المباحث الفقهيّة، و يدلّ عليه الروايات الكثيرة، إلّا أنّه لا

مجال فعلا لإيراده مفصّلا.

و أمّا اعتبار العقل: فلأنّه من أركان شرائط الوجوب و الصحّة؛ فإنّ القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق «2»، و قد دلّت أدلّة كثيرة على شرطيّة العقل للتكليف، و أنّه لا عبرة بعمل المجنون و فعله، كما هو كذلك بالنسبة إلى غير العبادات من العقود و الإيقاعات أيضا، و لا يقاس المجنون بالنائم و لو في جميع أجزاء النهار إذا كان صومه عن نيّة- كما سيأتي- و ذلك لما علم من الأدلّة من عدم منافاة النوم مع الصوم، خصوصا ما ورد من أنّ نوم الصائم عبادة «3»، و هذا بخلاف الجنون، فعروضه و لو في لحظات من النهار مبطل للصّوم.

و كذا السكران و المغمى عليه، و إن احتاط فيهما استحبابا بأنّ من أفاق من السكر يتمّ صومه ثمّ يقضيه إذا كان مع سبق نيّة الصّوم، و من أفاق من الإغماء الإتمام، و إلّا فالقضاء، و يظهر من بعض الأعلام قدّس سرّه «4» أنّ السكران و المغمى عليه

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 187.

(2) الخصال: 93 ح 40، السنن الكبرى للبيهقي 8: 460 ح 17211- 17213، و ج 4: 448 ح 8307.

(3) وسائل الشيعة 10: 395- 403، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 4، 17، 23 و 24.

(4) المستند في شرح العروة 21: 457.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 195

..........

______________________________

يلحقان بالنائم؛ لأنّ الدليل على عدم صحّة الصوم من المجنون إن كان هو اشتراط التكليف بالعقل فمثل هذا الاشتراط لم يرد فيهما، و لا سيّما إذا كانا بالاختيار، و إن كان التكليف مطلقا من هذه الجهة فلا إشكال إلّا من ناحية النيّة، و المفروض وجودها كما عرفت.

و

يمكن أن يجاب عنه بأنّ مغايرة النائم للمجنون إنّما هي لأجل ما اشير إليه من الأدلّة التي منها: «أنّ نوم الصائم عبادة» و إلّا فلا فرق بينهما بحسب الظاهر، و حينئذ يقال: يستفاد حكم النائم من تلك الأدلّة، و أمّا السكران و المغمى عليه، فالظاهر جريان حكم المجنون عليهما، خصوصا إذا كانا مستوعبين لجميع أجزاء النهار بخلاف النوم، فالفرق متحقّق.

و من الثانية الحائض و النفساء: فالخلوّ عنهما- أي عن الحيض و النفاس- شرط في صحّة الصوم، و قد فرّع عليه أنّه لو فاجأهما قبل الغروب و لو بلحظة بطل صوم يومهما، و لو فاجأهما بعد الفجر و لو بلحظة فكذلك أيضا، و يدلّ على اعتبار هذا الأمر- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه- الروايات الكثيرة الدالّة عليهما:

منها: صحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني- التي رواها المشايخ الثلاثة- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أ تفطر؟ قال: نعم، و إن كان وقت المغرب فلتفطر. قال: و سألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار من شهر رمضان فتغتسل (لم تغتسل خ ل) و لم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم، فإنّما فطرها من الدم «1».

______________________________

(1) الكافي 4: 135 ح 2 و ص 136 ح 7، تهذيب الأحكام 4: 311 ح 939، الفقيه 2: 94 ح 418، و عنها وسائل الشيعة 10: 228، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 25 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 196

..........

______________________________

و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة ترى

الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال؟ قال: تفطر ... الحديث «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار الأمر المذكور.

و في مقابلها رواية أبي بصير- الدالّة على التفصيل بين ما قبل الزوال و ما بعده- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل و تشرب، و إن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل و لتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب «2».

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: أقول: حمله الشيخ على الوهم من الراوي لما مضى و يأتي، و يمكن حمل الاعتداد على احتساب الثواب و تجديد النيّة للإمساك و إن وجب القضاء؛ إذ لا تصريح فيه بنفي وجوب القضاء، و يكون المراد بقوله عليه السّلام: «ما لم تأكل و تشرب» بعد الغسل.

و الرواية شاذّة لا عامل بها، بل كما أفاد بعض الأعلام قدّس سرّه قد بلغت من الهجر مرتبة لم يتعرّض لها في الجواهر، بل و لا صاحب الحدائق، مع دأبه التعرّض لكلّ رواية تناسب المسألة و إن ضعفت أسانيدها «3».

و كيف كان، فالرواية معرض عنها لا تصلح لمعارضة ما تقدّم.

و من شرائط الصحّة عدم المرض: و كذا السفر على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 393 ح 1217، الاستبصار 1: 146 ح 501، و عنهما وسائل الشيعة 10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 25 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 393 ح 1216، الاستبصار 1: 146 ح 500، و عنهما وسائل الشيعة 10: 232، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 28 ح 4.

(3) المستند في شرح العروة

21: 459.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 197

..........

______________________________

و الأصل في اشتراط عدمهما قوله- تعالى- عقيب إيجاب الصوم و كتابته: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) «1».

إن قلت: إنّ غاية مفاد الآية عدم وجوب الصوم عليهما في شهر رمضان، و هو لا ينافي الصحّة فيه مع أحدهما.

قلت: إنّ مفاد الآية أنّ المجعول على من شهد الشهر الصيام فيه، و على المريض أو المسافر فيه، فالمجعول عدّة من أيّام أخر، فما جعل للشاهد لم يجعل لهما، و ما جعل لهما لم يجعل للشاهد، و هذا لا ينافي صدق عنوان القضاء على عملهما و الإتيان بالصوم في عدّة من أيّام اخر. و عليه: كما لا ينطبق المجعول أوّلا على عملهما، كذلك لا ينطبق المجعول ثانيا على العمل في شهر رمضان، و لذا يكون صومهما فيه غير صحيح؛ لعدم تعلّق الجعل به.

و بهذا التقريب يمكن استفادة الشرطيّة المزبورة من الآية من دون حاجة إلى الرواية أصلا، و مع قطع النظر عمّا ذكرنا يرد على الاستدلال بالآية للشرطيّة؛ لما عرفت من أنّ غاية مفادها عدم الوجوب لا عدم الصحّة، كما هو كذلك بالإضافة إلى البلوغ الذي هو شرط للوجوب لا للصحّة، فتدبّر جيّدا.

ثمّ إنّ مثل المرض الرّمد، ففي صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر «2».

و في رواية سليمان بن عمرو (عمر خ ل) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اشتكت أمّ سلمة- رحمها اللّه- عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن تفطر، و قال:

______________________________

(1) سورة البقرة

2: 185.

(2) الفقيه 2: 84 ح 373، الكافي 4: 118 ح 4، و عنهما وسائل الشيعة 10: 218، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 19 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 198

..........

______________________________

عشاء الليل لعينك رديّ «1».

ثمّ إنّ شرطيّة عدم المرض و الرّمد لا بدّ و أن تفرض فيما إذا كان الصوم مضرّا له بأيّ نحو من الأنحاء المذكورة في المتن، و لا يعتبر حصول اليقين أو الاطمئنان بذلك، و إلّا فالغاية الظنّ، و الأكثر ذكروا أنّ مجرّد الاحتمال العقلائي كاف في الإحراز المجوّز للإفطار؛ لصدق الخوف و تحقّق عنوانه كما في الصحيحة المتقدّمة.

و في موثقة عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصيبه العطاش حتّى يخاف على نفسه. قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتّى يروى «2». و ليس المراد من قوله: «حتى يخاف على نفسه» خصوص الخوف على النفس من الهلاك، بل يعمّ ما دونه أيضا من خوف المرض، فالملاك هو الخوف المتقدّم بالاحتمال العقلائي الذي يرتّب العقلاء عليه الأثر، و لا يكفي مجرّد الضعف و لو كان مفرطا إلّا إذا كان ممّا لا يتحمّل في العادة.

و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ عن الصوم، فقد استشكل في المتن في الصحّة، بل نفى عدمها خاليا عن القوّة، و لعلّ الوجه فيه انكشاف عدم الوجوب عليه و إن كان يتخيّل الوجوب، كما إذا انكشف للمرأة وقوع صومها في يوم حيضها و إن كان مقتضى الاستصحاب على تقدير الشك عدم الحدوث.

و من شرائط الصحّة عدم السفر: كما ذكرنا، و قد عرفت أنّ المجعول في الآية المباركة عدّة أيّام اخر

للمريض و المسافر. نعم، استثني من الصوم في السفر

______________________________

(1) الفقيه 2: 82 ح 372، علل الشرائع: 382 ح 2، الكافي 4: 119 ح 7، و عنها وسائل الشيعة 10: 218، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 19 ح 2.

(2) الكافي 4: 117 ح 6، الفقيه 2: 84 ح 376، تهذيب الأحكام 4: 240 ح 702 و ص 326 ح 1011، و عنها وسائل الشيعة 10: 214، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 16 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 199

..........

______________________________

ثلاثة مواضع:

الأوّل: صوم ثلاثة أيّام بدلا عن الهدي للعاجز عنه، قال اللّه- تعالى-: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ) «1» الآية. و التفسير مذكور في كتاب الحجّ في أحكام منى «2».

الثاني: صيام ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا، و كان عاجزا عن الكفّارة التي هي بدنة، ففي صحيحة ضريس الكناني، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال:

عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة، أو في الطريق، أو في أهله «3».

و من الواضح أنّه ليس المراد من قوله عليه السّلام: «في الطريق» الإقامة فيه في محلّ عشرة أيّام و لو فرض إمكانه في مكّة المكرّمة، مع أنّه نادر جدّا بالإضافة إلى بعد أعمال منى، كما لا يخفى.

الثالث: صوم النذر فيما إذا كان النذر مقيّدا به، كما إذا نذر الصوم في المدينة المنوّرة أيّام سفره للحج أو العمرة، مع العلم بعدم الإقامة فيها عشرة أيّام، أو وقع التصريح في النذر

بالعموم في الحضر و السفر، و أمّا إذا كان نذر الصوم مطلقا فصومه في السفر غير جائز.

و المستند في هذا الموضع رواية علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس:

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 196.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج 5: 274- 281.

(3) الكافي 4: 467 ح 4، تهذيب الأحكام 5: 186 ح 620، و عنهما وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفة ب 23 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 200

..........

______________________________

يا سيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟

فكتب إليه و قرأته: لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين، نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ و يرضى «1».

و حكي عن المحقّق في المعتبر تضعيف الرواية «2»، مع أنّ هذا الاستثناء كأنّه متسالم عليه بين الأصحاب، و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه المتضلّع في علم الرجال و الأسانيد ما ملخّصه: أنّ وجه تضعيف المحقّق غير معلوم؛ فإنّه إن كان النظر إلى علي بن مهزيار فهو من الأجلّاء، و إن كان إلى الطريق فأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الواقع فيه ثقة، و إن كان إلى بندار صاحب الكتابة لأنّه مجهول، فهو و إن كان كذلك، إلّا أن الاعتبار بقراءة علي بن مهزيار الذي ذكر أنّه قرأ جواب الإمام عليه السّلام إليه، و إن كان إلى الإضمار فلا يحتمل مع كون الراوي هو ابن مهزيار أن يروي عن غير

الإمام عليه السّلام، فالرواية معتبرة من حيث السند لا مجال للخدشة فيها.

و يمكن أن تكون المناقشة في دلالة الرواية تارة: من جهة عطف المرض على السفر، و هو يدلّ على ثبوت الحكم في المرض، خصوصا مع ذكر المرض بعده، مع أنّ الحكم في المريض لا يدور مدار النيّة كما هو مذكور في الرواية، بل منوط بخوف الضرر و عدمه، كما عرفت.

و اخرى: من جهة دلالتها بالظهور بل بالصراحة على أنّ كفّارة مخالفة النذر في صورة عدم العلّة التصدّق على سبعة مساكين، مع أنّ كفّارتها في هذه الصورة إمّا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 286 ح 867، الاستبصار 2: 125 ح 408، و عنهما وسائل الشيعة 10: 379، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 7 ح 4.

(2) المعتبر 2: 684.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 201

..........

______________________________

كفّارة الإفطار في شهر رمضان، أو كفّارة مخالفة اليمين المذكورة في الآية الشريفة، مع أنّ الاولى ستّون على نحو التخيير، و الثانية عشرة كذلك، و ليس فيهما عدد السبعة بوجه.

و قد اجيب عن الاولى بأنّ القرينة الخارجيّة تكشف عن أنّ الإشارة في قوله عليه السّلام: «إلّا أن تكون نويت ذلك» ترجع إلى خصوص السفر لا مع المرض.

و عن الثانية بأنّ غايته سقوط هذه الفقرة عن الحجّية؛ لوجود معارض أقوى، و التفكيك بين الفقرات في الحجّية غير عزيز، مع أنّ الرواية منقولة في بعض الكتب بالعشرة مكان سبعة، فلا إشكال في الرواية «1».

و أنت خبير بأنّه لو كان السفر عطفا على المرض لأمكن أن يقال برجوع الاستثناء إلى الأخير أو المجموع، مع أنّك عرفت العكس و أنّ المرض قد عطف على السفر و وقع الاستثناء بعده،

مع أنّه لا يوجب التمامية؛ لأنّ الفرض الاستثناء في خصوص النذر فقط، فلا يمكن الجواب عن المناقشة بهذه الصورة. نعم، لا مجال للخدشة في الجواب الثاني؛ أي التفكيك بين فقرات مختلفة من رواية واحدة في الحجّية و لزوم الأخذ بالبعض؛ لعدم المعارض و ترك الآخر لوجود معارض أقوى، كما لا يخفى.

و الذي يسهّل الخطب استناد المشهور «2» بل الكلّ إلى هذه الرواية الوحيدة، مع كونها مورثة لشبهة عويص الدفع مذكورة في الاصول مع جوابها. و محصّلها: أنّه لا بدّ في النذر من رجحان المتعلّق، كنذر الواجبات أو المستحبات، فإذا لم يكن

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 21: 465- 466.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 201

(2) جواهر الكلام 16: 334- 335، مستمسك العروة 8: 408، المستند في شرح العروة 21: 466.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 202

..........

______________________________

الصوم في السفر راجحا و لو في المندوب منه كما سيأتي التعرّض له، فكيف يصير بالنذر في الصورتين الأوّلتين- و هما صورة النذر مقيّدا، أو مصرّحا فيه بالعموم للسفر- راجحا و يجب الوفاء به و يتّصف بالصحّة؟ و التحقيق موكول إلى محلّه، فالاستناد بهذا الوجه لا يبقي لنا مجالا للإشكال في الرواية، كما هو ظاهر.

بقي الكلام في هذه المسألة في حكم الصوم المندوب في السفر صحّة و بطلانا، و قد قوّى في المتن العدم، و نسب إلى الأكثر الجواز «1»، بل عقد في الوسائل بابا لذلك «2»، و المنشأ

اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال.

فمنها: ما تدلّ على عدم الجواز، مثل:

صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر؟ قال: أ فريضة؟ فقلت: لا، و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال: تقول: اليوم و غدا؟ قلت: نعم، فقال: لا تصم «3».

و رواية عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول: للّه عليّ أن أصوم شهرا، أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فيعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟ قال: إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية «4».

______________________________

(1) راجع السرائر 1: 393، و مستمسك العروة الوثقى 8: 410- 411، و المستند في شرح العروة 21: 469.

(2) وسائل الشيعة 10: 202، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12.

(3) تهذيب الأحكام 4: 235 ح 690، الاستبصار 2: 102 ح 332، و عنهما وسائل الشيعة 10: 202، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 328 ح 1022، و عنه وسائل الشيعة: 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 203

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في المنع في السفر مطلقا.

و في مقابلها ما يدلّ على الجواز، مثل:

رواية إسماعيل بن سهل، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيّام بقين من شهر شعبان، فكان يصوم،

ثمّ دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان؟!

فقال: نعم، شعبان إليّ إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه- عزّ و جلّ- عليّ الإفطار «1».

و صحيحة سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: كان أبي عليه السّلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظلّ مرتفع فيضرب له ... الحديث «2».

هذا، و لكن رواية إسماعيل- مضافا إلى إرسالها- في غاية الضعف، و حكاية الفعل في الصحيحة إن كانت في مقام بيان الحكم كما هو الظاهر، يستفاد منها الإطلاق كما قرّرناه في محلّه، و لا مجال لدعوى الإجمال و إمكان الحمل على النذر، و من الممكن الاختصاص بيوم عرفة، فالظاهر تقدّم روايات المنع، أو الحمل على النذر جمعا.

ثمّ إنّ السيّد استثنى في العروة من عدم جواز الصوم المندوب أيضا في السفر، ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة، ثمّ قال: و الأفضل الأربعاء و الخميس و الجمعة «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 130 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 236 ح 692، الاستبصار 2: 102 ح 334، و عنها وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 4.

(2) تهذيب الأحكام 4: 298 ح 901، الاستبصار 2: 133 ح 433، و عنهما وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 3.

(3) العروة الوثقى 2: 45، الثالث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 204

[مسألة 2: يشترط في صحّة الصوم المندوب- مضافا إلى ما مرّ- أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب]

مسألة 2: يشترط في صحّة الصوم المندوب- مضافا إلى ما مرّ- أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب، و لا يترك الاحتياط

في مطلق الواجب من كفّارة و غيرها، بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

و يدلّ على الحكم المزبور صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة؛ و هي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتّى نزل عذره من السّماء، و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثمّ تأتي ليلة الخميس الاسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس، ثمّ تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مصلّاه ليلة الجمعة، فتصلّي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة ... الحديث «1».

ثمّ إنّ ظاهر الرواية اختصاص الثلاثة بالأيّام المذكورة فيها، و مقتضاه عدم التعدّي عنها، و لا يوجد في البين رواية مطلقة يكون الجمع بينها، و بين مثل الصحيحة هو الحمل على اختلاف المراتب و أفضليّة الثلاثة المذكورة، فلا دليل على جواز التعدّي، خصوصا بعد ما عرفت من أنّ مقتضى الروايات المنع عن الصوم المندوب في السّفر، فتدبّر.

(1) كلّ ما مرّ في المسألة الاولى من شرائط صحّة الصوم معتبر في صحّة الصوم المندوب أيضا، حتّى عدم السفر الذي قوّى فيه عدم الجواز بالإضافة إلى المسافر مع ثبوت الاستثناء في النوعين، و يشترط في صحّة الصوم المندوب- زائدا على

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 16 ح 35، و عنه وسائل الشيعة 10: 202، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 205

..........

______________________________

ما ذكر- أن لا يكون

عليه قضاء صوم شهر رمضان، و نهى عن ترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة و غيرها، بل نفى خلوّ التعميم عن القوّة و إن كان في العبارة اضطراب؛ فإنّ اللازم أن يذكر شهر رمضان بدل الواجب أوّلا، و يحتمل غلط النسخة، و كيف كان، فهنا حكمان:

أحدهما: أنّه يعتبر في صحّة الصوم المندوب أن لا يكون عليه قضاء صوم رمضان، و يدلّ عليه جملة من الروايات، مثل:

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن ركعتي الفجر؟ قال: قبل الفجر- إلى أن قال:- أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟! فابدأ بالفريضة «1».

و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟ فقال: لا، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان «2».

و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام أ يتطوّع؟ فقال: لا، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان «3». لكن في سند الرواية بحث و إشكال، و في الاوليين غنى و كفاية، مع أنّ الظاهر أنّ الحكم مفروغ عنه حتّى عند الرواة عن الأئمّة عليهم السّلام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 133 ح 513، الاستبصار 1: 283 ح 1031، و عنهما وسائل الشيعة 10: 345، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1.

(2) الكافي 4: 123 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 276 ح 835، و عنهما وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5.

(3) الكافي 4: 123 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 276 ح 836، و

عنهما وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 206

..........

______________________________

ثانيهما: أنّه يعتبر في صحّة الصوم المندوب أن لا يكون عليه واجب آخر من كفّارة و غيرها، و ربما يستدلّ له بما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي، و بإسناده عن أبي الصباح الكناني جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض «1». قال: و قد وردت بذلك الأخبار و الآثار عن الأئمّة عليهم السّلام 2.

و في كتاب المقنع قال: اعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شي ء من الفرض، كذلك وجدته في كلّ الأحاديث «3».

و لا مجال لحمل هذه الروايات على خصوص قضاء رمضان بسبب الروايات المتقدّمة، إذ الطائفتان مثبتتان، و لا وجه لحمل المطلق على المقيّد في المثبتتين؛ لعدم المنافات أصلا، و لعلّه لهذا السبب نفى الخلوّ عن القوّة في المتن كما عرفت.

و لكن ربما يناقش «4» بأنّ الموجود في الفقيه شي ء آخر غير ما هو المذكور في الوسائل؛ فإنّ الصدوق قد أخذ الإطلاق في عنوان بابه، فقال: «باب الرجل يتطوّع بالصيام و عليه شي ء من الفرض» و قال: قد وردت الأخبار و الآثار عن الأئمّة عليهم السّلام: أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض، و ممّن روى ذلك الحلبي و أبو الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و لأجله يحتمل أن يكون مراد الصدوق من الروايتين ما تقدّم آنفا في قضاء شهر رمضان، لكن فهم منه العموم و عدم الاختصاص بالقضاء.

______________________________

(1) 1، 2 الفقيه 2: 87 ح

392، و عنه وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 2 و 3.

(3) المقنع: 203، و عنه وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 4.

(4) انظر المستند في شرح العروة 21: 504- 505.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 207

[مسألة 3: كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضا، غير الإسلام و الإيمان]

مسألة 3: كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضا، غير الإسلام و الإيمان. و من شرائط الوجوب أيضا البلوغ، فلا يجب على الصبي و إن نوى الصوم تطوّعا و كمل في أثناء النهار. نعم، إن كمل قبل الفجر يجب عليه. و الأحوط لمن نوى التطوّع الإتمام لو كمل في أثناء النهار، بل إن كمل قبل الزوال و لم يتناول شيئا، فالأحوط الأولى نيّة الصوم و إتمامه (1).

______________________________

و الجواب عن المناقشة: أنّه قد صرّح نفسه بورود الأخبار و الآثار عن الأئمّة عليهم السّلام بذلك، و هل يمكن أن يكون مقصوده من الجميع الدالّ عليه العموم المحلّى باللام خصوص الروايتين المذكورتين؟ نعم، لا بأس باستفادة العموم من صحيحة زرارة المتقدّمة، نظرا إلى أنّ التعبير بالتطوّع و الفريضة و لزوم الابتداء بالفريضة قبل التطوّع ظاهر في عدم الاختصاص بقضاء رمضان، فما في المتن لا محيص عنه، كما لا يخفى.

(1) كلّ ما ذكر في المسألة الاولى من أنّه شرط للصحّة، فهو شرط للوجوب أيضا غير الإسلام و الإيمان، أمّا عموميّة الحكم في المستثنى منه فلما عرفت «1» من أنّ الوجه في الشرطيّة عدم ثبوت التكليف مع فقدان الشرط، و عرفت أيضا «2» أنّ الأصل في ذلك قوله- تعالى-: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ

«3» و أنّها لو حاضت و لو قبل لحظة من الغروب يكشف عن عدم وجوب

______________________________

(1) في ص 194- 196.

(2) في ص 199.

(3) سورة البقرة 2: 185.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 208

..........

______________________________

الصوم عليها، كما أنّها لو طهرت في الجزء الأوّل من بعد الفجر كذلك. و أمّا الحكم في المستثنى فلما عرفت من ثبوت التكاليف بالنسبة إلى الكافر فضلا عن غير المؤمن.

و أمّا شرطيّة البلوغ للوجوب لا للصحّة؛ فلأنّ عبادات الصبي شرعيّة، و القلم المرفوع «1» إنّما هو قلم التكاليف الإلزاميّة التي توجب مخالفتها استحقاق العقوبة، و من الواضح أنّ هذا الشرط كسائر الشروط إنّما يراعى بالإضافة إلى جميع أجزاء النهار و لحظات اليوم، فإن كمل في أثناء النهار و قد نوى الصوم تطوّعا لا يصير واجبا، بخلاف ما إذا كمل قبل الفجر بحيث طلع عليه الفجر كاملا؛ فإنّه يجب عليه بلا إشكال.

ثمّ إنّه احتاط في المتن باحتياطين:

أحدهما: الصبي الذي نوى صوم التطوّع ثمّ كمل في أثناء النهار، يحتاط بالإتمام.

و هل المراد به الاحتياط الوجوبي بقرينة المقابلة مع الاحتياط الآخر الذي وصفه بأنّه أولى، أو الاحتياط الاستحبابي بقرينة الفتوى قبله بعدم الوجوب، خصوصا مع التصريح بقوله: «و إن نوى الصوم تطوّعا»، كلّ محتمل و إن كان الأوّل أظهر؛ لصيرورته كالمسافر الذي قدم قبل الزوال و لم يتناول شيئا.

ثانيهما: الصبي الذي لم ينو الصوم تطوّعا، بل كمل قبل الزوال و لم يتناول شيئا، فصريح المتن أنّ الاحتياط الاستحبابي فيه يقتضي نيّة الصوم و إتمامه، و يرد على الأوّل على التقدير الأوّل: أنّه لا وجه لوجوب الاحتياط عليه كما لا يخفى، خصوصا مع عدم التقييد بما قبل الزوال.

______________________________

(1) راجع ص: 196.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 209

[مسألة 4: لو كان حاضرا فخرج إلى السفر]

مسألة 4: لو كان حاضرا فخرج إلى السفر، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار، و إن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه و صحّ، و لو كان مسافرا و حضر بلده أو بلدا عزم على الإقامة به عشرة أيّام، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر، وجب عليه الصوم، و إن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلا يجب عليه (1).

______________________________

(1) في المسألة صورتان:

الاولى: الحاضر الذي خرج إلى السفر، و قد فصّل فيه بين أن يكون زمان السفر قبل الزوال، فالواجب عليه الإفطار؛ بمعنى عدم تماميّة الصوم معه، و بين أن يكون بعد الزوال، فالواجب عليه البقاء على الصوم و يكون صحيحا، و هذه الصورة مختلف فيها جدّا، و الأقوال فيها كثيرة، و الروايات على طوائف متعدّدة:

فالطائفة الدالّة على ما في المتن من التفصيل روايات كثيرة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم؟ قال: فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه (يومه خ ل) «1».

و مقتضى إطلاق الشرطيّة الاولى عدم الفرق بين صورة تبييت النيّة من الليل و عدمه.

و مثلها: روايات اخرى «2» بين صحيحة و موثقة و إن كان بينها اختلاف من حيث التعرّض لفرضي المسألة، أو أحد الفرضين.

______________________________

(1) الكافي 4: 131 ح 1، الفقيه 2: 92 ح 412، تهذيب الأحكام 4: 228 ح 671، الاستبصار 2: 99 ح 321، و عنها وسائل الشيعة 10: 185، كتاب الصوم، أبواب من

يصحّ منه الصوم ب 5 ح 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 185، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 210

..........

______________________________

و طائفة تدلّ على التفصيل بين تبييت النيّة ليلا من دون فرق بين ما قبل الزوال و ما بعده، و بين عدم التبييت كذلك، و هذا القول محكيّ عن جماعة «1»، و هذه الطائفة مثل:

صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال: يتمّ صومه (يومه خ ل) ذلك ...» الحديث «2».

بناء على ظهور السؤال في عروض السفر بعد نيّته مصبحا.

و موثقة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله. و إن لم يحدّث نفسه من الليلة ثمّ بدا له في السّفر من يومه أتمّ صومه «3». و من الواضح إطلاقها في كلتا الصورتين بالنسبة إلى ما قبل الزوال و ما بعده.

و واحدة تدلّ على التخيير بين الإفطار و الصوم، و ظاهر إطلاقها عدم الفرق بين ما قبل الزوال و ما بعده، و بين صورة تبييت النيّة من الليل و غيرها؛ و هي:

صحيحة اخرى لرفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال: إذا أصبح في بلده ثمّ خرج فإن شاء صام و إن شاء أفطر «4»،

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 479- 480، جواهر الكلام 17: 134- 135، مستمسك العروة 8: 414، المستند في شرح العروة 21: 476- 477.

(2) تهذيب الأحكام 4: 228

ح 668، الاستبصار 2: 98 ح 318، و عنهما وسائل الشيعة 10: 186، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 5.

(3) تهذيب الأحكام 4: 228 ح 669، الاستبصار 2: 98 ح 319، و عنهما وسائل الشيعة: 10/ 187، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 10.

(4) تهذيب الأحكام 4: 327 ح 1019، و عنه وسائل الشيعة 10: 187، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 211

..........

______________________________

و يحتمل قويّا أن تكون هي نفس رواية رفاعة المتقدّمة، إذ من البعيد سؤال رفاعة عن الإمام عليه السّلام شيئا واحدا مرّتين، و إن كان بينهما اختلاف في التعبير، فمن المحتمل بل المظنون وحدة الرواية لا تعدّدها و إن كان الراوي عن رفاعة متعدّدا، ففي إحداهما ابن أبي عمير، و في الاخرى الحسن بن عليّ الوشاء.

هذا، و لم ينقل التخيير حتى عن واحد من أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين. فالعمدة الجمع بين الطائفتين الأوّلتين دلالة أو علاجا.

فنقول: ربّما يقال بتقديم الطائفة الاولى؛ لأنّها أصحّ سندا و مخالفة لمذهب العامّة، و الطائفة الاخرى موافقة لهم على ما حكى في الحدائق «1» عن العلّامة «2» عن جملة من أكابر فقهاء الناس بل أكثرهم، و لكن ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه «3» ما يرجع إلى وجود الجمع الدلالي بينهما برفع اليد عن إطلاق كلّ منهما بالآخر، و الحكم بأنّه لو كان السفر قبل الزوال، فإن كان مع تبييت النيّة ليلا فليفطر، و إلّا فمع انتفاء أحد الأمرين لا بدّ و أن يصوم، و هو المحكيّ عن مبسوط الشيخ قدّس سرّه

«4»، و ربّما تجعل صحيحة رفاعة الاولى شاهدة لهذا الجمع بناء على الصحيح، كما نقلنا عن الوسائل «5»، لا بناء على قوله: «حتى يصبح» كما في النسخة المطبوعة من التهذيب حديثا، و في بعض الكتب الفقهيّة «6».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 406- 407.

(2) منتهى المطلب 9: 288- 289.

(3) المستند في شرح العروة 21: 481.

(4) المبسوط 1: 284.

(5) و كذا في الوافي: 11/ 313 ح 10941.

(6) مثل منتهى المطلب: 2/ 599 (طبع الحجري) و لكن في الطبع الجديد: 9/ 290 «حين يصبح».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 212

..........

______________________________

و أنت خبير بأنّ الأمر في رواية رفاعة كما ذكرنا من التردّد بين روايتين و عدم إمكان الأخذ بشي ء منهما، فاللازم ملاحظة الطائفتين مع قطع النظر عنهما، و الظاهر ثبوت المعارضة و عدم إمكان الجمع الدلالي في البين؛ إذ جعل المناط في إحداهما: الزوال قبلا و بعدا، و في الاخرى: تبييت نيّة السفر ليلا وجودا و عدما، و لا يمكن الجمع بين المناطين، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات، و الظاهر أنّ الشهرة موافقة للتفصيل المذكور في المتن، و الحكم بكون السفر قبل الزوال يضرّ بالصوم؛ سواء كان مع تبييت النيّة في الليلة الماضية و عدمه، و هو أوفق بشرطيّة عدم السفر المستفادة من الآية على ما عرفت، خصوصا مع أنّ رواياته أكثر و أصحّ، فاللازم الأخذ بها.

الصورة الثانية: المسافر الذي قدم إلى بلده، أو إلى محلّ عازم على الإقامة فيه عشرة أيّام مع عدم تناوله للمفطر بوجه، و قد فصّل فيه في المتن أيضا بين أن يكون قدومه قبل الزوال، فيجب عليه نيّة الصوم و البقاء عليه، و بين أن يكون قدومه بعد الزوال، فالصوم

غير واجب عليه.

و يدلّ عليه- مضافا إلى ما مرّ «1» في المسألة الرابعة من مسائل النيّة التي وقع التعرّض فيها لوقت النيّة؛ من أنّه لو فاتته النيّة لعذر كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضانا؛ أو مرض أو سفر، فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها إلى الزوال لو لم يتناول المفطر، فإذا زالت الشمس فات محلّها، و قد تقدّم شرحه مفصّلا- الروايات المتعدّدة الدالّة كلّ واحدة منها على بعض المطلوب، و ملاحظة المجموع يقتضي ما ذكرنا، مثل:

______________________________

(1) في ص 33- 37، المقام الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 213

[مسألة 5: المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه و يجزئه]

مسألة 5: المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه و يجزئه؛ على حسب ما عرفت في الجاهل بحكم الصلاة؛ إذ القصر كالإفطار، و الصيام كالتمام، فيجري هنا حينئذ جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى الصلاة، فمن كان يجب عليه التمام، كالمكاري و العاصي بسفره و المقيم و المتردّد ثلاثين يوما و غير ذلك، يجب عليه الصيام. نعم، يتعيّن عليه الإفطار في سفر الصيد للتجارة،

______________________________

موثقة سماعة قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل؟

قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا، و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل «1». و السؤال يشعر بل يدلّ على مفروغيّة الوجوب عند السائل في صورة عدم الأكل، كما أنّ النهي عن المواقعة إمّا لرعاية حرمة رمضان، و إمّا للزوم تحمّل الكفّارة عن الأهل في صورة الإكراه، أو بطلان صومها في غير هذه الصورة.

و رواية يونس قال: قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال: يكفّ عن الأكل بقيّة يومه و عليه

القضاء ... الحديث «2».

و رواية أحمد بن محمد- التي في سندها سهل- قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئا قبل الزوال؟ قال: يصوم «3».

و منها: غير ذلك من الروايات «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 132 ح 8، تهذيب الأحكام 4: 253 ح 751، الاستبصار 2: 113 ح 368، و عنها وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 7 ح 1.

(2) الكافي 4: 132 ح 9، تهذيب الأحكام 4: 254 ح 752، الاستبصار 2: 113 ح 369، و عنها وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 7 ح 2.

(3) الكافي 4: 132 ح 7، تهذيب الأحكام 4: 255 ح 755، و عنهما وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 6 ح 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 189، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 214

و الاحتياط بالجمع في الصلاة، و يجب قضاء الصوم في الناسي لو تذكّر بعد الوقت، دون الصلاة كما مرّ، و يتعيّن عليه الإفطار في الأماكن الأربعة و يتخيّر في الصلاة، و يتعيّن عليه البقاء على الصوم لو خرج بعد الزوال و إن وجب عليه القصر، و يتعيّن عليه الإفطار لو قدم بعده؛ و إن وجب عليه التمام إذا لم يكن قد صلّى، و قد تقدّم في كتاب الصلاة أنّ المدار في قصرها هو وصول المسافر إلى حدّ الترخّص، فكذا هو المدار في الصوم، فليس له الإفطار قبل الوصول إليه، بل لو فعل كانت عليه مع القضاء

الكفّارة على الأحوط (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة في امور:

الأوّل: الملازمة بين الإفطار و قصر الصلاة، و كذا بين الصيام و الإتمام، و يدلّ عليها بعنوان الأصل الأوّلي و الضابطة الأصليّة- و إن كان يتحقّق بينهما الافتراق تارة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، مضافا إلى أنّه لا خلاف «1» فيه ظاهرا- عدّة من الروايات، مثل:

صحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: هذا واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت «2».

الثاني: المسافر الجاهل بالحكم، و بأنّه لا يجب عليه الصيام، و لو كان جهله عن تقصير صحّ صومه و يجزئه، كما إذا كان جاهلا بالقصر فصلّى تماما، و قد اشتهر أنّ الجاهل المقصّر معذور في موردين: أحدهما: القصر و الإتمام. ثانيهما: الجهر و الإخفات. أمّا الدليل على الإجزاء في المقام فجملة من الروايات:

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 478.

(2) الفقيه 1: 280 ح 127، و عنه وسائل الشيعة 10: 184، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 215

..........

______________________________

منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السّفر؟ فقال: إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزاء عنه الصوم «1».

و مثلها: صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي «2».

و منها: صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من صام في السفر بجهالة لم يقضه «3».

و بمثل هذه الروايات يقيّد الإطلاق في صحيحة معاوية بن عمّار قال: سمعته

يقول: إذا صام الرجل رمضان في السّفر لم يجزئه و عليه الإعادة «4»، بالحمل على صورة عدم الجهل.

ثمّ إنّ مرجع ما ذكر إلى مدخليّة العلم بالحكم في ثبوته، و هنا شبهة مندفعة في علم الاصول في كتاب القطع «5»، كما أنّ البحث عن استحقاق عقوبة الجاهل في مثل المورد المفروض و عدمه في كتاب الاشتغال من الاصول «6».

الثالث: في موارد الافتراق بين المقام، و بين مسألة القصر و الإتمام، و قد تعرّض

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 221، 646 و ص 328 ح 1023، و عنه وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 220- 221 ح 643 و 644، الكافي 4: 128 ح 1، الفقيه 2: 93 ح 417، و عنها وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 3.

(3) الكافي 4: 128 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 5.

(4) تهذيب الأحكام 4: 221 ح 645، و عنه وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 1.

(5) انظر معتمد الأصول 1: 369- 370.

(6) انظر معتمد الاصول 2: 132- 139.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 216

..........

______________________________

في المتن لها.

أوّلها: سفر الصيد لغرض التجارة؛ فإنّه حكم فيه بتعيّن الإفطار فيه في الصوم، و بلزوم الاحتياط بالجمع في الصلاة، و التحقيق في بحث صلاة المسافر.

ثانيها: أنّ الناسي لو تذكّر بعد الوقت يجب عليه قضاء الصوم و إن كان غير مستحقّ للعقوبة لفرض النسيان، و لا يجب عليه قضاء الصلاة،

كما مرّ في بحث القضاء من الصلاة.

ثالثها: قد مرّ ثبوت التخيير في الصلاة بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة مع الاختلاف في حدودها سعة و ضيقا، و أمّا الصوم فمع عدم قصد الإقامة كما هو المفروض، فلم يدلّ دليل على التخيير فيه، بل اللازم تعيّن الإفطار كسائر الموارد.

رابعها: قد عرفت «1» التفصيل فيمن يسافر في شهر رمضان مثلا، بين أن يكون خروجه من المنزل إلى السفر قبل الزوال فيفطر، و بين أن يكون خروجه إليه بعد الزوال فيبقى على صومه، مع أنّه يتعيّن عليه التقصير إن لم يصلّ و إن خرج بعد الزّوال، كما أنّه لو قدم بعد الزوال يجب عليه الإفطار، مع أنّه يتعيّن عليه الإتمام إذا لم يصلّ، و الوجه فيه واضح.

الأمر الرابع: قد تقدّم في كتاب الصلاة أنّ المدار في قصرها في صورة السفر هو الوصول إلى حدّ الترخّص، فكذا هو المدار في الصوم؛ فإنّه لا يجوز له الإفطار قبل الوصول إلى ذلك الحدّ، فلو أفطر قبله يجب عليه القضاء و الكفّارة على الأحوط؛ لصدق تعمّد الإفطار مع عدم جوازه، و من الممكن عدم الوصول إلى ذلك الحدّ بالانصراف عن السفر، أو عروض الموت، أو مثلهما، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 211- 214.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 217

[مسألة 6: يجوز على الأصحّ السفر اختيارا في شهر رمضان]

مسألة 6: يجوز على الأصحّ السفر اختيارا في شهر رمضان و لو كان للفرار من الصوم، لكن على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة و عشرون يوما، إلّا في حجّ أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه. و أمّا غير صوم شهر رمضان من الواجب المعيّن، فالأحوط ترك السفر مع الاختيار، كما أنّه

لو كان مسافرا فالأحوط الإقامة لإتيانه مع الإمكان، و إن كان الأقوى في النذر المعيّن جواز السفر و عدم وجوب الإقامة لو كان مسافرا (1).

______________________________

(1) البحث في المسألة في موردين:

أحدهما: السفر في شهر رمضان و لو لمن وجب عليه الصيام على تقدير المقام، و جعل الجواز فيه على الأصحّ و لو كان السفر للفرار من الصوم، لكن على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة و عشرون يوما.

ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا، ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر؟

فسكت، فسألته غير مرّة، فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله «1». و الظاهر أنّ المراد هو اللابدّية العرفية لا الشرعيّة.

و في رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضى منه أيّام؟ فقال: لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 126 ح 2، الفقيه 2: 89 ح 399، و عنهما وسائل الشيعة 10: 181، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 1.

(2) الفقيه 2: 90 ح 400، و عنه وسائل الشيعة 10: 181، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 218

..........

______________________________

و في رواية أبي بصير- التي رواها عنه علي بن أبي حمزة- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال: لا

إلّا فيما أخبرك به: خروج إلى مكّة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف هلاكه، و إنّه ليس أخا من الأب و الامّ «1».

و مرسلة علي بن أسباط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط، قال اللّه- تعالى-: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «2» فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلّا في حجّ، أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء «3».

و لا شكّ في الدلالة على الكراهة لا الحرمة؛ لدلالة الاستثناء و لو بالنسبة إلى بعض المستثنيات على ذلك، كالعمرة غير الواجبة على من في المدينة، و إطلاق المال الذي يخاف تلفه، فلا إشكال بملاحظة الروايات في أنّ الحكم بعدم الجواز بالإضافة إلى المستثنى منه إنّما هو على سبيل الكراهة، و في الاستثناء في الموارد المذكورة، و أنّ مورد الاستثناء قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما من رمضان، فإذا مضت الأيّام المذكورة التي بمضيّها يدرك ليلة القدر لا محالة ظاهرا، فلا كراهة أصلا.

______________________________

(1) الفقيه 2: 89 ح 398، تهذيب الأحكام 4: 327 ح 1018، الكافي 4: 126 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 10:

181، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 3.

(2) سورة البقرة 2: 185.

(3) تهذيب الأحكام 4: 216 ح 626، و عنه وسائل الشيعة 10: 182، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 219

..........

______________________________

المورد الثاني: الواجب المعيّن غير

شهر رمضان، و قد فصّل فيه بين النذر المعيّن و غيره، كالقضاء الذي ضاق وقته، و الصيام بدل الهدي؛ بأنّ الأقوى في الأوّل جواز السفر و عدم لزوم الإقامة، و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم و الإقامة، و مقتضى الاحتياط الوجوبي في غيره العدم، و الإقامة لو كان مسافرا لإتيانه مع الإمكان.

و الظاهر أنّ الوجه في الأقوائيّة في النذر ما عرفت «1» من أنّ الواجب في النذر إنّما هو عنوان الوفاء بالنذر لا العنوان المنذور؛ فإنّه باق على حكمه الأصلي، فإذا لم يصر الصوم واجبا فما المانع من السفر؟ و إن كان مستلزما لعدم القدرة على الوفاء. نعم، يحتاط استحبابا. و الوجه في الاحتياط الوجوبي دلالة بعض الروايات الواردة في هذا المجال، مثل:

موثقة سماعة قال: سألته عن الصيام في السفر؟ فقال: لا صيام في السفر، قد صام اناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسمّاهم: العصاة، فلا صيام في السفر إلّا ثلاثة أيّام التي قال اللّه- عزّ و جلّ- في الحجّ «2».

و صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره، و كان يوم بدر في شهر رمضان، و كان الفتح في شهر رمضان «3».

______________________________

(1) في ص 161.

(2) تهذيب الأحكام 4: 230 ح 677، و عنه وسائل الشيعة 10: 200، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام 4: 235 ح 691، الاستبصار 2: 102 ح 333، و عنهما وسائل الشيعة 10: 201، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 220

[مسألة 7: يكره للمسافر في شهر رمضان- بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام و الشراب]

مسألة 7: يكره للمسافر في شهر رمضان- بل كلّ من يجوز له الإفطار- التملّي من الطعام و الشراب، و كذا الجماع في النهار، بل الأحوط تركه و إن كان الأقوى جوازه (1).

[مسألة 8: يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم، و من به داء العطاش]

مسألة 8: يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم، و من به داء العطاش؛ سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه، و الحامل المقرب التي يضرّ الصوم بها أو بولدها، و المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون، و يجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من الطعام، و الأحوط مدّان، عدا الشيخين و ذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم؛ فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة، كما أنّه على الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما- لا بولدهما- محلّ تأمّل (2).

______________________________

(1) وجه الكراهة حفظ حرمة شهر رمضان- الذي هو شهر اللّه، خصوصا بالإضافة إلى المسافر القادر على الصيام- و لا خصوصيّة للجماع و إن احتاط فيه استحبابا بالترك، و قد دلّ على كلا الحكمين روايات، فراجعها «1».

(2) الكلام في هذه المسألة في مقامات:

الأوّل: أنّه يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص، فاعلم أنّ الآية الشريفة «2» الواردة في فريضة الصوم- و أنّه مكتوب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم 3- قد وقع فيها التعرّض لعناوين ثلاثة: الشاهد للشهر، و من كان مريضا،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 205- 208، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 13.

(2) 2، 3 سورة البقرة 2: 183، 185.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 221

..........

______________________________

أو على سفر، و في الذيل قوله- تعالى-: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ «1»، و الظاهر أنّ الالتزام بأنّ كلمة «لا» محذوفة قبل قوله- تعالى-:

يُطِيقُونَهُ مشكل جدّا؛ لأنّه لا يلائم مع كون الآية في مقام بيان هذه الفريضة المهمّة، و أنّها الآية الأوّليّة الدالّة على هذا الحكم المهمّ.

فالأولى أن يقال كما قيل بأنّ المراد من «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» هم الذين إذا أرادوا الصوم لا بدّ و أن ينفقون نهاية طاقتهم و قدرتهم في هذا الطريق، و بدونه لا يقدرون أصلا، ففي الحقيقة يكون الصيام في غاية العسر و الحرج، و هو المناسب- لما في ذيل الآية- من إرادة اليسر دون العسر.

و كيف كان، فنفس آية الصوم ظاهرة في عدم وجوب الصوم على الشيخ و الشيخة في صورة تعذّر الصوم عليهما أو تعسّره، مضافا إلى قاعدة نفي الحرج، و إن كان التعبير بالجواز في عنوان المسألة- كما في المتن- ربما يشعر بل يدلّ على عدم وجوب الصوم تعيينيّا عليهما، إلّا أنّ الظاهر وجوب الإفطار عليهما كما يدلّ عليه قوله: «فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون». و يدلّ عليه أيضا ما اخترناه في قاعدة «لا حرج»؛ من أنّ السقوط فيها إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة «2»، و مع قطع النظر عن الآية فالروايات الواردة في هذا المجال كثيرة:

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام و لا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما. و في سند آخر للشيخ عن محمد بن

مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 184.

(2) قاعدة نفي الحرج، المطبوع ضمن ثلاث رسائل: 157- 162.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 222

..........

______________________________

و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام «1».

و منها: ما رواه المشايخ الثلاثة أيضا عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال: تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة «2». و الراوي مهمل.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان؟ قال: يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين «3».

و منها: مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ. قال: الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ «4».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك، الواردة في تفسير الآية المباركة أو مستقلّة «5». و الدقّة تقضي بأنّ المراد منها وجوب الإفطار عليهم و لزوم التصدّق، و الحمل على التخيير بين الصيام و التصدّق خلاف الظاهر.

و من الأشخاص المذكورين في المسألة، الحامل المقرب إذا كان صومها مضرّا

______________________________

(1) الكافي 4: 116 ح 4، الفقيه 2: 84 ح 375، تهذيب الأحكام 4: 238 ح 697 و 698، الاستبصار 2: 104 ح 338 و 339، و عنها وسائل الشيعة 10: 209- 210، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 1 و 2.

(2) الكافي 4: 116 ح 2، الفقيه

2: 85 ح 379، تهذيب الأحكام 4: 238 ح 696، الاستبصار 2: 103 ح 337، و عنها وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 4.

(3) الكافي 4: 116 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 5.

(4) الكافي 4: 116 ح 5، الفقيه 2: 84 ح 377، و عنهما وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 209، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 223

..........

______________________________

بها أو بولدها، بلا إشكال و لا خلاف «1» في شي ء من الفرضين.

أمّا في الفرض الأوّل؛ فلأنّه- مضافا إلى أنّه من مصاديق المريض توصيف الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة في بعض الروايات المتقدّمة بحصول الضعف عن صوم شهر رمضان، و إلى أنّه من مصاديق شبه الكبير أو العطاش- ما ورد فيما هو أهون من شهر رمضان من النذر من رواية محمد بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها و أدركها الحبل فلم تقو على الصوم؟ قال: فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين «2».

و أمّا في الفرض الثاني، فقد استدلّ «3» له بلزوم حفظ النفس المحترمة، و الفرض عدم التمكّن من الجمع بينه و بين الصوم، و من الواضح أهمّية الأوّل، لكنّ الضرر المتوجّه إلى الولد أعمّ من هلاكه، و مسألة وجوب حفظ النفس المحترمة و أهمّيته من جميع الواجبات غير منقّحة موضوعا و حكما. و هل يحتمل أن يجب

على الإنسان رفع اليد عن أعماله و بذل أمواله للمرضى الموجودين في المستشفيات الذين يجري فيهم خوف الهلاك؟ و اللازم تنقيح المسألة، خصوصا مع ملاحظة أهمّيتها و كثرة الآثار المترتّبة عليها.

و على أيّ، فالظاهر أنّه لا خلاف في جواز الإفطار لها إذا كانت خائفة على ولدها دون نفسها.

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 491، جواهر الكلام 17: 151، مستمسك العروة 8: 449، المستند في شرح العروة 22: 50.

(2) الفقيه 2: 95 ح 424، الكافي 4: 137 ح 11، و عنهما وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 2.

(3) المستند في شرح العروة 22: 50.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 224

..........

______________________________

و منهم: المرضعة القليلة اللبن كذلك؛ يعني إذا كان الصوم مضرّا بها أو بولدها، و يدلّ على الحكم فيها صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان؛ لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد «1». و التعليل الواقع فيها يفيد امورا:

الأوّل: عدم ثبوت الحكم في المستثنى منه بصورة الإطلاق، بل يختصّ بما إذا كان الصوم حرجيّا.

الثاني: أنّ ثبوت أصل الحكم إنّما هو لدخولهما تحت قوله- تعالى-: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ... إلخ «2». غاية الأمر أنّه حينئذ يشكل بأنّ ظاهر الآية- بالإضافة إلى الأشخاص المذكورين- وجوب الفدية بدلا عن القضاء، فالجمع بين وجوب التصدّق و وجوب القضاء فيما بعد، كأنّه خارج عمّا هو المتفاهم عندنا من الآية.

الثالث: أنّ

الملاك نفس المرضعة لا ولدها، فالحكم بالنسبة إلى الولد يحتاج إلى دليل آخر؛ و هو ما ذكر في الحامل المقرب الذي يضرّ الصوم بولدها، و قد عرفته مع ما فيه.

المقام الثاني: في مقدار الفدية.

فنقول: ظاهر الآية الشريفة في قوله- تعالى-: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 239 ح 701، الكافي 4: 117 ح 1، الفقيه 2: 84 ح 378، و عنها وسائل الشيعة 10:

215، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 1.

(2) سورة البقرة 2: 184.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 225

..........

______________________________

طَعٰامُ مِسْكِينٍ «1» هو ثبوت الفدية الواحدة؛ أي مدّ واحد من الطعام، و قد وقع التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة آنفا، لكن في صحيحته الاخرى ثبوت مدّين؛ و هي ما رواه عن الصادق عليه السّلام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ...

و ذكر مثله، إلّا أنّه قال: و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام «2»، قال صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين: حمله الشيخ على الاستحباب تارة، و على من قدر على المدّين اخرى، و حمل الأوّل على من لم يقدر إلّا على مدّ واحد.

أقول: ما ذكرناه مرارا من اتّحاد الرواية و عدم التعدّد فيما إذا كان الراوي واحدا، إلّا أنّ مورده ما إذا كان المروي عنه أيضا واحدا؛ نظرا إلى أنّ الراوي- خصوصا لو كان مثل محمد بن مسلم، و خصوصا مع البناء على كتابة الرواية و ضبطها- لا يسأل أمرا واحدا عن إمام واحد مرّتين، و المروي عنه في المقام متعدّد؛ فإنّه في إحداهما أبو جعفر الباقر عليه السّلام، و في الاخرى أبو

عبد اللّه الصادق عليه السّلام إلّا أنّ الملاك يجري هنا أيضا؛ فإنّ مثل محمد بن مسلم لا يسأل عن الإمامين شيئا واحدا، خصوصا مع عدم الاعتراض في صورة اختلاف الجوابين، فيغلب على الظنّ بتحقّق اشتباه في البين. هذا على حسب نقل التهذيب، و لكن في الاستبصار في كلا الموردين أبو جعفر عليه السّلام. و بالنتيجة لا دليل على وجوب أزيد من مدّ واحد كما هو مقتضى الآية، فجعل الاحتياط في مدّين- كما في المتن- لا وجه له، إلّا أن يكون المراد هو الاحتياط الاستحبابي، فلاحظ.

المقام الثالث: في أصل وجوب الكفّارة على الأشخاص المذكورين في المسألة، الذين يجوز لهم الإفطار، فقد استشكل في المتن في وجوبها على

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 184.

(2) تقدّمت في ص 223- 224.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 226

[مسألة 9: لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة]

مسألة 9: لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة، و الأحوط الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعا، أو باجرة من أبيه، أو منها، أو من متبرّع (1).

______________________________

الشيخين و ذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم، بل نفى خلوّ العدم عن القوّة، و الوجه فيه- مضافا إلى قاعدة لا حرج، بناء على المختار من أنّ السقوط إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة-: أنّ الجمع بين لزوم الإفطار و لزوم الكفّارة غير معهود و إن كان ربّما يلاحظ مثله في باب الحجّ؛ فإنّه يجب على المريض و لو في حال الإحرام لبس المخيط، و مع ذلك يجب عليه الكفّارة، و ظاهر الآية الشريفة- الدالّة على وجوب الفدية و ثبوتها في صورة الإطاقة، كقوله- تعالى-: وَ لِلّٰهِ

عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ... الآية «1»- و إن كان هو الثبوت بالإضافة إليهم، إلّا أنّ شمولها لمن يتعذّر عليه الصيام ممنوع.

و قد تأمّل في المتن في الوجوب على الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن إذا كان الصوم مضرّا بهما لا بولدهما، و الظاهر أنّ الوجوب في الفرض الثاني لا تأمّل فيه بخلاف الفرض الأوّل، مع أنّ صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة فيهما الدالّة على الوجوب ظاهرة في ذلك، خصوصا مع التعليل الواقع فيها بأنّهما لا يطيقان، فإنّ هذا التعليل ظاهر في تحقّق الإضرار بالنسبة إلى أنفسهما، كما لا يخفى، فالتأمّل فيه في غير محلّه، إلّا أن يكون المراد نفي الوجوب و التأمّل فيه في الفرض الثاني دون الأوّل، و هو أيضا خلاف ظاهر الرواية، فتدبّر.

(1) أمّا عدم الفرق في المرضعة بين الموارد المذكورة فلإطلاق دليلها، مثل

______________________________

(1) سورة آل عمران 3: 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 227

..........

______________________________

الصحيحة المتقدّمة، و لا دليل على التقييد و اختصاص الحكم بالمرضعة الخاصّة، و أمّا كون مقتضى الاحتياط الوجوبي الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعا أو باجرة و إن كان الولد لها، كما هو مقتضى إطلاقها، فلما حكي «1» عن جماعة من الوجوب مع وجود من يقوم مقامها في الرضاع، بل وجود ما يقوم مقام الرضاع، كما هو المتداول في هذه الأزمنة؛ من الاستفادة من اللبن المجفّف، أو من لبن بعض الحيوانات، مثل البقر و الغنم.

و ربما يستدلّ له بمكاتبة علي بن مهزيار قال: كتبت إليه- يعني: علي بن محمد عليه السّلام- أسأله عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر

رمضان، فيشتدّ عليها الصوم و هي ترضع حتى يغشى عليها و لا تقدر على الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم؟ فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب: إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها «2».

و هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة على التفصيل، إلّا أنّه حيث رواها في الوسائل عن ابن إدريس في أخر السرائر من كتاب مسائل الرجال، و سند ابن إدريس إليه مورد للمناقشة لأجل جهالته، فالاستدلال بها على الوجوب مشكل، و يمكن أن يقال باختصاص التعليل الواقع في الصحيحة المتقدّمة بصورة عدم التمكّن المزبور.

و عليه: فيصحّ ما في المتن من جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك، فتأمّل.

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 493، العروة الوثقى 2: 51، المستند في شرح العروة الوثقى 22: 56.

(2) مستطرفات السرائر: 67 ح 11، و عنه وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 228

[مسألة 10: يجب على الحامل و المرضعة القضاء بعد ذلك]

مسألة 10: يجب على الحامل و المرضعة القضاء بعد ذلك، كما أنّ الأحوط وجوبه على الأوّلين لو تمكّنا بعد ذلك (1).

______________________________

(1) أمّا وجوب القضاء على الحامل و المرضعة المذكورة؛ فلوقوع التصريح بذلك في مثل الصحيحة المتقدّمة فلا ريب في ذلك. و أمّا الأوّلان اللذان يراد بهما الشيخ و الشيخة و ذو العطاش، فقد احتاط في المتن الوجوب عليهما مع تمكّنهما بعد ذلك؛ و المنشأ أنّ ظاهر الآية الشريفة لعلّه عدم الوجوب بالإضافة

إليهما؛ لما عرفت «1» من أنّ الآية قد تعرّضت لحكم ثلاثة عناوين، و ليست فيها دلالة على وجوب القضاء الذي يعبّر عنه فيها ب «عدّة من أيّام اخر»، بل الواجب على الذين لا يطيقونه فدية طعام فقط.

لكن قوّى السيّد في العروة وجوب القضاء مع التمكّن بعد ذلك «2»، كما قد نسب إلى المشهور «3»، و لعلّ وجهه صدق الفوات، و الفرض التمكّن من القضاء، مع أنّ صدقه محلّ إشكال؛ لعدم دلالة الآية على الإيجاب عليه من الأوّل، لا في شهر رمضان و لا بعنوان عدّة من أيّام اخر، كما في المسافر و المريض، و مع عدم الوجوب عليه من أوّل الأمر لا يتحقّق عنوان الفوت، خصوصا مع التصريح في بعض الروايات بالعدم.

ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شي ء

______________________________

(1) في ص 222- 223.

(2) العروة الوثقى 2: 50، فصل في موارد جواز الإفطار.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 241، مستمسك العروة 8: 446.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 229

..........

______________________________

عليهما «1». و يؤيّده التعبير بإجزاء الفداء المذكورة في الآية في بعض الروايات الصحيحة «2». و عليه: فلا موجب للاحتياط الوجوبي و إن كان الاحتياط الاستحبابي ممّا لا ينبغي الارتياب فيه، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 223.

(2) وسائل الشيعة 10: 209- 213، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 231

[القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان و شوّال]

اشارة

القول

في طريق ثبوت هلال شهر رمضان و شوّال يثبت الهلال بالرؤية و إن تفرّد به الرائي، و التواتر و الشياع المفيدين للعلم، و مضيّ ثلاثين يوما من الشهر السابق، و بالبيّنة الشرعيّة، و هي شهادة عدلين، و حكم الحاكم إذا لم يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده. و لا اعتبار بقول المنجّمين، و لا بتطوّق الهلال أو غيبوبته بعد الشفق في ثبوت كونه للّيلة السابقة و إن أفاد الظنّ (1).

______________________________

(1) يثبت الهلال مطلقا لا في خصوص الشهرين المذكورين في العنوان بامور:

الأوّل: الرؤية و إن تفرّد بها الرائي و انحصرت به، و يدلّ على ثبوت الهلال بها- مضافا إلى إفادتها للعلم الذي هو حجّة عقليّة، أو الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائية؛ ضرورة أنّ إحراز العنوان المأخوذ في موضوع الحكم لا سبيل له أولى من العلم و ما يقوم مقامه- الروايات الكثيرة الدالّة على الثبوت بالرؤية مطلقا؛ سواء كانت مقرونة برؤية الغير أم لا، و في بعضها التصريح بذلك.

ففي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فيه فليصم وحده،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 232

..........

______________________________

و إلّا يصوم مع الناس إذا صاموا «1». و قد اشتهر ما يدلّ على أنّه يصام للرؤية و يفطر للرؤية «2».

الثاني و الثالث: التواتر و الشياع بشرط إفادتهما للعلم، و الثبوت في هذا الفرض واضح، إنّما الكلام في صورة عدم إفادة العلم، و العمدة في البحث في هذا المجال هو غير التواتر؛ لأنّ فرض ثبوت التواتر مع فرض عدم إفادة العلم لعلّه غير ممكن؛ فإنّ التواتر بأنواعه المختلفة

لفظيّا أو معنويّا أو إجماليّا يفيد العلم. و أمّا الشياع فربّما يقال فيه بالاعتبار و إن لم يفد إلّا الظنّ، و يستدلّ عليه ببعض الأدلّة غير الناهضة لإثبات ذلك. و قد تكلّمنا في هذا المجال في هذا الشرح في كتاب القضاء «3»- على ما هو ببالي- مثل ما ورد في قصّة إسماعيل و ما قال أبوه الإمام عليه السّلام له، و لا نرى حاجة إلى الإعادة.

الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من الشهر السابق مع ثبوت أوّله، و يدلّ عليه:

أوّلا: أنّ الشهر في لسان الشرع لا يزيد على ثلاثين، بل قد ينقص بيوم واحد، و قد اشتهر عناوين الشهور الاثنتي عشرة التي منها شهر رمضان، الذي هو موضوع البحث في هذا الكتاب، و يبدو في النظر أنّ السنة المركّبة من الشهور المشار إليها في باب الخمس- الذي يكون من الامور المتعلّقة له هو ما يفضل من الربح هي مئونة السنة عند آخرها- هي هذه السنة المعبّر عنها بالسنة القمريّة،

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 149 ح 193، و عنه وسائل الشيعة 10: 261، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 4 ح 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 252- 260، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(3) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 51- 53.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 233

..........

______________________________

و لكن لأجل خصوصيّة في الخمس قد ذكرنا هناك تبعا للماتن قدّس سرّه «1» أنّ المراد بالسنة في خصوص باب الخمس هي السنة الشمسيّة.

و الوجه فيه إجمالا- و إن فصّلناه هناك-: أنّ المئونة إنّما يكون اختلافها نوعا باختلاف الفصول الأربعة المتحقّقة في السنة الشمسيّة، فمع إرادة الشارع و حكمه بتعلّق الخمس

بما يفضل عن مئونة السنة، فمراده المئونة الرائجة المختلفة بالاختلاف المذكور طبعا، و هذا لا دلالة له على أنّ مراد الشارع من السنة مطلقا ذلك، كما لا يخفى.

و ثانيا: الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ شهر رمضان قد يكون ثلاثين، و قد ينقص بيوم واحد، و أنّه يصيب شهر رمضان ما يصيب الشهور من التمام و النقصان، و في رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: إن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين «2».

الخامس: البيّنة الشرعيّة التي هي عبارة عن شهادة عدلين، و يدلّ على حجّيتها في هذا المقام أمران:

أحدهما: ما يدلّ على حجّية البيّنة في الموضوعات الخارجيّة مطلقا، و قد ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة «3»، و ببالي أنّا ذكرنا هناك أنّ عنوان البيّنة- كما هو المأخوذ في الرواية المعروفة لمسعدة بن صدقة المتّصفة بأنّها موثّقة، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في الرسائل «4»، حيث قال عليه السّلام في ذيلها: و الأشياء كلّها على هذا

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 120.

(2) تهذيب الأحكام 4: 158 ح 441، الاستبصار 2: 64 ح 208، و عنهما وسائل الشيعة 10: 265، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 12.

(3) القواعد الفقهيّة 1: 479- 485.

(4) فرائد الاصول (الرسائل) 3: 351 و 381.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 234

..........

______________________________

حتّى يستبين لك غير هذا، أو تقوم به البيّنة «1». و الروايات المذكورة في كتاب القضاء الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي، و اليمين على المدّعى عليه أو على من أنكر «2»، و في رأسها الرواية الحاكية لقول النبيّ صلّى اللّه عليه

و آله: إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان «3»- اصطلاح في الشرع و إن لم يكن له حقيقة شرعيّة مبحوث عنها في الاصول، و لا يكون بالمعنى اللّغوي الصرف، كما يدلّ عليه المقابلة مع الاستبانة في الرواية المتقدّمة، و قد ذكرنا في ذلك الكتاب «4» أنّ حجّية البيّنة دليل على عدم حجّية خبر الواحد- و لو كان عادلا- في الموضوعات، و إلّا تلزم اللغوية في حجّية البيّنة المشاركة معه في العدالة المختلفة في العدد، فنفس ثبوت الحجّية للبيّنة دليل على عدم ثبوتها في خبر الواحد، و التفصيل في محلّه.

ثانيهما: ما يدلّ على الاعتبار في خصوص المقام، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لا اجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «5». و من الواضح أنّ الحصر فيها إضافيّ.

و صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

______________________________

(1) الكافي 5: 313 ح 40، و عنه وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.

(2) وسائل الشيعة 27: 233- 235، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 3 و ص 293 ب 25 ح 3، و المفردات في غريب القرآن: 68.

(3) الكافي 7: 414 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 27: 232، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.

(4) أي القواعد الفقهيّة 1: 494- 501.

(5) الكافي 4: 76 ح 2، الفقيه 2: 77 ح 338، و عنهما وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف،

ص: 235

..........

______________________________

لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين «1».

و صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه «2».

و الروايات الدالّة على هذا الأمر كثيرة جدّا.

لكن في مقابلها بعض ما يتخيّل معارضته للروايات المتقدّمة؛ و هو بين ما يدلّ بظاهره على عدم حجّية البيّنة مطلقا، و بين ما يدلّ على عدم الحجّية فيما إذا لم تكن في السماء علّة، كما حكي عن صاحب الحدائق قدّس سرّه «3».

فمنها: رواية حبيب الخزاعي (الخثعمي، الجماعي خ ل) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية «4».

و الظاهر أنّ المراد من الشرط في الشرطيّة هي صورة ما لو كان بالمصر علّة و في غيره لا تكون كذلك، لا الأعمّ ممّا إذا كان في الخارج علّة أم لا، و يؤيّده قوله عليه السّلام:

«فأخبرا أنّهما رأياه»؛ فإنّه يدلّ على الإخبار بالرؤية لأجل عدم الغيم و صحو السّماء. و أمّا المخبر به، فهل يكون أمرين: الرؤية، و صيام قوم أو إفطارهم لها على

______________________________

(1) الكافي 4: 77 ح 4، الفقيه 2: 77 ح 340، و عنهما وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام 4: 157 ح 436، الاستبصار 2: 63 ح 205، المقنعة: 297، و عنها وسائل الشيعة 10:

287، كتاب الصوم، أبواب أحكام

شهر رمضان ب 11 ح 4.

(3) الحدائق الناضرة 13: 245- 246.

(4) تهذيب الأحكام 4: 159 ح 448، و ص 317 ح 963، الاستبصار 2: 74 ح 227، و عنهما وسائل الشيعة 10: 290، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 236

..........

______________________________

تقدير أن يكون العطف ب «و» الظاهر في ثبوت المعيّة و تحقّق الاجتماع؟ و يحتمل قويّا أن يكون العطف ب «أو» الدالّ على كفاية أحد الأمرين.

و كيف كان، فقد يناقش «1» في الرواية تارة: من حيث السند، و اخرى: من حيث الدلالة.

أمّا من جهة السند: فلأجل حبيب الخزاعي أو الجماعي؛ فإنّه مجهول، و حبيب الخثعمي- كما في بعض الكتب الحاكي للرواية «2»- و إن كان موثّقا، إلّا أنّه لم يكن الثابت في المقام هو الرجل الموثّق، بل المردّد بينه و بين غيره، فلا اعتبار بالرواية من حيث السند.

و أمّا من جهة الدلالة: فمن جهة أنّ مفادها عدم جواز شهادة رجلين عدلين مع عدم وجود الغيم في السماء و علّة فيها، مع أنّه على هذا التقدير يطمأنّ بخطئهما، و لا تكون مثل هذه البيّنة مشمولة لدليل الحجّية.

أقول: هذا ليس إشكالا في دلالة الرواية، بل يكون بيانا لعلّة عدم جواز شهادة رجلين مع عدم وجود الغيم في السماء، مع أنّ حصول الاطمئنان بخطئهما في هذه الصورة، إن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من حجّية الاطمئنان في نظر العقلاء فالصغرى ممنوعة؛ لأنّ حصول الاطمئنان الكذائي في الصورة المذكورة ممنوع.

و إن لم يكن مرجعه إلى ما ذكرنا فالكبرى ممنوعة، و عدم شمول أدلّة الحجّية له غير ظاهر.

فالأولى أن يقال بأنّه مع وجود المعارضة بين هذه

الرواية على فرض اعتبارها

______________________________

(1) المناقش هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 65- 66.

(2) أي في وسائل الشيعة 7: 21 ح 13، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 237

..........

______________________________

و الروايات الكثيرة الصحيحة المتقدّمة، يكون الترجيح مع تلك الروايات؛ لاستناد المشهور إليها «1»، و قد قرّرنا أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة، كما لا يخفى.

و منها: رواية القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

الصوم للرؤية، و الفطر للرؤية و ليس الرؤية أن يراه واحد، و لا اثنان، و لا خمسون. قال في الوسائل بعده: و رواه الصدوق بإسناده عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك مثله «2».

و قد نوقش «3» فيها أيضا سندا و دلالة. أمّا السند؛ فلأجل القاسم بن عروة؛ لأنّه لم يوثّق و إن ورد توثيقه في بعض الرسائل «4» غير الثابتة.

و أمّا الدلالة؛ فلأنّ الظاهر كون المراد منها لزوم العلم أو ما قام الدليل على قيامه مقام العلم في ذلك، و ليس مجرّد رؤية الغير و لو بلغ خمسين كافيا في ذلك كما يقول به الناس، حيث يعتمدون على مجرّد دعوى الغير الرؤية ممّن يصلّي و يصوم، من غير اشتراط العدالة في اعتبار الشهادة، و لذا لم يذكر التقييد بها في الرواية أصلا، فلا ينافي ما دلّ على قيام البيّنة و هي شهادة رجلين عدلين مقام العلم.

و هذا الأمر يجري بالإضافة إلى الرواية السابقة أيضا، فالمراد أنّ شهادة خمسين أيضا لا اعتبار بها مع فرض عدم العدالة، و يمكن أن يقال بإشعار الرواية السابقة

______________________________

(1) المعتبر 2:

686، اللمعة الدمشقيّة: 27، مسالك الأفهام 2: 51، مدارك الأحكام 6: 167، ذخيرة المعاد:

531، رياض المسائل 5: 413.

(2) تهذيب الأحكام 4: 156 ح 431، الاستبصار 2: 63 ح 201، الفقيه 2: 77 ح 336، و عنها وسائل الشيعة 10: 290، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.

(3) المناقش هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 67.

(4) المسائل الصاغانيّة المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 3: 72.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 238

..........

______________________________

بذلك باعتبار التشبيه بالقسامة، فتدبّر.

و كيف كان، يجري هنا أيضا ما ذكرناه في ذيل السابقة على فرض المعارضة من ثبوت الترجيح مع تلك الروايات.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم- التي رواها عنه أيّوب «1» و حمّاد- عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا، و ليس بالرأي و لا بالتظنّي، و لكن بالرؤية. (قال: خ ل) و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد: هو ذا هو، و ينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، و إذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين. و زاد حمّاد فيه: و ليس أن يقول رجل: هو ذا هو، لا أعلم إلّا قال: و لا خمسون «2». و رواه في الوسائل في باب آخر قبل هذا الباب عن أبي أيّوب ... إلخ «3»، و الظاهر أنّه هو الصحيح.

و دلالتها ظاهرة فيما قلناه؛ من أنّه لا عبرة بالرأي و لا بالتظنّي في قبال العامّة، و ليس فيها أيضا إشعار بتوصيف الشاهد بالعدالة، فلا تنافي ما يدلّ على اعتبار شهادة رجلين بشرط أن يكونا عدلين، من دون فرق بين

الموارد و صورتي وجود العلّة و عدمها.

و منها: رواية أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال: إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه

______________________________

(1) كذا في الوسائل 7: 209 ح 11، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، و لكن في الطبعة الجديدة:

أبي أيّوب، و في هامشه: في نسخة أيّوب (هامش المخطوط).

(2) تهذيب الأحكام 4: 156 ح 433، الاستبصار 2: 63 ح 203، الكافي 4: 77 ح 6، الفقيه 2: 76 ح 334، و عنها وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 252، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 239

..........

______________________________

فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته، و يقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر «1».

و ليس المراد من قوله عليه السّلام في الذيل: «و لا يجزئ في رؤية الهلال ... إلخ» جعل المناط خمسين بحيث لا يقبل أنقص من هذا العدد و لو بواحدة، و يقبل شهادة خمسين أو أزيد، كما أنّ المراد من قوله عليه السّلام: «يدخلان و يخرجان من مصر» هو الخروج منه إلى محلّ لم يكن في السّماء فيه علّة و غيم؛ ضرورة أنّه مع اتّحاد داخل المصر و

خارجه من حيث وجود العلّة في السّماء، لا فائدة في الدخول و الخروج و لا مجال فيه للتفصيل. مضافا إلى عدم إشعار في الرواية باعتبار العدالة في صورة قبول الشهادة، و لا يقول بظاهره أحد على الظاهر.

فاللازم حمل الرواية على عدم اعتبار الرأي و التظنّي كما في كثير من الروايات السابقة، و إن كان السؤال فيها يظهر منه أنّ المسئول هي الكمّية المجزئة في رؤية الهلال، و لكنّ التأمّل في الجواب- خصوصا مع ملاحظة قوله عليه السّلام: «فلا تؤدّوا بالتظنّي»- يرشد إلى ما ذكرنا، فلا دلالة للرواية على اعتبار عدد خاصّ، كما أنّها لا تنفي اعتبار العدالة، و لا دلالة لها على التفصيل بين وجود العلّة و ثبوتها في السماء و عدمها، و لو فرض الدلالة على ذلك فالترجيح مع تلك الروايات.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا اعتبار البيّنة مطلقا في إثبات الهلال.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 160 ح 451، و عنه وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 240

..........

______________________________

السادس: حكم الحاكم مع ثبوت قيدين، عدم العلم بخطئه في الحكم، و عدم العلم بخطإ مستنده.

أمّا أصل ثبوت هذا الحكم، و كون حكم الحاكم من طرق ثبوت الهلال في الجملة، فقد نسب إلى المشهور «1»، و خالفهم فيه البعض الآخر «2»، و ربما يستدلّ له بروايات:

منها: صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك

اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم «3». حيث إنّها تدلّ على مفروغيّة أنّ أمر الصيام و الإفطار يثبت بأمر الإمام، و أنّه إذا أمر بالإفطار يجب على الناس الإفطار؛ سواء كانت الشهادة المذكورة فيها قبل زوال الشمس أو بعده، غاية الأمر الافتراق بين الصورتين في الصلاة- أي صلاة عيد الفطر- من جهة لزوم التأخير في الثانية إلى الغد دون الاولى.

و قد أجاب بعض الأعلام قدّس سرّه عن الاستدلال بالرواية للمقام بما يرجع محصّله إلى أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّية، و إنّما هي ناظرة الى وجوب إطاعة الإمام، و أنّه متى أمر بالإفطار وجب؛ لكونه مفترض الطاعة، من غير حاجة إلى صدور

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 286، مدارك الأحكام 6: 170- 171، ذخيرة المعاد 3: 531، مشارق الشموس 3:

475، المستند في شرح العروة 22: 80.

(2) الحدائق الناضرة 13: 259 و 263، مستند الشيعة 10: 418- 420.

(3) الفقيه 2: 109 ح 467، الكافي 4: 169 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 10: 275، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 241

..........

______________________________

حكم منه الذي هو إنشاء خاصّ؛ لعدم فرضه في الحديث، و إنّما المفروض مجرّد قيام الشهود لديه و صدور الأمر منه، و هو غير الحكم بالضرورة، و هذه الإطاعة خاصّة بمن هو إمام بقول مطلق، و لم ينهض دليل على إثبات هذه الولاية المطلقة لغيره من الفقهاء في عصر الغيبة، بعد انحصار وجوب الإطاعة بعنوان الإمام بمعناه المعهود عند المتشرّعة، فالرواية خاصّة بالإمام و إن كان التطبيق محمولا على التقيّة أحيانا، و لا مساس للصحيحة بنفوذ حكم الحاكم و المجتهد

الجامع للشرائط «1».

و أنت خبير بأنّه لا ظهور في الرواية في وجوب إطاعة الإمام حتّى يقال بأنّ المراد منه هو الإمام المطلق- الذي هو من مصاديق أولي الأمر في الآية الشريفة المعروفة «2»- بل الغرض الأصلي من الرواية بيان أمرين:

الأوّل: كفاية مضيّ ثلاثين يوما من الهلال الذي قد رأياه الشاهدان قبلا.

و الثاني: التفصيل بين قبل الزوال و بعده في الصلاة، كما ذكرنا.

نعم، لا ينبغي الإغماض عن أنّ المفروغ عنه في الرواية كون أمر الإفطار بيد الإمام، و أمّا الإمام الآمر بذلك من هو؟ فلا دلالة للرواية عليه و ليست بصدد بيانه، و يؤيّده أنّ ظاهر الرواية وجوب الأمر على الإمام في الصورة المفروضة فيها، و لا مجال لإيجاب حكم على الإمام المعصوم عليه السّلام من ناحية إمام آخر، فالمراد من الإمام من كان متصدّيا لهذه المسائل من الامّة، غاية الأمر عدم دلالة الرواية على مورد تحقّقه، فإذا قلنا بثبوت ولاية الفقيه كما لا بدّ من البحث عنها في محلّها، فلا بدّ من الالتزام بجواز الحكم المزبور للوليّ الفقيه؛ لوجود هذه المزيّة في المعصوم بلا كلام.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 80- 81.

(2) سورة النساء 4: 59.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 242

..........

______________________________

نعم، لا بدّ لاستفادة الولاية للفقيه من الاستناد إلى دليل آخر غير هذه الرواية، و الذي ينبغي بل لا بدّ و أن يلاحظ في الرواية أنّ أمر الإفطار و الصيام لم يكن بأيدي الأئمّة عليهم السّلام أصلا، فهذا دليل على أنّ الرواية ليست ناظرة إلى هذا المعنى. و كيف كان، فدعوى كونها غير ناهضة لحكم المقام أمر، و كونها ظاهرة فيما أفاد أمر آخر، و لا ارتباط بينهما

في النفي و الإثبات.

و منها: ما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين و تمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبّتك- إلى أن قال:- و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه عليهم ... إلخ «1». نظرا إلى أنّ أمر الهلال، خصوصا في شهر رمضان و في شهر ذي الحجّة من الحوادث الواقعة، فاللازم الرجوع فيه إلى رواة الحديث الذين هم الفقهاء و المجتهدون، فقولهم حجّة على الامّة بمقتضى الرواية الدالّة على أنّ حجّة اللّه جعلهم حجّة على الناس.

و قد نوقش في الرواية سندا و دلالة:

أمّا السند: فلجهالة ابن عصام، و كذا إسحاق بن يعقوب المدّعي لرؤية خطّ الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف.

و أمّا الدلالة: فلإجمال المراد من الحوادث الواقعة الواردة في الرواية؛ لجريان

______________________________

(1) كمال الدين: 484 ب 45 قطعة من ح 4، غيبة الطوسي: 291 قطعة من ح 247، الاحتجاج 2: 543، الرقم 344، و عنها وسائل الشيعة 27: 140 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 243

..........

______________________________

احتمالات فيه:

الأوّل: موارد الشبهات الحكميّة؛ و هي الامور التي تتّفق خارجا و لم يعلم حكمها، كما لو مات زيد و له ثياب أو مصاحف عديدة و لم يعلم أنّ الحبوة هل تختصّ بواحد منها أو تشمل الكلّ؟ و نحو ذلك، و قد أمر

على هذا التقدير بالرجوع إلى الرواة، فتكون الرواية حينئذ من أدلّة حجّيّة الخبر لو كان المراد هو الراوي، أو من أدلّة حجّية الفتوى لو كان المراد هو المجتهد. و على التقديرين لا ارتباط للرواية بالمقام؛ فإنّ غاية مدلولها لزوم رجوع الجاهل إلى العالم و السؤال عن الحكم، و من الواضح أنّ في زمانهم عليهم السّلام، و حتى ما بعده بقليل، كان المرجع للسؤال في هذه الشبهات عند تعذّر الوصول الى الإمام عليه السّلام أو تعسّره، هم رواة الأحاديث.

الثاني: الشبهات الموضوعيّة الواقعة مورد النزاع و الخصومة و المطروحة في باب القضاء، فتكون الرواية حينئذ من أدلّة نفوذ القضاء، و يبعّد هذا الاحتمال- مضافا إلى بعده في نفسه- أمران:

أحدهما: أنّه لو كان المراد هذا الاحتمال لقال: فارجعوها، بدل قوله عليه السّلام:

«فارجعوا فيها».

ثانيهما: أنّه لا مدخل للراوي بما هو راو في مسألة القضاء؛ لعدم كونها من شئونه، مع أنّ ظاهر الرواية الدخالة.

الثالث: مطلق الحوادث التي منها ثبوت الهلال الذي هو محلّ البحث في المقام.

ثمّ قال المناقش ما حاصله: إنّ هذا الاحتمال هو مبنى الاستدلال، و لكنّه لا مقتضي له بعد وجود الطرق الشرعيّة المتعدّدة لاستعلام الهلال، كالامور الخمسة المتقدّمة، و من الواضح أنّ الأمر بالرجوع إنّما هو فيما لو كان الإمام عليه السّلام حاضرا و كان الوصول إليه ممكنا، و مسألة الهلال لا تكون كذلك؛ فإنّه لا تجب فيها مراجعة الإمام عليه السّلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 244

..........

______________________________

بوجه، و لم يعهد ذلك في عصر أحد من الأئمّة عليهم السّلام حتى أمير المؤمنين عليه السّلام في زمان خلافته الظاهريّة، فمحصّل الرواية وجوب الرجوع إلى الفقيه فيما يجب فيه الرجوع إلى الإمام

عليه السّلام، و لا دلالة فيها على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الشاملة للمقام «1».

أقول: إن كان المقصود من وجود الطرق الشرعيّة السابقة لاستعلام حال الهلال، وجودها بالإضافة إلى الشيعة، فهم كأئمّتهم عليهم السّلام كانوا مجبورين بإطاعة قضاة الناس و المشاكلة معهم في الأمر المربوط بالصيام و الإفطار، و ببالي أنّ في الرواية- التي ذكرها الشيخ الأعظم قدّس سرّه- قوله عليه السّلام: «لئن أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي «2»» «3».

و إن كان المقصود وجود تلك الطرق لغير الشيعة أيضا، فيدفعه أوّلا: أنّه غير معلوم. و ثانيا: أنّه مع وجودها كيف يلزمون أنفسهم بالتبعيّة لحكّامهم في هذه الجهة، مع أنّه من الواضح ثبوت التبعيّة عندهم، و هذا يشعر بل يدلّ على ثبوت هذا الحقّ بالإضافة إلى حكّام الشيعة.

و أمّا وجه عدم المعهوديّة في زمن الأئمّة عليهم السّلام، ففي غير زمان أمير المؤمنين عليه السّلام فواضح؛ لما عرفت، و أمّا في زمان المولى و خلافته الظاهريّة- فمضافا إلى قلّة مدّتها، و ابتلائه في جلّها بالحروب المعروفة- يدفعه عدم المعلوميّة، و من المحتمل رجوع الناس إلى ذاته المقدّسة و شخصه الشريف، بل لا يبعد أن يقال: إنّ سيرة المتشرّعة الثابتة في هذه الأزمنة من الرجوع إلى مراجعهم في هذا الأمر، كان أصلها

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 82- 84.

(2) الكافي 4: 83 ح 9، و عنه وسائل الشيعة 10: 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4، و لفظ «لئن» ليس بموجود فيهما.

(3) كتاب الصوم للشيخ الأنصاري: 86.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 245

..........

______________________________

ما هو المتداول من السابق و معهودا من زمن

أمير المؤمنين عليه السّلام.

و يؤيّد الاحتمال الثالث عموم «الحوادث الواقعة» في الرواية باعتبار كونها جمعا محلّى باللام، مع أنّ إطلاق كلمة «الحادثة»- الدالّة على وجود أمر جديد و شي ء لم يكن قبلا- على الشبهة الحكميّة و على الشبهات الموضوعيّة في باب التنازع و التخاصم محلّ نظر، بل منع، و إطلاقها على الهلال الذي يترتّب عليه آثار مهمّة، خصوصا بالإضافة إلى الشهرين، فالظاهر الصحّة، سيّما مع ملاحظة ما ذكرنا من تبعيّة الناس لحكّامهم في ذلك، فالإنصاف تماميّة دلالة الرواية و إن كان بحث ولاية الفقيه يحتاج إلى نطاق أوسع.

و منها: مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة، المشتملة على قوله عليه السّلام: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا رادّ على اللّه، و هو على حدّ الشرك باللّه ... الحديث «1».

و نوقش «2» فيها أيضا بضعف السند و الدلالة:

أمّا ضعف السند: فلأنّه و إن تلقّاها الأصحاب بالقبول و وسمت بالمقبولة، إلّا أنّه لم تثبت وثاقة ابن حنظلة و إن وردت فيه رواية «3» ظاهرة في أنّه في أعلى مراتب

______________________________

(1) الكافي 1: 67 ح 10، تهذيب الأحكام 6: 301 ح 845، الاحتجاج 2: 260، الرقم 232، و عنها وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

(2) المناقش هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 84- 86.

(3) الكافي 3: 275 ح 1، تهذيب الأحكام 2: 20 ح 56، و عنهما وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة،

أبواب المواقيت ب 5 ح 6 و ص 156 ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 246

..........

______________________________

التوثيق، لكنّ الرواية ضعيفة من حيث السند في نفسها.

و لكنّ الظاهر أنّ المناقشة في سندها إنّما هو لأجل وجود مبنى عدم انجبار الضعف بالشهرة، و إلّا فعلى مبنى الانجبار- كما هو المختار- لا بدّ من الاختيار كما و صفت بالمقبولة.

و أمّا من حيث الدلالة: فلما قيل: من أنّ دلالتها تتوقّف على مقدّمتين:

و حاصل الاولى: أنّ دلالة المقبولة على جعل منصب القضاء في زمن الغيبة بل الحضور و إن كانت ثابتة بل واضحة، خصوصا مع ملاحظة التعبيرات التي فيها، إلّا أنّ المنصب المزبور يختصّ بمورد التنازع المفروض في صدر الحديث، و إن كان في أمر يرجع إلى الهلال، كما إذا تمتّع بامرأة إلى الشهر، فوقع الاختلاف في الانقضاء و عدمه من جهة رؤية الهلال و عدمها، فترافعا عند الحاكم و قضى بالهلال؛ فإنّ حكمه حينئذ نافذ بلا إشكال، و أمّا نفوذ حكمه حتى في غير مورد الترافع- كما هو البحث في المقام- فلا دلالة للمقبولة عليه أصلا.

و حاصل الثانية: أنّ وظيفة القضاة لم تكن مقصورة على ختم المنازعات فقط، بل كان المتعارف لدى قضاة العامّة التدخّل في جميع الشئون التي تبتلي بها العامّة، و منها: التعرّض لأمر الهلال و التصدّي للحكم بالرؤية أو بعدمها، فإذا كان هذا من شئون قضاة العامّة و ثبت نصب الإمام قاضيا، فبطبيعة الحال يثبت له جميع تلك المناصب. و لكنّك خبير بأنّ هذه المقدّمة أيضا غير بيّنة و لا مبيّنة؛ لعدم كونها من الواضحات؛ فإنّ مجرّد التصدّي لا يكشف عن كونه من وظائف القضاة حتّى يدلّ نصب

أحد لهذا المنصب على ثبوت الجميع، مع احتمال أنّهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم كسائر بدعهم؛ لعدم ثبوت الملازمة الشرعيّة، بل ملازمة خارجيّة محضة، فلم يثبت بمجرّد نصب القاضي حقّ الدخالة له في هذه المرحلة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 247

..........

______________________________

و الجواب عمّا يتعلّق بالمقدّمة الاولى: هو أنّ مورد المقبولة و إن كانت صورة التنازع و الترافع، بل التنازع في الدين أو الميراث كما هو مورد السؤال فيها، إلّا أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مفادها عامّ لجميع الموارد من دون اختصاص بتلك الصورة؛ فإنّ غرض الإمام عليه السّلام بيان أمر كلّي و إعطاء الضابطة في حقّ رواة الأحاديث الناظرين في حلالهم و حرامهم، و قد سئل فيها عن الوظيفة فيما إذا اختلف الحكّام لأجل اختلاف مستندهم، فأجاب عليه السّلام في هذا المجال بلزوم الرجوع إلى المرجّحات المذكورة فيها ثمّ التخيير مع عدمها، و لذا تمسّك الفحول بالمقبولة في باب علاج المتعارضين، بل جعلوا المقبولة في رأس الأدلّة العلاجيّة، فراجع باب التعادل و التراجيح في علم الاصول.

و هل يسوغ التفوّه بأنّ حكم الحاكم بالهلال في مثل المثال المذكور واجب الإطاعة دون مثل المقام الذي لا يكون فيه تنازع؟ فهل مخالفة حكم المجتهد في هذه الصورة ليست استخفافا بحكم اللّه و ردّا عليهم عليهم السّلام؟ فإذا حكم بثبوت الهلال يوم الشكّ و أفطر الناس فيه لا يكون هذا استخفافا بحكم اللّه، بخلاف ما إذا حكم بنفس ذلك في مورد النزاع و الاختلاف، و لعمري أنّ هذا الفرق من الغرابة بمكان، و بعيد جدّا عن فهم العرف الذين هم الملاك في فهم الروايات الصادرة.

و عمّا يتعلّق بالمقدّمة الثانية: أنّ الظاهر ثبوت هذا

المنصب لقضاة العامّة على طبق موازينهم و لو كانت فاسدة عندنا و كان وجوب إطاعتهم بحيث يخاف ضرب العنق من المخالفة، و قد أشرنا «1» إلى أنّ الأئمّة عليهم السّلام قد حجّوا معهم حدود مائتين سنة، و لم يصدر منهم ما يدلّ على عدم حجّية حكم قضاتهم على طبق موازينهم

______________________________

(1) في ص 139.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 248

..........

______________________________

الفاسدة، و لو لم يكن كذلك لصدر منهم ذلك غير مرّة، و الظاهر أنّ فقهاءهم لم يتعرّضوا لعدم الحجّية طبقا لها، و اللازم الرجوع إلى كتاب الخلاف للشيخ الطوسي قدّس سرّه، أو بداية المجتهد لابن رشد القرطبي، و غيرهما من الكتب المتعرّضة لفتاويهم.

و كيف كان، فالتأمّل في المقبولة يقضي بدلالتها على حجّية حكم الحاكم و لو في غير مورد الترافع و التخاصم كالهلال. و النقض بحكم الحاكم بالغروب، حيث إنّه لا يكون مسوّغا للإفطار، بل لا بدّ في جوازه من الاتّكال على الطرق الاخرى علما و علميّا، و بدونها يجري استصحاب بقاء النهار و عدم تحقّق الغروب، يدفعه أنّه على تقدير تسليم ذلك يمكن أن يقال بوجود الفرق من جهات:

منها: تكرّر هذا العنوان في كلّ يوم مرّة بخلاف الهلال.

و منها:- و هي العمدة- أنّ رفع الشكّ في أمر الغروب لا يتوقّف على أزيد من الصبر دقائق متعدّدة، و بعده يجوز تحقّقه، بخلاف الهلال الذي ربّما يكون الشك فيه باقيا الى آخر الشهر، بل إلى آخر العمر؛ و لأجله لا تكون المراجعة إلى الحاكم معهودة بالإضافة إلى الغروب. فالإنصاف عدم تماميّة النقض المذكور.

بقي الكلام في طريقيّة حكم الحاكم في القيدين المذكورين في المتن، و الوجه فيه:

أنّ حجّية الأمارة إنّما هي في

صورة عدم العلم بالخلاف، فإذا علم به لا يبقى مجال لطريقيّة شي ء آخر، كما هو ظاهر.

بقي الكلام في أصل المسألة في امور:

الأوّل: أنّه لا اعتبار بقول المنجّمين- و لو في العصر الحاضر الذي تكامل علمه و تجهّزت أسبابه، و تكثّرت آلاته- في صورة عدم إفادة العلم؛ و ذلك لأصالة عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 249

..........

______________________________

حجّية الظنّ فيما لم يثبت الدليل على اعتباره، كما هو المحقّق في الاصول «1»، و في المقام لم يدلّ دليل على الاعتبار، بل قام الدليل على العدم؛ لتطابق النصوص على حصر الثبوت بما تقدّم من الطرق، فقول المنجّم بما هو منجّم لا يكون معتبرا.

الثاني: أنّه لا اعتبار بتطوّق الهلال في ثبوت كون أوّل الشهر الليلة الماضية، و نسب إلى الصدوق أنّ الهلال إذا كان مطوّقا- بأن كان النور في جميع أطراف القمر كطوق محيط به- فهو أمارة كونه لليلتين، فيحكم بأنّ السابقة هي الليلة الاولى و لو لم ير الهلال فيها «2»، و حكي عن صاحب الذخيرة الميل إليه فيها «3»، و عن تهذيب الشيخ قدّس سرّه القول به في خصوص ما إذا كان في السماء علّة من غيم و نحوه «4».

و المستند ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن محمد بن مرازم، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين، و إذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث «5». و المحكي في الجواهر عن العلّامة في التذكرة «6» رمي السند بالضعف «7»، مع أنّ سند الصدوق إلى محمد بن مرازم و إن كان كذلك، إلّا أنّ سند الكليني و الشيخ الطوسي إليهما ليس كذلك على ما حقّقه

بعض الأعلام قدّس سرّه «8». غاية الأمر أنّ

______________________________

(1) سيرى كامل در اصول فقه 10: 41- 47.

(2) رياض المسائل 5: 416- 417، جواهر الكلام 16: 375، المستند في شرح العروة 22/ 100- 101.

(3) ذخيرة المعاد: 534.

(4) تهذيب الأحكام 4: 178- 179.

(5) تهذيب الأحكام 4: 178 ح 495، الاستبصار 2: 75 ح 229، الكافي 4: 78 ح 11، الفقيه 2: 78 ح 342، و عنها وسائل الشيعة 10: 281، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2.

(6) تذكرة الفقهاء 6: 140- 141.

(7) جواهر الكلام 16: 375.

(8) المستند في شرح العروة 22: 101- 102.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 250

..........

______________________________

المشهور لم يعمل بهذه الرواية، و الشيخ كما عرفت و إن أفتى بها إلّا أنّه حملها على صورة وجود الغيم في السماء و مثله.

نعم، ربما يقال بمعارضتها مع طائفتين من الروايات:

إحداهما: ما في الحدائق «1» من المعارضة مع الروايات الدالّة على أنّ من أفطر يوم الشكّ لا يقضيه إلّا مع قيام البيّنة على الرؤية، حيث إنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورة وجود التطويق و عدمه.

ثانيتهما: ما يدلّ على أنّ الصوم و الإفطار لا يكونان إلّا بالرؤية، و قد اشتهر كما عرفت «2»: صم للرؤية و أفطر للرؤية.

و هنا خدشة رابعة في الرواية؛ و هي اشتمالها على اعتبار ظلّ الرأس فيه لثلاث، مع أنّه لم يقل به أحد ظاهرا.

و الجواب: أمّا عن عدم عمل المشهور بالرواية- و لذا لم يذكروا التطويق من العلامات بوجه- فهو أنّ القادح في الحجّية بناء على ما هو مقتضى التحقيق، كما ذكرناه مرارا، هو الإعراض، و عدم العمل أعمّ منه، خصوصا مع ملاحظة ما ذكر

بالإضافة إلى الظلّ.

و أمّا عن المعارضة مع الطائفة الاولى: أنّه ما المانع من حمل المطلقات فيها على صورة عدم التطوّق، كسائر موارد حمل المطلق على المقيّد في الفقه؟ و هو ليس بنادر بل شائع، و يؤيّده لزوم الحمل فيما إذا ثبت هلال رمضان من غير طريق البيّنة من الطرق المتعدّدة المذكورة، غير الرؤية التي يكون مفروض الرواية عدمها؛

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 290.

(2) في ص 234.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 251

..........

______________________________

لكونه يوم الشك كما لا يخفى.

و بهذا يجاب عن الطائفة الثانية؛ فإنّها مطلقات و لا دلالة فيها على الحصر، خصوصا مع عدم التعرّض إلّا للرؤية، و لا مانع من تقييدها بمثل الرواية بعد اشتهار التقييد و حمل المطلق على المقيّد، كما أنّه لا بدّ من التصرّف فيها بلحاظ الطائفة الاخرى؛ لأنّ مفادها الحصر في الرؤية، و مفاد تلك الطائفة الحصر في أمرين، فتدبّر.

و أمّا الخدشة الرابعة: فمدفوعة بإمكان التفكيك في الرواية و عدم العمل ببعض فقراتها؛ فإنّه لا يوجب طرد الرواية رأسا، و لذا يخطر بالبال أوّلا لزوم العمل بالرواية في المقام و الالتزام بمفادها مطلقا من دون أيّ قيد، كما صنعه الشيخ على ما عرفت.

نعم، يجري فيها احتمال أن تكون الرواية غير متعرّضة لحكم شرعيّ، بحيث تكون في مقام بيان الحكم بطريقيّة التطويق شرعا كسائر الطرق المتقدّمة، بل في مقام بيان حكم تكوينيّ واقعيّ، و أنّ التطوّق بمقتضى القواعد الفلكية و العلوم النجوميّة يكشف عن عدم كون الليلة ليلة أوّل الشهر، بل هي الثانية من الليالي، و الكشف فيه كشف قطعيّ بمقتضى تلك القواعد، و يؤيّده جعل الظلّ دليلا؛ أي كاشفا قطعيّا عن الليلة الثالثة. و عليه: فتخرج

الرواية عن مرحلة التعبّد الشرعي.

هذا، و لكنّ الالتزام بمثل ذلك مشكل بالإضافة إلى الروايات بعد كون شأن الأئمّة عليهم السّلام بيان الأحكام الشرعيّة و المسائل التعبّديّة، مع أنّ شمول أدلّة حجّية خبر الواحد للرواية على هذا التقدير مشكل، خصوصا على المختار من عدم اعتبار أخبار العدل الواحد في الموضوعات الخارجيّة. نعم، لو كانت الرواية قطعيّ الصدور، أو كان المطلب مسموعا من شخص الإمام عليه السّلام لما كان فيه ريب، مع أنّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 252

..........

______________________________

القائلين باعتبار هذا الأمر، إمّا مطلقا أو مع وجود القيد المذكور، لا يرونه إلّا طريقا شرعيّا، لا كاشفا قطعيّا.

و بالجملة: لم ينهض دليل يطمئنّ إليه على اعتبار هذا الطريق بوجه.

الأمر الثالث: أنّه لا اعتبار بغيبوبته بعد الشفق أيضا في كون أوّل الشهر هي الليلة الماضية، كما ذهب إليه بعضهم على ما حكي «1»، خلافا للمشهور «2»، حيث لم يروا ذلك من الطرق و الأمارات.

و المستند ما رواه الشيخ بإسناده عن إسماعيل بن الحسن (بحر) «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و رواه الكليني بإسناده عن الصلت الخزّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين «4». و الظاهر كما هو المنقول عن غالب الكتب إسماعيل بن الحرّ، و في بعض النسخ إسماعيل بن الحسن، و على أيّ فالرواية ضعيفة لجهالة إسماعيل على التقديرين، و كذا الصلت الخزّاز على رواية الكليني.

و مع ذلك فهي معارضة برواية أبي علي ابن راشد قال: كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السّلام كتابا و أرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك

في سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شكّ، و صام أهل بغداد يوم الخميس،

______________________________

(1) المقنع: 183.

(2) رياض المسائل 5: 415- 416، جواهر الكلام 16: 365، مستمسك العروة 8: 464، المستند في شرح العروة 22: 92.

(3) كذا في الوسائل 7: 204 ح 3، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، و في الطبعة الجديدة:

إسماعيل بن الحرّ.

(4) تهذيب الأحكام 4: 178 ح 494، الاستبصار 2: 75 ح 228، الكافي 4: 77 ح 7 و ص 78 ح 12، الفقيه 2:

78 ح 343، و عنها وسائل الشيعة 10: 282، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 253

[مسألة 1: لا بدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية]

مسألة 1: لا بدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية، فلا تكفي الشهادة العلميّة (1).

______________________________

و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس، و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل.

قال فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس، و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء. قال: فكتب إليّ: زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا. قال: ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس و لا تصم إلّا للرؤية «1».

و الرواية- مضافا إلى اعتبارها- ظاهرة في أنّ الغيبوبة بعد الشفق لا تكون أمارة كاشفة عن ثبوت الهلال في الليلة الماضية، بل الأمارة الكاشفة هي الرؤية المتحقّقة بالإضافة إلى هذه الليلة، و على فرض التعارض فهذه الرواية مقدّمة؛ لاعتبارها سندا و إن كانت دلالة الاخرى أيضا ظاهرة، فالحقّ مع المتن وفاقا للمشهور.

(1) يدلّ على هذه اللابدّية- مضافا إلى أنّ الرؤية مأخوذة في مفهوم الشهادة، فعنوان العالم مغاير

لعنوان الشاهد؛ لأنّ الشهود في مقابل الغيبوبة، و إطلاق هذا العنوان على الشاهد باعتبار حضوره و رؤيته في جميع الموارد، من غير اختصاص بهذا المقام، فالبيّنة في باب الحدود عبارة عن شهادة من كان حاضرا في الواقعة الموجبة للحدّ، و قد اشتهر أنّ الشاهد في باب الزّنا لا بدّ و أن يكون رائيا للعمل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 167 ح 475، و عنه وسائل الشيعة 10: 281، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 254

[مسألة 2: لا يعتبر في حجيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي]

مسألة 2: لا يعتبر في حجيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي، فهي حجّة لكلّ من قامت عنده، بل لو قامت عند الحاكم، و ردّ شهادتها من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده، و كانا عادلين عند غيره، يجب ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار. و لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية بعد توافقهما على الرؤية في الليل. نعم، يعتبر توافقهما في الأوصاف، إلّا إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يحتمل فيه اختلاف تشخيصهما، ككون القمر مرتفعا أو مطوّقا، أو له عرض شمالي أو جنوبي؛ فإنّه لا يبعد معه قبول شهادتهما إذا لم يكن فاحشا.

______________________________

القبيح كالميل في المكحلة، و لذا تصدّوا لدفع شبهة أنّه كيف تجتمع عدالة الشاهد المعتبرة بلا خلاف مع ادّعائه الرؤية بالنحو المذكور الموجب للفسق بطبعه؟

و التفصيل في كتاب القضاء و الشهادات «1»- الروايات الواردة في خصوص المقام، مثل:

صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه «2».

و صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال عليّ عليه السّلام:

لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «3».

و غيرهما من الروايات التي يظهر منها ذلك.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء و الشهادات: 455- 459.

(2) تهذيب الأحكام 4: 157 ح 436، الاستبصار 2: 63 ح 205، المقنعة: 297، و عنها وسائل الشيعة 10:

287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4.

(3) تهذيب الأحكام 4: 180 ح 498، و عنه وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 255

و لو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع- ككون تحدّبه إلى السماء عكس ما يرى في أوائل الشهر- لم يسمع شهادتهما، و لو أطلقا أو وصف أحدهما بما لا يخالف الواقع و أطلق الآخر كفى (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أمور:

الأوّل: أنّ البيّنة حجّة لكلّ من قامت عنده، و لا يعتبر في حجّيتها القيام عند الحاكم؛ لعموم دليل الحجّية أوّلا، و عدم إمكان القيام عند الحاكم غالبا، و عدم الجدوى له ثانيا بالنظر إلى حكم الحاكم؛ لما عرفت من أنّه و إن كان لا بدّ و أن تكون البيّنة قد شهدا بالرؤية، إلّا أنّه لا بدّ في اعتبار الحكم الإنشاء بمثل قوله:

«حكمت بذلك»، كما في موارد فصل الخصومة و رفع المنازعة؛ فإنّها لا تفصل إلّا بالحكم و إنشائه.

و كيف كان، فحيث إنّ موارد قيام البيّنة كثيرة جدّا، و لا تختصّ بباب القضاء و لا بأمر رؤية الهلال، مثل الشهادة بالخمريّة و نظائرها، فاللازم الأخذ بها لكلّ من قامت عنده، من دون اعتبار وجود الحاكم

فضلا عن قيام البيّنة عنده.

الثاني: لو قامت البيّنة عند الحاكم و ردّ شهادتهما من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده بل ثبوت الفسق، و لكنّهما كانا عادلين عند غيره ممّن قامت عنده، يجب عليه ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار؛ لأنّ الثبوت عند الحاكم مقدّمة لحكمه، و المفروض الاعتناء بالشهادة لا بالحكم.

الثالث: لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية، و أنّه هل كان أوّل المغرب أو بعده مثلا، بعد التوافق على أصل الرؤية في الليلة المخصوصة؟ و الوجه فيه وجود الفصل بين زمان طلوعه و غروبه و لو كانت المدّة قليلة. و عليه: فيمكن الاختلاف بينهما من حيث الرؤية في أوّل تلك المدّة أو وسطها أو آخرها، و لا منافاة بينهما حينئذ أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 256

..........

______________________________

الرابع: يعتبر توافقهما في الأوصاف؛ فإنّه و إن كان لا يعتبر في قبول الشهادة التعرّض للوصف، بل تكفي الشهادة بأصل الرؤية، و لا يلزم الشاهد بذكر الخصوصيّات و الأوصاف، إلّا أنّه في فرض التعرّض إذا كانا مختلفين في الأوصاف لم تقبل شهادتهما؛ لعدم قيام البيّنة على شي ء واحد، بل شهد كلّ واحد من العدلين بما يغاير الآخر، و استثني من ذلك ما إذا كان الأوصاف التي اختلفا فيها ممّا يحتمل فيه الاختلاف في التشخيص بشرط أن لا يكون فاحشا، مثل الأمثلة المذكورة في المتن؛ فإنّه لا يقدح الاختلاف المذكور الراجع إلى التشخيص في اعتبار الشهادة و قبولها، خصوصا مع ملاحظة وجود الاختلاف كثيرا في خصوصيّات المرئي المسلّم كزيد المرئي و عمرو المرئي و هكذا.

نعم، في صورة كون الاختلاف فاحشا بحيث لا يكون عند العرف غير معتنى به لا مجال لقبول الشهادة؛

لما عرفت من عدم التوافق على الشهادة على أمر واحد، و عدم جريان احتمال كون الاختلاف راجعا إلى التشخيص.

الخامس: لو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع، ككون تحدّيه إلى السماء عكس ما يرى في أوائل الشهر؛ لأنّ دليل حجّية البيّنة بنحو الإطلاق أو في خصوص المقام منصرف عن مثل المورد الذي تكون الشهادة فيه على خلاف الواقع. و إن شئت قلت: إنّ حجّيتها مقصورة بما لو لم يكن الواقع مكشوفا و لو في الجملة، و مع الانكشاف لا يبقى لها مجال و لو في صورة الاتّفاق فضلا عن الخلاف.

السادس: لو أطلقا معا، أو أطلق أحدهما و وصف الآخر بما لا يخالف الواقع كفى في قبول الشهادة؛ لما عرفت من أنّه لا يعتبر في قبول الشهادة بالرؤية بيان الأوصاف، بل يكفي مجرّد أصل الشهادة بالرؤية، و حينئذ فمع إطلاقهما لا مجال للمناقشة في القبول، كما أنّه مع إطلاق أحدهما و بيان الآخر للوصف الذي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 257

[مسألة 3: لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء، و لا برجل و امرأتين]

مسألة 3: لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء، و لا برجل و امرأتين، و لا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين (1).

______________________________

لا يخالف الواقع لا بدّ من الالتزام بالقبول بعد عدم لزوم التعرّض للأوصاف أصلا، و المفروض كون وصف الآخر غير اللازم غير مخالف للواقع، فتدبّر.

(1) أمّا عدم الاعتبار في ثبوت الهلال بشهادة النساء منفردة أو منضمّة إلى رجل واحد فيدلّ عليه أخبار كثيرة، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لا اجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «1».

و قد رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين «2»،

مع أنّ من الواضح عدم التعدّد، خصوصا مع أنّ الراوي عن الحلبي في كلتيهما هو حمّاد بن عثمان.

و صحيحة محمد بن مسلم قال: لا تجوز شهادة النساء في الهلال «3».

و رواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين «4»، و مع كون الراوي

______________________________

(1) الكافي 4: 76 ح 2، الفقيه 2: 77 ح 338، و عنهما وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 180 ح 499، و عنه وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.

(3) الكافي 4: 77 ح 3، تهذيب الأحكام 6: 269 ح 725، الاستبصار 3: 30 ح 97، و عنها وسائل الشيعة: 10 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 2 و ج 27: 356، كتاب الشهادات ب 24 ح 18.

(4) الكافي 4: 77 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 269 ح 724، الفقيه 2: 77 ح 340، و عنها وسائل الشيعة 10:

287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3 و ج 27: 355، كتاب الشهادات ب 24 ح 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 258

..........

______________________________

عن الحلبي في الروايتين الأوّلتين هو حمّاد، يغلب على الظنّ أنّ حمّادا نقل الرواية مع الواسطة لا بدونها، كما لا يخفى.

و رواية شعيب بن يعقوب، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام أنّ عليّا عليه السّلام قال: لا أجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين «1».

و في

مقابلها رواية واحدة دالّة على التفصيل بين الفطر و الصوم، و أنّه تقبل شهادة النساء في الثاني؛ و هي رواية داود بن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث طويل- قال: لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلّا شهادة رجلين عدلين، و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة «2».

و الرواية و إن كانت معتبرة من حيث السّند، إلّا أنّ التعبير في ناحية الفطر بعدم الجواز، و عدم قبول شهادة النساء مطلقا بالإضافة إليه، و بعدم البأس في ناحية الصوم إنّما يشعر بل يدلّ على عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء. غاية الأمر أنّه حيث إنّ الأمر دائر بين الحرمة و العدم في الإفطار، و بين الوجوب و الاستحباب في ناحية الصوم، فقد وقع الاختلاف بين التعبيرين، و على تقدير المعارضة فالترجيح مع الروايات الكثيرة المتقدّمة، لا لكثرتها بل لموافقتها للشهرة التي هي أوّل المرجّحات على المختار، كما مرّ مرارا.

و أمّا عدم الاعتبار بشاهد واحد و يمين، فيدلّ عليه- مضافا إلى بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على حصر القبول في شهادة رجلين عدلين- رواية أحمد بن محمد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 316 ح 962، و عنه وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9.

(2) تهذيب الأحكام 6: 269 ح 726، الاستبصار 3: 30 ح 98، و عنهما وسائل الشيعة 10: 291، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15، و ج 27: 361، كتاب الشهادات ب 24 ح 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 259

[مسألة 4: لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه، كان في السماء علّة أو لا.]

مسألة 4: لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه، كان

في السماء علّة أو لا. نعم، مع عدم العلّة و الصحو و اجتماع الناس للرؤية و حصول الخلاف و التكاذب بينهم؛ بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين، ففي قبول شهادتهما حينئذ إشكال (1).

______________________________

ابن عيسى في نوادره، عن أبيه، رفعه قال: قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهادة الواحد و اليمين في الدين، و أمّا الهلال فلا إلّا بشاهدي عدل «1».

و رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: لا تصم إلّا للرؤية أو يشهد شاهدا عدل «2».

نعم، هنا رواية واحدة تدلّ بإطلاقها على الاكتفاء بشهادة عدل واحد، و هي صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين ... الحديث «3». و لكنّ الإطلاق قابل للتقييد، مضافا إلى أنّ النسخ مختلفة، ففي بعضها «العدول» «4» بصيغة الجمع، و إلى أنّه قد رواها في الوسائل في باب آخر، «بيّنة عدل» «5».

(1) الوجه في عدم الفرق إطلاق دليل حجّية البيّنة، كما أنّ الوجه في الإشكال في

______________________________

(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 160 ح 410، و عنه وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 17.

(2) المقنعة: 297، و عنه وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 16.

(3) تهذيب الأحكام 4: 158 ح 440 و ص 177 ح 491، الاستبصار 3: 64 ح 207 و ص 73 ح 222، الفقيه 2:

77 ح 337، و عنها وسائل الشيعة 10: 264، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11 و ص

278 ب 8 ح 1.

(4) كما في الاستبصار 2: 64 ح 207 و تهذيب الأحكام 4: 177 ح 491.

(5) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 260

[مسألة 5: لا تختصّ حجّية حكم الحاكم بمقلّديه، بل حجّة حتّى على حاكم آخر]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 260

مسألة 5: لا تختصّ حجّية حكم الحاكم بمقلّديه، بل حجّة حتّى على حاكم آخر لو لم يثبت خطؤه أو خطأ مستنده (1).

______________________________

صورة اجتماع الامور المذكورة، قوّة احتمال الاشتباه في العدلين، و في الحقيقة حصول الطمأنينة بخلافها، و أدلّة الحجّية قاصرة عن الشمول لصورة الاطمئنان بالخلاف، و قد وردت الرواية أنّه في صورة الصحو «إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف» «1» و لا أقلّ من الإشكال في الشمول كما في المتن.

(1) وجه عدم الاختصاص- حتى لو لم يكن له مقلّد أصلا، أو كان غيره أعلم- إطلاق دليل الحجّية، و أنّ الرادّ عليه كالرادّ على الأئمّة عليهم السّلام، و لا فرق فيه بين المقلّد و بين غيره مطلقا، كما أنّ حكم الحاكم في باب القضاء أيضا مثل ذلك، غاية الأمر أنّ حكم الحاكم مطلقا إنّما يكون نافذا لأجل أنّه طريق، و هو حجّة لمن لا يكون عالما بالخلاف، و إلّا ففي صورة ثبوت خطئه أو خطأ مستنده لا اعتبار به.

و قد اشتهرت هذه الرواية- في كتاب القضاء- الدالّة على أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله:

إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار «2».

و بالجملة: لا إشكال في الحجّية مطلقا، و في أنّ العلم بالخلاف مانع عن النفوذ و الحجّية، فتدبّر.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 241.

(2) الكافي 7: 414 ح 1، تهذيب الأحكام 6: 229 ح 552، معاني الاخبار: 279، و عنها وسائل الشيعة 27:

232، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 261

[مسألة 6: لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده]

مسألة 6: لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده، فإن كانا متقاربين أو علم توافق افقهما كفى، و إلّا فلا (1).

______________________________

(1) لا إشكال «1» في كفاية الرؤية في بلد آخر مع اتّحاد افقه مع هذا البلد أو تقاربه، كما أنّه لا إشكال 2 في الكفاية فيما إذا كانت الرؤية هناك مستلزمة للثبوت هنا بالأولويّة القطعيّة، كما لو كان البلد المرئيّ فيه شرقيّا بالإضافة إلى هذا البلد، كبلاد الهند بالنسبة إلى العراق؛ لأنّه لا يمكن الرؤية هناك مع عدم إمكان الرؤية هنا، إنّما الإشكال فيما إذا لم تكن هذه الأولويّة، كالرؤية في بلاد الغرب، فهل يكتفى بذلك بالنسبة إلى البلد الشرقي أم لا؟ ظاهر المشهور هو الثاني «3»، و لكن ذهب جماعة من الأعاظم إلى الأوّل «4»، منهم: بعض الأعلام قدّس سرّه في موارد متعدّدة، و قد شيّد أركان هذا القول على طبق القاعدة و مقتضى الروايات في شرحه على العروة على ما في التقريرات، فقال ما ملخّصه:

إنّا لا نرى أيّ وجه لاعتبار الاتّحاد عدا قياس حدوث الهلال و خروج القمر عن تحت الشعاع بأوقات

الصلوات في شروق الشمس و غروبها، فكما أنّها تختلف باختلاف الآفاق، و في بعض الروايات «إنّما عليك مشرقك و مغربك ...» «5» فكذا الهلال، و لكنّه تخيّل فاسد و إن كان هو مستند المشهور، مع أنّه لا علاقة و لا ارتباط

______________________________

(1) 1، 2 جواهر الكلام 16: 360- 361، مستمسك العروة 8: 470، المستند في شرح العروة 22: 115

(3) المبسوط 1: 268، الحدائق الناضرة 13: 263، مفاتيح الشرائع 1: 257.

(4) منتهى المطلب 9: 252- 253، الوافي 11: 120- 121، الحدائق الناضرة 13: 264- 267، مستند الشيعة 10: 422- 424.

(5) تهذيب الأحكام 2: 264 ح 1053، الاستبصار 1: 266 ح 961، الفقيه 1: 142 ح 661، أمالي الصدوق:

139 ح 139، و عنها وسائل الشيعة 4: 198، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 262

..........

______________________________

بين شروق الشمس و غروبها، و بين سير القمر بوجه؛ لأنّ الأرض بمقتضى كرويّتها يكون النصف منها مواجها للشمس دائما، و يعبّر عنه بقوس النهار، و النصف الآخر غير مواجه كذلك، و يعبّر عنه بقوس الليل، و هذان القوسان في حركة و انتقال دائما حسب حركة الأرض على ما هو المقطوع به في هذه الأعصار.

و يتشكّل من هاتيك الحركة الشروق و الغروب، و نصف النهار و نصف الليل، و بين الطلوعين، و ما بين هذه الامور من الأوقات المتفاوتة، و هذه الحالات المختلفة منتشرة في أقطار الأرض، ففي كلّ آن يتحقّق شروق في نقطة من الأرض، و غروب في نقطة اخرى مقابلة لها، فهي نسبة قائمة بين الأرض و الشمس.

و هذا بخلاف الهلال؛ فإنّه إنّما يتولّد و يتكوّن من كيفيّة نسبة

القمر إلى الشمس، من دون مدخل لوجود الكرة الأرضيّة في ذلك بوجه، و السرّ أنّ القمر في نفسه جرم مظلم، و إنّما يكتسب النور من الشمس نتيجة المواجهة معها، فالنصف منه مستنير دائما، و النصف الآخر مظلم كذلك، غير أنّ النصف المستنير لا يستبين لنا على الدوام، بل يختلف زيادة و نقصا حسب اختلاف سير القمر؛ فإنّه لدى طلوعه عن الافق من نقطة المشرق في الليلة الرابعة عشرة من كلّ شهر- بل الخامسة عشرة فيما لو كان الشهر تامّا- يكون تمام النصف منه المتّجه نحو الغرب مستنيرا حينئذ؛ لمواجهته الكاملة مع النير الأعظم، كما أنّ النصف الآخر المتّجه نحو الشرق مظلم.

ثمّ إنّ هذا النور يأخذ في قوس النزول في الليالي المقبلة، و تقلّ سعته شيئا فشيئا حسب اختلاف سير القمر إلى أن ينتهي في أواخر الشهر إلى نقطة المغرب، بحيث يكون نصفه المنير مواجها للشمس، و يكون المواجه لنا هو تمام النصف الآخر المظلم، و هذا هو الذي يعبّر عنه بتحت الشعاع و المحاق، فلا يرى منه أيّ جزء؛ لأنّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 263

..........

______________________________

الطرف المستنير غير مواجه لنا لا كلّا كما في الليلة الرابعة عشرة، و لا بعضا كما في الليالي السابقة عليها أو اللاحقة.

ثمّ بعدئذ يخرج شيئا فشيئا عن تحت الشعاع، و يظهر مقدار منه من ناحية الشرق و يرى بصورة هلال ضعيف، و هذا هو معنى تكوّن الهلال و تولّده، فمتى كان جزء منه قابلا للرؤية و لو بنحو الموجبة الجزئيّة فقد انتهى به الشهر القديم، و كان مبدءا لشهر قمريّ جديد، إذن فتكوّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلا

للرؤية و لو في الجملة، و هذا كما ترى أمر واقعي وحداني لا يختلف فيه بلد عن بلد.

و على هذا فيكون حدوثها بداية لشهر قمريّ لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها و مغاربها و إن لم ير الهلال في بعض مناطقها. نعم، هذا إنّما يتّجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحلّ الرؤية في الليل و لو في جزء يسير منه؛ بأن تكون ليلة واحدة ليلة لهما و إن كانت أوّل ليلة لأحدهما و آخر ليلة للآخر.

ثمّ أيّد ما أفاده ببعض الآيات و بعض الروايات «1» «2».

و هذا الذي أفاده و أصرّ عليه و إن كان يقرّبه بعض الامور الاخر، مثل عنوان ليلة القدر الظاهر في كونها ليلة واحدة للجميع، لا أنّ لكلّ صقع من الأصقاع المتغايرة في الآفاق ليلة خاصّة لاختلاف رؤية الهلال فيها، و كذلك عنوان العيدين الذي يكون ظاهر الدعاء الوارد في قنوته كونه عيدا لجميع المسلمين في جميع أقطار العالم، خصوصا مع ذكر المسلمين بصورة الجمع المحلّى باللّام المفيد للعموم، إلّا أنّه

______________________________

(1) فمن الآيات سورة الرحمن 55: 17، و سورة الزخرف 43: 38، و من الروايات ما نقله في وسائل الشيعة 10: 254 ح 9 و ص 265 ح 13، و ص 278 ح 3، و ص 292 ح 1.

(2) المستند في شرح العروة 22: 116- 122.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 264

..........

______________________________

مع ذلك يترجّح في النظر الرأي المشهور؛ لأنّ الملاك في أوّل الشهر رؤية الهلال لا تولّد الهلال، و هي متوقّفة على مقدار نوره. و بعبارة اخرى: قد وقع الخلط في كلامه قدّس سرّه بين نور الهلال و ولادته، و المعتبر في الرؤية هو نوره.

و

دعوى عدم مدخليّة الكرة الأرضيّة في وضع القمر- كما قد صرّح به من أنّه لو لم تكن هذه الكرة موجودة في الفضاء لكان القمر واجدا لتلك الحالات- لعلّه ممّا لا يمكن الالتزام به، خصوصا مع ملاحظة ما في تعريف الخسوف من أنّه عبارة عن حيلولة الأرض بينه و بين الشمس، ثمّ إنّه على هذا المبنى لا وجه للتخصيص بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحلّ الرؤية في الليل و لو في جزء يسير منه؛ لأنّه بعد ما كان الهلال أمرا واحدا واقعا غير قابل للتعدّد لا يبقى مجال للتبعيض.

و استلزام عدمه المطلق لثبوت الرؤية في جزء من النهار في بعض الأقطار- لما عرفت من أنّه أمر وحداني، و من المعلوم أنّه لا مجال لصوم يومها- دليل على وجود التبعيض و اختلاف الأصقاع في ذلك، مع أنّ إيكال الأمر إلى الرؤية المتحقّقة في أقصى نقاط العالم مع عدم وجود مسلم فيه بل شيعيّ أصلا، و عدم انكشاف الحال إلّا بعد أيّام ممّا لا يمكن احتماله بنظر الشرع، و البعض المذكور لم يلتزم به طول عمره حتى بالنسبة إلى الحجاز مع كونه مقيما في العراق.

و دعوى عدم مبالاتهم في أمر الرؤية لأنّ الأمر بيد غيرهم، يدفعها حجّ الأئمّة عليهم السّلام طول قرنين مطابقا لنظرهم و موافقا لرأيهم «1»، مع أنّ اعتناءهم بمثل هذه الامور لعلّه أزيد من الشيعة و إن كانت أعمالهم غير مقبولة، و نحن لا ننكر أنّ الإحاطة بحقائق هذه الامور موكولة إلى علم الهيئة، خصوصا في هذه الأزمنة

______________________________

(1) تقدّم توضيح ذلك في ص 139.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 265

..........

______________________________

و الأعصار، فراجع.

هذا، و لكنّ التحقيق العميق بملاحظة الروايات الواردة

في المسألة، خصوصا بعضها الخالي من جهة الإشكال في السند و المتن، يقتضي الذهاب إلى عدم اعتبار اتّحاد الافق، أو تقارب البلدين اللّذين رأي القمر في أحدهما دون الآخر من جهة الافق، و توضيحه يحتاج إلى ذكر امور:

الأوّل: أنّ وحدة الافق بعنوانه لا تكون مذكورة في شي ء من الكتب الفقهيّة القديمة بل المتوسّطة، و لا في شي ء من الروايات الواردة في هذا الباب. نعم، صرّح بعض كالمحقّق في الشرائع بالتفصيل بين المتقاربين و المتباعدين «1»، كما أنّه وقع التصريح من بعض خصوصا في بعض كتبه بعدم الفرق بينهما «2». و قد وقع الخلاف في معنى التباعد و التقارب بوجوه متعدّدة لا يعتمد شي ء منها على ركن وثيق، حتّى أنّه حكي عن صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّ الربع المسكون من الأرض كلّ مناطقها متقاربة «3».

الثاني: أنّ البلاد الإسلاميّة في أزمنة صدور الروايات من الأئمّة عليهم السّلام المتعدّدين كان البعد بينها بمرحلة كان افقها مختلفا، فلاحظ المدينة المنوّرة مع الكوفة، أو مع الشام، أو مع مصر الّذي كتب مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام عهدا إلى مالك الأشتر «4» الذي كان يريد ولايته في مصر، و لكنّه صار مسموما قبل الوصول إليه من ناحية عمّال معاوية بتوطئته و أمره، و كان التباعد بين البلاد الإسلاميّة بمرحلة حكي عن

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 200.

(2) منتهى المطلب 9: 252- 253، الحدائق الناضرة 13: 264- 267.

(3) جواهر الكلام 16: 361.

(4) نهج البلاغة: 426- 445 كتاب 53، تحقيق الدكتور صبحي الصالح.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 266

..........

______________________________

هارون الملعون خطابا إلى السحاب: أمطري في أيّ بلد تريدين «1»؛ لأنّه من البلاد التي يكون تحت سيطرة الإسلام و

معدودة من البلاد الإسلاميّة.

الثالث: أنّ هذه المسألة لو كان فيها تفصيل كان على الأئمّة عليهم السّلام بيانه و إرشاد المسلمين إليه؛ لأنّ عموم الابتلاء بها في جميع الأزمان و الأعصار لا ريب فيه و لا إشكال يعتريه، مع أنّه- كما عرفت- لا يكون في شي ء من الروايات الواردة في الصوم إشعار بهذا المعنى، فضلا عن الدلالة.

الرابع: ثبوت الإطلاق في بعض الروايات الصحيحة، مثل رواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين قال: إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما «2».

فإنّ ترك الاستفصال في الجواب دليل على أنّه لا فرق بين البلاد القريبة و البعيدة أصلا، و يدلّ على هذا المعنى روايات متعدّدة. و ما حكي عن المشهور «3»- من اعتبار اتّحاد الافق أو تقارب البلدين؛ مستندا إلى أنّه لا فرق بين الرؤية، و بين عناوين زوال الشمس و غروبها و طلوع الفجر المختلفة بحسب البلاد- يمكن الجواب عنه بأنّ الرؤية يلاحظ فيها عنوان الشمس و القمر. و أمّا العناوين المذكورة فالملحوظ فيها الشمس و الأرض، فلا مجال لمقايسة أحدهما بالآخر، و ما ذكرناه جوابا عن بعض الأعلام قدّس سرّه فإنّما هو مجرّد استبعاد لا دليل، فيترجّح في النظر بعد مراجعة المسألة ثانيا بأدلّتها، أنّه لا وجه لدعوى اعتبار وحدة الافق أو مثله.

______________________________

(1) لم نعثر عليه عاجلا.

(2) تهذيب الأحكام 4: 158 ح 443، و عنه وسائل الشيعة 10: 265، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.

(3) الحدائق الناضرة 13: 263، المستند في شرح العروة الوثقى 22: 115.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف،

ص: 267

[مسألة 7: لا يجوز الاعتماد على التلغراف و نحوه في الإخبار عن الرؤية]

مسألة 7: لا يجوز الاعتماد على التلغراف و نحوه في الإخبار عن الرؤية، إلّا إذا تقارب البلدان أو علم توافقهما في الافق و تحقّق ثبوتها هناك؛ إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعيّة، و يكفي في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعيّة (1).

______________________________

(1) الاستثناء في المتن مبنيّ على ما مرّ في المسألة السابقة من اعتبار وحدة الافق أو تقاربه، كما أنّ أصل عدم جواز الاعتماد على التلغراف و نحوه في الإخبار عن الرؤية إنّما هو لعدم الدليل على حجّية مثله. نعم، في صورة المستثنى لا بدّ من الثبوت هناك إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعيّة. و اكتفى في المتن في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعيّة.

أقول: و لا بدّ من إضافة إحراز كون التلغراف من جانبها، و إلّا فإذا احتمل أن يكون التلغراف واقعا من ناحية غيرها لا يجوز الاعتماد عليه. نعم، لا مانع من الالتزام بكفاية الظنّ الاطمئناني الذي يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة القطع الذي هي حجّة بنظر العقل، كما أشرنا إليه مرارا، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 269

[القول في قضاء صوم شهر رمضان]

اشارة

القول في قضاء صوم شهر رمضان لا يجب على الصبيّ قضاء ما أفطر في زمان صباه، و لا على المجنون و المغمى عليه قضاء ما أفطرا في حال العذر، و لا على الكافر الأصلي قضاء ما أفطر في حال كفره، و يجب على غيرهم حتّى المرتدّ بالنسبة إلى زمان ردّته، و كذا الحائض و النفساء و إن لم يجب عليهما قضاء الصلاة (1).

______________________________

(1) أمّا عدم الوجوب على الصبيّ البالغ بالإضافة إلى قضاء ما أفطر في زمان صباه، و كذا على المجنون الذي ارتفع جنونه فليس لأجل

عدم كونهما مكلّفين بالأداء حتّى يجب عليهما القضاء، كيف؟ و المريض و المسافر و مثلهما لا يجب عليهم الأداء، و مع ذلك يجب عليهم القضاء، بل لأجل استمرار سيرة المتشرّعة القطعيّة على ذلك، بل يمكن أن يقال ببلوغه حدّ الضرورة؛ أي ضرورة الفقه، و لم يرد في شي ء من الروايات الصادرة مع عموم الابتلاء بذلك إشعار بوجوب القضاء، فلا ارتياب في هذا الأمر.

و أمّا عدم الوجوب على المغمى عليه: ففي العروة؛ سواء نوى الصوم قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 270

..........

______________________________

الإغماء أم لا «1»، و هو إشارة إلى خلاف ما نسب إلى جماعة «2» من التفصيل بين ما كان مسبوقا بالنيّة، و ما لم يكن كذلك، بلزوم القضاء في خصوص الثاني.

و المسألة مبنيّة على أنّ الإغماء هل هو بمنزلة النوم- غاية الأمر أنّه نوم شديد لا يتحقّق فيه الاستيقاظ غالبا بسرعة النوم- أو بمنزلة الجنون؟ فعلى الثاني:

لا يجب القضاء مطلقا، و على الأوّل: فرق بين الصورتين؛ لأنّ النائم و لو في جميع النهار الذي هو ظرف الصوم إذا كان مسبوقا بالنيّة لا يجب عليه القضاء، كما مرّ «3» في شرائط الصوم. و أمّا إذا لم يكن نومه مسبوقا بالنيّة فيجب عليه القضاء، و الإنصاف أنّه لا بدّ في المسألة من ملاحظة رواياتها، فنقول:

منها: صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب عليه السّلام: لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة «4».

و منها: رواية علي بن محمّد القاساني قال: كتبت إليه عليه السّلام و أنا بالمدينة: أسأله عن المغمى عليه يوما

أو أكثر، هل يقضي ما فاته؟ فكتب عليه السّلام: لا يقضي الصوم «5».

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 55، فصل في أحكام القضاء.

(2) المقنعة: 352 ب 24، رسائل الشريف المرتضى 3: 57، الخلاف 2: 198 مسألة 51، المراسم العلويّة:

98، المهذّب 1: 196.

(3) في ص 196- 197.

(4) تهذيب الأحكام 3: 303 ح 928 و ج 4: 243 ح 711، و في ح 714 بإسناده عن عليّ بن مهزيار، عنه عليه السّلام مثله، و في ج 3: 303 ح 927 بإسناده عن عليّ بن محمد بن سليمان، عنه عليه السّلام مثله، و عنها وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 1.

(5) تهذيب الأحكام 4: 243 ح 712، و عنه وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 271

..........

______________________________

و فيها إشعار بوجوب قضاء الصلاة عليه، خصوصا مع ملاحظة إطلاق السؤال.

و منها: صحيحة علي بن مهزيار أنّه سأله- يعني: أبا الحسن الثالث عليه السّلام- عن هذه المسألة- يعني: مسألة المغمى عليه- فقال: لا يقضي الصوم و لا الصلاة، و كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر «1».

و لكن بإزائها ما يدلّ على الوجوب، مثل:

صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة؟ قال: فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي، أن تقضي كلّ ما فاتك «2». و ليس ذكر الأربعين موجبا للانصراف عن الصوم؛ لأنّ شهر رمضان لا يتجاوز عن ثلاثين، كما لا يخفى.

و رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام قال: يقضي المغمى عليه ما فاته «3».

و نوقش «4» فيها سندا بأنّها ضعيفة، و دلالة بأنّها مطلقة قابلة للتقييد، و على تقدير المعارضة لا بدّ من الأخذ بتلك الطائفة الدالّة على عدم الوجوب؛ لموافقتها للشهرة الفتوائيّة.

و أمّا الكافر: ففي المتن التفصيل بين الكافر الأصلي فلا يجب القضاء عليه، و بين

______________________________

(1) الفقيه 1: 237 ح 1042، و عنه وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 6.

(2) تهذيب الأحكام 4: 245 ح 725، و عنه وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 4.

(3) تهذيب الأحكام 4: 243 ح 716، و عنه وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 5.

(4) المناقش هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 153.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 272

..........

______________________________

غيره حتّى المرتدّ فيجب عليه القضاء، و يدلّ على عدم الوجوب في الكافر الأصلي- مضافا إلى أنّه لم يعهد من النبيّ أو الأئمّة عليهم السّلام تكليف من يتشرّف بالإسلام بقضاء ما فاته في حال الكفر، و إلى قاعدة الجبّ المعروفة المعنونة في القواعد الفقهيّة «1»- الروايات المتعدّدة الدالّة عليه، مثل:

صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر «2».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل

عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال: ليس عليه إلّا ما أسلم فيه «3».

و موثّقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام أنّ عليا عليه السّلام كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: إنّه ليس عليه إلّا ما يستقبل «4».

و في مقابلها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلم بعد ما دخل شهر رمضان أيّام (أيّاما خ ل) فقال: ليقض ما فاته «5». و ذكر صاحب

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة 1: 265- 286، و القواعد الفقهيّة للبجنوردي رحمه اللّه 1: 47.

(2) الكافي 4: 125 ح 3، الفقيه 2: 80 ح 357، تهذيب الأحكام 4: 245 ح 718، الاستبصار 2: 107 ح 349، و عنها وسائل الشيعة 10: 327، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.

(3) الكافي 4: 125 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 245 ح 727، الاستبصار 2: 107 ح 348، و عنها وسائل الشيعة 10: 328، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.

(4) الكافي 4: 125 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 246 ح 729، الاستبصار 2: 107 ح 350، و عنها وسائل الشيعة 10: 328، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 4.

(5) تهذيب الأحكام 4: 246 ح 730، الاستبصار 2: 107 ح 351، و عنهما وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 273

..........

______________________________

الوسائل بعد نقل الرواية أقول: حمله الشيخ على كون الفوات بعد الإسلام، و يمكن حمله على المرتدّ

إذا أسلم، أو على الاستحباب.

و صريح بعض الروايات المتقدّمة عدم كفاية الإسلام في النهار في وجوب قضاء صوم ذلك اليوم، بل في بعضها التصريح باستثناء ما إذا كان الإسلام قبل طلوع الفجر، و لكنّ المنسوب إلى الشيخ «1» أنّه إذا كان الإسلام قبل الزوال و لم يأت بالمفطر وجب الصوم حينئذ بعد تجديد النيّة، و في صورة العدم يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

و الظاهر أنّه تعدّى عن المسافر الذي يقدم قبل الزوال و لم يأت بالمفطر، حيث يجب عليه الصوم أداء و مع المخالفة قضاء، و لكنّه قياس لا أصل له، خصوصا بعد كون مقتضى إطلاق صحيحة العيص خلافه. هذا كلّه بالإضافة إلى الكافر الأصلي.

و أمّا المرتدّ: فالظاهر وجوب القضاء عليه، من دون فرق بين المرتدّ الفطري و الملّي، كما هو صريح العروة «2»، لا لأجل ما حكي عن صاحب الجواهر قدّس سرّه من الاستدلال بعموم «من فاتته فريضة فليقضها» «3»؛ لأنّه كما قيل لا أصل له، بل الدليل إنّما ورد في خصوص الصلاة، و لا دليل على قياس الصوم بها، بل لأجل أنّه لا فرق بين المرتدّ و غيره من حيث التكليف بالفروع، و قد اخترنا في محلّه «4» أنّ الكفّار أيضا مكلّفون بالفروع، فضلا عن المرتدّ الذي لا خلاف فيه في ذلك، و قبول التوبة و عدمه لا دخل له بمسألة القضاء.

______________________________

(1) المبسوط 1: 286.

(2) العروة الوثقى 2: 55 مسألة 2522.

(3) جواهر الكلام 17: 15، المستند في شرح العروة 22: 160.

(4) القواعد الفقهيّة 1: 323- 341.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 274

[مسألة 1: قد مرّ عدم وجوب الصوم على من بلغ قبل الزوال و لم يتناول شيئا.]

مسألة 1: قد مرّ عدم وجوب الصوم على من بلغ قبل الزوال و لم يتناول

شيئا. و كذا على من نوى الصوم ندبا و بلغ في أثناء النهار، فلا يجب عليهما القضاء لو أفطرا و إن كان أحوط (1).

[مسألة 2: يجب القضاء على من فاته الصوم لسكر]

مسألة 2: يجب القضاء على من فاته الصوم لسكر؛ سواء كان شرب المسكر للتداوي أو على وجه الحرام، بل الأحوط قضاؤه لو سبقت منه النيّة و أتمّ الصوم (2).

______________________________

و أمّا الحائض و النفساء: فيجب عليهما قضاء الصوم دون الصلاة، و يدلّ عليه- مضافا إلى سيرة المتشرّعة، بل يكون التفصيل المذكور كالبديهي عندهم- النصوص المتعدّدة «1» و كذا الفتاوى «2». و قد استدلّ الإمام عليه السّلام بهذا التفصيل في بعض الروايات على قصور إدراكنا عن الوصول إلى ملاكات الأحكام و فلسفتها، و إلّا فعقولنا تحكم بقضاء الصلاة بعد كونها أهمّ من العبادات الأخرى، إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها «3»، فالتفصيل المذكور دليل على قصور العقول، و محلّ البحث فيها كتاب الطهارة.

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة مفصّلا، و لا نرى حاجة إلى الإعادة أصلا.

(2) قد تقدّم حكم المغمى عليه و أنّ مقتضى الأدلّة الكثيرة سيّما الروايات المتعدّدة التي فيها الصحاح، عدم وجوب قضاء الصوم عليه، و لكن لا مجال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 346، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب 41 و ص 394، أبواب النفاس ب 6.

(2) رياض المسائل 5: 395، جواهر الكلام 17: 8، مصباح الفقيه 14: 419.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 34، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 8 ح 10، و مستدرك الوسائل 3: 25 ح 2924 و 2925.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 275

[مسألة 3: المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به- على وفق مذهبه أو مذهب الحقّ]

مسألة 3: المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به- على وفق مذهبه أو مذهب الحقّ- إذا تحقّق منه قصد القربة، و أمّا ما فاته في تلك الحال يجب عليه قضاؤه (1).

______________________________

لاستفادة حكم

السكران منها، خصوصا مع ملاحظة الضابطة الواردة في بعضها؛ و هي: «كلّما غلب اللّه على عباده فاللّه أولى بالعذر». و من الواضح أنّ السكران لا يكون مصداقا لهذا العنوان، من دون فرق بين أن يكون شرب المسكر جائزا له لأجل التداوي، أو على وجه الحرام، و حينئذ فالقاعدة تقتضي وجوب القضاء في صورة الفوت، و إن كان في حال السكر لا يتوجّه إليه التكليف بالأداء؛ لعدم الشعور و الالتفات، فقياس السكران بالمغمى عليه مع الفارق جدّا.

و في المتن احتاط وجوبا بالقضاء لو سبقت منه النيّة و أتمّ الصوم، و الظاهر أنّ مفروضه ما لو وقع الشرب قبل الفجر، و إلّا فيبطل الصوم بمجرّد الشرب و لو كان للتداوي. نعم، لا يجب عليه الكفّارة في صورة الاضطرار إلى الشرب لأجله. و أمّا القضاء فهو واجب عليه.

و أمّا في المورد المفروض فوجه الاحتياط دون الفتوى احتمال كون السكر كالنوم، و الحرمة و عدمها لا دخل لوجودها و عدمها فيما نحن فيه من مسألة القضاء و إن كان بين السكر و النوم فرق واضح، خصوصا مع ملاحظة أنّ نوم الصائم عبادة «1»، و من المعلوم عدم جريان العباديّة في السكر، فمقتضى الاحتياط الوجوبي في المورد المفروض الجمع بين إتمام الصوم و القضاء، فتدبّر.

(1) المخالف إذا استبصر و قال بالولاية، فإن أتى بالصوم في حال عدم الاستبصار

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 136، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم ب 2 ح 2، و ص 396- 403، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 4، 17، 23 و 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 276

[مسألة 4: لا يجب الفور في القضاء.]

مسألة 4: لا يجب الفور في القضاء. نعم، لا يجوز تأخير

القضاء إلى رمضان آخر على الأحوط، و إذا أخّر يكون موسّعا بعد ذلك (1).

______________________________

على وفق مذهبه بحيث يرى نفسه عاملا بالوظيفة الصوميّة، أو على وفق مذهب الحقّ مع تحقّق قصد القربة منه، فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه. أمّا في الصورة الثانية فواضح. و أمّا في الصورة الأولى، فإنّ عمله و إن كان باطلا واقعا لأجل فقدان الولاية، إلّا أنّه قامت الأدلّة الكثيرة سيّما السيرة العمليّة على عدم وجوب القضاء عليه، و قد قام الدليل في الكافر على عدم الوجوب عليه بعد الإسلام «1»، و لا ينبغي قياس الصوم بمثل الزكاة التي ورد التعليل في بعض أدلّة الوجوب بأنّه لم يضعها في موضعها.

و بالجملة: لا إشكال في عدم وجوب القضاء عليه في هذا الفرض.

و أمّا ما فات من المخالف المستبصر في تلك الحال بحيث كان يرى نفسه مشغول الذمّة بقضاء ما فاته من الصوم، فالظاهر أنّه لا دليل على عدم وجوب القضاء عليه بعد الاستبصار، كما هو المعروف المشهور بل المتسالم عليه عند الأصحاب «2»؛ لانصراف أدلّة عدم وجوب القضاء عليه عن هذا الفرض. نعم، هنا رواية رواها الشهيد في الذكرى «3» يظهر منها الإطلاق و عدم الوجوب في هذا الفرض أيضا، لكنّها ضعيفة من حيث السند، و لا يمكن التعويل عليها في الحكم المخالف للقاعدة.

(1) يدلّ على عدم لزوم الفوريّة في قضاء الصوم- مضافا إلى إطلاقات الكتاب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 327- 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 22.

(2) الحدائق الناضرة 13: 295، المستند في شرح العروة 22: 164.

(3) ذكرى الشيعة 2: 432، و عنه وسائل الشيعة 1: 127، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 31 ح 4، و عن اختيار معرفة الرجال،

المعروف ب «رجال الكشّي» 361، الرقم 667.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 277

..........

______________________________

و السنّة- صريح صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء «1».

و قد ورد في بعض الأخبار أنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله كنّ يقضين ما فاتهنّ من صيام رمضان في شعبان كي لا يمنعن النبي صلّى اللّه عليه و آله من الاستمتاع «2».

و بالجملة: لا إشكال كما أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في التوسعة بالنسبة إلى السنة الأولى و عدم لزوم القضاء فورا بمجرّد خروج رمضان «3». نعم، احتاط في المتن وجوبا بأنّه لا يجوز التأخير إلى رمضان آخر، و قد ذكر مثل ذلك في العروة، و لكنّه قال بعد ذلك: لا دليل على حرمته «4»، و لكنّ المشهور «5» ظاهرا هو الثاني، و استدلّ «6» عليه بأحد أمور:

أحدها: التعبير عن التأخير إليه بالتواني كما في بعض الروايات الصحيحة «7» أو بالتهاون كما في بعض الروايات الاخرى «8»؛ نظرا إلى أنّ التعبيرين يشعران

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 274 ح 828، الاستبصار 2: 117 ح 380، الكافي 4: 120 ح 3، الفقيه 2: 95 ح 427، و عنها وسائل الشيعة 10: 341، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 5.

(2) الكافي 4: 90 ح 4، تهذيب الأحكام 4: 308 ح 932 و ص 316 ح 960، الفقيه 2: 57 ح 251، ثواب الأعمال: 85 ح 9، و عنها وسائل الشيعة 10: 486، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 2.

(3) غنائم الأيّام 5: 379، مستمسك العروة 8:

506، المستند في شرح العروة 22: 201.

(4) العروة الوثقى 2: 58 مسألة 2539.

(5) المستند في شرح العروة 22: 201.

(6) المستدلّ هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 201- 204.

(7) الكافي 4: 119 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 250 ح 743، الاستبصار 2: 110 ح 361، و عنها وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.

(8) تهذيب الأحكام 4: 251 ح 746، الاستبصار 2: 111 ح 364، و عنهما وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 278

..........

______________________________

بالوجوب، و أنّه «1» كان لا يجوّز التواني و التهاون.

هذا، و لكنّ الغاية الإشعار لا الدلالة، و أنّ التعبيرين يصدقان حقيقة مع عدم الوجوب، و يتحقّقان في الواجب الموسّع مع عدم امتثاله في أوائل أزمنة الإمكان، مع أنّك عرفت تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله نساءه على تأخير قضاء الصوم إلى شعبان.

ثانيها: التعبير عن التأخير بالتضييع الذي لا يلائم إطلاقه إلّا مع ترك الواجب.

و الجواب عنه هو الجواب عن الأوّل.

ثالثها: التعبير بكلمة «الفدية»؛ أي الكفّارة المجعولة لجبران الحزازة الحاصلة بترك الواجب مثلا.

و ضعفه واضح لا يحتاج إلى البيان، مع أنّ إطلاق الفدية لم يقع إلّا في خصوص بعض الموارد؛ كمن استمرّ به المرض، و لا مجال لاحتمال الحرمة فيه بوجه، خصوصا مع ملاحظة الأمر بالفدية في موارد لا يحتمل فيه الحرمة بوجه، كما في بعض محرّمات الإحرام.

رابعها: الأمر بالصدقة عليه في جملة من الروايات «2».

و الجواب: أنّه لا ملازمة بين وجوب الصدقة و عدم جواز التأخير، و مرجع هذه الروايات إلى

التخيير بين البدار و الصدقة، و يدلّ على عدم الوجوب صريحا رواية سعد بن سعد، عن رجل، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال: احبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس

______________________________

(1) أي المستدلّ.

(2) وسائل الشيعة 10: 335- 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 279

[مسألة 5: لا يجب الترتيب في القضاء و لا تعيين الأيّام]

مسألة 5: لا يجب الترتيب في القضاء و لا تعيين الأيّام، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها بنيّة القضاء كفى و إن لم يعيّن الأوّل و الثاني، و هكذا (1).

______________________________

عليه شي ء» «1». و لكنّها ضعيفة السند و إن كان لا فرق فيها من حيث الدلالة بين ما كان منشأ الإفطار و جوازه المرض، أو غيره كالسفر و نحوه، و إن كان ظاهر بعض الروايات اختصاص الحكم بمن استمرّ عليه المرض؛ كرواية ضعيفة للفضل بن شاذان دالّة على ما ذكرنا، مع الاشتمال على التعليل بقوله عليه السّلام: لأنّه دخل الشهر و هو مريض، فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا في سنته للمرض الذي كان فيه، و وجب عليه الفداء «2».

فانقدح أنّه لا دليل على حرمة التأخير و إن كان مقتضى الاحتياط العدم.

ثمّ الظاهر أنّه على فرض عدم جواز التأخير إلى رمضان آخر فتوى أو احتياطا، فالظاهر أنّه يصير بعد التأخير موسّعا، و ليس الواجب بعد التأخير فورا بحيث يصير كالفور بعد الفوريّة، و العمدة في جواز ذلك عدم الدليل على حرمة التأخير بعد ما أخّر عن رمضان التالي.

(1) الدليل

على عدم وجوب الترتيب و كذا التعيين، إطلاقات الأدلّة الواردة في الكتاب و السنّة، و قد يفصّل بين ما تكون الذمّة مشتغلة به متّصفا بخصوصيّة، بها يمتاز عن غيره و إن شاركه في الصورة؛ كالظهرين، و الأداء و القضاء، و نافلة الفجر

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 252 ح 749، الاستبصار 2: 111 ح 365، و عنهما وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.

(2) علل الشرائع: 271 ح 9، عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 117 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 280

..........

______________________________

و فريضته، و أنّ في مثله لا بدّ من تعلّق القصد بإحدى الخصوصيّتين كي تتشخّص و تتميّز عن غيرها في مقام التفريغ، فلا يكفيه الإتيان بالصورة المشتركة فقط، و بين ما لا يكون متّصفا بأيّة خصوصيّة حتّى في صقع الواقع و في علم اللّه سبحانه، و لا يمتاز عن غيره إلّا في مجرّد الاثنينيّة و كونهما فردين من طبيعة واحدة، وجب أحدهما بسبب و الآخر بسبب آخر، كما لو استدان من زيد درهما ثمّ استدان منه درهما آخر، فإنّ الثابت في الذمّة أوّلا لا مائز بينه و بين ما ثبت ثانيا.

نعم، قد يمتاز أحدهما عن الآخر بأمر خارجيّ و أثر جعليّ، كما لو جعل لأحد الدينين رهنا، أو لأحد القضاءين نذرا، فنذر من فاته يومان من شهر رمضان أن لا يؤخّر قضاء اليوم الثاني عن شهر شوّال مثلا، ففي مثله لا مناص من تعلّق القصد بما له الأثر في حصول ذلك الأثر و ترتّبه

خارجا من فكّ الرهن أو الوفاء بالنذر، و لو أدّى الواجب من غير قصد الخصوصيّة فهو طبعا يقع عمّا هو أخفّ مئونة، و هو الطبيعيّ المنطبق قهرا على العاري عن تلك الخصوصيّة، فلا يحصل به الفكّ و لا البرّ بالنذر. هذه خلاصة ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته في شرح العروة الوثقى «1».

و يرد عليه: أوّلا: أنّ لزوم اعتبار قصد الظهريّة و العصريّة، و كذا الأمثلة المذكورة ليس لأجل الاشتراك في الصورة المتحقّق فيها، بل لأجل أنّه كما يعتبر قصد عنوان أصل الصلاة لكونه من العناوين القصديّة غير المتحقّقة بدون القصد، كذلك يعتبر قصد عناوين الأنواع كالظهريّة و العصريّة و إن لم يكن هناك اشتراك في الصورة، كصلاة المغرب.

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 176- 177.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 281

[مسألة 6: لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر، يتخيّر بين تقديم السابق و تأخيره]

مسألة 6: لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر، يتخيّر بين تقديم السابق و تأخيره. نعم، لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق، و لم يسع الوقت لهما إلى رمضان الآتي، يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط. و لو عكس فالظاهر صحّة ما قدّمه و لزمه الكفّارة؛ أعني كفّارة التأخير (1).

______________________________

و ثانيا: أنّ التفصيل في الصورة الثانية- التي لا يتّصف الواجب بأيّة خصوصيّة- في صقع الواقع و في علم اللّه سبحانه، بين ما لم يكن هناك امتياز من جهة أمر خارجيّ و أثر جعليّ، و بين ما كان هناك امتياز من تلك الجهة، كما في مثال الاستدانة المذكور- ممّا لا يكاد يستقيم؛ فإنّ الظاهر ترتّب ذلك الأمر الخارجي و الأثر الجعلي في الصورة الثانية بأداء فرد من الدين؛

ضرورة أنّ أداء الدين و إن كان من العناوين القصديّة، إلّا أنّ انضمام نيّة خصوص الدين الذي وقع في مقابله الرهن لا دليل عليه، و لذا لو دفع الدين الواحد الواقع في مقابله الرهن مع عدم التوجّه إلى الرهن حال الأداء، لا مجال للمناقشة في الفكّ.

و كذا الوفاء بالنذر؛ فإنّه و إن كان واجبا قصديّا، إلّا أنّه لا يعتبر فيه قصد القربة، فمن نذر تطهير ثوبه من النجاسة فألقى ثوبه في الماء من دون الالتفات إليه يصير طاهرا لا محالة و إن لم يتحقّق منه التطهير مباشرة، و لم يتحقّق منه القصد إليه، و المقام من هذا القبيل.

فالمتحصّل أنّه لا يجب رعاية الترتيب و لا التعيين مطلقا، من دون فرق بين الموارد كما هو ظاهر المتن.

(1) أمّا التخيير بين تقديم السابق و تأخيره فلما عرفت من عدم لزوم البدار و صيرورة الوقت موسّعا بدخول رمضان الآتي، ففي صورة سعة الوقت لكليهما يتخيّر في القضاء بين تقديم السابق و تأخيره، و في صورة عدم سعة الوقت لكليهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 282

..........

______________________________

احتاط بلزوم تعيين قضاء رمضان هذه السنة؛ نظرا إلى القول بلزوم البدار قبل مجي ء رمضان الآتي، و لكن حيث لم نقل بذلك فاللازم أن يقال بأنّ الاحتياط استحبابي.

ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي قدّس سرّه ذكر في ذيل مثل المسألة في العروة الوثقى فرعا آخر قال: و لو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق انتهى «1». و قد صحّحه بعض الأعلام المتقدّم ذكره في المسألة السابقة في شرح العروة بما يرجع إلى أنّ وجه الصحّة ليس هو الانصراف على حدّ انصراف اللفظ إلى معناه؛ لأنّه لا خصوصيّة لأحد الرمضانين

بما هو كذلك كي تنصرف النيّة إليه، بل لأجل أنّ الثاني يمتاز بخصوصية خارجيّة زائدة على نفس الطبيعة؛ و هي التضييق على القول به أو الكفّارة، و ما لم يقصد يكون الساقط هو الطبيعي الجامع المنطبق طبعا على الفاقد لتلك الخصوصيّة، الذي هو الأخفّ مئونة؛ و هو رمضان الأوّل، نظير ما تقدّم من مسألة استدانة درهم ثمّ استدانة درهم آخر و له رهن، حيث عرفت أنّه ما لم يقصد الثاني في مقام الوفاء لا يترتّب عليه فكّ الرهن «2».

و يرد عليه- مضافا إلى ما أوردنا عليه في المسألة السابقة-: أنّ الانصراف إلى السابق ليس لأجل ما أفاده، بل لأجل أنّه مع اشتغال الذمّة بأمرين سابق و لاحق مع كونهما مثلين- كما هو المفروض في المقام- يكون رفع الاشتغال عند العرف مسوقا إلى الأمر الأوّل، و لا حاجة إلى نيّته بهذا العنوان. نعم، لو عيّن الثاني يكون الظاهر الصحّة مع لزوم الكفّارة، كما في المتن.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 56 مسألة 2530.

(2) المستند في شرح العروة 22: 178.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 283

[مسألة 7: لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل أن يخرج منه]

مسألة 7: لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل أن يخرج منه، لم يجب القضاء و إن استحبّ النيابة عنه (1).

______________________________

(1) المقصود من الموت قبل أن يخرج من رمضان هو الموت قبل وجوب القضاء عليه؛ سواء كان في رمضان أو بعده قبل الوجوب، كما إذا مات في اليوم العيد. و ذكر السيّد في العروة بعد الحكم باستحباب النيابة بأنّ الأولى إهداء الثواب إليه «1».

و يدلّ على أصل الحكم في المسألة بالإضافة إلى المريض روايات كثيرة:

منها: صحيحة منصور بن حازم قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت؟ قال: لا يقضى عنه «2».

و منها: موثّقة سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال؟ قال: لا صيام عليه و لا يقضى عنه «3». و المراد من الموت في شهر شوّال هو الموت مع استمرار المرض إليه و عدم وجوب القضاء عليه.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و هو مريض، فتوفّي قبل أن يبرأ؟ قال: ليس عليه شي ء، و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي «4». و من الواضح أنّ المراد حصول البراءة بنحو

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 56 مسألة 2533.

(2) تهذيب الأحكام 4: 247 ح 734، الاستبصار 2: 108 ح 353، و عنهما وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 9.

(3) تهذيب الأحكام 4: 247 ح 733، الاستبصار 2: 108 ح 352، و عنهما وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 10.

(4) الكافي 4: 123 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 248 ح 738، الاستبصار 2: 110 ح 359، و عنها وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 284

..........

______________________________

يقدر معها على القضاء.

و أمّا بالإضافة إلى الحيض و النفاس: فيدلّ على الحكم ذيل صحيحتي منصور و سماعة المتقدّمتين و غيرهما، فالحكم في أصل المسألة ممّا

لا إشكال فيه.

و أمّا استحباب النيابة عنه: فالظاهر أنّ الصوم لم يكن واجبا على المنوب عنه و لا مستحبّا عليه؛ لأنّ المفروض عدم قدرته و عدم التمكّن من الصوم، لا أداء و لا قضاء، و تدلّ عليه صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال:

هل برئت من مرضها؟ قلت: لا ماتت فيه. قال: لا يقضى «1» عنها؛ فإنّ اللّه لم يجعله عليها. قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك؟ قال: كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها، فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم «2». و الظاهر أنّ المراد من اشتهاء الصوم عن نفسه هو ما أفاده السيّد من أنّ الأولى إهداء الثواب إليها بعد عدم ثبوت حكم القضاء عليها حتّى ينوب عنها.

و منه يظهر أنّه لا وجه للحكم باستحباب النيابة عنها المتفرّعة على مجعوليّة الحكم على المنوب عنه و لو بنحو الاستحباب، كما في الحجّ الذي يؤتى به نيابة عن الصاحب عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف «3».

______________________________

(1) في الوسائل: لا تقضي.

(2) تهذيب الأحكام 4: 248 ح 737، الاستبصار 2: 109 ح 358، الكافي 4: 137 ح 8، علل الشرائع: 382 ح 4، و عنها وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

(3) الخرائج و الجرائح 1: 480 ح 21، و عنه فرج المهموم: 256، و بحار الأنوار 52: 59 ح 42، و مستدرك الوسائل 8: 70، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ ب 11 ح 9098، و في وسائل الشيعة 11: 208، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في

الحجّ ب 34 ح 2 و إثبات الهداة 3: 695 ح 12 عنه مختصرا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 285

..........

______________________________

تتمّة: ربما يظهر من المتن اختصاص عدم الوجوب بالطوائف الثلاث المذكورة في المتن، فلا يشمل مثل المسافر في شهر رمضان إذا مات فيه، أو في أوّل يوم من شوّال، أو مع استدامة سفره إلى ما بعد رمضان إلى أن مات فيه، و لكن ربما يقال «1» بعدم الاختصاص نظرا إلى بعض الروايات، مثل:

مرسلة ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يموت في شهر رمضان- إلى أن قال:- فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك و لم يقضه، ثمّ مرض فمات، فعلى وليّه أن يقضي عنه؛ لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه «2». نظرا إلى أنّ تعليل القضاء بقوله عليه السّلام: «لأنّه قد صحّ فلم يقض» مشعر بل دالّ على أنّ مورده من كان متمكّنا من القضاء و لم يقض، و لم يتحقّق التمكّن في الفروض المزبورة، فلا يجب القضاء فيها.

و يرد عليه: وجود الفرق بين المريض و المسافر، فإنّ الثاني يتمكّن من القضاء و لو بالإقامة في محلّ، و الأوّل غير متمكّن منه. و بعبارة اخرى: يختصّ حكم الرواية بمورده، و هو التفصيل بين المريض الذي استمرّ به المرض إلى أن مات، و بين المريض الذي صار صحيحا و تمكّن من القضاء، فلا يعمّ المسافر، مع أنّ الرواية مرسلة كما ذكرنا، فلا يصحّ الاستدلال بها.

و صحيحة أبي بصير المتقدّمة؛ نظرا إلى أنّ مقتضى عموم التعليل فيها الشمول للفروض المذكورة؛ لأنّه لم يجعل القضاء عليه في تلك الفروض.

و يرد على الاستدلال بالصحيحة و

بالتعليل الواقع فيها بقوله عليه السّلام: «فإنّ اللّه

______________________________

(1) انظر المستند في شرح العروة 22: 183.

(2) تهذيب الأحكام 4: 249 ح 739، الاستبصار 2: 110 ح 360، و عنهما وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 286

[مسألة 8: لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلى رمضان آخر]

مسألة 8: لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلى رمضان آخر، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه و كفّر عن كلّ يوم بمدّ، و لا يجزئ

______________________________

لم يجعله عليها» أنّه يجري في التعليل احتمالان:

أحدهما: أنّ مرجع الضمير هو أصل الصوم، و معناه حينئذ أنّ كلّ من لم يجعل اللّه عليه الصوم لا يجب عليه القضاء، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به؛ لأنّ كثيرا ممّن لا يجب عليه الصوم يجب عليه القضاء، كالمريض مع التمكّن من الصيام بعد رمضان، و المسافر إذا أقام، أو رجع عن السفر بعد شوّال.

ثانيهما: أن يكون مرجع الضمير في التعليل هو القضاء، و لعلّه الظاهر من الاحتمالين، فيختصّ مورده بما إذا لم يكن القضاء مجعولا عليه كالحائض. و دعوى كون عدم الجعل عليه في الصور الثلاث مطلقا ممنوعة أوّل الكلام، مع أنّ هنا روايات تدلّ على التفصيل بين المريض و الطامث، و بين المسافر، مثل:

موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل أن يخرج رمضان، هل يقضى عنها؟ فقال: أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «1».

و صحيحة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو

طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 249 ح 741، و عنه وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16.

(2) الكافي 4: 137 ح 9، الفقيه 2: 94 ح 423، و عنهما وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 287

القضاء عن التكفير. و إن كان العذر غير المرض كالسفر و نحوه، فالأقوى وجوب القضاء فقط. و كذا إن كان سبب الفوت هو المرض و سبب التأخير عذرا آخر أو العكس، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء و المدّ، خصوصا إذا كان العذر هو السفر، و كذا في الفرع الأخير (1).

______________________________

(1) في المسألة فروع متعدّدة:

الأوّل: ما لو فاته شهر رمضان أو بعضه و استمرّ إلى رمضان آخر، و كان العذر هو المرض، فالمعروف و المشهور «1» كما في المتن من سقوط القضاء و لزوم التكفير عن كلّ يوم بمدّ؛ للروايات الكثيرة الدالّة على كلا الحكمين، و لم يستبعد صاحب الجواهر البلوغ إلى حدّ التواتر «2»، مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر؟ فقالا: إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين، و عليه قضاؤه. و إن كان لم يزل مريضا حتّى أدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه، و تصدّق عن

الأوّل لكلّ يوم مدّا على مسكين، و ليس عليه قضاؤه «3».

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 382 مسألة 111، رياض المسائل 5: 432، مستند الشيعة 10: 442، جواهر الكلام 17: 24- 25، المستند في شرح العروة 22: 185.

(2) جواهر الكلام 17: 25.

(3) الكافي 4: 119 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 250 ح 743، الاستبصار 2: 110 ح 361، و عنها وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 288

..........

______________________________

و صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض، و لا يصحّ حتّى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدّق عن الأوّل و يصوم الثاني «1». و غيرهما من الروايات الدالّة على ذلك، مثل صحيحة عليّ بن جعفر «2» و غيرها، المفصّلة بين القضاء و التكفير بعدم وجوب الأوّل، و وجوب الثاني بالصراحة أو بالدلالة العرفية «3».

و الآية الشريفة الواردة في الصوم، الدالّة على أنّ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «4» يكون موردها- كما يظهر من الحكم بإيجاب القضاء- هي صورة التمكّن من الصوم في تلك الأيّام التي يكون المتبادر منها هي الأيّام بين الرمضانين، فلا تشمل مثل هذا الفرع الذي يكون عذر المرض مستمرّا إلى الرمضان الثاني، فهي قاصرة عن الحكم بوجوب القضاء في مثل الفرع، كما لا يخفى، و على تقدير العموم أو الإطلاق فاللازم التخصيص أو التقييد بمثل الروايات المتقدّمة بعد جواز التخصيص و التقييد بخبر الواحد المعتبر، فضلا عن المتواتر كما لا يخفى.

لكن بإزاء القول المشهور قولان:

أحدهما: ما عن ابن أبي عقيل و

ابن بابويه «5» و بعض آخر «6» من وجوب القضاء

______________________________

(1) الكافي 4: 119 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 250 ح 744، الاستبصار 2: 111 ح 362، الفقيه 2: 95 ح 429، و عنها وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.

(2) قرب الإسناد: 232 ح 910، مسائل عليّ بن جعفر: 105 ح 7، و عنهما وسائل 10: 338، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9، و في البحار 96: 331 ملحق ح 2 عن قرب الإسناد.

(3) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

(4) سورة البقرة 2: 185.

(5) حكى عنهما في مختلف الشيعة 3: 382 مسألة 111 و ص 387 مسألة 113.

(6) الخلاف 2: 206 مسألة 63، السرائر 1: 395- 396، الكافي في الفقه: 184، غنية النزوع: 141، تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 499- 500.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 289

..........

______________________________

عليه بعد الرمضان الثاني دون الكفّارة، و مستنده ظاهرا رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة، ثمّ أدركه شهر رمضان قابل؟ قال: عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل، فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ، و إن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكينا «1».

نظرا إلى أنّ الإمام عليه السّلام قسّم المكلّف ثلاثة أقسام: قسم يجب عليه القضاء و الفداء، و قسم يجب عليه القضاء خاصّة؛ و هو الذي استمرّ به المرض إلى رمضان قابل، و قسم يجب

عليه الفداء فقط؛ و هو الذي تتابع- أي استمرّ- به المرض سنين عديدة، و المقام من القسم الثاني الذي يجب عليه القضاء فقط.

و يرد على الاستدلال بها:

أوّلا: أنّها ضعيفة السند؛ لأنّ بعض رواتها مشترك بين الضعيف و الثقة، و لا قرينة على كونه هو الثاني، و إن حكي عن جامع الرواة ذلك «2».

و ثانيا: ليس في الرواية دلالة على أنّ العذر المجوّز للإفطار في الرمضان هو المرض، بل فرض المرض إنّما هو بالنسبة إلى ما بعد الرمضان الأوّل.

و ثالثا: قصور الدلالة في الرواية؛ لتوقّفها على أن يكون المراد من قوله عليه السّلام:

«فإن كان مريضا فيما بين ذلك» هو استمرار المرض إلى الرمضان الثاني، مع أنّ مقتضى المقابلة بين الشرطيتين المذكورتين في الجواب- اللتين فصّل بينهما و حكم

______________________________

(1) الكافي 4: 120 ح 3، تهذيب الأحكام 4: 251 ح 745، الاستبصار 2: 111 ح 363، و عنها وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3.

(2) جامع الرواة 2: 177.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 290

..........

______________________________

في إحداهما بأنّه ليس عليه إلّا الصيام، و في الأخرى بتعيّن الإطعام، و وضوح كون المراد بالتتابع هو الاستمرار- هو أن يكون مورد الشرطيّة الأولى عدم الاستمرار، و مورد الشرطيّة الثانية هو الاستمرار، و لذا حكي عن صاحب المدارك «1» الاستدلال بالرواية لنظر المشهور و الحكم بسقوط القضاء و تعيّن الكفّارة «2».

ثانيهما: ما حكي عن ابن الجنيد من وجوب «3» القضاء و الكفّارة معا «4».

و يمكن أن يستدلّ له بموثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه؟ فقال: يتصدّق بدل كلّ يوم من

الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدرك. فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه؛ فإنّي كنت مريضا فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهنّ، ثمّ أدركت رمضانا آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام، ثمّ عافاني اللّه- تعالى- و صمتهنّ «5». نظرا إلى فعل الإمام عليه السّلام.

و لكن حملها الشيخ رحمه اللّه على الاستحباب جمعا بينها، و بين. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض، فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت «6»؛ فإنّها ظاهرة في أنّ قضاء الإمام عليه السّلام كان أمرا مستحبّا، و لا بأس بل لا محيص إلّا عن

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 213- 214.

(2) المراد منها: الفدية.

(3) أي الاحتياط الوجوبي على ما في المختلف و رياض المسائل.

(4) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 386 مسألة 113 و رياض المسائل 5: 433.

(5) تهذيب الأحكام 4: 251 ح 747، الاستبصار 2: 112 ح 366، و عنهما وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 5.

(6) تهذيب الأحكام 4: 252 ح 848، الاستبصار 2: 112 ح 367، و عنهما وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 291

..........

______________________________

حمل الروايات المتقدّمة النافية للقضاء على عدم وجوبه و إن كان أمرا مستحبّا.

فانقدح أنّ المتّبع في المسألة هو النظر المشهور، و أنّه لا مجال لشي ء من القولين في مقابله.

الفرع الثاني: ما إذا كان العذر المستمرّ

غير المرض، كالسفر في رمضان المستمرّ إلى الرمضان الثاني مع عدم تخلّل المرور إلى الوطن، أو الإقامة الموجبة للإتمام و لصحّة الصيام في محلّ من بلد أو قرية، و قد قوّى في المتن وجوب القضاء عليه فقط و إن احتاط في العروة بالجمع بينه و بين المدّ «1». و الظاهر أنّ الاحتياط وجوبيّ و إن كان يمكن أن يقال بأنّه استحبابي؛ لظهور كلامه في تعيّن القضاء عليه، فتدبّر.

و كيف كان، فمقتضى القاعدة ثبوت القضاء في هذا الفرع، كما أنّ مقتضاها في الفرع الأوّل أيضا ذلك، إلّا أنّه قد وردت روايات معتبرة على سقوط القضاء في المرض المستمرّ، كما عرفت.

و أمّا في المقام: فلم ترد رواية على اتّحاد حكم السفر و المرض عدا رواية الفضل ابن شاذان، عن الرضا عليه السّلام، المرويّة في علل الصدوق و عيونه- قال في حديث طويل:- إن قال: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره، أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل و سقط القضاء، و إذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه الفداء و القضاء؟ ... إلخ «2»؛ فإنّ ظاهرها مفروغيّة اشتراك السفر مع المرض في صورة

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 57 مسألة 2534.

(2) علل الشرائع: 271 ح 9، عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 117 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 292

..........

______________________________

الاستمرار في سقوط القضاء، و قد وصفها في الجواهر بالحجّية و الصحّة «1»، غير أنّها ساقطة عن الاعتبار

من أجل هجر الأصحاب و إعراضهم عنها؛ لأنّه لم يقل بمضمونها أحد منّا، فهي مهجورة متروكة، و إلّا فهي نفسها صحيحة واجدة لشرائط الحجّية.

أقول: ذكر بعض الأعلام المتخصّص في علم الرجال أيضا: لا أدري كيف وصفها- يعني صاحب الجواهر- بالصحّة، مع أنّ الرواية ضعيفة السند جدّا حتّى مع الغض عن الهجر «2».

و عليه: فالقاعدة المقتضية للزوم القضاء باقية على حالها في السفر و إن خرج عنها بالإضافة إلى المرض، كما عرفت.

الفرع الثالث: ما إذا كان سبب الفوت المجوّز له هو المرض، و سبب التأخير عذرا آخر كالسفر أو العكس، و ظاهر المتن وجوب القضاء فقط في كلتا الصورتين و إن قال: «لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء و المدّ، خصوصا إذا كان العذر هو السفر، و كذا في الفرع الأخير».

أقول: الدليل على وجوب القضاء ما عرفت من أنّه مقتضى القاعدة في جميع الموارد، غاية الأمر الخروج عنها فيما إذا كان العذر هو المرض و قد استمرّ إلى رمضان آخر؛ للروايات المتقدّمة. و أمّا في غيره فالقاعدة باقية بحالها.

و لكن ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في شرح العروة أنّه لو كان سبب الإفطار هو السفر، و سبب التأخير هو استمرار المرض بين رمضانين، فالظاهر سقوط القضاء حينئذ

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 32- 33.

(2) المستند في شرح العروة 22: 191.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 293

..........

______________________________

و الانتقال إلى الفداء؛ فإنّ النصوص المتقدّمة من صحاح محمّد بن مسلم و زرارة و عليّ بن جعفر و إن لم تشمل هذه الصورة؛ إذ موردها ما إذا كان العذر هو المرض حدوثا و بقاء، فلا تشمل ما لو كان الاستمرار مستندا إليه دون

الإفطار، و لعلّ في سببيّته للإفطار مدخلا في الحكم.

و لكن إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان غير قاصر الشمول للمقام، فقد روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض، فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت «1»؛ فإنّ العذر يعمّ المرض و غيره بمقتضى الإطلاق، كما أنّ ظاهرها- و لو بمعونة عدم التعرّض لحصول البرء في البين- استمرار المرض بين الرمضانين، و مع الغضّ و التنزّل عن هذا الاستظهار فغايته الإطلاق لصورتي استمرار المرض و عدمه، فيقيّد بما دلّ على وجوب القضاء لدى عدم الاستمرار، فلا جرم تكون الصحيحة محمولة بعد التقييد على صورة الاستمرار. ثمّ قال:

فإن قلت: إطلاق الصحيحة من حيث شمول العذر للسفر و غيره معارض بإطلاق الآية المباركة الدالّة على وجوب القضاء على المسافر؛ سواء استمرّ به المرض إلى رمضان قابل أم لا؟ فكيف يمكن الاستناد إليها؟

قلت: كلّا، لا معارضة بينهما و إن كانت النسبة بين الإطلاقين عموما من وجه؛ إذ الصحيحة ناظرة إلى الآية المباركة، فهي حاكمة عليها شارحة للمراد منها، لا من قبيل الحكومة المصطلحة، بل بمعنى صلاحيّتها للقرينيّة بحيث لو اجتمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّرا في المراد، فلو فرضنا أنّ الصحيحة كانت جزءا من

______________________________

(1) تقدّمت في ص 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 294

..........

______________________________

الآية المباركة- بأن كانت هكذا: «فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدّة من أيّام اخر، و من كان معذورا فأفطر ثمّ استمرّ به المرض إلى رمضان آخر فليتصدّق»- لم يتوهّم العرف أيّة معارضة بين الصدر و الذيل، بل جعل

الثاني قرينة للمراد من الأوّل، و أنّ وجوب القضاء خاصّ بغير المعذور الذي استمرّ به المرض، أمّا هو فعليه الفداء ليس إلّا.

و هذا هو المناط الكلّي في تشخيص الحكومة و افتراقها عن باب المعارضة، كما نبّهنا عليه في بعض مباحثنا الأصوليّة «1»، فإذا لم يكن تعارض لدى الاتّصال و في صورة الانضمام، لم يكن مع الانفصال أيضا «2». انتهى موضع الحاجة.

أقول: إنّه و إن كان قد أجاد فيما أفاد من ضابطة الحكومة و الفرق بينها و بين المعارضة، إلّا أنّك عرفت أنّ المتبادر من قوله- تعالى-: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «3» هي الأيّام الواقعة بين الرمضانين، التي انقطع فيها العذر و هو متمكّن من القضاء، فلا تشمل الآية صورة استمرار المرض أو السفر إلى الرمضان الثاني، خصوصا مع ندرته في نفسه؛ فإنّهما لا يبقيان نوعا خصوصا الثاني.

و أمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة فموردها- كما هو المتبادر منها- صورة كون العذر هو المرض، و لا إطلاق لها ليشمل السفر أيضا. و يؤيّد ما ذكرنا من عدم دلالة الآية على حكم صورة استمرار العذر و لو بالإضافة إلى المرض، التعرّض فيها لثبوت الفدية في الذين يطيقونه؛ سواء قلنا بأنّ المراد منه لا يطيقونه، أو أنّ المراد إعمال شدّة الطاقة كما تقدّم.

______________________________

(1) مصباح الاصول 3: 248- 250.

(2) المستند في شرح العروة 22: 192- 194.

(3) سورة البقرة 2: 185.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 295

[مسألة 9: لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر]

مسألة 9: لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل متعمّدا و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر، وجب عليه- مضافا إلى كفّارة الإفطار العمدي- التكفير بمدّ بدل كلّ يوم و القضاء فيما بعد. و

كذا يجب التكفير بمدّ لو فاته لعذر و لم يستمرّ ذلك العذر و لم يطرأ عذر آخر، فتهاون حتّى جاء رمضان آخر. و لو كان عازما على القضاء بعد ارتفاع العذر، فاتّفق عذر آخر عند الضيق، فالأحوط الجمع بين الكفّارة و القضاء (1).

______________________________

كما أنّك عرفت «1» أنّ الحكم في صحيحة عبد اللّه بن سنان هو اختصاص الإمام بالجمع بين القضاء و الإطعام، و أنّ الشيخ قدّس سرّه قد حملها على الاستحباب، و هي قرينة على أنّ المراد بالأخبار الظاهرة في عدم القضاء هو عدم وجوبها و إن كانت مستحبّة، فالظاهر ما عليه المتن في المقام و إن قال بأنّه «لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء و المدّ»، و هو في محلّه.

(1) في هذه المسألة أيضا فروع متعدّدة:

الأوّل: ما لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل متعمّدا و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر؛ أي مع التمكّن من القضاء و تركه عمدا، ففي المتن وجب عليه- مضافا إلى كفّارة الإفطار العمدي- التكفير بمدّ بدل كلّ يوم و القضاء فيما بعد.

أقول: أمّا ثبوت كفّارة الإفطار العمدي؛ فلأنّ المفروض في هذا الفرع أنّ الفوت كان متعمّدا لا لعذر و فيه الكفّارة المخصوصة. و أمّا ثبوت القضاء فلهذه الجهة أيضا؛ لأنّك عرفت سقوطه و ثبوت الكفّارة بمدّ فيما لو كان الفوت مستندا إلى المرض، و قد استمرّ المرض إلى رمضان آخر، و في المقام لا يكون كذلك.

______________________________

(1) في ص 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 296

..........

______________________________

و أمّا ثبوت التكفير بمدّ بدل كلّ يوم أيضا فلصحيحة زرارة المشتملة على قوله عليه السّلام: فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّى

أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا و يتصدّق عن الأوّل «1».

و لصحيحة محمّد بن مسلم المتضمّنة لقوله عليه السّلام: إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين، و عليه قضاؤه «2». و بمثلها يقيّد إطلاق التصدّق في مثل الرواية الأولى؛ فإنّ المستفاد منهما أنّه مع التمكّن من القضاء لو تركها و لم يأت بها يجب عليه التكفير بمدّ في جميع الموارد الذي يجب القضاء.

الفرع الثاني: ما لو فاته لعذر و لم يستمرّ ذلك العذر إلى الرمضان الآتي، بل صار متمكّنا من القضاء، و مع ذلك لم يصم تهاونا و تسامحا، فإنّ ظاهر المتن وجوب التكفير عليه؛ أي بمدّ لكلّ يوم، و ثبوت القضاء لأجل عدم الإتيان به مع التمكّن منه؛ لأنّ المفروض عدم استدامة العذر و عدم استمراره و إن كان سقوط القضاء في خصوص ما كان العذر المستمرّ هو المرض.

و كيف كان، فالقدر المتيقّن من مورد الصحيحتين المذكورتين في الفرع الأوّل هي هذه الصورة، و من الواضح دلالتهما على ثبوت كفّارة المدّ مضافا إلى القضاء.

الفرع الثالث: هي الصورة المتقدّمة مع عزمه على القضاء بعد ارتفاع عذره فاتّفق عذر آخر عند الضيق؛ أي ضيق الوقت عن القضاء، و قد احتاط في المتن وجوبا بالجمع بين الكفّارة و القضاء و إن نفى البعد عن كفاية القضاء

______________________________

(1) الكافي 4: 119 ذ ح 2، تهذيب الأحكام 4: 250 ذ ح 744، الاستبصار 2: 111 ذ ح 362، الفقيه 2: 95 ح 429، و عنها وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.

(2) تقدمت في ص 289.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 297

[مسألة 10: لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين]

مسألة 10: لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين، فإذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث رمضانات متتاليات و لم يقضها، وجب عليه كفّارة واحدة للأوّل، و كذا للثاني، و القضاء فقط للثالث إذا لم يتأخّر إلى رمضان الرابع (1).

______________________________

صاحب العروة «1»، مع أنّك عرفت أنّ مقتضى القاعدة ثبوت القضاء، و سقوطه في العذر المستمرّ إذا كان مرضا إنّما هو لأجل الدليل، و الوجه في ثبوت الكفّارة إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين، خصوصا صحيحة زرارة.

نعم، في رواية أبي بصير: فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعا ... إلخ «2»، حيث إنّ ظاهرها ثبوت الجمع في مورد التهاون لا العزم على الإتيان ثمّ طروّ العذر عند الضيق، و لكن- مضافا إلى ضعف سندها- يكون في مقابلها موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه؟ فقال: يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ... إلخ «3».

فالظاهر كما في المتن من أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الجمع بين الكفّارة و القضاء.

(1) المراد من مورد المسألة العاشرة كما يظهر من التفريع ما إذا صار متمكّنا من القضاء بين الرمضانين و مع ذلك لم يقض، كما إذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 57 مسألة 2535.

(2) تهذيب الأحكام 4: 251 ح 746، الاستبصار 2: 111 ح 346، و عنهما وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.

(3) تقدّمت في ص 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصوم و الاعتكاف، ص: 298

[مسألة 11: يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد]

مسألة 11: يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّا واحدا ليوم واحد (1).

[مسألة 12: يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق]

مسألة 12: يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق.

و أمّا بعد الزوال فيحرم، بل تجب به الكفّارة و إن لم يجب الإمساك بقيّة اليوم.

______________________________

رمضانات متتاليات، و لم يقضها مع التمكّن من القضاء و وجوبها، و قد عرفت أنّ تأخير القضاء إلى الرمضان الثاني مع التمكّن منه موجب لثبوت كفّارة التأخير، و المقصود من المسألة أنّ هذه الكفّارة لا تتكرّر بتكرّر السنين، و لا يتوهّم الاكتفاء بالكفّارة عن القضاء، و لذا ذكر أنّ للثالث القضاء فقط؛ بمعنى كون الثابت في الأوّلين هو القضاء و الكفّارة معا.

و نقول: يجري مثله فيما إذا لم يكن هناك قضاء أصلا، كصورة استمرار المرض إلى ثلاث سنين؛ فإنّ ذلك لا يوجب تكرّر الكفّارة بالنسبة إلى كلّ سنة، بل تكفي كفّارة واحدة للأوّل، و كفّارة ثانية للثاني، و القضاء للثالث مع البرء بعده بحيث صار متمكّنا من القضاء، و هكذا. و قد عنون صاحب العروة كلا الفرضين فيها و نفى لزوم التكرّر في كليهما «1».

(1) المستفاد من الأدلّة لزوم إعطاء الكفّارة بمدّ لكلّ يوم لعنوان الفقير، فاللازم الإعطاء للفقير بهذا المقدار، و أمّا احتمال لزوم الإعطاء إلى الفقراء المتعدّدين فلا وجه له، كما أنّ عدم جواز إعطاء فقير واحد أقلّ من مدّ كذلك. فالعدد في المقام ناظر إلى كمّية الكفّارة، و لا يلاحظ فيه عدد الفقير، بخلاف كفّارة الإفطار العمدي، حيث إنّ اللازم تحقّق عنوان الستّين، فالعدد هناك ناظر إلى كمّية الفقير، فتدبّر.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 58 مسألة 2536.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصوم و الاعتكاف، ص: 299

و الكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام (1).

______________________________

(1) البحث في هذه المسألة تارة: من حيث الحكم التكليفي و جواز الإفطار و عدمه. و أخرى: من جهة الكفّارة في صورة عدم الجواز، فنقول:

أمّا البحث من الجهة الأولى: فقد وردت فيها روايات:

منها: صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان: إنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار «1».

و منها: موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس «2».

و دلالة مثلهما على جواز الإفطار قبل زوال الشمس ممّا لا يكاد ينكر، إلّا أنّه لا بدّ من التقييد بعدم صورة التضيّق، و إلّا فهو محرّم.

و أمّا البحث من الجهة الثانية: الراجعة إلى الكفّارة، فيدلّ على ثبوت الكفّارة المزبورة عدّة من الروايات أيضا:

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة عن بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 280 ح 849، الاستبصار 2: 122 ح 396، و عنهما وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 4 ح 4.

(2) تهذيب الأحكام 4: 280 ح 848، الاستبصار 2: 122 ح 395، و عنهما وسائل الشيعة 10: 18، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 4 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 300

..........

______________________________

فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «1» على اختلاف يسير بينهم.

و منها: رواية هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان؟ فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك «2». و في الوسائل: حمله الشيخ على ما يوافق الأوّل؛ لدخول وقت الصلاتين عند الزوال.

و يعارضهما ظاهرا رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال: عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان؛ لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان «3».

و في الوسائل: حمله الشيخ على الاستحباب، و جوّز فيه الحمل على الإفطار مع الاستخفاف، و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفّارة لا في قدرها.

و كيف كان، فالأوليان موافقتان للمشهور، فالرواية المعارضة لا بدّ من تأويلها أو طرحها.

______________________________

(1) الكافي 4: 122 ح 5، الفقيه 2: 96 ح 430، المقنع: 200، تهذيب الأحكام 4: 278 ح 844، الاستبصار 2:

120 ح 391، و عنها وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 279 ح 845، الاستبصار 2: 120 ح 392، و عنهما وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب

أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(3) تهذيب الأحكام 4: 279 ح 846، الاستبصار 2: 121 ح 393، و عنهما وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 301

[مسألة 13: الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت مطلقا]

مسألة 13: الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت مطلقا. نعم، لا يبعد عدم وجوبه عليه لو تركه على وجه الطغيان، لكن الأحوط الوجوب أيضا، بل لا يترك هذا الاحتياط. لكنّ الوجوب على الوليّ فيما إذا كان فوته يوجب القضاء، فإذا فاته لعذر و مات في أثناء رمضان، أو كان مريضا و استمرّ مرضه إلى رمضان آخر، لا يجب؛ لسقوط القضاء حينئذ. و لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه و إن كان الأحوط في الأوّل مع رضا الورثة الجمع بين التصدّق و القضاء. و قد تقدّم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلّقة بالمقام (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في جهتين:

الأولى: في أصل الوجوب في الجملة، و الظاهر أنّه المشهور «1»، و في المقابل ابن أبي عقيل الذي أنكر وجوب القضاء و أوجب التصدّق عنه، إمّا من ماله أو مال الوليّ، و حكي عنه ادّعاء تواتر الأخبار به ناسبا القول بالقضاء إلى الشذوذ «2»، و قد حكم جملة من الأصحاب بغرابة هذه الدعوى منه «3»؛ نظرا إلى عدم ورود رواية تدلّ على التصدّق. نعم، في البين روايتان- و لا يتحقّق بهما التواتر- استدلّ له بإحداهما العلّامة في محكي التذكرة «4»، و بالأخرى غيره 5.

______________________________

(1) كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 257- 258، مستند الشيعة 10:

456، المستند في شرح العروة 22: 205.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 392 مسألة 116.

(3) جواهر الكلام 17: 35.

(4) 4، 5 المستند في شرح العروة 22: 207، و لكنّ العلّامة نفسه ما استدلّ برواية أبي مريم في التذكرة 6:

176، بل نقل استدلال السيّد المرتضى بها في الانتصار: 70- 71، و الظاهر أنّه وقع اشتباه من صاحب المستند قدّس سرّه في النسبة إلى العلّامة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 302

..........

______________________________

إحداهما: ما في الفقيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال: قلت له: رجل مات و عليه صوم يصام عنه أو يتصدّق؟ قال: يتصدّق عنه فإنّه أفضل «1». و من العجب عدم تعرّض صاحب الوسائل لهذه الرواية أصلا، و الكلام فيها تارة: من حيث السند. و أخرى: من حيث الدلالة.

أمّا من جهة السند: فقد وصفها في محكي الحدائق «2» بالصحّة، و لكن بعض الأعلام قدّس سرّه مع تبحّره في علم الرجال و تصنيفه في هذا العلم كتابا مفصّلا- لخّصه بعض الأعاظم من الفضلاء «3»- أنكر صحّة الرواية؛ لأنّها مرويّة في الفقيه بصيغة المجهول، حيث قال: و روي عن محمّد بن إسماعيل، فهي رواية مرسلة لا اعتبار بها «4». و أضيف إليه ما كرّرناه من عدم حجّية هذا النحو من مرسلات الفقيه و إن كانت مرسلاته الأخرى معتبرة.

و أمّا من جهة الدلالة: فالمفروض في محلّ البحث هو قضاء الولي لا الأجنبي، و ليس في سؤال الرواية إشعار بذلك لو لم نقل بدلالته على كون المتصدّي هو الأجنبي، و لا محالة يكون متبرّعا، فالسؤال إنّما هو عن أنّ المتبرّع هل يكون التصدّق عن الميّت أفضل أو

الصيام عنه؟ و الرواية دالّة على أنّ الصدقة أفضل، كما نطقت به جملة من النصوص الأخرى «5».

ثانيتهما: ما رواه المشايخ الثلاثة من صحيحة أبي مريم الأنصاري، عن

______________________________

(1) الفقيه 3: 236 ح 1119.

(2) الحدائق الناضرة 13: 321.

(3) أي محمد الجواهري بعنوان «المفيد من معجم رجال الحديث».

(4) المستند في شرح العروة الوثقى 22: 206.

(5) وسائل الشيعة 10: 433- 435، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، ب 11 ح 2- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 303

..........

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضا حتّى مات فليس عليه شي ء (قضاء خ ل)، و إن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه «1»، هكذا في روايتي الصدوق و الكليني، و في رواية الشيخ: و إن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه «2»، و الرواية كما عرفت صحيحة من حيث السند و لو من بعض طرقها.

و أمّا من جهة الدلالة: فقد أورد عليها في محكيّ الجواهر بابتناء الاستدلال على رواية الشيخ. و أمّا على رواية الصدوق و الكليني فلا دلالة لها؛ لدلالتها حينئذ على وجوب الصيام على الوليّ المطابق لمذهب المشهور، و لا ريب أنّ الكافي و الفقيه أضبط، فتقدّم روايتهما على رواية الشيخ لدى المعارضة، فالرواية حينئذ من أدلّة المشهور، و لا تصلح لأن تقع مستندة لابن أبي عقيل «3».

و استشكل عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بما ملخّصه: أنّ في كلامه مناقشتين:

الأولى: أنّه لا شكّ في أنّ الكافي و الفقيه أضبط، إلّا أنّ هذا إنّما يوجب

التقديم فيما إذا كانت هناك رواية واحدة مرويّة بزيادة و نقيصة، أو نفي و إثبات، أو تبديل لفظ بلفظ، فيرجّح حينئذ ما أثبته الأوّلان؛ لأضبطيّتهما و كثرة اشتباه التهذيب، كما نصّ عليه في الحدائق «4»، و أمّا إذا كان التهذيب ناقلا لكلتا الروايتين، فروى تارة:

______________________________

(1) الكافي 4: 123 ح 3، الفقيه 2: 98 ح 439، تهذيب الأحكام 4: 248 ح 736، الاستبصار 2: 109 ح 357، و عنها وسائل الشيعة 1: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.

(2) تهذيب الأحكام 4: 248 ح 735، الاستبصار 2: 109 ح 356، و عنهما وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 8.

(3) جواهر الكلام 17: 36، المستند في شرح العروة 22: 208.

(4) الحدائق الناضرة 13: 320- 321.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 304

..........

______________________________

بعين ما أثبته الكتابان. و أخرى: بكيفيّة أخرى بطريق آخر هو أيضا صحيح كما في المقام. فهذا ليس من الاختلاف في اللفظ، بل هما روايتان مرويّتان بطريقين، فهذا أجنبيّ عن الترجيح بالأضبطيّة «1».

قلت: إنّ نقل الشيخ للرواية في موضعين من التهذيب بطريقين لا يدلّ على تعدّد الرواية، بل هي رواية واحدة كما أشرنا إليه مرارا، و حينئذ لا يبقى مجال لدعوى التعدّد، بل نقله في موضع من التهذيب بما يوافق الكتابين مؤيّد للأضبطيّة في المقام، فالظاهر أنّ الرواية موافقة لما أثبته الكتابان، و أوردها كذلك في موضع من التهذيب.

المناقشة الثانية: أنّ الرواية لو كانت مشتملة واقعا على كلمة «تصدّق»- كما ذكره العلّامة و رواه الشيخ- أمكن المناقشة حينئذ بأنّ هذا لا ينافي القضاء، فيجب على الولي التصدّق من مال الميّت

من جهة التأخير، و إلّا فمن ماله زيادة على القضاء، إذ لا دلالة في الرواية على نفي القضاء بوجه، بل لعلّ مقتضى المقابلة مع الصدر المشتمل على نفي القضاء لدى استمرار المرض ثبوت القضاء هنا؛ أي في فرض عدم الاستمرار الذي تعرّض له في الذيل، فيمكن أن تجب الكفّارة أيضا من جهة التواني؛ لأنّه صحّ و لم يقض اختيارا، فيكون موته في البين بمنزلة استمرار المرض.

و كيفما كان، فبناء على هذه النسخة ليست في الرواية أيّة دلالة على نفي القضاء، و أمّا بناء على نسخة الكافي و الفقيه التي رجّحهما في الجواهر فهي حينئذ واضحة الدلالة على عدم القضاء ابتداء، حيث علّق الصوم على ما إذا لم يكن له مال،

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 208.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 305

..........

______________________________

فوجوبه في مرتبة متأخّرة عن التصدّق «1».

ثمّ إنّ ما أفاده في ذيل المتن من عدم الفرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه- و إن احتاط في الأوّل بالجمع بين القضاء و الكفّارة مع رضا الورثة- مبنيّ ظاهرا على إشعار الحكم في الرواية في هذه الصورة، بل دلالته على عدم وجوب القضاء في صورة ثبوت تركة للميّت و إمكان التصدّق به عنه، مع أنّك عرفت ابتناء هذه الدلالة على روايتي الكليني و الصدوق كما لا يخفى؛ ضرورة أنّه على رواية الشيخ لا تعرّض فيها للقضاء، لا أنّها تنفيه. فثبوت التصدّق به عنه لا ينافي ثبوت القضاء على الوليّ بعد ثبوت مال له، فتدبّر.

أقول: لو فرضت دلالتها على عدم وجوب القضاء- بناء على رواية الشيخ- تكون الرواية معارضة مع الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب

القضاء على الولي، و الترجيح مع تلك الروايات الموافقة للمشهور؛ لأنّ الشهرة أوّل المرجّحات في المتعارضين.

الجهة الثانية: بعد ما ثبت أصل وجوب القضاء في الجملة، فهل يختصّ الحكم بما إذا فات لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما، أو يعمّ ما تركه عمدا، أو أتى به و كان باطلا من جهة التقصير في أخذ المسائل؟ و إن احتاط بالقضاء بالإضافة إلى جميع ما عليه، و إن كان من جهة ترك الصوم عمدا، و قد خصّه بما إذا تمكّن في حال حياته من القضاء و أهمل، و إلّا فلا يجب؛ لسقوط القضاء حينئذ؛ يعني عن الميّت، و في المتن قال: لا ينبغي ترك الاحتياط بالإضافة إلى الترك في صورة الطغيان.

و الحقّ أنّ في المسألة طائفتين من الأخبار:

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 208- 209.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 306

..........

______________________________

إحداهما: مثل صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه «1». و مثلها مكاتبة الصفّار «2»؛ نظرا إلى أنّ مقتضى ترك الاستفصال هو ثبوت الإطلاق و شموله للمعذور و غيره، و دعوى الانصراف إلى المعذور ممنوع جدّا، خصوصا بعد كون الصوم أمرا مشكلا.

ثانيتهما: موثّقة أبي بصير «3» و مرسلة ابن بكير «4» الواردتان في مورد العذر من مرض أو سفر، إلّا أنّ الظاهر أنّ المورديّة لا تقتضي التخصيص، لكنّ الفتوى بلزوم القضاء عنه في هذه الصورة مشكل، و الظاهر ما في المتن و العروة «5». و قد تقدّم في كتاب الصلاة في باب القضاء بعض الفروع المتعلّقة بالمقام، و التفصيل هناك فراجع.

______________________________

(1) الكافي 4: 123

ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(2) الكافي 4: 124 ح 5، الفقيه 2: 98 ح 441، تهذيب الأحكام 4: 247 ح 732، الاستبصار 2: 108 ح 355، و عنها وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب احكام شهر رمضان ب 23 ح 3.

(3) تهذيب الأحكام 4: 325 ح 1007، و عنه وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11.

(4) تقدّمت في ص 287.

(5) العروة الوثقى 2: 59 مسألة 2540.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 307

[القول في أقسام الصوم]

اشارة

القول في أقسام الصوم و هي أربعة: واجب، و مندوب، و مكروه، و محظور؛

[أما الواجب منه]

اشارة

فالواجب منه: صوم شهر رمضان، و صوم الكفّارة، و صوم القضاء، و صوم دم المتعة في الحجّ، و صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، و صوم النذر و أخويه و إن كان في عدّ صوم النذر و ما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة (1).

______________________________

(1) أمّا الواجب منه فهو:

1- صوم شهر رمضان و وجوبه- مضافا إلى ثبوت الارتكاز عند المتشرّعة؛ لأنّه من فروع الدين- يدلّ عليه الكتاب «1» و السنّة المتواترة «2»، و في بعض الروايات وصفه بأنّه من أركان الدين «3».

2- صوم الكفّارة، الذي سيأتي البحث عنه و عن أقسامه المختلفة، فانتظر.

3- صوم القضاء على الشخص أو على وليّه بعد مماته، و قد تقدّم البحث عن

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 183.

(2) وسائل الشيعة 10: 7، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته ب 1، و ص: 239، أبواب أحكام شهر رمضان ب 1.

(3) الكافي 4: 62 ح 1، الفقيه 2: 44 ح 196، و عنها وسائل الشيعة 10: 395، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 308

..........

______________________________

كليهما مفصّلا.

4- صوم دم المتعة في الحجّ؛ و المقصود منه الصوم بدل الهدي لمن لا يقدر عليه، و يدلّ عليه قبل كلّ شي ء قوله- تعالى-: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ) «1». و قد فصّلنا الكلام في هذا النوع في كتاب الحجّ مع الفروع المتعلّقة به في أحكام منى «2».

5- صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، و سيأتي «3» في بحثه عن

قريب إن شاء اللّه تعالى أنّ الاعتكاف و إن كان أمرا مستحبّا، إلّا أنّه بعد اليومين من الشروع تجب إدامته المشروطة بالصوم في اليوم الثالث.

6- صوم النذر و أخويه من العهد و اليمين، و أشار في الذيل إلى ما ذكرناه مرارا من أنّ تعلّق النذر لا يوجب صيرورة المنذور واجبا، بل متعلّق الوجوب فيه هو الوفاء بالنذر، غاية الأمر عدم تحقّقه في الخارج إلّا بإتيان المنذور، فصلاة الليل المستحبّة لا تصير واجبة بالنذر، بل الواجب هو الوفاء، و صلاة الليل باقية على استحبابها بعنوانها، و لذا لا يعتبر قصد التقرّب في الوفاء بالنذر و إن كان معتبرا في المنذور لأجل كونه عباديّا، كما لا يخفى.

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 196.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5: 274.

(3) في ص 362- 364.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 309

[القول في صوم الكفّارة]

اشارة

القول في صوم الكفّارة

[و هو على أقسام]
اشارة

و هو على أقسام:

[منها: ما يجب مع غيره]

منها: ما يجب مع غيره؛ و هي كفّارة قتل العمد، فتجب فيها الخصال الثلاث، و كذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط (1).

______________________________

(1) ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه ما ملخّصه: أنّ ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب و معاقد الإجماعات- بل قد يظهر من المحقّق قدّس سرّه إرساله إرسال المسلّمات «1»- أنّ هذا الحكم عامّ يشمل جميع موارد القتل العمدي، من دون الاختصاص بما تثبت فيه الدية غير المجتمعة مع القصاص. و قد استفاد من النصوص الثاني؛ فإنّها لا تدلّ على الكفّارة إلّا لدى العفو عن القصاص و الانتقال إلى الدية، و يلحق به ما إذا لم يمكن تنفيذ القصاص لفقد بسط اليد في الحاكم الشرعي، أو ما إذا لم يكن مشروعا، كما في قتل الوالد ولده.

و أمّا فيما استقرّ عليه القصاص لمشروعيّته و عدم عفو أولياء المقتول، فلا دلالة في شي ء من النصوص على وجوب الكفّارة؛ بأن يكفّر أوّلا ثمّ يقتل، بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه، و أنّ توبة القاتل تتحقّق بمجرّد القصاص؛ فإن كان

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 185.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 310

[و منها: ما يجب بعد العجز عن غيره]

و منها: ما يجب بعد العجز عن غيره و هي كفّارة الظهار و كفّارة قتل الخطأ؛ فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق. و كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان؛ فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام. و كفّارة اليمين؛ و هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، و إن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام (1).

______________________________

هناك إجماع على الإطلاق، و إلّا فإثباته في غاية الإشكال «1».

أقول: و يؤيّد الإطلاق- مضافا إلى إرسال مثل المحقّق للمسألة إرسال المسلّمات،

و إلى أنّه لم ينقل الخلاف في شي ء من فروضها من أحد- أنّ ظاهر قوله- تعالى-:

(وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا) «2» عدم تحقّق التوبة للقاتل بمجرّد القصاص، فهل يمكن الالتزام بأنّ قتل الوالد لولده مثلا مستثنى من هذه الآية؟

نعم، يبقى شي ء؛ و هو أنّ ظاهرهم في كتاب القصاص عدم ثبوت غيره في قتل العمد، إلّا أن يقال بأنّهم اعتمدوا في ذلك على بيان ثبوت الكفّارة أيضا في كتاب الصوم، كما صنعه في المتن و ما يشابهه.

و أمّا الاحتياط الوجوبي في كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان، فقد تقدّم بحثه في باب ما يمسك عنه الصائم «3»، فراجع.

(1) أمّا كفّارة الظهار: فمقتضى الآية الشريفة الواردة ترتّب صوم شهرين متتابعين على العتق، قال اللّه- تعالى-: (وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ- إلى قوله تعالى:- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ) «4» إلخ. و قد وردت بذلك عدّة

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 231- 232.

(2) سورة النساء 4: 93.

(3) في ص 153- 157.

(4) سورة المجادلة 58: 3- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 311

..........

______________________________

كثيرة من الروايات «1». نعم، في عدّة اخرى منها عطف هذه الخصال بلفظة «أو» 2 الظاهرة في التخيير دون الترتيب.

هذا، و لكن صراحة الآية المباركة و الطائفة الأولى من الروايات في الترتيب يمنع عن الأخذ بها، و لا يبقي مجالا للجمع، فاللازم التصرّف في الطائفة الثانية و حمل كلمة «أو» على بيان الأقسام، لا الترتيب في العمل. و مثله كثير في الاستعمالات.

و أمّا كفّارة قتل الخطأ: فمقتضى الآية الشريفة الواردة فيها «3» ترتّب الصيام على العتق. نعم، الآية خالية عن التعرّض للإطعام، إلّا أنّ النصوص

المتعدّدة دالّة على ثبوتها «4»، و قد نسب إلى المفيد و السلّار «5» التخيير، و ليس لهما مستند بوجه.

و أمّا كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان: فقد مرّ عن قريب «6».

و أمّا كفّارة اليمين: فصريح الآية المباركة الواردة فيها لزوم صيام ثلاثة أيّام «7» مع العجز عمّا يجب أوّلا. نعم، في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن شي ء من كفّارة اليمين؟ فقال: يصوم ثلاثة أيّام. قلت: إن ضعف عن الصوم و عجز.

قال: يتصدّق على عشرة مساكين «8». و لكنّها- مضافا إلى ضعف سندها- محمولة

______________________________

(1) 1، 2 وسائل الشيعة 22: 303، كتاب الظهار ب 1، و ص 359- 362، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 1.

(3) سورة النساء 4: 92.

(4) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 10 ح 1، و ج 29: 34، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 4.

(5) المقنعة: 570، المراسم العلويّة: 190.

(6) في ص 297- 299.

(7) سورة المائدة 5: 89.

(8) الكافي 7: 453 ح 11، تهذيب الأحكام 8: 298 ح 1104، الاستبصار 4: 52 ح 180، و عنها وسائل الشيعة 22: 377، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 12 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 312

و كفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته و نتفها رأسها فيه.

و كفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو على ولده؛ فإنّهما ككفّارة اليمين.

و كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا؛ فإنّها ثمانية عشر يوما بعد العجز عن بدنة (1).

و كفّارة صيد المحرم النعامة؛ فإنّها بدنة، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، و يتصدّق

به على ستّين مسكينا لكلّ مسكين مدّ على الأقوى، و الأحوط مدّان، و لو زاد عن الستّين اقتصر عليهم، و لو نقص لم يجب الإتمام، و الاحتياط

______________________________

على مثل ما في الوسائل من حمل الإطعام هنا على ما دون المدّ، فلا ينافي الإطعام الواجب قبل الصيام، و على تقدير بعده فاللازم ردّ علمه إلى أهله.

(1) أمّا ثبوت كفّارة اليمين في الفرعين الأوّلين: فهو المعروف المشهور «1»، و التقييد- أي تقييد الخدش بالإدماء- و إن كان مخالفا لإطلاق الأصحاب، إلّا أنّه قد ورد به النصّ. و نسب الخلاف إلى ابن إدريس «2»، فأنكر وجوب الكفّارة في المقام، لكنّ المحكي عن الجواهر «3» إنكار هذه النسبة، و قد نسب الخلاف إلى صاحب المدارك «4».

و مستند الحكم رواية خالد بن سدير أخي حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شقّ ثوبه على أبيه- إلى أن قال:- و إذا شقّ زوج على

______________________________

(1) رياض المسائل 11: 246، جواهر الكلام 33: 186، المستند في شرح العروة 22: 238.

(2) السرائر 3: 78.

(3) جواهر الكلام 33: 186.

(4) مدارك الأحكام 6: 243.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 313

بالمدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين، و إلّا اقتصر على المدّ و يتمّ الستّين، و لو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوما إلى الستّين، و هو غاية كفّارته، و لو عجز صام ثمانية عشر يوما.

و كفّارة صيد المحرم البقر الوحشيّ؛ فإنّها بقرة، و إن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، و يتصدّق به على ثلاثين مسكينا لكلّ واحد مدّ على الأقوى، و الأحوط مدّان، فإن زاد فله، و إن نقص

لا يجب عليه الإتمام، و لا يحتاط

______________________________

امرأته، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا، أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها، أو جزّت شعرها، أو نتفته، ففي جزّ الشعر عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، و في الخدش إذا دميت، و في النتف كفّارة حنث يمين ... إلخ «1».

و قد استشكل «2» على الرواية بضعف السند من جهة الراوي، و لكنّ الدلالة ظاهرة، كما أنّ الظاهر انجبار ضعف سند الرواية بعمل الأصحاب على طبقها، كما هو مقتضى التحقيق عندنا على ما مرّ مرارا، فاللازم الأخذ بها و الفتوى على طبقها.

و أمّا كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا: فإنّها في الرتبة الأولى هي البدنة، و مع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوما، و قد حقّقنا هذا الفرع في كتابنا في شرح تحرير الوسيلة من هذا الكتاب في باب الحجّ مفصّلا «3»، و قد طبع مرّتين في إيران و غيرها، فراجع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 8: 325 ح 1207، و عنه وسائل الشيعة 22: 402، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 31 ح 1.

(2) المستشكل هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 239.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5: 95- 99.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 314

بالمدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم، و لو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوما إلى الثلاثين، و هي غاية كفّارته، و لو عجز صام تسعة أيّام. و حمار الوحش كذلك، و الأحوط أنّه كالنّعامة.

و كفّارة صيد المحرم الغزال، فإنّها شاة، و إن عجز عنها

يفضّ ثمنها على الطعام، و يتصدّق على عشرة مساكين لكلّ مدّ على الأقوى، و مدّان على الأحوط.

و حكم الزيادة و النقيصة و مورد الاحتياط كما تقدّم. و لو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوما إلى عشرة أيّام غاية كفّارته، و لو عجز صام ثلاثة أيّام (1).

______________________________

(1) ما أفاده من أنّ في صيد المحرم النّعامة بدنة، و أنّ في صيد المحرم البقر الوحشيّ بقرة، و كذا في حمار الوحش، و في صيد الغزال شاة، هو مقتضى الكتاب «1» و السنّة «2» المتظافرة، و لكن حيث إنّ العمدة في هذا البحث بيان صوم الكفّارة الذي هو عنوان الباب، ففي صورة العجز عن الكفّارة الأوّلية يفضّ الثمن على الطعام، غاية الأمر أنّه يتصدّق به على الستّين في البدنة، و على الثلاثين في البقرة، و العشرة في الغزال. ثمّ ينتقل إلى ثمانية عشر يوما، و تسعة أيّام، و ثلاثة أيّام، و احتاط وجوبا في هذه الجهة.

و الوجه في ذلك أنّه لا دليل قويّا على وجوب الصوم، بل هو مقتضى الاحتياط الوجوبي، كما أنّه احتاط استحبابا بالمدّين في كلّ واحد من الموارد الثلاثة، و الأمر في الزيادة و النقيصة ما ذكره فيها، كما لا يخفى، و التحقيق الأزيد مذكور في كتاب الكفّارات «3».

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 95.

(2) وسائل الشيعة 13: 5، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد ب 1.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الكفّارات: 270- 309.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 315

[و منها: ما يجب مخيّرا بينه و بين غيره]

و منها: ما يجب مخيّرا بينه و بين غيره؛ و هي كفّارة الإفطار في شهر رمضان، و كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع، و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب،

و كفّارة النذر و العهد؛ فإنّها فيها مخيّرة بين الخصال الثلاث (1).

______________________________

(1) أقول: أمّا كفّارة الإفطار العمدي في شهر رمضان: فقد تقدّم الكلام فيها «1».

و أمّا كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع؛ يعني في صومه، فالمشهور أنّها مخيّرة «2»، و قيل: إنّها مرتّبة «3»، و الأخبار الواردة فيها مختلفة:

ففي موثّقة سماعة التي رواها الصدوق و الشيخ، و لأجله توهّم كونها روايتين مع أنّها رواية واحدة، إحداهما: ما رواه الصدوق عنه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال: (قال خ ل) هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «4».

و ظاهر إطلاق السؤال و إن كان يعمّ بدوا المواقعة في غير الصوم، إلّا أنّ التنزيل منزلة الإفطار في شهر رمضان ظاهر في الاختصاص بالجماع حال الصوم.

و الاخرى: ما رواه الشيخ بإسناده عنه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا ...

الحديث «5». و في مقابلها صحيحتان تدلّان على أنّها مرتّبة.

______________________________

(1) في ص 140- 149.

(2) تذكرة الفقهاء 6: 316، رياض المسائل 5: 527، جواهر الكلام 17: 210 و ج 33: 171، مستمسك العروة 8: 595، المستند في شرح العروة 22: 241.

(3) مدارك الأحكام 6: 350، مفاتيح الشرائع 1: 279، الحدائق الناضرة 13: 496- 497، مستند الشيعة 10: 573.

(4) تقدّمت في ص 162- 163.

(5) تهذيب الأحكام 4: 292 ح 888، الاستبصار 2: 130 ح 425، و عنهما وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف ب 6 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 316

..........

______________________________

إحداهما: صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن

المعتكف يجامع (أهله خ ل)؟ قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر «1».

ثانيتهما: صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا، فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها؟ فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها، فإنّ عليها ما على المظاهر «2».

و قد جمع المشهور «3» بين الصحيحتين و بين الموثّقة بحمل الاوليين على الاستحباب.

و ربما يقال «4» بإمكان الخدشة فيه؛ نظرا إلى أنّ الموثّقة غير صريحة في التخيير؛ لجواز أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: «بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان»، و كذا قوله عليه السّلام: «عليه ما على الذي ... إلخ» أنّهما متماثلان في ذات الكفّارة و الفرد المستعمل في مقام التكفير. و أمّا كيفيّة التكفير من كونه على سبيل الترتيب أو التخيير فغير صريحة فيهما، غايته أنّها ظاهرة بمقتضى الإطلاق في الثاني، فيمكن رفع اليد عنه بصراحة الصحيحتين في أنّها كفّارة الظهار التي لا شكّ أنّها على سبيل

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 163.

(2) الكافي 4: 177 ح 1، الفقيه 2: 121 ح 524، تهذيب الأحكام 4: 289 ح 877، الاستبصار 2: 130 ح 422، و عنها وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6.

(3) المعتبر 2: 737، منتهى المطلب 9: 537، تذكرة الفقهاء 6: 316، جواهر الكلام 17: 210، وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف ب 6 ذح 6، المستند في شرح العروة 22: 243.

(4) القائل هو السيّد الخوئي قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف،

ص: 317

..........

______________________________

الترتيب، فتكون الصحيحتان مقيّدتين لإطلاق الموثّقة، و تكون نتيجة الجمع بعد ارتكاب التقييد أنّ الكفّارة هي كفّارة الظهار.

و دفعها نفسه بأنّ ارتكاب التقييد مبنيّ على تقديم ظهور المقيّد على المطلق الذي هو من فروع تقديم ظهور القرينة على ذيها، حيث إنّ المقيّد بمثابة القرينة للمراد من المطلق عرفا، بحيث لو جمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّرا، و لا يرى بينهما تهافتا، كما لو قلنا في جملة واحدة: «أعتق رقبة، و أعتق رقبة مؤمنة»، فما هو قرينة حال الاتّصال قرينة حال الانفصال، غاية الأمر أنّ الأوّل مصادم للظهور، و الثاني مصادم للحجّية بعد انعقاد أصل الظهور؛ فلأجل هذه النكتة يتقدّم ظهور المقيّد على المطلق، و هذا الضابط كما ترى غير منطبق على المقام- إلى أن قال:- فالإنصاف أنّ الطائفتين متعارضتان و لا يمكن الجمع العرفي بينهما بوجه.

ثمّ قال ما ملخّصه: إنّ الأقوى ما ذكره المشهور، إمّا لترجيح الموثّقة على الصحيحتين؛ نظرا إلى مخالفتها للعامّة و لو في الجملة، و إمّا لأنّه بعد التعارض يرجع إلى الأصل العملي، و هو البراءة في الدوران بين التعيين و التخيير لا الاحتياط «1».

أقول: ما أفاده من أنّ الجمع بين الطائفتين خارج عن الجمع العرفي بل متعارضتان، ممّا لا ينبغي المناقشة فيه، إلّا أنّ الرجوع إلى مخالفة العامّة بعد كونه واقعا في الدرجات البعديّة من المرجّحات، خصوصا مع تصريحه بالمخالفة في الجملة، ممّا لا يكاد يستقيم، كما أنّ الأصل الجاري في الدوران بين التعيين و التخيير ليس هو البراءة بنحو الإطلاق، بل موارده مختلفة كما حقّقناه في الأصول «2».

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 243- 244.

(2) لم نجده عاجلا.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 318

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 318

[مسألة: يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع و كفّارة التخيير و الترتيب]

مسألة: يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع و كفّارة التخيير و الترتيب، و يكفي في حصوله صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني كما مرّ.

و كذا يجب التتابع على الأحوط في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات، و لا يضرّ بالتتابع فيما يشترط فيه ذلك الإفطار في الأثناء لعذر من الأعذار، فيبني على ما مضى كما تقدّم (1).

______________________________

و مع ذلك فالحقّ مع المشهور؛ لأنّ الشهرة الفتوائيّة مطابقة للموثّقة، و لا يبعد أن يكون وجه جمع المشهور إرادتهم عدم طرح الطائفة الأخرى بنحو الإطلاق، لا أنّه هو الجمع العرفي المخرج للمورد عن المتعارضين، فتدبّر جيّدا.

و أمّا كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب: فقد تقدّمت في رواية خالد بن سدير المتقدّمة في صدر المسألة، و عرفت انجبار ضعفها بفتوى المشهور.

و أمّا كفّارة النذر و العهد: فهي مذكورة في كتاب النذر و العهد مفصّلا «1»، و قد ذكرناها هناك.

(1) لا إشكال «2» في وجوب التتابع في صوم شهرين في الموارد المذكورة في المتن، و سيأتي حكم التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل في مطلق صيام سائر الكفّارات.

و أمّا كفاية التتابع بالنحو المذكور في المتن: مع أنّه خلاف فهم العرف، فيدلّ عليها روايات:

عمدتها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة،

كتاب النذر و العهد: 263- 266.

(2) مستمسك العروة 8: 520، المستند في شرح العروة 22: 252.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 319

..........

______________________________

الظهار و كفّارة القتل، فقال: إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين؛ و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو أيّاما منه ... إلخ «1». و قد أفتى المشهور «2» بذلك، و مقتضى إطلاقها حصول التتابع بذلك في جميع موارد الصيام شهرين متتابعين، فما نسب إلى السيّدين و الشيخين «3» من اختصاص حصول التتابع بهذه الكيفيّة بما إذا كان آثما في التفريق لأجل كونه عامدا خلاف هذه الصحيحة، و لا يكون له مستند، خصوصا بعد أنّه لا يكون آثما بوجه؛ لأنّ التفريق على طبق الصحيحة لا يكون إثما، و على خلافها مبطل للكفّارة.

و أمّا التتابع في صوم ثمانية عشر يوما بدل الشهرين احتياطا: فقد ذهب المشهور «4» إلى اعتبار التتابع.

و نوقش فيه بأنّ اعتبار التتابع هنا خلاف إطلاق الدليل، خصوصا بعد تقييد الشهرين بالتتابع كما عرفته مرارا.

و لكن اجيب عن هذه المناقشة بما أرسله المفيد قدّس سرّه في المقنعة «5» من مجي ء الآثار عنهم عليهم السّلام بذلك. و لكنّ الظاهر- كما اعترف به المتتبّعون- عدم العثور على أيّ خبر يدلّ على اعتبار التتابع في المقام، و البدليّة عن صوم الشهرين لا تقتضي ذلك، كما

______________________________

(1) الكافي 4: 138 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 283 ح 856، و عنهما وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 9.

(2) مختلف الشيعة 3: 423 مسألة 137، جواهر الكلام 17: 79، العروة الوثقى 2: 62 مسألة 2549، المستند في شرح العروة 22: 253.

(3) رسائل

الشريف المرتضى 3: 58، غنية النزوع: 142، النهاية: 166، المقنع: 203.

(4) جواهر الكلام 17: 67، مستمسك العروة 8: 521، المستند في شرح العروة 22: 254.

(5) المقنعة: 346.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 320

..........

______________________________

يظهر من الجواهر «1»، حيث أفاد أنّ المأمور به ليس مطلق الثمانية عشر ليطالب بالدليل على اعتبار التتابع، بل ما كان جزءا من الشهرين، حيث يظهر من دليلها أنّ المراد الاقتصار على هذا المقدار بدلا من الأصل، فأسقط الزائد لدى العجز إرفاقا و تخفيفا على المكلّفين، فتكون متتابعة لا محالة؛ لاعتبارها إلى واحد و ثلاثين يوما، فتكون معتبرة في ثمانية عشر يوما منها بطبيعة الحال «2».

و الجواب عنه: أنّ مطلق البدليّة من الشهرين مع توصيفهما بالتتابع دون البدل لا يقتضي اعتبار التتابع في البدل، مع أنّ بدليّة صوم الثمانية عشر من الشهرين غير ثابتة، بل يظهر من بعض الروايات «3» بدليّة صوم العدد المذكور من الإطعام دون الصيام. بل ربما يقال «4»: إنّه على فرض البدليّة لا دليل على كون صيام العدد بدلا من مثل هذا العدد بالإضافة إلى الشهر الذي يعتبر فيه التتابع، فمن المحتمل كونه بدلا من الشهر الآخر أو المتوسّط بين الشهرين. و قد عرفت أنّ روايات المفيد قدّس سرّه مرسلة و هي غير معتبرة، فلم يبق في البين دليل على اعتبار التتابع و إن كان مجموع ذلك موجبا للحكم بالاحتياط كما في المتن.

و أمّا صيام سائر الكفّارات: فاعتبار التتابع فيه هو المشهور «5» بين الأصحاب أيضا. قال المحقّق في محكيّ الشرائع «6»: إنّه يعتبر التتابع في جميع أقسام الصيام

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 67.

(2) انظر المستند في شرح العروة 22: 254- 255.

(3) تهذيب

الأحكام 4: 312 ح 944، الاستبصار 2: 97 ح 314، المقنعة: 345- 346، و عنها وسائل الشيعة 10: 381، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 9 ح 1.

(4) انظر المستند في شرح العروة 22: 255- 256.

(5) مستمسك العروة 8: 522، المستند في شرح العروة 22: 256.

(6) شرائع الإسلام 1: 205.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 321

..........

______________________________

ما عدا موارد أربعة: صوم النذر و أخويه من العهد و اليمين؛ فإنّه يتبع قصد الناذر في التتابع و عدمه، و صوم قضاء شهر رمضان، و صوم ثمانية عشر بدل البدنة الواجبة في كفّارة الصيد، و صوم سبعة أيّام بدل الهدي دون الثلاثة المكمّلة للعشرة. ففي هذه الموارد المستثناة يجوز التفريق حتّى اختيارا، و ما عدا ذلك- ممّا يجب فيه الصوم مدّة من ثلاثة أيّام، أو ثمانية عشر، أو شهرين و نحو ذلك- يجب فيه التتابع.

و استدلّ له في الجواهر بانصراف الإطلاق إلى التتابع؛ نظرا إلى أنّه المنسبق عرفا من الصوم مدّة، مؤيّدا بفتوى الأصحاب بذلك، قال فيها: و هذا نظير ما ذكروه في ثلاثة الحيض، و الاعتكاف، و عشرة الإقامة، من اعتبار الاتّصال و التوالي؛ فإنّ المستند في الكلّ هو الانصراف المزبور.

و أيّده بما رواه الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان من تعليل التتابع في الشهرين بقوله عليه السّلام: و إنّما جعلت متتابعين لئلّا يهون عليه الأداء فيستخفّ به؛ لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء و استخفّ بالإيمان «1»؛ فإنّ موردها و إن كان كفّارة الإفطار في شهر رمضان، إلّا أنّه يظهر من العلّة عموم الحكم لكلّ كفّارة، و أنّها مبنيّة على التصعيب و التشديد كي لا تهون عليه المخالفة

و لا يستخفّ بها، و قد اعترف بأنّ ما أفاده المحقّق في ذيل كلامه صحيح، حيث قال: و حينئذ بان أنّ الكلّية المزبورة في محلّها في المعظم أو الجميع «2».

و قد اورد «3» على الكلّية المزبورة، و على استثناء الموارد المذكورة:

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 119 ب 34 قطعة من ح 1، علل الشرائع: 273 ب 182 قطعة من ح 9، و عنهما وسائل الشيعة 10: 370، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 2 ح 1.

(2) جواهر الكلام 17: 67- 68.

(3) المورد هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 322

..........

______________________________

أمّا الأوّل: فبأنّه لا يمكن المساعدة على دعوى الكلّية بإطلاقها؛ نظرا إلى أنّ الانصراف المزبور بحيث كان مستندا إلى حاقّ اللفظ غير متحقّق. نعم، ربّما يكون هناك بعض القرائن التي بضميمتها يستفاد الانصراف، و أمّا مع التجرّد فلا. و يرشد إلى ذلك ملاحظة الجمل الخبريّة، فإذا قلت: أقمنا في مشهد الرضا عليه السّلام عشرة أيّام، فهل ينصرف اللفظ إلى الإقامة المتوالية، بحيث لو كنت قد خرجت خلالها إلى قرية و بتّ ثمّة ليلة أو ليلتين، و كان مجموع المكث في البلد عشرة لم يجز لك التعبير المذكور؟ و هكذا الأمثلة الأخرى. فدعوى الانصراف عريّة عن الشاهد و يدفعها الإطلاق.

و أمّا الثاني: فلأنّ اعتبار الثلاثة في الحيض إنّما هو للتصريح بذلك، و وقوعه في مقام التحديد ظاهر في إرادة الاتّصال و الاستمرار، و مثله- بل أوضح حالا- ثلاثة الاعتكاف؛ للزوم المكث في المساجد و بطلانه بالخروج لا لعذر قبل استكمال الثلاثة. و كذا الحال في عشرة الإقامة؛ لوضوح أنّ لكلّ

سفر حكما يخصّه، و هو موضوع مستقلّ بحياله؛ ضرورة أنّ الأسفار المتعدّدة مع كون الإقامة في المجموع عشرة أو أزيد لها أحكام متعدّدة مستقلّة، و كذا الحال في المتردّد ثلاثين يوما.

و أمّا الاستشهاد برواية العلل، ففيه:

أوّلا: أنّ موردها كفّارة الإفطار في شهر رمضان، و لعلّ لهذا الشهر خصوصيّة استدعت مزيد الاهتمام بشأنه، كما يؤيّده التعبير عنه بأنّه من دعائم الدين «1»، و لأجله كانت كفّارته مبنيّة على التصعيب و التشديد، فلا يقاس به غيره، و غاية ما

______________________________

(1) علل الشرائع: 303 ب 245 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 3: 77، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 17، و بحار الأنوار 81: 343 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 323

..........

______________________________

هناك أن يتعدّى إلى خصوص صوم الثمانية عشر يوما بدل الشهرين من كفّارة الإفطار من شهر رمضان، مع أنّه لم يقم دليل على كونه بدلا عن الشهرين.

و ثانيا: أنّها ضعيفة السند؛ لضعف طريق الصدوق إلى الفضل بن شاذان، مع أنّه قام الدليل على عدم اعتبار التتابع في مطلق الصيام إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين؛ و هي:

صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين «1»، ففي موارد الشكّ يتمسّك بعموم العامّ، و لا وجه لما صنعه في الجواهر من الحمل على إرادة التفرقة من بعض الوجوه، مثل فرض العذر و نحوه «2»؛ فإنّه تصرّف في ظاهر اللفظ بلا موجب «3».

و ما أفيد و إن كان صحيحا لا مجال للفرار عنه بمقتضى القاعدة، إلّا أنّ فتوى المشهور باعتبار التتابع في مثل هذا النحو من الصيام-

و إن كان توصيف الشهرين في كفّارة الإفطار في شهر رمضان دون غيره ظاهرا في اعتبار التتابع في خصوص مثلهما- هو الاحتياط برعاية التتابع في الجميع، كما تقدّم.

بقي الكلام في الفرع الأخير الذي ذكره في المتن: و هو أنّه لا يضرّ بالتتابع فيما يشترط فيه الإفطار لعذر من حيض أو نفاس، و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّ بعض الأعذار ربما يتحقّق في طول كلّ شهر عادة، كالحيض بالإضافة إلى أغلب النساء، أو أحيانا من غير اختيار كالمرض و نحوه- عدّة من الروايات:

منها: صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه صيام شهرين

______________________________

(1) الكافي 4: 140 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 382، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 10 ح 1.

(2) جواهر الكلام 17: 74- 77.

(3) المستند في شرح العروة 22: 257- 260.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 324

..........

______________________________

متتابعين، فصام شهرا و مرض؟ قال: يبني عليه، اللّه حبسه. قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيّام حيضها. قال: تقضيها. قلت:

فإنّها قضتها ثمّ يئست من الحيض؟ قال: لا تعيدها، أجزأها ذلك «1». فإنّ مقتضى التعليل جريان الحكم في جميع الموارد المشابهة.

و منها: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فصام خمسة و عشرين يوما ثمّ مرض، فإذا برأ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ قال: بل يبني على ما كان صام، ثمّ قال: هذا ممّا غلب اللّه عليه، و ليس على ما غلب اللّه- عزّ و جلّ- عليه شي ء «2». و غيرهما من الروايات الواردة بهذا المضمون.

و لكن

بإزاء الجميع صحيحة جميل و محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل الحرّ يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثمّ يمرض، قال:

يستقبل، فإن زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي «3».

و قد حملت «4» تارة: على الاستحباب، مع أنّ الجملة الواقعة في الجواب جملة خبريّة، و لا معنى لحملها على الاستحباب، بل هو إرشاد إلى الفساد. و أخرى: على

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 284 ح 859، الاستبصار 2: 124 ح 402، و عنهما وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 10.

(2) تهذيب الأحكام 4: 284 ح 858، الاستبصار 2: 124 ح 401، و عنهما وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 12.

(3) الكافي 4: 138 ح 1، تهذيب الاحكام 4: 284 ح 861، الاستبصار 2: 124 ح 404، و عنها وسائل الشيعة 10: 371، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 3.

(4) المعتبر 2: 721، وسائل الشيعة 10: 371- 372.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 325

..........

______________________________

ما حكي عن الشيخ «1» من الحمل على ما إذا لم يبلغ المرض حدّا يمنع عن الصوم؛ فإنّ التفصيل مناف لذلك قطعا.

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه بعد الحكم ببعد الحملين الأوّلين، ما يرجع إلى أنّه لو كنّا نحن و هذه الصحيحة، و كانت سليمة عن المعارض، لالتزمنا بالتخصيص في النصوص المتقدّمة؛ لأنّها مطلقة من حيث الكفّارة و من حيث العذر، و هذه خاصّة بكفّارة الظهار و بعذر المرض، فيخصّص و يلتزم بالاستئناف و عدم جواز البناء على ما

مضى في خصوص هذا المورد، إلّا أنّها في موردها مبتلاة بالمعارض.

و هي صحيحة أخرى لرفاعة- الواردة في الظهار بعينه- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المظاهر إذا صام شهرا ثمّ مرض اعتدّ بصيامه «2». و معلوم أنّ المخصّص المبتلى في مورده بالمعارض غير صالح للتخصيص. إذا تسقط الروايتان بالمعارضة، فيرجع إلى عموم الروايات المتقدّمة الدالّة على البناء مطلقا «3».

أقول: و لا يجري في هذا المجال ما ذكرناه مرارا من اتّحاد الروايتين في مثل ذلك و عدم تعدّدهما؛ لأنّ فرض السؤال في الرواية الأخيرة لرفاعة كان من الإمام عليه السّلام، مع أنّ السؤال في روايته الأولى مذكور في كلام السائل، و الذي يسهّل الخطب أنّ المسألة اتّفاقيّة، و الرواية المخالفة معرض عنها.

ثمّ إنّ المشهور «4» المطابق لمقتضى التعليل إطلاق عدم مانعيّة الإفطار لعذر عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 285، الاستبصار 2: 125.

(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 65 ح 135، تهذيب الأحكام 8: 322 ح 1195، و عنهما وسائل الشيعة 10: 375، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 13، و ج 22: 396، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 25 ح 2.

(3) المستند في شرح العروة 22: 290- 291.

(4) رياض المسائل 5: 494، جواهر الكلام 17: 75.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 326

..........

______________________________

البناء؛ سواء كان في الشهرين المتتابعين، أو الكفّارات التي حكمنا فيها باعتبار التتابع احتياطا، و حكي عن صاحب المدارك «1» إنكار البناء مطلقا؛ نظرا إلى اختصاص النصوص بالشهرين بأجمعها ما عدا رواية ابن أشيم «2» الضعيفة على المشهور، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ، فيبقى المكلّف

في غيره تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال برعاية التتابع.

و يردّه: أنّ الروايات الدالّة على عدم قدح الإفطار لعذر و إن كانت واردة في مورد الشهرين، إلّا أنّ بعضها «3» مشتمل على التعليل الجاري في غيرهما، مضافا إلى أنّ أصل الحكم فيه احتياطي، كما عرفت.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 247.

(2) الكافي 4: 141 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 287 ح 868، و عنهما وسائل الشيعة 10: 371، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 2.

(3) و هي رواية سليمان بن خالد المتقدّمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 327

[و أمّا المندوب منه]

و أمّا المندوب منه فالمؤكّد منه أفراد:

منها: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، و أفضل كيفيّتها: أوّل خميس منه، و آخر خميس منه، و أوّل أربعاء في العشر الثاني.

و منها: أيّام البيض؛ و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر.

و منها: يوم الغدير؛ و هو الثامن عشر من ذي الحجّة.

و منها: يوم مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله؛ و هو السابع عشر من ربيع الأوّل.

و منها: يوم مبعثه صلّى اللّه عليه و آله؛ و هو السابع و العشرون من رجب.

و منها: يوم دحو الأرض؛ و هو الخامس و العشرون من ذى القعدة.

و منها: يوم عرفة لمن لم يضعفه الصوم عمّا عزم عليه من الدعاء مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد.

و منها: يوم المباهلة؛ و هو الرابع و العشرون من ذى الحجّة، يصومه بقصد القربة المطلقة، و شكرا لإظهار النبي صلّى اللّه عليه و آله فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام.

و منها: كلّ خميس و جمعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 328

و منها: أوّل ذى الحجّة إلى يوم التاسع.

و منها: رجب و شعبان كلّا أو بعضا و لو يوما من كلّ منهما.

و منها: يوم النيروز.

و منها: أوّل يوم من المحرّم و ثالثه (1).

______________________________

(1) يدلّ على استحباب الصوم في جميع الأيّام ما عدا الأيّام المحظورة و المكروهة- مضافا إلى كونه عبادة، و لازم العباديّة الاستحباب- قوله- تعالى- في الحديث القدسي: الصوم لي و أنا أجزي به «1»، و قوله: الصوم جنّة من النار «2»، و أنّ نوم الصائم عبادة «3»، و الأخبار الكثيرة «4». كما أنّها تدلّ على تأكّد استحبابه في الأيّام المذكورة في المتن.

و تلك الأخبار- و إن فرض الخلل في بعضها- تكون مستظهرة بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، و لا فرق في جريان هذه القاعدة بين أصل الاستحباب و تأكّده.

و عليه: فلا حاجة إلى البحث في كلّ واحد منها أصلا كما لا يخفى، و لو قلنا بشمول أخبار «5» «من بلغ» للفتاوي أيضا، يكفي الفتوى بذلك من مثل الماتن قدّس سرّه.

______________________________

(1) الفقيه 2: 44 ح 198، تهذيب الأحكام 4: 152 ح 420، و عنهما وسائل الشيعة 10: 400، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، ب 1 ح 15 و 16.

(2) الكافي 4: 62 ح 1 و 3، الفقيه 2: 44 ح 196 و ص 45 ح 200، تهذيب الأحكام 4: 191 ح 544، و عنها وسائل الشيعة 10: 395، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، ب 1 ح 1 و ص 398 ح 8 و ص 400 ح 13.

(3) الكافي 4: 64 ح 12، الفقيه 2: 46 ح 207، ثواب الأعمال: 75 ح 2 و 3، المقنعة: 304، و عنها

وسائل الشيعة 10: 396، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، ب 1 ح 4 و ص 401 ح 17 و ص 403 ح 23 و 24.

(4) وسائل الشيعة 1: 395- 407، كتاب الصوم المندوب، ب 1.

(5) وسائل الشيعة 1: 80- 82، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 18، و بحار الأنوار 2: 256 ب 30 ح 1- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 329

[و أمّا المكروه]

و أمّا المكروه فصوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفة، و كذا مع نهيه، و الأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن. و صوم الولد من دون إذن والده مع عدم الإيذاء له من حيث الشفقّة، و لا يترك الاحتياط مع نهيه و إن لم يكن إيذاء. و كذا مع نهي الوالدة. و الأحوط إجراء الحكم على الولد و إن نزل و الوالد و إن علا، بل الأولى مراعاة إذن الوالدة أيضا.

و الأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يضعفه الصوم عن الأدعية و الاشتغال بها، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيدا. و أمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها (1).

______________________________

(1) المراد بالكراهة ليست هي الكراهة المصطلحة، بل بمعنى قلّة الثواب إلّا بالإضافة إلى بعض الأقسام المذكورة في ذيل المسألة، و نقول:

من المكروهات صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفه، فضلا عن صورة نهيه، و قد احتاط بالترك حتّى مع عدم الإذن، فنقول:

إنّ الأقوال في المسألة على ما ذكرها في الجواهر ثلاثة: فالمعروف و المشهور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 330

..........

______________________________

الكراهة مطلقا «1»، و ذهب جماعة كالشيخين «2» و المحقّق في المعتبر «3»، و ابن

إدريس في السرائر «4»، و العلّامة في التبصرة «5»، و جمع آخر «6» إلى عدم الجواز، فلا يصحّ الصوم بدون الإذن.

و احتمل في الجواهر «7» تنزيل كلامهم على صورة النهي، فيتّحد مع القول الثالث الذي اختاره المحقّق في الشرائع من التفصيل بين عدم الإذن فيكره، و بين النهي فلا يصحّ و لا ينعقد، و الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة.

منها: صحيحة الفضيل بن يسار- التي رواها الصدوق عنه- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أبي جعفر عليه السّلام خ ل) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتّى يرحل عنهم، و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذنهم لئلّا يعملوا (له خ ل) الشي ء فيفسد (عليهم خ ل)، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف لئلّا يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم «8».

و الظاهر دلالتها على الكراهة، غاية الأمر أنّه لا يكون لها دلالة على أنّ الكراهة عامّة لجميع أهل البلد الذي يدخل عليه بالإضافة إلى المؤمنين، كما يدلّ عليه

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 467، جواهر الكلام 17: 116- 118، المستند في شرح العروة 22: 320.

(2) المقنعة: 367، النهاية 170، المبسوط 1: 283.

(3) المعتبر 2: 712.

(4) السرائر 1: 420.

(5) تبصرة المتعلّمين: 68.

(6) الروضة البهيّة 2: 137، الوافي 11: 88، الحدائق الناضرة 13: 253.

(7) جواهر الكلام 17: 118.

(8) الفقيه 2: 99 ح 444، علل الشرائع: 384 ب 115 ح 1 و 2، الكافي 4: 151 ح 3، و عنها وسائل الشيعة 10: 528، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم

و الاعتكاف، ص: 331

..........

______________________________

التعليل بقوله عليه السّلام: «لئلّا يعملوا ...» و التعبير بالعموم إنّما هو للإرشاد إلى أنّه ينبغي أن يكون ضيفا على واحد منهم، و يؤيّد الكراهة الحكم بها في عكس المسألة، مع أنّه لم يقل أحد بالحرمة فيه، بل لم يتعرّضوا للحكم بالكراهة فيه أصلا.

و صحيحة الصدوق أيضا بإسناده عن نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا إلّا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن مولاه و أمره، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن أبويه و أمرهما، و إلّا كان الضيف جاهلا، و كانت المرأة عاصية، و كان العبد فاسدا عاصيا، و كان الولد عاقّا «1».

و أمّا من حيث الدلالة: فقد حملها المحقّق «2» على صورة النهي ليتحقّق العصيان و الفسوق و العقوق، فيراد من جهل «الضيف» المذكور في الذيل صورة نهي المضيّف و عدمه، و لكنّ الظاهر أنّ لسانها لسان الكراهة؛ ضرورة عدم تحقّق العصيان و الفسوق بمجرّد عدم تحقّق الإذن.

و لكن هذا الحمل ممّا لا سبيل إليه؛ فإنّه من المحتمل أن يكون المراد من عصيان المرأة ما إذا كان الصوم منافيا لحقّ الزوج؛ فإنّه حينئذ محرّم، و المراد من العقوق خصوص صورة التأذّي، فالصوم المذكور مكروه أشدّ الكراهة؛ ضرورة أنّ المراد هو الصوم مع عدم استلزام التحريم بعنوان آخر من تضييع الحقّ أو التأذّي، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الفقيه 2: 99

ح 445، و عنه وسائل الشيعة 10: 530، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 10 ح 2.

(2) المعتبر 2: 712، شرائع الإسلام 1: 209.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 332

..........

______________________________

و ممّا ذكرنا ظهر حكم صوم التطوّع للولد بدون إذن الوالد؛ فإنّ الظاهر الاختصاص بصورة تحقّق الإيذاء المستلزمة للعقوق، من دون فرق بين الوالد و الوالدة، و من دون فرق بين أن يكون الولد في الرتبة الدانية أو عدمه، كما لا فرق في الوالدين بين الطبقة الأولى و الثانية و ما بعدها.

و أمّا ما أفاده في الذيل من أنّ الأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يضعفه الصوم عن الدعاء الذي كان بصدد الإتيان بها، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيدا محرّما فيه الصوم كما سيأتي، و ذكر عقيبهما: «و أمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها».

و الظاهر أنّ المراد به أنّ الإتيان بالصوم في اليومين المذكورين لا يرجع إلى الكراهة المصطلحة؛ بمعنى ثبوت الرجحان بالإضافة إلى الترك، كما أنّه لا يرجع إلى الكراهة في العبادات بمعنى قلّة الثواب، بل مرجع أولويّة الترك إلى أهميّة الدعاء في يوم عرفة، و رعاية عدم تحقّق الصوم في يوم العيد المحرّم و إن كان مقتضى الاستصحاب الجواز؛ نظرا إلى استصحاب عدم تحقّق العيد، كما أنّ الظاهر أنّه لو اختار الصوم بدلا عن الدعاء مع إرادة الاشتغال بها و حصول الضعف له، لا يكون صومه ذات حزازة أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 333

[و أمّا المحظور]

و أمّا المحظور فصوم يومي العيدين، و صوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أنّه من رمضان، و

صوم أيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكا كان أو لا، و الصوم وفاء بنذر المعصية، و صوم السكوت؛ بمعنى كونه كذلك منويّا و لو في بعض اليوم.

و لا بأس بالسكوت إذا لم يكن منويّا و لو كان في تمام اليوم. و صوم الوصال، و الأقوى كونه أعمّ من نيّة صوم يوم و ليلة إلى السحر و يومين مع ليلة، و لا بأس بتأخير الإفطار إلى السحر، و إلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم و إن كان الأحوط اجتنابه. كما أنّ الأحوط ترك الزوجة الصوم تطوّعا بدون إذن الزوج، بل لا تترك الاحتياط مع المزاحمة لحقّه، بل مع نهيه مطلقا (1).

______________________________

(1) الصوم المحظور على أنواع:

الأوّل: صوم يومي العيدين؛ فإنّه لا خلاف و لا إشكال في حرمته «1» حرمة تشريعيّة، كالصلاة و الصوم للمرأة الحائض؛ فإنّه لا يجوز الإتيان بواحد منهما

______________________________

(1) المعتبر 2: 712، رياض المسائل 5: 469، مستند الشيعة 10: 507، جواهر الكلام 17: 121، مستمسك العروة 8: 399، المستند في شرح العروة 22: 326.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 334

..........

______________________________

بقصد الأمر، و قد دلّت عليه النصوص المستفيضة «1»، بل من الأمور المسلّمة عند المتشرّعة. و المشهور «2» إطلاق القول بذلك، خلافا لما عن الصدوق و الشيخ و ابن حمزة «3» من الجواز في كفّارة القتل في أشهر الحرم، لكنّ الظاهر هو القول المشهور، و قد ذكر السيّد قدّس سرّه في العروة أنّ القول بجوازه للقاتل شاذّ، و الرواية «4» الدالّة عليه ضعيفة سندا و دلالة «5».

الثاني: صوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أنّه من رمضان، و الوجه في ذلك أنّه مع اقتضاء الاستصحاب عدم دخول رمضان

و بقاء شعبان، لا يكون متعلّقا للأمر الوجوبي و إن كان في الواقع من رمضان، فصوم يوم الشكّ كذلك بنيّة أنّه من رمضان تشريع محرّم.

الثالث: صوم أيّام التشريق لمن كان بمنى، ناسكا كان أو لا، و تدلّ عليه جملة من الروايات:

منها: موثّقة زياد بن أبي الحلال قال: قال لنا أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام، و لا بعد الفطر ثلاثة أيّام، إنّها أيّام أكل و شرب «6»، و نحوها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 513- 516، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1.

(2) المختصر النافع: 135، مختلف الشيعة 3: 376 مسألة 106، الحدائق الناضرة 13: 388، رياض المسائل 5: 471.

(3) النهاية: 166، الوسيلة: 148، و لم نجده في كتب الصدوق عاجلا.

(4) وسائل الشيعة 10: 380، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 8 ح 1 و 2.

(5) العروة الوثقى 2: 67.

(6) الكافي 4: 148 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 330 ح 1031، و عنهما وسائل الشيعة 10: 518، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 2 ح 9 و ص 519 ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 335

..........

______________________________

غيرها «1»، و هي و إن كانت مطلقة من جهة عدم التخصيص بمن كان بمنى، إلّا أنّ هنا روايات تدلّ على الاختصاص، مثل:

صحيحة أبي أيّوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يصوم ذا الحجّة كلّه إلّا أيّام التشريق ... الحديث «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيّام التشريق؟

فقال: أمّا بالأمصار فلا بأس به، و أمّا بمنى فلا «3».

و موثّقة عمّار بن موسى الساباطي،

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأضحى بمنى؟ فقال: أربعة أيّام «4». و من الواضح أنّ كونها أربعة لا يرجع إلى حرمة الصوم، و إلّا فأفعال الحجّ قسم منها يختصّ بيوم العيد، و قسم منها مشترك بين العيد و الاثنين بعده، فالمراد هو الصوم.

ثمّ إنّ قوله عليه السّلام في موثّقة زياد بن أبي الحلال: «و لا بعد الفطر ثلاثة أيّام» و إن لم يقع الفتوى به و لا بدّ من حمله على الكراهة، إلّا أنّ وحدة السياق مع قيام الروايات المتكثّرة على المنع في المقام لا تقتضي الحكم بالكراهة فيه.

ثمّ إنّ الظاهر- كما أفاده في المتن- إطلاق الحكم لمن كان بمنى بالنسبة إلى الناسك و غيره، فلا وجه لتوهّم الفرق بينهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 519، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 3.

(2) الكافي 4: 138 ح 4، تهذيب الأحكام 4: 329 ح 1027، الفقيه 2: 97 ح 438، و عنها وسائل الشيعة 10:

373، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 8.

(3) تهذيب الأحكام 4: 297 ح 897، الاستبصار 2: 132 ح 429، المقنع: 284، و عنها وسائل الشيعة 10:

516، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 2 ح 1.

(4) الفقيه 2: 291 ح 1439، و عنه وسائل الشيعة 10: 517، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 2 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 336

..........

______________________________

الرابع: الصوم وفاء بنذر المعصية، و السرّ فيه: أنّ نذر المعصية حيث لا يكاد ينعقد؛ لاعتبار الرجحان في متعلّق النذر، و من المحقّق أنّ عنوان الوفاء بالنذر عنوان قصديّ؛ لا يكاد يتحقّق من دون قصد

الوفاء، ينتج أنّ الصوم بهذا القصد لا يكون واجدا لمزيّة، فلا يكاد يشرع الإتيان به لحصول التشريع، و نحن و إن حقّقنا جواز اجتماع الأمر و النهي، بل و صحّة المجمع إذا كان عبادة، كالصلاة في الدار المغصوبة «1»، إلّا أنّ ذلك فيما إذا تعلّق القصد بعنوان الصلاة فقط، و في المقام أيضا نقول بالصحّة مع تعلّق القصد بعنوان الصوم، و أمّا الصوم بعنوان الوفاء فلا.

و قال السيّد في العروة: و يلحق به ما إذا نذر الصوم زجرا عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها «2». و يدلّ على ذلك أيضا ما رواه الصدوق بإسناده عن الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام في حديث قال: و صوم نذر المعصية حرام «3».

و بإسناده عن حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد، عن أبيه جميعا، عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام- في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام- قال: و صوم نذر المعصية حرام «4»، و غير ذلك من الروايات.

الخامس: صوم السكوت؛ بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه، و السرّ فيه: أنّ الأمور التي يجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 2.

(2) العروة الوثقى 2: 68، الرابع.

(3) الفقيه 2: 47 قطعة من ح 208، المقنعة: 366، و عنهما وسائل الشيعة 10: 513، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 4: 266 قطعة من ح 821، و عنه وسائل الشيعة 10: 525، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 6 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم

و الاعتكاف، ص: 337

..........

______________________________

الإمساك عنها معدودة محدودة، و السكوت ليس منها، فإذا نواه في رديف سائر الأمور يكون غير مشروع، فتتحقّق الحرمة التشريعيّة. نعم، إذا لم يجعله قيدا و في رديف سائر الأمور- و إن كان بانيا على السكوت تمام النهار لئلّا يجري في كلامه التهمة و الكذب و نحوهما- فلا مانع منه.

السادس: صوم الوصال بكلا محتمليه اللذين هما: صوم يوم و ليلة إلى السحر، أو صوم يومين و ليلة؛ بأن جعل ترك الإفطار في الليلة جزءا من صومه، و العلّة دلالة الآية الشريفة على وجوب إتمام الصوم إلى الليل «1»، و بعده يجوز الأكل و الشرب إلى الفجر، فإذا جعل الليل جزءا فهو غير مشروع. نعم، في المتن:

«لا بأس بتأخير الإفطار إلى السحر و إلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم»، و إن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك.

السابع: ما جعله مقتضى الاحتياط مطلقا؛ و هو صوم الزوجة تطوّعا بدون إذن الزوج، بل نهى عن ترك الاحتياط فيما إذا كان صوم الزوجة كذلك منافيا لحقّ الزوج، بل فيما إذا نهى الزوج و إن لم يكن منافيا لحقّه، كما فعله السيّد قدّس سرّه في العروة «2»، و السرّ فيه: أنّه لا يكاد يزاحم حقّ الزوج شي ء من المستحبّات، و قد ذكرنا في كتاب الحجّ في مبحث الحجّ النذري «3» أنّ نذر الزوجة الحجّ من مال نفسها يحتاج إلى الإذن و إن كان المال لها بشخصها، فإذا نهاها عن الصوم تطوّعا لا تترك الاحتياط بالعدم، فضلا عمّا إذا كان صومها منافيا لحقّه. و يدلّ على ذلك أيضا روايات:

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 187.

(2) العروة الوثقى 2: 68، السابع.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ

1: 441- 444، المبحث الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 338

..........

______________________________

منها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها «1».

و منها: مرسلة القاسم بن عروة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها «2».

و منها: غير ذلك من الروايات «3».

هذا تمام الكلام في شرح كتاب الصوم من تحرير الوسيلة، و أنا العبد المفتاق إلى رحمة الربّ الغفور الكامل الغنيّ محمّد الفاضل اللنكراني، عفي عنه و عن والديه المرحومين، و من اللّه أستمدّ لإتمام هذا الشرح و إن كان كلّ ما يتمنّى المرء لا يدركه، إلّا أنّ العناية الإلهيّة و النعمة الربوبيّة تجعل للإنسان الاطمئنان بذلك، هذا مع كبر السنّ، و وجود أمراض كثيرة محتاجة إلى المعالجة الدائميّة، و هذه الليلة ليلة ولادة أمّ الأئمّة عليهم السّلام و سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء- سلام اللّه عليها و على أبيها و على بعلها، و على الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام من ولدها- من سنة 1424 من الهجرة النبويّة القمريّة، و السلام على من اتّبع الهدى.

______________________________

(1) الكافي 4: 152 ح 4، و عنه وسائل الشيعة 10: 527، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 8 ح 1.

(2) الكافي 4: 151 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 10: 527، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 8 ح 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 527- 528، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 339

[خاتمة في الاعتكاف]

[تعريف الاعتكاف]

خاتمة في الاعتكاف و هو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به. و لا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أخرى خارجة عنه و إن كان هو الأحوط، و هو مستحبّ بأصل الشرع، و ربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة و نحوها، و يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم، و أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الآخر منه.

و الكلام في شروطه و أحكامه (1).

______________________________

(1) الكلام يقع في أمور:

الأوّل: أنّ الاعتكاف بحسب اللغة «1» هو الاحتباس و الإقامة على شي ء بالمكان، كما في قوله- تعالى-: (وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) «2». و قوله- تعالى-: (يَعْكُفُونَ عَلىٰ أَصْنٰامٍ لَهُمْ) «3»، و غير ذلك من الموارد، و لكنّه في الشرع عبارة عن اللبث في المسجد «4» بقصد العباديّة، كما هو المرتكز عند المتشرّعة.

______________________________

(1) لسان العرب 4: 401، مجمع البحرين 2: 1253- 1254، المفردات: 343.

(2) سورة البقرة 2: 187.

(3) سورة الأعراف 7: 138.

(4) جامع المقاصد 3: 94، رياض المسائل 5: 503، مستند الشيعة 10: 543، جواهر الكلام 17: 159، المستند في شرح العروة 22: 335.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 340

..........

______________________________

الثاني: أنّه هل يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أخرى خارجة عن اللبث، كالاشتغال بالصلاة، أو بقراءة القرآن، أو نحوهما؟ الظاهر هو العدم و إن جعله مطابقا للاحتياط الاستحبابي.

و الدليل عليه أوّلا: ظاهر الكتاب، قال- تعالى-: (وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) «1»؛ نظرا إلى أنّ جعل الاعتكاف قسيما للطواف و الركوع و السجود دليل على أنّ الاعتكاف عبادة مستقلّة كسائر العناوين.

و ثانيا: الروايات، مثل:

صحيحة داود بن سرحان قال:

كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال:

لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك «2». فجواب الإمام عليه السّلام و اقتصاره على مجرّد الكون في المسجد، المقرون بقصد العباديّة لا محالة دليل على عدم اعتبار غير ذلك.

الثالث: أنّه مستحبّ بأصل الشرع، و قال في المتن: إنّه ربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو غيرها.

أقول: أمّا استحبابه بأصل الشرع فلا مجال لإنكاره؛ لثبوته كذلك عند المتشرّعة حتّى النبي صلّى اللّه عليه و آله من الصدر الأوّل، و يدلّ على ذلك السؤال عن بعض خصوصيّاته في الروايات، مثل ما مرّ و غيره.

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 125.

(2) الفقيه 2: 122 ح 528، الكافي 4: 178 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 287 ح 870، و عنها وسائل الشيعة 10:

550، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 341

..........

______________________________

و أمّا الوجوب لأجل مثل العناوين المذكورة في المتن، فلعلّه يخالف ظاهرا مع ما تكرّر من الماتن قدّس سرّه في موارد متعدّدة؛ من أنّ الواجب في النذر هو عنوان الوفاء به، و لا يسري الحكم من هذا العنوان إلى المنذور، فصلاة الليل لا تصير واجبة و لو تعلّق النذر بها، و هكذا في العهد و اليمين و الإجارة و مثلها.

الرابع: أنّه يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم؛ لعدم التقييد بوقت خاصّ. نعم، أفضل أوقاته شهر رمضان، و يدلّ عليه مثل:

موثّقة السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول

اللّه صلى اللّه عليه و آله: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين و عمرتين «1». و لو نوقش في سند الرواية يكون في البين قاعدة التسامح في أدلّة السنن.

و أفضله العشر الأواخر منه، كما هو المعروف من سيرة النبي صلى اللّه عليه و آله، و تدلّ عليه صحيحة أبي العبّاس البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اعتكف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في شهر رمضان في العشر الاول، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل صلى اللّه عليه و آله يعتكف في العشر الأواخر «2»؛ فإنّ استمرار الاعتكاف منه صلى اللّه عليه و آله في العشر الأواخر كاشف عن شدّة الاهتمام به في هذا الوقت، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الفقيه 2: 122 ح 531، المقنع: 210، و عنهما وسائل الشيعة 10: 534، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3.

(2) الكافي 4: 175 ح 3، الفقيه 2: 123 ح 535 و عنهما وسائل الشيعة 10: 534، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 343

[القول في شروطه]

اشارة

القول في شروطه

[يشترط في صحّته أمور]

اشارة

يشترط في صحّته أمور:

[الأوّل: العقل]

الأوّل: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو أدوارا في دور جنونه، و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل.

[الثاني: النيّة]

الثاني: النيّة، و لا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة و الإخلاص.

و لا يعتبر فيها قصد الوجه- من الوجوب أو الندب- كغيره من العبادات، فيقصد الوجوب في الواجب و الندب في المندوب و إن وجب فيه الثالث، و الأولى ملاحظته في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث.

و وقتها في ابتداء الاعتكاف: أوّل الفجر من اليوم الأوّل؛ بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه، و يجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع، بل الأحوط إدخال الليلة الأولى أيضا و النيّة من أوّلها (1).

______________________________

(1) يشترط في صحّة الاعتكاف أمور:

الأمر الأوّل: العقل، و يترتّب عليه عدم الصحّة من المجنون و لو أدوارا في دور جنونه، و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل، و جعل «الأمر الأوّل» العقل دون البلوغ- كما في المتن- إنّما هو لأجل أنّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة، كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 344

..........

______________________________

حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة «1»، خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من أنّ الاعتكاف لا يكون بعنوانه إلّا مستحبّا، و لا يعرض عليه الوجوب و لو صار متعلّقا للنذر و شبهه.

و كيف كان، فالوجه في اعتبار العقل في صحّة الاعتكاف أنّه لا اعتبار بقصد المجنون و فاقد العقل، و لذا يكون عمده خطأ و الدية على العاقلة، فقصده كلا قصد، و لا فرق في المجنون بين المطبق و الأدواري في دور جنونه.

الأمر الثاني: النيّة، و المراد منها نيّة عنوان الاعتكاف؛ لأنّ مجرّد اللبث في المسجد لا

ينطبق عليه هذا العنوان؛ لأنّه من العناوين القصديّة، كعنوان الصلاة و عنوان الصوم، و يشترط فيه زائدا على قصد الاعتكاف القربة و الإخلاص؛ للاعتبار في العناوين العباديّة، و يحتمل أن يكون المراد من التعيين في المتن عدم لزوم تعيين الاعتكاف، و أنّه هو الأوّل أو الثاني فيما إذا تعدّد، كما قد صرّح به في العروة «2»، غاية الأمر أنّه اعتبر التعيين في مثل الصورة بعنوانه، و لا دليل عليه أصلا، كما أنّه لا إشعار في العبارة بذلك، بل هي منطبقة على ما ذكرنا من قصد العنوان.

نعم، لا يعتبر فيه قصد الوجه كغيره من العبادات، خصوصا بعد عدم اتّصافه بالوجوب أصلا، بل الواجب هي العناوين الأخرى المتّحدة معه. نعم، لا بأس بالالتزام بوجوبه بالإضافة إلى اليوم الثالث، الذي يجب البقاء على الاعتكاف فيه بصيامه و رعاية وظائفه.

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة 1: 355- 370.

(2) العروة الوثقى 2: 71، الأمر الثالث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 345

[الثالث: الصوم]

الثالث: الصوم، فلا يصحّ بدونه، و لا يعتبر فيه كونه له، فيكفي صوم غيره واجبا كان أو مستحبّا، مؤدّيا عن نفسه أو متحمّلا عن غيره؛ من غير فرق بين أقسام الاعتكاف و أنواع الصيام، بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري و الإجاري في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة، و كان عليه صوم منذور، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاء بالنذر (1).

______________________________

و الوقت للشروع فيه هو أوّل اليوم من أيّام الاعتكاف؛ بمعنى عدم جواز التأخير عنه، و يجوز أن يشرع فيه في أوّل الليلة و في أثنائه، بل احتاط في المتن استحبابا بإدخال جميع الليلة الأولى في الاعتكاف؛

بأن ينويه حين الشروع، و ذكر فيه أيضا أنّ الأولى ملاحظة اليوم الثالث في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث؛ لصيرورة الاعتكاف بالإضافة إليه واجبا كما مرّ ذكره، و غير خفيّ أنّ المراد بالنيّة هنا لا يغاير المراد بها في مثل الصلاة و الصوم؛ فإنّ المراد في الجميع ليس هو الإخطار، بل الداعي الذي لا بدّ من بقائه إلى آخر العمل و لو ارتكازا، و لا ينافيه النوم بوجه.

(1) يدلّ على اشتراط الاعتكاف بالصيام- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه بل الاجماع «1» عليه- عدّة كثيرة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: لا اعتكاف إلّا بصوم ...

الحديث «2». و ظاهرها نفي الصحّة كما لا يخفى.

______________________________

(1) المعتبر 2: 726، رياض المسائل 5: 504، مستند الشيعة 10: 545، جواهر الكلام 17: 164، مستمسك العروة 8: 542.

(2) الفقيه 2: 119 ح 516، الكافي 4: 176 ح 3، و عنهما وسائل الشيعة 10: 536، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 346

[الرابع: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة]

الرابع: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة. و أمّا الأزيد فلا بأس به، و لا حدّ لأكثره و إن وجب الثالث لكلّ اثنين، فإذا اعتكف خمسة أيّام وجب السادس، و إذا صار ثمانية وجب التاسع على الأحوط و هكذا. و اليوم من

______________________________

و مثلها: صحيحة محمّد بن مسلم «1». و في موثّقته التي عدّت رواية مستقلّة- و لكنّ الظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الأولى- قوله عليه السّلام: لا يكون الاعتكاف إلّا بصيام «2». و غير ذلك من الروايات «3» الواردة بهذا المضمون.

و الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا الأمر

أنّ المستفاد من الأدلّة مدخليّة طبيعة الصيام في تحقّق الاعتكاف، فلا فرق بين أقسام الصوم و أقسام الاعتكاف، و كونه مؤدّيا عن نفسه أو عن غيره، و قد عرفت استمرار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على الاعتكاف في شهر رمضان، خصوصا في العشر الأواخر منه، و في المتن «بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري و الإجاري في شهر رمضان»، خصوصا مع ما عرفت من أنّ الأمر في العنوانين لم يتعلّق إلّا بالوفاء بهما.

نعم، لو كان هناك انصراف في البين لا يجوز، و قد ترقّى في المتن إلى أنّه «لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة، و كان عليه صوم منذور، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاء بالنذر»؛ لعدم تقيّد أحد النذرين بما يخالف الآخر؛ لما عرفت من أنّ الشرط هي الطبيعة.

هذا، و قد فرّع السيّد في العروة على اعتبار هذا الأمر أنّه لا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز الصوم فيها، و لا من الحائض و النفساء، و لا في

______________________________

(1) الكافي 4: 176 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 10: 536، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 6.

(2) تهذيب الأحكام 4: 288 ح 874، و عنه وسائل الشيعة 10: 537، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 535- 538، كتاب الاعتكاف ب 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 347

طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقيّة، فلو اعتكف من طلوع الفجر إلى غروب اليوم الثالث كفى، و لا يشترط إدخال الليلة الأولى و لا الرابعة و إن جاز، و في كفاية الثلاثة التلفيقيّة؛ بأن يشرع من زوال يوم مثلا إلى زوال الرابع، تأمّل و إشكال (1).

______________________________

العيدين «1»،

و يرد على بعض ما فرّع أنّه بالنسبة إلى الحائض و النفساء لا يكون بطلان الاعتكاف لأجل عدم صحّة الصوم منهما، بل لأجل عدم جواز اللبث في المسجد عليهما، كما لا يخفى.

(1) يدلّ على اعتبار هذا الأمر أيضا- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه، بل الإجماع عليه «2»- عدّة من الروايات:

منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام، الحديث «3».

و مثلها: موثّقة عمر بن يزيد «4» بضميمة ارتكاز الاستمرار في الاعتكاف، و لولاه كان يتحقّق بثلاثة أيّام و إن خرج في لياليها من المسجد، لكن هذا الارتكاز يحكم بدخول الليلتين المتوسّطتين. و أمّا الأزيد من الثلاثة فقد حكم في المتن بأنّه

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 71، الأمر الرابع.

(2) المعتبر 2: 728، منتهى المطلب: 9/ 478، رياض المسائل 5: 505، مستند الشيعة 10: 546- جواهر الكلام 17: 166، مستمسك العروة 8: 544.

(3) الكافي 4: 177 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 289 ح 876، الاستبصار 2: 128 ح 418، الفقيه 2: 121 ح 525، و عنها وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 289 ح 878، الاستبصار 2: 129 ح 419، و عنهما وسائل الشيعة 10: 545، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 348

..........

______________________________

لا بأس به، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه «1».

و يدلّ عليه موثّقة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد

الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أخر «2». و دلالتها على جواز الأزيد من الثلاثة في الجملة ممّا لا إشكال فيها، و قد صرّح في العروة بأنّه لا بأس بالأزيد و إن كان الزائد يوما أو بعض يوم، أو ليلة أو بعضها «3».

أقول: الزائد إذا كان يوما أو يومين فلا مانع منه. و أمّا إذا كان بعض يوم فالظاهر أنّه لا يجتمع مع اعتبار الصوم في أيّام الاعتكاف كما عرفت. و ذكر في المتن أنّه «لا حدّ لأكثره»، فالظاهر أنّ الدليل عليه عدم تعرّض الدليل لبيان الحدّ الأكثر، فمقتضى الإطلاقات الجواز كذلك. نعم، اليوم الثالث من كلّ يومين يجب اعتكافه، كاليوم الثالث من الاعتكاف الأوّل، كما يدلّ عليه الموثّقة التي تقدّمت آنفا، و احتاط في المتن وجوبا ذلك.

بقي الكلام في المراد من اليوم الذي لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام؛ و الظاهر أنّ المراد منه هو اليوم الذي يجب صيامه في شهر رمضان، فهو من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقيّة، و قد عرفت أنّ دخول الليلتين المتوسّطتين إنّما هو

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 546، جواهر الكلام 17: 166، مستمسك العروة 8: 544، المستند في شرح العروة 22: 355.

(2) الكافي 4: 177 ح 4، الفقيه 2: 121 ح 527، تهذيب الأحكام 4: 288 ح 872، الاستبصار 2: 129 ح 420، و عنها وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 3.

(3) العروة الوثقى 2: 72، الأمر الخامس.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 349

[الخامس: أن يكون في أحد المساجد الأربعة]

الخامس: أن يكون في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة، و

مسجد البصرة، و في غيرها محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط في سائر المساجد الجامعة بإتيانه رجاء و لاحتمال المطلوبيّة.

و أمّا غير الجامع كمسجد القبيلة أو السوق فلا يجوز (1).

______________________________

لارتكاز الاستمرار في تحقّق الاعتكاف. و لا يشترط إدخال الليلة الأولى و لا الليلة الرابعة. و في المتن: «و في كفاية الثلاثة التلفيقيّة؛ بأن يشرع من زوال يوم مثلا إلى زوال الرابع، تأمّل و إشكال». و الظاهر أنّ وجه التأمّل و الإشكال عدم تحقّق الثلاثة عرفا بذلك، و إذا كان الشروع من الزوال و الختم إليه يتحقّق هذا العنوان، و لكنّ الظاهر هو الأوّل.

(1) حكي عن المشهور، بل ادّعي عليه الإجماع «1»: أنّ الاعتكاف لا يصحّ إلّا في المساجد الأربعة المذكورة في المتن، و عن جماعة كالمحقّق و الشهيدين، و المفيد من المتقدّمين «2»، و كثير من المتأخّرين «3»: أنّه يصحّ في كلّ مسجد جامع، بخلاف مثل مسجد القبيلة و السوق، و ربما يقال «4» بصحّة الاعتكاف في كلّ مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة، و الدليل على القول المنسوب إلى المشهور روايتان:

إحداهما: مرسلة المفيد في المقنعة قال: روي أنّه لا يكون الاعتكاف إلّا في

______________________________

(1) الانتصار: 200، الخلاف 2: 227، الغنية: 146، المعتبر 2: 731، منتهى المطلب 9: 491- 492، مختلف الشيعة 3: 441، رياض المسائل 5: 507- 510.

(2) المقنعة: 363، المعتبر 2: 732، شرائع الإسلام 1: 193، الدروس الشرعيّة 1: 298، اللمعة الدمشقيّة:

61، مسالك الأفهام 2: 99، الروضة البهيّة 2: 150.

(3) ذخيرة المعاد: 539، مستند الشيعة 10: 553، جواهر الكلام 17: 172- 173، كشف الغطاء 4: 97.

(4) القائل هو ابن أبي عقيل، على ما حكى عنه في منتهى المطلب 9: 491.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصوم و الاعتكاف، ص: 350

..........

______________________________

مسجد جمع فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ، قال: و هي أربعة مساجد: المسجد الحرام جمع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و مسجد المدينة جمع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام، و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين عليه السّلام «1». و الجواب عن الاستدلال بها- مضافا إلى أنّ المفيد قدّس سرّه لم يعمل بها بشخصه- أنّها من المرسلات التي لا اعتبار بها؛ لأنّها منسوبة إلى الرواية، كما ذكرناه مرارا.

ثانيتهما: صحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة، و مسجد المدينة و مسجد مكّة «2». و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة قرينة على أنّ المراد بالإمام العدل هو الإمام المعصوم عليه السّلام.

و دعوى «3» أنّ انسباق الإمام العدل إلى المعصوم عليه السّلام غير ظاهر؛ لأنّه ليس إلّا كالشاهد العدل، مدفوعة باستلزامها اللغويّة للجملة الأخيرة بعد صلاة الإمام المعصوم عليه السّلام جماعة في المساجد الأربعة قطعا، خصوصا مع التعبير بعدم البأس، فالإنصاف تماميّة دلالتها و صحّة سندها كما عرفت.

و أمّا القول الذي ذهب إليه كثير من المتأخرين، فيدلّ عليه عدّة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع ... الحديث «4».

______________________________

(1) المقنعة: 363، المقنع: 209، و عنهما وسائل الشيعة 10: 542، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 12.

(2) الكافي 4: 176 ح 1، الفقيه 2:

120 ح 519، و عنهما وسائل الشيعة 10: 540، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 8.

(3) المستند في شرح العروة 22: 368.

(4) الفقيه 2: 119 ح 516، الكافي 4: 176 ح 3، و عنهما وسائل الشيعة 10: 536، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 3 و ص 538 ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 351

..........

______________________________

و منها: صحيحة داود بن سرحان: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله، أو مسجد جامع ... الحديث «1».

و منها: موثّقة علي بن عمران (غراب خ ل) عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال:

المعتكف يعتكف في المسجد الجامع «2».

و ربما تجعل «3» هذه الطائفة قرينة على عدم كون المراد بالإمام العدل هو المعصوم عليه السّلام؛ نظرا إلى أنّه لو فرض كون المراد هو الإمام المعصوم عليه السّلام يلزم التقييد في هذه الطائفة؛ و هو حمل المطلق على الفرد النادر.

و يردّه- مضافا إلى أنّ الوجه في التعبير عن المسجدين الآخرين بمسجد جامع، لعلّه لصلاة علي عليه السّلام نفسه فيهما، و لعلّه لم يرد التصريح بهما لأجل ذلك، و أنّ المساجد الجامعة في عصر صدور هذه الطائفة لم تكن تتجاوز عن المساجد الأربعة.

نعم، مثل مسجد قبا الذي بناه النبي صلى اللّه عليه و آله قبل الورود بالمدينة كان موجودا، و لكنّه لم يكن مسجدا جامعا و إن كان التعبير في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه قد جمع فيها نبيّ أو وصيّ نبيّ يشمله؛ لأنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله قد صلّى

فيه قطعا، كما أنّ التعبير بأنّه قد صلّى فيه إمام عدل يشمله و إن قلنا بأنّ المراد بالإمام العدل هو المعصوم عليه السّلام لما ذكر،- أنّ الظاهر أنّ التصريح بالمساجد الأربعة يشكل التجويز في

______________________________

(1) الكافي 4: 176 ح 2، الفقيه 2: 120 ح 521، تهذيب الأحكام 4: 290 ح 884، الاستبصار 2: 126 ح 411، و عنها وسائل الشيعة 10: 541، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 10.

(2) تهذيب الأحكام 4: 290 ح 880، الاستبصار 2: 127 ح 413، و عنهما وسائل الشيعة 10: 539، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 4.

(3) المستند في شرح العروة 22: 368.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 352

[السادس: إذن من يعتبر إذنه]

السادس: إذن من يعتبر إذنه، كالمستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ إذا وقعت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف، و إلّا فاعتبار إذنه غير معلوم، بل معلوم العدم في بعض الفروض، و كالزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافيا لحقّه على إشكال، و لكن لا يترك الاحتياط، و الوالدين بالنسبة إلى ولدهما إن كان مستلزما لإيذائهما، و مع عدمه لا يعتبر إذنهما و إن كان أحوط (1).

______________________________

غيرها و لو كان جامعا، و قد صلّى فيه إمام عادل فضلا عن غيره، كالجوامع الموجودة في بلادنا.

فالإنصاف مع ما في المتن من النهي عن ترك الاعتكاف في المساجد الجامعة غير الأربعة إلّا احتياطا و برجاء احتمال المطلوبيّة. و أمّا مسجد القبيلة و السوق و مثلهما فلا دليل على جواز الاعتكاف فيها بوجه.

(1) لا إشكال «1» في عدم اعتبار الإذن بالإضافة إلى الأجير العامّ، كاستئجار شخص على خياطة ثوب. و أمّا الأجير الخاصّ فهو على قسمين:

الأوّل: ما إذا صارت جميع منافع الأجير

ملكا للمستأجر حتّى منفعة الاعتكاف، فالأجير حينئذ يصير بالإضافة إلى المنافع كالعبد، و لا شبهة في اعتبار إذن المستأجر في هذه الصورة كما في المشبّه به.

القسم الثاني: ما إذا صارت منفعته التي ملكها المستأجر منافية للاعتكاف، كالأجير لسفر خاصّ مناف للاعتكاف، ففي هذا القسم ذكر في المتن أنّ اعتبار إذنه غير معلوم.

و الوجه فيه: أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه و لو كانا من الضدّين

______________________________

(1) مستمسك العروة 8: 550، المستند في شرح العروة 22: 373.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 353

..........

______________________________

لا ثالث لهما؛ لما حقّقناه في الأصول من صحّة الترتّب، بل ذكرنا أنّ اجتماع الأمرين في موارده الاصطلاحيّة ليس بنحو الترتّب، بل كلا الأمرين ثابتان في رتبة واحدة و عرض واحد «1».

مضافا إلى أنّ الأمر في المثال لم يتعلّق بالسفر، بل بالوفاء بعقد الإجارة كما مرّت مكرّرا. و في المتن: أنّ اعتبار إذن المستأجر في هذا القسم معلوم العدم في بعض الفروض، و لعلّ المراد من بعض الفروض ما إذا لم يكن هناك منافاة أصلا، كما إذا استأجره لخياطة ثلاثة أيّام معيّنة، و فرض إمكان الاشتغال بها في حال الاعتكاف و إن كان أجيرا في أيّامه الخاصّة.

و أمّا الزوج بالإضافة إلى الزوجة، ففيما إذا لم يكن الاعتكاف منافيا لحقّه، كما لو فرض قصده السفر في أيّام اعتكاف الزوجة، فلا إشكال في عدم اعتبار إذنه؛ لعدم المنافاة لحقّ الزوج بوجه. و أمّا إذا كان منافيا لحقّه فقد استشكل في المتن في اعتبار إذن الزوج في هذه الصورة، و لكن نهى عن ترك الاحتياط؛ يعني برعاية إذنه. و الوجه في الاستشكال دلالة الروايات الكثيرة على حرمة الخروج من

المنزل و المكث خارجه، كما هو المحقّق نوعا في الاعتكاف مع فرض التنافي لحقّ الزوج، فالعنوان المحرّم حينئذ ليس هو عنوان الاعتكاف، بل عدم رعاية حقّ الزوج، اللّهم إلّا أن يقال باعتبار إذنه في الصوم التطوّعي للزوجة، كما هو كذلك نوعا بالإضافة إلى اليومين الأوّلين من الاعتكاف. و كيف كان، فالمسألة مشكلة.

و أمّا الوالدان بالنسبة إلى الولد، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان اعتكافه مستلزما لإيذائهما، و بين ما إذا لم يكن كذلك، كما فيما إذا كان بدون اطّلاعهما، أو مع

______________________________

(1) سيرى كامل در اصول فقه 6: 241- 244.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 354

[السابع: استدامة اللبث في المسجد]

السابع: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج عمدا و اختيارا لغير الأسباب المبيحة بطل و لو كان جاهلا بالحكم. نعم، لو خرج ناسيا أو مكرها لا يبطل، و كذا لو خرج لضرورة عقلا أو شرعا أو عادة، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة و نحو ذلك. و لا يجوز الاغتسال في المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله، و يجب عليه التيمّم و الخروج للاغتسال، و في غيرهما أيضا إن لزم منه اللبث أو التلويث، و مع عدم لزومهما جاز، بل هو الأحوط و إن جاز الخروج له (1).

______________________________

موافقتهما، فاعتبر الإذن في الصورة الأولى دون الثانية و إن احتاط فيها استحبابا.

أقول: الأمر في الصورة الثانية واضح. و أمّا الصورة الأولى، فلو فرض حرمة الإيذاء و لم نقل بعدمها؛ نظرا إلى أنّ الواجب هو البرّ و الإحسان، كما في الآيات الكريمة المتعدّدة في قوله- تعالى-: (وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً)* «1»، و في قصّة عيسى عليه

السّلام:

(وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي) «2» و غيرهما. نقول: إنّ حرمة الإيذاء لا تكاد تسري إلى الاعتكاف في صورة الاتّحاد في الخارج، فضلا عن الاستلزام كما هو الواقع. نعم، شرطيّة إذن الوالدين بالإضافة إلى الصوم الاستحبابي الذي هو من شرائط الاعتكاف قد تقدّم «3» البحث فيها. نعم، لا بأس بالاحتياط في كلتا الصورتين.

(1) و الوجه في اعتبار هذا الأمر- مضافا إلى أنّ حقيقة الاعتكاف هو اللبث في المسجد، و من المعلوم أنّه ليس المراد به هو طبيعي المكث، بل المكث في المسجد

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 83، سورة النساء 4: 36، سورة الأنعام 6: 151، سورة الإسراء 17: 23، سورة الأحقاف 46: 15.

(2) سورة مريم 19: 32.

(3) في ص 334.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 355

..........

______________________________

ثلاثة أيّام، و قد عرفت «1» ارتكاز الاستمرار في المكث في المدّة المزبورة- الروايات الكثيرة الظاهرة في عدم جواز الخروج من المسجد؛ أي اختيارا و من دون شي ء من الأسباب المبيحة، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك لعلّ أظهرها من حيث الدلالة:

صحيحة داود بن سرحان قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك «2».

ثمّ إنّ صريح المتن: أنّه لا فرق في صورة العمد و الاختيار في بطلان الاعتكاف بسبب الخروج عن المسجد بين العالم و الجاهل، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الجاهل المقصّر و الجاهل القاصر، و الحكم في الجاهل المقصّر ظاهر؛ لأنّه بحكم العالم. و أمّا الجاهل

القاصر؛ فلافتقار الحكم بصحّة عمله- بعد كونه فاقدا لبعض الأمور المعتبرة- إلى قيام دليل يدلّ عليه حتّى يقيّد بسببه إطلاق دليل اعتبار ذلك الأمر، كحديث «لا تعاد» «3» في باب الصلاة في غير الأمور الخمسة المستثناة فيه.

نعم، ربما يتوهّم تكفّل حديث «رفع ما لا يعلمون» «4» لذلك. و لكنّه محلّ إشكال

______________________________

(1) في ص 341.

(2) تقدمت في ص 342.

(3) تهذيب الأحكام 2: 152 ح 597، الفقيه 1: 181 ح 857، و عنهما وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1.

(4) الفقيه 1: 36 ح 132، الخصال 2: 417 ح 9، التوحيد: 353 ح 24، و عنها وسائل الشيعة 7: 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2، و ج 8: 249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2، و ج 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 56 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 356

..........

______________________________

سندا و دلالة، و التحقيق في محلّه.

و أمّا صورة الإكراه، فيدلّ على جواز الخروج في هذه الصورة مثل صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة، باعتبار استثناء صورة الحاجة التي لا بدّ منها؛ فإنّ الإكراه من موارد الحاجة التي لا بدّ منها؛ لعدم الفرق في لابدّيّة الحاجة بين أن يكون لأجل شخصه، أو لأجل الغير تحفّظا على نفسه أو عرضه أو ماله كما لا يخفى. و إن شئت قلت: إنّ اللّابديّة في كليهما ترجع إلى نفسه و شخصه، فتدبّر.

و أمّا صورة النسيان، فالمشهور عدم قدحه «1»، بل كما عن الجواهر «2» نفي الخلاف في استثنائها، و ربما يستدلّ له تارة بانصراف دليل النهي عن

الخروج عن مثله؛ لعدم صدور الفعل منه عن توجّه و اختيار. و أخرى بحديث رفع النسيان الوارد بسند صحيح «3». و اورد على الأوّل بمنع الانصراف، و على الثاني بما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه ممّا ملخّصه: أنّ الصحّة و البطلان بالإضافة إلى الواقعيّات من الأحكام العقليّة التي لا تكاد تنالها يد الجعل التشريعي لا وضعا و لا رفعا؛ لأنّهما من الأمور التكوينيّة المنتزعة من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به و عدمها.

و عليه: فلا بدّ و أن يكون المرفوع إمّا مانعيّة الخروج الصادر نسيانا، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج عن نسيان، و حيث إنّ الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة من الأحكام الوضعيّة التي لا تكون مستقلّة بالجعل إلّا بتبع منشأ الانتزاع وضعا

______________________________

(1) المعتبر 2: 736، منتهى المطلب 9: 512، تذكرة الفقهاء 6: 303، جامع المقاصد 3: 99، مفاتيح الشرائع 1: 278، الحدائق الناضرة 13: 472.

(2) جواهر الكلام 17: 187.

(3) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 74 ح 157، و عنه وسائل الشيعة 23: 237، كتاب الأيمان ب 16 ح 3 و بحار الأنوار 5: 304 ح 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 357

..........

______________________________

و رفعا، فمعنى تعلّق الرفع بهذه الأمور تعلّقه بمناشئ انتزاعها.

و عليه: فلا بدّ من تعلّق الرفع بالأمر المركّب، و مع تعلّقه به كيف يحكم بتعلّق الأمر بالباقي ليحكم بصحّته؟ خصوصا مع ملاحظة أنّ شأن الحديث، الرفع دون الوضع «1».

و يمكن الجواب عنه بأنّ مثل الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة من الأحكام الوضعيّة المستقلّة في الجعل، و لو أضيفت هذه العناوين إلى المأمور به أي ذاته، فيمكن جعل الجزئيّة و الشرطيّة للصلاة مثلا بمثل

قوله عليه السّلام: لا صلاة إلّا بطهور «2»، أو لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب «3»، كالملكيّة و الزوجيّة و الرقّيّة التي لا ينبغي الإشكال في إمكان تعلّق الجعل بها مستقلّة.

و عليه: فلا مانع من أن يكون حديث رفع النسيان رافعا لمانعيّة الخروج الصادر نسيانا، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج عن نسيان، و مرجع رفع المانعيّة أو الجزئيّة في هذه الصورة إلى الصحّة، فتدبّر.

كما أنّه يمكن الجواب عن منع الانصراف بعدم تماميّته بعد عدم صدور الفعل عن توجّه و التفات، كما لا يخفى.

و أمّا الخروج للضرورة العقليّة أو الشرعيّة أو العاديّة، فيدلّ عليه الصحيحة «4»؛ لأنّ الضرورة بأنواعها من الحاجة الملحة التي لا بدّ منها المستثناة من

______________________________

(1) المستند في شرح العروة الوثقى 22: 383- 384.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49 ح 144 و ص 209 ح 605، و ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، و عنهما وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1 و ص 365، أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(3) وسائل الشيعة 6: 37- 39، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب 1، و في مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5 عن عوالي اللئالي 1: 196، الفصل التاسع ح 3 و عن تفسير روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، المشهور ب «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي» 1: 39.

(4) أي صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة في ص 342.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 358

..........

______________________________

النهي عن الخروج عن المسجد، كما في الأمثلة المذكورة في المتن. نعم، قد ورد

الدليل على جواز الخروج في موارد لا تكون من الحاجة الملحة، كعيادة المريض أو الخروج للجنازة تشييعا أو تجهيزا «1»، و لا يجوز التعدّي عن الموارد المنصوصة مع عدم كونها من الحاجة الملحة و من مصاديق الضرورة، كما أنّه لا شبهة في لزوم الاقتصار في هذه الموارد بمقدار لا يضرّ بصدق الاعتكاف، و كذا الحال بالإضافة إلى موارد الضرورة.

بقي الكلام في الاغتسال عن الجنابة، و قد فصّل فيه في المتن بين المسجدين:

المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله، فلم يجوّز الاغتسال فيهما، بل أوجب عليه التيمّم و الخروج للاغتسال، و بين المساجد الأخر، فأوجب فيها أيضا ذلك مع استلزام الغسل للّبث فيها عن جنابة أو التلويث، و في غير هذه الصورة جوّز الاغتسال في المسجد، بل جعله مقتضى الاحتياط و إن أجاز الخروج له، و لم يفرّق السيّد قدّس سرّه في العروة «2» بين المسجدين و غيرهما، بل نفى وجوب الاغتسال في المسجد و إن أمكن من دون تلويث، بل جعله مقتضى الاحتياط.

و الظاهر أنّ الوجه في تفصيل المتن هو: أنّ مكث الجنب في المسجدين حرام مطلقا، فإذا أجنب في أحدهما يجب عليه التيمّم و الاغتسال في الخارج. و أمّا سائر المساجد فالحرام على الجنب هو المكث و على العموم هو التلويث، فإذا لم يستلزم الغسل في المسجد للّبث أو التلويث، فمقتضى القاعدة بل الاحتياط جواز الغسل في المسجد و إن كان الخروج لأجل الاغتسال جائزا بلحاظ كونه من مصاديق الضرورة الشرعيّة، و إذا استلزم فاللازم التيمّم و الخروج للاغتسال كما في المسجدين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 و 6.

(2) العروة الوثقى 2: 73، الأمر الثامن.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 359

[مسألة 1: لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ]

مسألة 1: لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ، فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوى (1).

[مسألة 2: لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر و إن اتّحدا في الوجوب و الندب]

مسألة 2: لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر و إن اتّحدا في الوجوب و الندب، و لا عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر، و لا عن نيابة غيره إلى نفسه و بالعكس (2).

______________________________

(1) قد مرّ أنّه لا يشترط البلوغ في صحّة الاعتكاف؛ لأنّ عبادات الصبيّ شرعيّة لا تمرينيّة، و الاعتكاف لا يكون واجبا في وقت من الأوقات حتّى يكون مرفوعا عن الصبيّ، كما تقدّم «1».

(2) المفروض في هذه المسألة هو العدول في أثناء الاعتكاف، و السرّ في عدم الجواز ما مرّ في كتاب الصلاة من أنّ العدول يكون على خلاف القاعدة «2»، و لا يكاد يصار إليه إلّا مع دليل خاصّ، كالعدول في أثناء صلاة العصر إلى صلاة الظهر لو تذكّر فيه عدم الإتيان بها أصلا، و قد مرّ أنّه في مثل هذه الصورة لا يجوز العدول بعد تماميّة العصر في الصورة المفروضة، ففي الاعتكاف أيضا يجري ذلك.

نعم، ما ذكره من اتّحاد الاعتكافين المعدول و المعدول إليه في الوجوب، لا يكاد يستقيم مع ما ذكر غير مرّة من أنّ عنوان الاعتكاف لا يصير واجبا بوجه، بل الواجب مثل الوفاء بالنذر أو بعقد الإجارة التي لا يتحقّق في الخارج إلّا بإيجاد الاعتكاف في مواردهما.

______________________________

(1) في ص 342- 343.

(2) نهاية التقرير 2: 46- 58.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 360

[مسألة 3: يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين]

مسألة 3: يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين، و بعد تمامهما يجب الثالث، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوى في الثالث الأوّل و الثاني؛ أي السادس، و على الأحوط في سائرهما. و أمّا المنذور، فإن كان معيّنا فلا يجوز قطعه مطلقا، و إلّا فكالمندوب (1).

______________________________

و قد

انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر في جميع الموارد المذكورة في المتن. نعم، يجوز الإتيان به لنفسه و إهداء ثوابه إلى الغير واحدا كان أو متعدّدا، حيّا كان أو ميّتا، أو كليهما كما لا يخفى، كما في المستحبّات الأخر.

بقي الكلام في أنّه لا يجوز الاعتكاف نيابة عن المتعدّدين و إن جاز الإتيان به لنفسه و الإهداء إليهم، و السرّ أنّه عبادة واحدة كسائر العبادات المستحبّة، و لا يجري فيها التشريك في النيابة، فتدبّر.

(1) الأقوال في هذه المسألة مختلفة:

ففي المتن و العروة «1»: أنّه يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين، و بعد تمامهما يجب الثالث. و أمّا الاعتكاف المنذور، فإن كان معيّنا فلا يجوز قطعه مطلقا، و إلّا فكالمندوب، و ذهب إليه جماعة من الفقهاء «2».

و عن الشيخ و الحلبي و ابن زهرة «3» عدم جواز القطع مطلقا، و نسب إلى السيّد و الحلّي و العلّامة الجواز مطلقا «4» حتّى في اليوم الثالث.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 74 مسألة 2564.

(2) مختلف الشيعة 3: 580، رياض المسائل 5: 515- 517، مستند الشيعة 10: 562- 563، جواهر الكلام 17: 190- 192، مستمسك العروة 8: 560.

(3) المبسوط 1: 289، الكافي في الفقه: 186، غنية النزوع: 147.

(4) مسائل الناصريّات: 300، السرائر 1: 422، منتهى المطلب 9: 519- 520.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 361

..........

______________________________

و قد استدلّ للقول بعدم الجواز مطلقا بما دلّ على حرمة إبطال العمل؛ مثل قوله- تعالى-: (وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) «1».

و الجواب ما حكي «2» عن الشيخ الأنصاري من أنّ الآية ناظرة إلى إبطال الأعمال بعد وقوعها لا في الأثناء، و المقصود الإبطال في مثل قوله-

تعالى-:

(لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ) «3».

و ربما يستدلّ لهذا القول بما دلّ على وجوب الكفّارة لو جامع خلال الثلاثة؛ فإنّ دلالته الالتزامية عدم جواز القطع؛ لأنّه لا مجال للزوم الكفّارة بالإضافة إلى أمر مباح.

و اورد عليه أوّلا: بمنع استلزام الكفّارة للحرمة، كما في لبس الرجل الثوب المخيط اضطرارا.

و ثانيا: بأنّ مقتضى الدليل حرمة الإبطال بالجماع لا بشي ء آخر، كما لا يخفى «4».

و أمّا ما في المتن، فيدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام «5»، و المراد من الاشتراط التعيين بنذر و شبهه، لا كالاشتراط عند نيّة الإحرام؛

______________________________

(1) سورة محمّد صلى اللّه عليه و آله 47: 33.

(2) فرائد الاصول 2: 376- 380.

(3) سورة البقرة 2: 264.

(4) المستند في شرح العروة 22: 396- 397.

(5) الكافي 4: 177 ح 3، تهذيب الأحكام 4: 289 ح 879، الاستبصار 2: 129 ح 421، الفقيه 2: 121 ح 526، و عنها وسائل الشيعة 10: 543، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 362

[مسألة 4: لا بدّ من كون الأيّام متّصلة، و يدخل الليلتان المتوسّطتان]

مسألة 4: لا بدّ من كون الأيّام متّصلة، و يدخل الليلتان المتوسّطتان كما مرّ، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة أو من دون الليلتين، لم ينعقد إن كان المنذور الاعتكاف الشرعي. و كذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّدا بعدم الزيادة. نعم، لو لم يقيّده به صحّ و وجب ضمّ يوم أو يومين (1).

______________________________

ضرورة جواز الخروج في اليومين الأوّلين و لو مع

عدم اشتراط، فتدبّر.

ثمّ إنّ الرواية تدلّ على وجوب الإتمام بالإضافة إلى اليوم الثالث الأوّل، و أمّا اليوم السادس فقد عرفت «1» دلالة موثّقة أبي عبيدة على أنّه إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام، فالدليل بالنسبة إلى الثالث الأوّل و الثالث الثاني يدلّ على لزوم الإتمام. و أمّا بالنسبة إلى الثالث الثالث و ما بعده فيبتني على إلغاء الخصوصيّة، و مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن- عدم الجواز، فتدبّر.

(1) قد تقدّم في الأمر الرابع من شروط الاعتكاف أنّه قد ورد في الروايات: أنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و ظاهرها كما هو المرتكز عند المتشرّعة ثلاثة أيّام متّصلة، و هو الوجه في دخول الليلتين المتوسّطتين.

و عليه: فإذا نذر الاعتكاف الشرعيّ فلا بدّ في الوفاء من الاعتكاف ثلاثة أيّام متّصلة مع دخول الليلتين.

و لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة لا ينعقد النذر؛ لأنّ الاعتكاف الشرعي عبارة عمّا ذكرنا. نعم، لو كان المراد هو مجرّد اللبث في المسجد لا بعنوان الاعتكاف، نظرا إلى رجحان المكث في المسجد، فعلى فرض الراجحيّة لا ينعقد

______________________________

(1) في ص 350.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 363

[مسألة 5: لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصا]

مسألة 5: لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصا، لكن يضمّ إليه حينئذ يوما على الأحوط (1).

[مسألة 6: يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد]

مسألة 6: يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد، فلا يجوز أن يجعله في المسجدين و لو كانا متّصلين، إلّا أن يعدّا مسجدا واحدا، و لو تعذّر إتمام الاعتكاف في محلّ النيّة- لخوف أو هدم و نحو ذلك- بطل، و لا يجزئه إتمامه في جامع آخر (2).

______________________________

نذر الاعتكاف، و لا يترتّب عليه أحكامه التي ستجي ء إن شاء اللّه تعالى.

و هكذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّدا بعدم الزيادة. نعم، لو لم يكن هناك تقييد يصحّ النذر و يجب اعتكاف ثلاثة أيّام لا أقلّ، فيجب ضمّ يوم أو يومين، فتدبّر.

(1) قد عرفت أنّه لا يعتبر حدّ لأكثر من ثلاثة أيّام في الاعتكاف، فيجوز نذر اعتكاف شهر، و حيث إنّ الشهر في الشرع عبارة عمّا بين الهلالين، كما في رمضان و غيره، فيكفي في الوفاء بالنذر اعتكاف شهر و إن كان ناقصا بواحد، لكن نظرا إلى ما تقدّم في السابق من أنّ مقتضى الاحتياط بعد السادس تكميل الثلاثة، يضمّ إليه يوما هنا ليكمّل الثالث العشر، كما لا يخفى.

(2) لأنّ الظاهر من النصوص الواردة في الاعتكاف بحكم الانصراف وحدة محلّه من المسجد، كما حكي عن الجواهر «1». و ربما يقال «2» بأنّه مع الغضّ عن الانصراف يمكن الاستدلال لذلك بإطلاق طائفة من الروايات:

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 171.

(2) المستند في شرح العروة 22: 428.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 364

[مسألة 7: سطوح المساجد و سراديبها و محاريبها من المساجد، فحكمها حكمها ما لم يعلم خروجها]

مسألة 7: سطوح المساجد و سراديبها و محاريبها من المساجد، فحكمها حكمها ما لم يعلم خروجها، بخلاف ما أضيف إليها كالدهليز و نحوه؛ فإنّها ليس منها ما لم يعلم دخولها و جعلها منها، و من ذلك بقعتا مسلم بن عقيل عليه السّلام و

هانئ رحمه اللّه؛ فإنّ الظاهر أنّهما خارجان عن مسجد الكوفة (1).

______________________________

منها: ما دلّ على أنّ من خرج من المسجد لحاجة لزمه الرجوع بعد القضاء إلى مجلسه «1»، فلو جاز الاعتكاف في مسجد آخر حينئذ لم يلزمه الرجوع إلى الأوّل.

و منها: ما دلّ على أنّ من خرج من المسجد لحاجة فحضر وقت الصلاة لا يجوز له أن يصلّي في غير مكّة إلّا في المسجد الّذي سمّاه «2»؛ أي اعتكف فيه. و هذا من دون فرق بين صورتي الاتّصال و عدمه، مع ما في صورة الانفصال من عدم تحقّق عنوان الخروج لحاجة غالبا.

بقي الكلام في هذه المسألة فيما لو تعذّر إتمام الاعتكاف لخوف أو هدم؛ فإنّ الظاهر حينئذ بطلان الاعتكاف؛ و ذلك لفرض التعذّر و عدم التمكّن العرفي من الإتمام، و قد مرّ في صدر المسألة اشتراط وحدة المكان، فلا مجال لاحتمال جواز الإتمام في مسجد آخر كما عن الجواهر «3». و حينئذ فإذا لم يكن الاعتكاف واجبا معيّنا- أي منذورا في أيّام مخصوصة- لا يجديه هذا الاعتكاف، و إن كان واجبا معيّنا بالمعنى المذكور وجب الاستئناف و القضاء في مسجد آخر- أو في هذا المسجد- بعد رفع التعذّر ظاهرا.

(1) لا إشكال في لزوم إحراز المسجديّة في جواز الاعتكاف فيه، و عليه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549- 551، كتاب الاعتكاف ب 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 551- 552، كتاب الاعتكاف ب 8.

(3) جواهر الكلام 17: 171.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 365

[مسألة 8: لو عيّن موضعا خاصّا من المسجد محلّا لاعتكافه لم يتعيّن]

مسألة 8: لو عيّن موضعا خاصّا من المسجد محلّا لاعتكافه لم يتعيّن، و يكون قصده لغوا حتّى فيما لو عيّن السطح، دون الأسفل أو العكس، بل التعيين ربما يورث الإشكال في

الصحّة في بعض الفروض (1).

______________________________

فسطوح المساجد و سراديبها و محاريبها من المساجد ما لم يعلم خروجها، و بالإضافة إلى الفضاء غير المسقّف من المسجد، فالمساجد فيها مختلفة، ففي بعضها تكون جزءا من المسجد، و في بعضها خارجا.

و بالجملة: فاللازم إحراز المسجديّة. و منه يعلم خروج مثل الدهليز ممّا أضيف إلى المسجد و لم يعلم الدخول في المسجد و جعله منه.

و نسب إلى الشهيد «1» بطلان الاعتكاف و تحقّق الخروج من المسجد- لا لحاجة- بالصعود على السطح، و لعلّ مورد نظره صورة العلم بخروج السطح عن عنوان المسجديّة، و إلّا فلا وجه لذلك حتّى في صورة الشكّ؛ لأنّ الظاهر ثبوت الجزئيّة بنظر العرف. ثمّ إنّ من المواضع الخارجة عن عنوان المسجد بقعتي مسلم بن عقيل عليه السّلام و هانئ بن عروة رحمه اللّه، الواقعتين في جنب مسجد الكوفة؛ فإنّ وقوعهما في جنبه لا يقتضي الحكم بكونهما من المسجد، كما هو واضح.

(1) لأنّ محلّ الاعتكاف هو جميع المسجد الذي اعتكف فيه؛ لأنّ الجميع من المساجد الأربعة أو المسجد الجامع فرضا، و لا أثر لتعيينه موضعا خاصّا من المسجد؛ من دون فرق بين أن يكون تعيين المحلّ الخاصّ لأجل كونه أقرب بشئونه و مقاصده، أو لأجل كونه مؤثّرا في زيادة الأجر، بل في المتن: أنّ التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة فيما لو كان التعيين لأجل تخيّله عدم صحّة الاعتكاف إلّا

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 300، جواهر الكلام 17: 174، مستمسك العروة 8: 569.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 366

[مسألة 9: من الضروريّات المبيحة للخروج إقامة الشهادة و عيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به]

مسألة 9: من الضروريّات المبيحة للخروج إقامة الشهادة و عيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به، حتّى يعدّ ذلك من الضروريّات

العرفيّة. و كذا الحال في تشييع الجنازة، و تشييع المسافر، و استقبال القادم، و نحو ذلك و إن لم يتعيّن عليه شي ء من ذلك. و الضابط: كلّ ما يلزم الخروج إليه عقلا أو شرعا أو عادة من الأمور الواجبة أو الراجحة؛ سواء كانت متعلّقة بأمور الدنيا أو الآخرة، حصل ضرر بترك الخروج أو لا.

نعم، الأحوط مراعاة أقرب الطرق و الاقتصار على مقدار الحاجة و الضرورة، و يجب أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان، و الأحوط عدم الجلوس مطلقا إلّا مع الضرورة، بل الأحوط أن لا يمشي تحت الظلال و إن كان الأقوى جوازه. و أمّا حضور الجماعة في غير مكّة المعظّمة فمحلّ إشكال (1).

______________________________

في المحلّ المعيّن؛ لاستلزامه التشريع؛ لما عرفت من أنّه لا فرق في الصحّة بين أبعاض المسجد الذي يصحّ فيه الاعتكاف.

(1) قد تقدّم البحث في هذه المسألة في الأمر السابع من شروط الاعتكاف، و عرفت أنّ الأمر المبيح للخروج عن المسجد- بعد كون الاعتكاف موجبا لاستدامة اللبث في المسجد- هو ما يلزم الخروج إليه عقلا أو شرعا أو عادة من الأمور الواجبة أو الراجحة؛ سواء كانت متعلّقة بأمور الدنيا أو الآخرة. نعم، قد ورد النصّ على جواز عيادة المريض و مثلها «1».

و الذي ينبغي بيانه هنا أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي مراعاة أقرب الطرق و الاقتصار على مقدار الحاجة و الضرورة، كما أنّ في صحيحة داود بن سرحان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 و غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 367

[مسألة 10: لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث و تلويث]

مسألة 10: لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث و تلويث، و

قد مرّ حكم المسجدين، و لو ترك الخروج بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه (1).

______________________________

المتقدّمة «1» في الأمر السابع النهي عن القعود تحت الظلال حتّى العود إلى مجلسه، لكن احتاط وجوبا بعدم الجلوس مطلقا؛ أي و لو غير تحت الظلال؛ لمنافاته لحقيقة الاعتكاف، كما أنّه احتاط استحبابا بعدم المشي تحت الظلال و إن قوّى جوازه؛ و ذلك لدلالة الصحيحة المشار إليها على أنّ المنهيّ هو عنوان القعود تحت الظلال، كما لا يخفى.

ثمّ إنّك عرفت أنّه لا مجال للحكم بجواز الخروج عن المسجد لحضور الجماعة المنعقدة في محلّ آخر؛ لأنّه ليس من الحاجة الملحة أو التي لا بدّ منها. نعم، هنا روايات في استثناء مكّة المعظّمة غير صافية الدلالة، و إن جعل صاحب الوسائل في عنوان الباب قوله: «و لا الصلاة في غير مسجده إلّا بمكّة» «2»، فراجع.

(1) قد تقدّم البحث عن هذه المسألة في ذيل الأمر السابع من الأمور المعتبرة في الاعتكاف، و الذي أضيف هنا أنّه لو ترك الجنب- أي بالجنابة غير الاختياريّة كالاحتلام مثلا- الخروج من المسجد بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه، و ليس هذا من شبه مصاديق اجتماع الأمر و النهي، الذي حقّقنا في الأصول جوازه، و حكمنا بصحّة المجمع إذا كان عبادة «3»، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 357.

(2) وسائل الشيعة 10: 551- 552، كتاب الاعتكاف ب 8.

(3) سيرى كامل در اصول فقه 6: 614- 620.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 368

[مسألة 11: لو دفع من سبق إليه في المسجد و جلس فيه]

مسألة 11: لو دفع من سبق إليه في المسجد و جلس فيه، فلا يبعد عدم بطلان اعتكافه. و كذا لو جلس على فراش مغصوب، كما لا إشكال في الصحّة لو كان جاهلا بالغصب أو

ناسيا. و لو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب، فإن أمكن التحرّز عنه وجب، و لو عصى فلا يبعد الصحّة، و إن لم يمكن فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو دفع من سبق إليه في المسجد و جلس فيه، ففي المتن نفى البعد عن عدم بطلان الاعتكاف، و قد صرّح السيّد قدّس سرّه في العروة بأنّ الأقوى بطلان اعتكافه «1»، و المسألة مبتنية- كما أفيد «2»- على أنّ السابق في المسجد الشاغل لجزء منه للصلاة أو الاعتكاف أو غيرهما، هل هو ذو حقّ بالإضافة إليه بحيث لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه، كما في الأملاك المتعلّقة لحقّ الغير، فعلى هذا يكون المكث و التصرّف محرّما فلا ينعقد الاعتكاف، أو أنّه لا يستفاد من الأدلّة ثبوت الحقّ بهذا المعنى، بل الثابت حرمة المزاحمة، و أمّا بعدها فالمكان باق على الإباحة للجميع؟ فاللازم ملاحظة الأدلّة.

فنقول: الروايات الواردة في المقام ثلاث:

إحداها: مرسلة محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليلته «3».

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 78 مسألة 2591.

(2) المفيد هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 444.

(3) الكافي 4: 546 ح 33، تهذيب الأحكام 6: 110 ح 195، كامل الزيارات: 547 ب 108 ح 839، و عنها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 369

..........

______________________________

و لكنّها ضعيفة سندا و دلالة؛ لعدم التزام أحد بأحقّية هذا المقدار إلّا في بعض الفروض؛ ضرورة أنّه لم يلتزم أحد بأنّ من سبق إلى موضع من المسجد لأن يصلّي فيه جماعة أو فرادى، فهو

أحقّ به يوما و ليلا. نعم، لو كان شاغلا له في جميع المدّة المزبورة فهو أحقّ به.

ثانيتها: رواية طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، الحديث «1». و الظاهر أنّ التشبيه إنّما هو في خصوص ثبوت الأولويّة و أحقّيّتها.

و أمّا جعل الغاية الليل، فهو ينحصر بالسوق الذي يكون المتعارف فيه التكسّب في مجموع النهار و الانتهاء إلى الليل، فلا دلالة للرواية على ثبوت هذه الغاية في المسجد أيضا، فالرواية تامّة من حيث الدلالة بهذا المقدار. و أمّا من حيث السند فموثّقة ظاهرا.

ثالثتها: مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سوق المسلمين كمسجدهم؛ يعني إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد «2».

و اعتبارها من حيث السند مبنيّ على القول باعتبار مراسيل ابن أبي عمير، كما ذهب إليه الشيخ الطوسي قدّس سرّه في كتاب العدّة «3»، و أمّا على القول بعدم الاعتبار

______________________________

- وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 1، و ج 14: 592، كتاب الحجّ، أبواب المزار ب 102 ح 1.

(1) الكافي 5: 155 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 9 ح 31، الفقيه 3: 124 ح 540، و عنها وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 2.

(2) الكافي 5: 155 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 17: 406، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 17 ح 2.

(3) العدّة في اصول الفقه 1: 154.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 370

..........

______________________________

كسائر المراسيل، فالرواية لا تكون حجّة كما

اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه «1».

إذا عرفت الروايات الواردة في المقام، فاعلم أنّه لا إشكال في أنّ القدر المتيقّن من الدلالة ثبوت حقّ الأولويّة بنحو لا يجوز المزاحمة. و أمّا عدم جواز التصرّف إلّا بالإذن كما في الأملاك، فالظاهر عدم دلالة الرواية عليه بعد الاحتياج إلى مئونة زائدة. و منه يعلم وجه نفي البعد عن الصحّة في المتن؛ فإنّ المزاحمة المنهيّة لا ترتبط بصحّة العبادة بعد عدم إضافة المكان إلى شخص خاصّ.

الثاني: لو جلس على فراش مغصوب فهو كالفرع السابق؛ فإنّ حرمة الجلوس على الفراش المغصوب أمر، و المكث الذي به قوام الاعتكاف أمر آخر و إن كان الأمران متلازمين في الخارج؛ فإنّ اتّحاد العنوانين فيه لا يوجب السراية فضلا عن التلازم، كما حقّق في محلّه.

و قد نفى الإشكال عن الصحّة فيما لو كان جاهلا بالغصب أو ناسيا، و الدليل عليه عدم ثبوت الحرمة مع أحد العنوانين. نعم، ربما يقيّد بما إذا كان الناسي غير الغاصب. و أمّا إذا كان الناسي هو شخص الغاصب؛ فإنّه لا يرتفع الحكم معه؛ لاستناده إلى سوء الاختيار، و التحقيق في محلّه.

الثالث: لو فرش المسجد بتراب مغصوب أو آجر كذلك، فقد فصّل فيه في المتن بين صورة إمكان التحرّز عنه، فأوجب ذلك، و نفى البعد عن الصحّة في صورة العصيان، و صورة عدم إمكان التحرّز عنه، فنهى عن ترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

أقول: أمّا الوجه في الوجوب في صورة إمكان التحرّز، فواضح. و أمّا نفي البعد عن الصحّة في صورة العصيان؛ فلما ذكرنا من عدم الاتّحاد. و أمّا الوجه في النهي عن

______________________________

(1) المستند في شرح العروة 22: 447.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 371

[مسألة 12: لو طال الخروج في مورد الضرورة- بحيث انمحت صورة الاعتكاف- بطل]

مسألة 12: لو طال الخروج في مورد الضرورة- بحيث انمحت صورة الاعتكاف- بطل (1).

[مسألة 13: يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة الرجوع عن اعتكافه متى شاء؛ حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض]

مسألة 13: يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة الرجوع عن اعتكافه متى شاء؛ حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض و إن كان من الأعذار العرفيّة العاديّة؛ كقدوم الزوج من السفر، و لا يختصّ بالضرورات التي تبيح المحظورات، فهو بحسب شرطه إن عامّا فعامّ، و إن خاصّا فخاصّ. و أمّا اشتراط الرجوع بلا عروض عارض فمحلّ إشكال بل منع.

و يصحّ للناذر اشتراط الرجوع عن اعتكافه لو عرضه عارض في نذره؛ بأن

______________________________

ترك الاحتياط بالاجتناب في صورة عدم إمكان التحرّز؛ لأنّه ليس من مصاديق الاضطرار، بل كما في العروة «1» لو توقّف على الخروج من المسجد خرج و لو فرض أنّ التراب أو الآجر المغصوب قد خرج عن الماليّة و صار في حكم التالف. و لذا يجب على الغاصب التدارك بالمثل، إلّا أنّ ذلك لا يوجب جواز التصرّف للغاصب أو مثله، مع ثبوت حقّ المالك و عدم زواله بوجه، كما لا يخفى.

(1) ضرورة أنّ اللازم بقاء صورة العمل و عدم انمحائها، و جواز الخروج لأجل الضرورة- كما هو المفروض- لا يوجب صحّة الاعتكاف كما في باب الصلاة؛ فإنّه لو مشى في أثنائها عدوا لخوف حصل له من عدوّ أو عقرب مثلا؛ فإنّه يجوز بل يجب له العدو في هذه الحالة، إلّا أنّ ذلك لا يوجب صحّة صلاته بعد انمحاء صورتها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 79 مسألة 2591.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 372

يقول: للّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا مثلا، فيجوز الرجوع، و لا يترتّب عليه إثم و لا

حنث و لا قضاء، و لا يترك الاحتياط بذكر ذلك الشرط حال الشروع في الاعتكاف أيضا، و لا اعتبار بالشرط المذكور قبل نيّة الاعتكاف و لا بعدها، و لو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوطه (1).

______________________________

(1) هذه المسألة في الجملة ممّا لا إشكال فيها «1»، و العمدة من الروايات الواردة صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف «2»، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ (و يخرج) «3» اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام. و قد رواها المشايخ الثلاثة «4».

و يستفاد منها أمران:

أحدهما: أنّ الاشتراط يؤثّر في عدم جواز الرجوع حتّى في اليومين الأوّلين، و المقصود منه اشتراط الاستمرار و عدم الفسخ.

ثانيهما: أنّ الاشتراط يؤثّر في جواز الفسخ و الخروج حتّى بالإضافة إلى اليوم الثالث الذي يجب البقاء فيه مع قطع النظر عن الاشتراط، و المقصود اشتراط

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 519، مستند الشيعة 10: 565، جواهر الكلام 17: 192- 197، مستمسك العروة 8:

581، المستند في شرح العروة 22: 464.

(2) في التهذيب 4: 289 ح 879 و الاستبصار 2: 129 ح 421 و الفقيه 2: 121 ح 526: اعتكافه.

(3) كذا في الوسائل 7: 404، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، و لكن في الكافي 4: 177 ح 3 و الفقيه و الوسائل 10: 543 طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام «أن يفسخ اعتكافه»، و في التهذيب و الاستبصار:

«أن يخرج و يفسخ اعتكافه».

(4) تقدّمت في ص 363.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 373

..........

______________________________

الفسخ و الخروج، فما عن

الشيخ قدّس سرّه «1» من منع تأثير الاشتراط بالنسبة إلى اليوم الثالث، مخالف للرواية جدّا. نعم، في اليومين الأوّلين يجوز الفسخ و الخروج مطلقا؛ أي من دون عذر و بدون اشتراط كما مرّ، و قلنا هناك. و أمّا اليوم الثالث، فمقتضى الصحيحة الجواز مع الاشتراط، و أمّا بدونه فلا.

نعم، قد عرفت «2» جواز الخروج غير الماحي لصورة الاعتكاف في مطلق الأعذار العقليّة و العرفيّة و العاديّة، و لا إشكال في تأثير الاشتراط بالنسبة إلى اليوم الثالث، فيما إذا اشترط الخروج مع عروض عارض و لو لم يكن من تلك الأعذار.

و أمّا تأثير الاشتراط في الجواز و لو بدون عروض عارض، فقد صرّح بجوازه السيّد في العروة «3»، و المستفاد من شرحها «4» التمسّك بإطلاق الاشتراط في ذلك، مع أنّه لا يكون في مقام البيان حتّى يمكن التمسّك بإطلاقه، و لعلّه لذا استشكل الماتن قدّس سرّه في ذلك، بل جعله محلّ منع. و يؤيّد الاختصاص روايتان:

إحداهما: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم «5». و ظاهر أنّ المحرم يشترط الإحلال مع العذر، و أن يتحلّل عند ما حبسه اللّه.

ثانيتهما: موثّقة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و اشترط على

______________________________

(1) المبسوط 1: 289.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف؛ ص: 373

(2) في ص 359- 360.

(3) العروة الوثقى 2: 80 مسألة 2599.

(4)

المستند في شرح العروة 22: 465.

(5) الكافي 4: 177 ح 2، الفقيه 2: 121 ح 525، تهذيب الأحكام 4: 289 ح 876، الاستبصار 2: 128 ح 418، و عنها وسائل الشيعة 10: 552، كتاب الاعتكاف ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 374

..........

______________________________

ربّك في اعتكافك- كما تشترط في إحرامك- أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه تعالى «1».

ثمّ إنّه لو تعلّق النذر بالاعتكاف المشروط، فالظاهر صحّة هذا النذر لمشروعيّة الاشتراط في نفسه. و عليه: فلا يترتّب على هذا النذر عند عروض العارض إثم على مخالفته، و لا قضاء و لا كفّارة.

ثمّ إنّ الظاهر و القدر المتيقّن أنّ محلّ الاشتراط هي النيّة حال الاعتكاف، فلا اعتبار به بعد الشروع و لا قبل الاعتكاف. نعم، ينبغي التقييد بما إذا لم يكن الاشتراط مبنيّا عليه الاعتكاف، بل كان حال النيّة غافلا أو غير مشترط، كما أنّه لا اعتبار به بعد الشروع في الاعتكاف قطعا. نعم، لو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه حال الاعتكاف، فالظاهر عدم سقوطه. و قد احتاط في العروة «2» استحبابا بترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين.

______________________________

(1) الاستبصار 2: 129 ح 419، تهذيب الأحكام 4: 289 ح 878، و عنهما وسائل الشيعة 10: 553، كتاب الاعتكاف ب 9 ح 2.

(2) العروة الوثقى 2: 80 ذ مسألة 2599.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 375

[القول في أحكام الاعتكاف]

اشارة

القول في أحكام الاعتكاف

[يحرم على المعتكف أمور]

اشارة

يحرم على المعتكف أمور:

[منها: مباشرة النساء]

منها: مباشرة النساء بالجماع و باللمس و التقبيل بشهوة، بل هي مبطلة للاعتكاف، و لا فرق بين الرجل و المرأة، فيحرم ذلك على المعتكفة أيضا (1).

______________________________

(1) لا إشكال و لا خلاف في حرمة هذا الأمر في الجملة، بل الإجماع عليه «1»، و الأصل في ذلك قوله- تعالى-: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) «2»، و الظاهر أنّ النهي عن المباشرة لهنّ إنّما هو باعتبار الاعتكاف، و قيد «في المساجد» ناظر إلى الاعتكاف الشرعي، و لا شبهة في أنّ المسلّم من المباشرة هو الجماع؛ من دون فرق بين القبل و الدبر، و لكنّها هل تختصّ بالجماع، كما أنّه قد استظهر منها عرفا، أو يعمّ اللمس و التقبيل، سيّما إذا كانا بشهوة، أو يعمّ مطلق المخالطة و المحادثة؟ لا يبعد أن يقال بأنّ مقتضى الإطلاق هو الشمول للجميع، و خروج اللمس و التقبيل سيّما المخالطة و المحادثة إنّما هو لقيام الدليل

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 523، مستند الشيعة 10: 567، جواهر الكلام 17: 199، مستمسك العروة 8: 586، المستند في شرح العروة 22: 477.

(2) سورة البقرة 2: 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 376

..........

______________________________

في مقابل الإطلاق، و اللازم الرجوع إليه في موارد الشكّ و عدم قيام الدليل، كما في نظائره.

و الروايات الواردة في هذا المجال مختلفة:

منها: ما ورد في الجماع من دون أن يكون له دلالة على حكم غير الجماع نفيا و إثباتا.

كموثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال (قال خ ل): هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «1».

و موثّقته الأخرى- التي جعلت رواية مستقلّة مع

أنّه من الواضح اتّحادها مع هذه الرواية و عدم التعدّد- عنه عليه السّلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان «2».

و موثّقة الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال: لا يأتي امرأته ليلا و لا نهارا و هو معتكف «3».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال «4».

و منها: ما دلّ على عدم اعتزاله صلى اللّه عليه و آله النساء في حال الاعتكاف؛ و هي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف

______________________________

(1) الفقيه 2: 123 ح 534، الكافي 4: 179 ح 2، تهذيب الأحكام 4: 291 ح 886، الاستبصار 2: 130 ح 423، و عنها وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2، و قد تقدّمت في ص 162- 163 و 317.

(2) تهذيب الأحكام 4: 292 ح 888، الاستبصار 2: 130 ح 425، و عنهما وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5.

(3) الكافي 4: 179 ح 3، الفقيه 2: 123 ح 537، و عنهما وسائل الشيعة 10: 545، كتاب الاعتكاف ب 5 ح 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 545- 547، كتاب الاعتكاف ب 5 و 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 377

..........

______________________________

في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر المئزر، و طوى فراشه. فقال بعضهم:

و اعتزل النساء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام، أمّا اعتزال النساء فلا «1».

و الظاهر أنّ الجمع بين قوله عليه السّلام: «طوى فراشه» و بين

عدم اعتزاله النساء، هو أنّ المراد بالأوّل هو ترك الجماع، كقوله عليه السّلام: «الولد للفراش» «2»، و المراد بالثاني هو غيره من المجالسة و المخالطة مع النساء.

و بهذا يتحقّق الجمع بين هذه الرواية، و بين الآية و الروايات المتقدّمة، و نتيجة الجمع أنّه لا إشكال في حرمة الجماع في حال الاعتكاف. و أمّا اللمس و التقبيل بشهوة، فالظاهر دلالة الآية على حرمتهما. و أمّا غيرهما فقد قام الدليل على جوازه.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الجماع في حال الاعتكاف قبلا أو دبرا يوجب بطلان الاعتكاف، كما يظهر من تشبيهه بالإفطار في رمضان، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الرجل و المرأة من هذه الجهة. و يدلّ عليه صريحا ذيل صحيحة الحلبي المشتملة على قوله عليه السّلام: و اعتكاف المرأة مثل ذلك «3».

و أصرح من ذلك صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا، فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها؟ فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها، فإنّ عليها

______________________________

(1) الكافي 4: 175 ح 1، تهذيب الأحكام 4: 287 ح 869، الاستبصار 2: 130 ح 426، الفقيه 2: 120 ح 517، و عنها وسائل الشيعة 10: 545، كتاب الاعتكاف ب 5 ح 2.

(2) وسائل الشيعة 21: 173- 175، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 و غيره.

(3) الكافي 4: 178 ح 3، الفقيه 2: 122 ح 529، تهذيب الأحكام 4: 288 ح 871، و عنها وسائل الشيعة 10:

549، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 378

[و منها: الاستمناء]

و منها: الاستمناء على الأحوط (1).

______________________________

ما على المظاهر «1»؛ فإنّها ظاهرة في أنّ الموجب لثبوت كفّارة الظهار هو الوقاع حال الاعتكاف، لا مجرّد الخروج من المسجد.

(1) وجه الاحتياط عدم التعرّض له في أدلّة أحكام الاعتكاف، و إنّما وقع التعرّض له في بابي الإحرام و الصيام.

و لكنّه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه «2» أنّه يمكن استفادة الحكم على سبيل العموم بحيث يشمل المقام من موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستّين مسكينا، مدّ لكلّ مسكين «3»؛ نظرا إلى أنّه ليس المراد أنّ مجرّد اللزوق بالأهل ثمّ الإنزال موجب للزوم الكفّارة، بل المراد أنّ كلّ مورد كان الجماع موجبا للكفّارة، فالاستمناء بمنزلته في أصل الإيجاب. و من الواضح أنّ الجماع حال الاعتكاف موجب لها كما سيجي ء «4»، فالاستمناء أيضا كذلك.

و أنا أقول: إنّ لزوم الكفّارة و إن كان غير ملازم للحرمة- كما عرفت «5» في بعض موارد إحرام الحجّ- إلّا أنّ الظاهر استفادة الحرمة من الموثّقة، كالجماع المحرّم في حال الاعتكاف، و لا أقلّ من الالتزام بالاحتياط كما في المتن و العروة «6».

______________________________

(1) تقدّمت في ص 318.

(2) المستند في شرح العروة 22: 482.

(3) تهذيب الأحكام 4: 320 ح 980، و عنه وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.

(4) في ص 385.

(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 302 و ج 4: 77.

(6) العروة الوثقى 2: 81، الأمر الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 379

[و منها: شمّ الطيب و الريحان متلذّذا]

و منها: شمّ الطيب و الريحان متلذّذا، ففاقد حاسّة الشمّ خارج (1).

[و منها: البيع و الشراء]

و منها: البيع و الشراء، و الأحوط ترك غيرهما أيضا من أنواع التجارة، كالصلح و الإجارة و غيرهما، و لو أوقع المعاملة صحّت و ترتّب عليها الأثر على الأقوى. و لا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيويّة من أصناف المعايش حتّى الخياطة و النساجة و نحوهما و إن كان الأحوط الاجتناب. نعم، لا بأس بها مع الاضطرار، بل لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل و الشرب، مع عدم إمكان التوكيل، بل مع تعذّر النقل بغير البيع و الشراء أيضا (2).

______________________________

(1) و الأصل في هذا الأمر ما رواه أبو عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

المعتكف لا يشمّ الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري و لا يبيع ... الحديث «1»، و قد رواه المشايخ الثلاثة، و النهي عن الشمّ يوجب خروج من كان فاقدا لحاسّة الشمّ كما في المتن، و هل يعتبر التلذّذ- كما هو ظاهر المتن- أو أنّ التلذّذ معتبر في خصوص الريحان، كما هو عنوان المنهيّ عنه في الرواية؟

الظاهر الانصراف إلى صورة الالتذاذ، كما ربما يقال «2»: إنّ الظاهر عرفا من إضافة الشمّ إلى الطيب رعاية الوصف العنواني، فشمّ الطيب لا للالتذاذ بل لغرض الاختبار و نحوه خارج أيضا، فتدبّر.

(2) و الأصل في هذا الأمر ما تقدّم في الأمر السابق من رواية أبي عبيدة الدالّة على النهي عن البيع و الشراء للمعتكف، و هل يختصّ الحكم بالعنوانين، فلا تشمل

______________________________

(1) الكافي 4: 177 ح 4، الفقيه 2: 121 ح 527، تهذيب الأحكام 4: 288 ح 872، الاستبصار 2: 129 ح 420، و عنها وسائل الشيعة

10: 553، كتاب الاعتكاف ب 10 ح 1.

(2) القائل هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 484.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 380

[و منها: الجدال على أمر دنيويّ أو دينيّ]

و منها: الجدال على أمر دنيويّ أو دينيّ إذا كان لأجل الغلبة و إظهار الفضيلة، فإن كان بقصد إظهار الحقّ و ردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به، و الأحوط للمعتكف اجتناب ما يجتنبه المحرم، لكن الأقوى خلافه، خصوصا لبس المخيط و إزالة الشعر و أكل الصيد و عقد النكاح، فإنّ جميع ذلك جائز له (1).

______________________________

الرواية مثل الصلح و الإجارة و نحو هما من أنواع التجارة؟ احتاط في المتن لزوما بترك غير هما أيضا، و لعلّه يحتمل قويّا أن يكون العنوانان للإشارة إلى مطلق التجارة، و أنّ ذكر هما من باب كونهما من أظهر مصاديق التجارة، كما لا يبعد.

ثمّ إنّه قوّى في المتن أنّه لو أوقع المعاملة صحّت و ترتّب عليها الأثر، و لعلّ الوجه فيه أنّ النهي المتعلّق بهما ليس للإرشاد إلى الفساد، كما هو الغالب في النواهي المتعلّقة بالعبادات أو المعاملات، بل النهي هنا كالنهي المتعلّق بالبيع وقت النداء في قوله- تعالى-: وَ ذَرُوا الْبَيْعَ «1»، فلا مجال للمناقشة في الصحّة و التأثير في التمليك و التملّك.

نعم، احتاط استحبابا بترك الاشتغال بالأمور الدنيويّة من أصناف المعايش، حتّى الخياطة و النساجة و نحو هما؛ و ذلك لعدم صدق عنوان التجارة عليها بوجه، بل في المتن أنّه «لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل و الشرب» بحيث يصير معطّلا لهما مع عدم البيع و الشراء؛ و ذلك لانصراف الرواية الدالّة على النهي عن هذا النحو من البيع و الشراء.

نعم، حيث إنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، فاللازم الحكم بعدم البأس مع عدم إمكان التوكيل، بل مع تعذّر النقل بغير البيع و الشراء؛ لأنّ الضرورة لا تكون حينئذ في فعله الخاصّ غير المتعذّر، فتدبّر.

(1) الأصل في هذا الأمر أيضا صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة الدالّة على النهي عن

______________________________

(1) سورة الجمعة 62: 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 381

..........

______________________________

المماراة، و قد فسّره السيّد في العروة «1» كما في المتن بأنّ المراد منه المجادلة؛ سواء كانت لأمر دنيويّ أو دينيّ. نعم، يختصّ بما إذا كان المقصود الغلبة و إظهار الفضيلة؛ ضرورة أنّه إن كان الغرض إظهار الحقّ و ردّ الخصم عن الخطأ فهو من العبادات الراجحة. نعم، ربما يتحقّق ذلك بالإضافة إلى خصوص الأمور الدينيّة. و أمّا الأمور الدنيويّة- كقدوم زيد- و مثله فلا مجال لتحقّق عنوان العبادة فيه، لكنّه ينصرف عنه النصّ الذي هو الدليل الوحيد في المسألة، كما مرّ.

ثمّ إنّ الواجب على المعتكف في أيّام الاعتكاف- التي يكون الصوم معتبرا- الاجتناب عمّا يبطل الصوم؛ لتقوّمه به. و أمّا اجتناب ما يجتنبه المحرم فقد قوّى خلافه و إن احتاط استحبابا بالاجتناب، و لعلّ الوجه في الاحتياط المذكور ما حكي عن الشيخ قدّس سرّه من أنّه «روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم» «2»، و لكن- مضافا إلى أنّ الرواية مرسلة بالإرسال غير المعتبر، و إلى أنّه لا دليل على لزوم الاجتناب المذكور- نقطع بعدم لبس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثوبي الإحرام في حال الاعتكاف الذي كان يستمرّ عليه- خصوصا في العشر الأواخر- و ترك الثوب المخيط، و لم تتعرّض الرواية الحاكية لاعتكافه صلّى اللّه عليه و آله «3» لشي ء من

ذلك، و لم ينقل أنّه لم يعقد النكاح و لو لغيره في تلك الأيّام، فالظاهر عدم لزوم الاجتناب عن محرّمات الإحرام.

و أمّا لزوم الاشتغال بالعبادة في جميع آنات الاعتكاف إلّا ما اضطرّ إلى الاستراحة فيه، فهو أيضا لا دليل عليه، خصوصا مع أنّ نفس الاعتكاف عبادة حتّى بالإضافة إلى الليالي، فضلا عن الأيّام التي يقع فيها الصوم، كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 82، الأمر الخامس.

(2) المبسوط 1: 293.

(3) وسائل الشيعة 10: 533- 534، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 1، 2 و 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 382

[مسألة 1: لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل و النهار عدا الإفطار]

مسألة 1: لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل و النهار عدا الإفطار (1).

[مسألة 2: يفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به]

مسألة 2: يفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به، فبطلانه يوجب بطلانه، و كذا يفسده الجماع و لو وقع في الليل، و كذا اللمس و التقبيل بشهوة. ثمّ إنّ الجماع يفسده و لو سهوا. و أمّا سائر ما ذكر من المحرّمات، فالأحوط في صورة ارتكابها عمدا أو سهوا- و كذا اللمس و التقبيل بشهوة إذا وقعا سهوا- إتمام الاعتكاف و قضاؤه إن كان واجبا معيّنا، و استئنافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين، و إتمامه و استئنافه إن كان في اليوم الثالث.

و إذا أفسده، فإن كان واجبا معيّنا وجب قضاؤه، و لا يجب الفور فيه و إن كان أحوط، و إن كان غير معيّن وجب استئنافه، و كذا يجب قضاء المندوب إن أفسده بعد اليومين. و أمّا قبلهما فلا شي ء عليه، بل في مشروعيّة قضائه إشكال، و إنّما يجب القضاء أو الاستئناف في الاعتكاف الواجب إذا لم يشترط الرجوع فيه بما مرّ، و إلّا فلا قضاء و لا استئناف (2).

______________________________

(1) لا فرق في حرمة الأمور المذكورة على المعتكف بين الليل و النهار سوى الإفطار غير الجائز في الصوم؛ لمنافاته له مع اعتباره فيه.

(2) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الأولى: أنّه يفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم و يوجب بطلانه؛ ضرورة اشتراط الاعتكاف بالصوم و تقوّمه به، فمع فساد الصوم لا يبقى وجه لصحّة الاعتكاف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 383

..........

______________________________

الثانية: أنّ الجماع يفسد الاعتكاف و لو وقع في الليل، و كذا لو وقع سهوا و من

غير تعمّد. أمّا الوقوع في الليل، فيدلّ عليه- مضافا إلى اطلاقات جملة من الأخبار المتقدّمة- خصوص موثّقة الحسن بن الجهم المتقدّمة أيضا «1»، الدالّة على أنّ المعتكف لا يأتي أهله ليلا و لا نهارا. و أمّا لو وقع سهوا، فالمحكي عن الجواهر «2» ادّعاء الانصراف إلى صورة العمد.

و اورد «3» عليه بأنّه لا مسرّح لمثل هذه الدعوى في الأحكام الوضعيّة التي هي بمثابة الجمل الخبريّة المتضمّنة للإرشاد إلى المانعيّة و نحوها، فمرجع قوله عليه السّلام «المعتكف لا يشمّ الطيب» «4» إلى أنّ عدم الشمّ قد اعتبر في الاعتكاف غير المختصّ بحال دون حال، و إنّما تتّجه تلك الدعوى في الأحكام التكليفيّة ليس إلّا، كما لا يخفى.

و محصّل الإيراد يرجع إلى أنّه لا فرق في مانعيّة الجماع- الذي هو محلّ البحث- في هذه الجهة بين صورتي العمد و السهو، كما في المتن، و صرّح السيّد قدّس سرّه في العروة بأنّه لو جامع سهوا فالأحوط في الواجب الاستئناف، أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به، و في المستحبّ الإتمام «5».

الثالثة: في اللمس و التقبيل بشهوة، فظاهر المتن تأثيره في البطلان إذا وقعا عمدا. و أمّا في صورة السهو، فيجري عليه حكم سائر المحرّمات على المعتكف الذي سيجي ء، و أورد على الفرق بعض الأعلام قدّس سرّه في شرح العروة- التي حكم فيها

______________________________

(1) في ص 378.

(2) جواهر الكلام 17: 201.

(3) المورد هو السيّد الخوئي قدّس سرّه في المستند في شرح العروة 22: 491.

(4) تقدّم في ص 380.

(5) العروة الوثقى 2: 83 مسألة 2606.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 384

..........

______________________________

بأنّ جميع المحرّمات لا يؤثّر في بطلان الاعتكاف إذا صدر سهوا إلّا الجماع-

بما يرجع إلى عدم وضوح الفرق بين الجماع و غيره في البطلان و عدمه؛ فإنّ قسما من الأخبار الواردة في الجماع ناظر إلى إثبات الكفّارة، و لا ينبغي الشكّ في اختصاصها بالعامد؛ ضرورة ارتفاعها عن الناسي بمقتضى حديث الرفع «1»، و القسم الآخر دالّ على النهي عن الجماع، أو على النهي عن البيع و الشراء و نحو هما، كما في صحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدّمة، و لا فرق بينها من هذه الجهة أصلا «2».

أقول: إن قلنا بأنّ الدليل على حرمة اللمس و التقبيل بشهوة هي الآية الشريفة «3» الناهية عن مباشرة النساء في حال الاعتكاف، كما نفينا البعد عنه «4» و إن استظهر عرفا اختصاص المباشرة بالجماع، فلا فرق حينئذ بين الجماع و بين اللمس و التقبيل بشهوة. و إن قلنا بأنّ الدليل على الحرمة الإجماع 5، فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن، و هي صورة العمد كما لا يخفى، فلا وجه لإجراء حكم صورة العمد في سائر المحرّمات بالإضافة إلى صورة السهو في اللمس و التقبيل.

و كيف كان، فقد جعل الاحتياط في سائر المحرّمات مطلقا، و في اللمس و التقبيل إذا وقعا سهوا بإتمام الاعتكاف و قضائه إن كان واجبا معيّنا، و استئنافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين، و إتمامه و استئنافه إن كان في اليوم الثالث. و قد عرفت «6» أنّ الاعتكاف لا يصير بعنوانه واجبا و لو صار متعلّقا

______________________________

(1) تقدّم في ص 37.

(2) المستند في شرح العروة 22: 490- 491.

(3) سورة البقرة 2: 187.

(4) 4، 5 أي في ص 377.

(6) في ص 342- 343.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 385

..........

______________________________

للنذر و شبهه.

نعم، يصير إبقاؤه واجبا في اليوم الثالث من دون فرق بين موارده، فتدبّر.

الرابعة: فيما إذا أفسده، و قد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان واجبا معيّنا وجب قضاؤه، و إن كان واجبا غير معيّن وجب استئنافه. و أمّا المندوب فيجب قضاؤه إن أفسده بعد اليومين، و أمّا قبلهما فلا شي ء عليه، بل استشكل في مشروعيّة القضاء فيه.

أقول: أمّا وجوب القضاء في الواجب المعيّن، فالدليل عليه عموم وجوب قضاء الفوائت و إن نوقش فيه بعدم ثبوت هذا العموم «1»، و التحقيق في محلّه.

كما أنّه على تقدير الوجوب لا يجب الفور- و إن جعله أحوط في المتن و في العروة «2»- لعدم الدليل عليه. و قد ثبت في الأصول أنّ الأمر لا دلالة له على الفوريّة «3». نعم، لا بدّ و أن لا يكون التأخير بمثابة يعدّ توانيا و تهاونا بحيث يؤدّي إلى ترك الواجب.

و أمّا الواجب غير المعيّن، فلا يتحقّق فيه عنوان القضاء، بل لم يأت بالمأمور به على وجهه. فاللازم الاستئناف.

و أمّا المندوب، فإذا كان الإفساد بعد اليومين الأوّلين؛ أي في اليوم الثالث الذي يجب البقاء فيه على الاعتكاف، فيجب فيه القضاء لعين ما مرّ من الدليل عليه في الواجب المعيّن. و إن كان الإفساد في اليومين الأوّلين، فلا يجب القضاء فيه، بل استشكل في عنوان القضاء فيه.

______________________________

(1) المناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 22: 492.

(2) العروة الوثقى 2: 83 مسألة 2608.

(3) كفاية الاصول 103 المبحث التاسع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 386

[مسألة 3: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلا وجبت الكفّارة]

مسألة 3: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلا وجبت الكفّارة.

و كذا في المندوب على الأحوط لو جامع من غير

رفع اليد عن الاعتكاف، و أمّا معه فالأقوى عدم الكفّارة، كما لا تجب في سائر المحرّمات و إن كان أحوط.

و كفّارته ككفّارة شهر رمضان و إن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار (1).

______________________________

و الظاهر أنّ وجه الاستشكال أنّه حيث لا يكون استحباب الاعتكاف محدودا بوقت خاصّ، فكلّ زمان يريد الاعتكاف فيه فهو أداء، و إن كان الاستحباب مؤكّدا في أزمنة خاصّة، لكن أصل الاستحباب ثابت في جميع الأزمان. نعم، عدا بعض الموارد المصادف لأحد العيدين، كما هو الحال في جميع النوافل غير الموقّتة.

نعم، في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلمّا أن كان من قابل اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عشرين:

عشرا لعامه، و عشرا قضاء لما فاته «1».

و الظاهر أنّه ليس المراد هو القضاء الاصطلاحي، بل الإضافة على الأداء بمقدار كان يعتكف فيه في شهر رمضان.

الخامسة: أنّه قد عرفت «2» أنّ مع اشتراط عدم البقاء في صورة عروض عارض لا يجب البقاء مع العروض، فلا وجه للقضاء و لا الاستئناف.

(1) في هذه المسألة مقامان:

الأوّل: في مورد ثبوت الكفّارة في إفساد الاعتكاف الواجب، لا إشكال

______________________________

(1) الكافي 4: 175 ح 2، الفقيه 2: 120 ح 518، و عنهما وسائل الشيعة 10: 533، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 2.

(2) في ص 374- 375.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 387

..........

______________________________

و لا خلاف «1» في ثبوتها بالإفساد بالجماع؛ سواء كان في النهار أو في الليل، و يدلّ عليه روايات كثيرة، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك:

منها: صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر

عليه السّلام عن المعتكف يجامع (أهله خ ل)؟

قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر «2».

و منها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال (قال خ ل): هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «3»، و رواه في الوسائل في باب واحد مرّتين، مع أنّه من الواضح الاتّحاد و عدم التعدّد.

و منها: رواية عبد الأعلى بن أعين- التي رواها عنه محمّد بن سنان- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال:

عليه الكفّارة. قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال: عليه كفّارتان «4». و قد صرّح في هذه الرواية بالجماع ليلا، و مقتضى الإطلاق و ترك الاستفصال في غيرها أيضا ذلك، هذا بالإضافة إلى الاعتكاف الواجب.

و أمّا المندوب: فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان الجماع من غير رفع اليد عن الاعتكاف، فاحتاط لزوما بثبوت الكفّارة، و بين رفع اليد عن الاعتكاف، فقد قوّى عدم الكفّارة، و الوجه في الاحتياط في الصورة الأولى: هو احتمال شمول الأخبار الواردة في الجماع- المتقدّمة- للاعتكاف المندوب، خصوصا مع إطلاق

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 314، رياض المسائل 5: 526، جواهر الكلام 17: 209، مستمسك العروة 8: 594، المستند في شرح العروة 22: 497.

(2) تقدّمت في ص 163 و 318.

(3) تقدّمت في ص 162- 163، 317 و 378.

(4) تقدّمت في ص 164.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 388

..........

______________________________

السؤال و ترك الاستفصال في الجواب، و خصوصا مع ملاحظة ندرة الاعتكاف الواجب و كثرة الاعتكاف المندوب.

نعم، التنزيل منزلة الإفطار في شهر رمضان ربما يشعر بأنّ المراد هو الاعتكاف

الواجب، كوجوب الإمساك في شهر رمضان، لكن هذا الإشعار لا يقاوم الاحتمال المذكور، خصوصا مع أنّ التنزيل إنّما ورد في بعض الروايات على ما عرفت، فالإنصاف أنّه لا مجال للتنزّل عن الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

هذا كلّه بالإضافة إلى الجماع. و أمّا بالإضافة إلى سائر محرّمات الاعتكاف، فقد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الكفّارة و إن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي التكفير.

نعم، في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا، فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها؟ فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها؛ فإنّ عليها ما على المظاهر. و قد رواها المشايخ الثلاثة «1».

و الظاهر منها: أنّ الحكم بالكفّارة إنّما هو لأجل الجماع الواقع عقيب الخروج، لا لأجل الخروج في حال الاعتكاف، خصوصا لو قلنا بجوازه؛ لأنّه من الضروريّات العرفيّة المسوّغة للخروج و لو مع عدم الاشتراط، فالظاهر أنّه لا دليل على ثبوت الكفّارة في غير الجماع.

المقام الثاني: في كيفيّة كفّارته، و قد ذكر في المتن أنّ «كفّارته ككفّارة شهر

______________________________

(1) تقدّمت في ص 318 و 379.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 389

[مسألة 4: لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع في نهار شهر رمضان]

مسألة 4: لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع في نهار شهر رمضان، فعليه كفّارتان. و كذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال. و إذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان، فإن لم تكن معتكفة فعليه كفّارتان عن نفسه؛ لاعتكافه و صومه، و كفّارة عن زوجته لصومها. و كذا إن كانت معتكفة على الأقوى و

إن كان الأحوط كفّارة رابعة عن زوجته لاعتكافها، و لو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل، و كفّارتان إن كان في النهار (1).

______________________________

رمضان و إن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار». و يدلّ على الأوّل ما دلّ من الروايات على أنّ الجماع في حال الاعتكاف بمنزلة الإفطار في شهر رمضان، حيث إنّ هذا التنزيل يدلّ على الحرمة و الإفساد و ثبوت كفّارة الإفطار، لكن في الروايتين الصحيحتين المتقدّمتين: أنّ كفّارته كفّارة الظهار، و الظاهر أنّ رفع اليد عن هاتين الروايتين مشكل، خصوصا مع ندرة الظهار، بخلاف الإفطار في شهر رمضان، فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع، فإن كان في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان، و يدلّ عليه- مضافا إلى اقتضاء الأصل ذلك؛ لأنّ الأصل عدم التداخل- بعض الروايات المتقدّمة المصرّحة بذلك، و حيث إنّ مقتضاها موافق للأصل، فلا مانع من اشتمال سندها على مثل محمّد بن سنان، الذي وقع فيه الاختلاف، و كذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال، على ما عرفت «1» من ثبوت الكفّارة في هذه الصورة.

______________________________

(1) في ص 301- 302.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 390

..........

______________________________

الفرع الثاني: له صور:

الأولى: ما إذا أكره- و هو معتكف- زوجته الصائمة في شهر رمضان- و لم تكن معتكفة- على الجماع، فالثابت عليه كفّارات ثلاث: كفّارتان عن نفسه لاعتكافه و صومه؛ لأنّ المفروض وقوع الجماع في نهار شهر رمضان، و كفّارة عن زوجته لإكراهه عليه و هي صائمة، و قد تقدّم «1» قيام الدليل على تحمّل الزوج عن الزوجة الصائمة في شهر رمضان

كفّارتها الثابتة عليها بالأصالة.

الثانية: الصورة المفروضة مع فرض اعتكاف الزوجة، و قد قوّى في المتن ثبوت كفّارات ثلاث فيه، و إن احتاط استحبابا بثبوت كفّارة رابعة تحمّلا عن الزوجة لأجل اعتكافها، و الوجه فيه: أنّ التحمّل على خلاف القاعدة، و لم يثبت إلّا بالإضافة إلى الصوم في شهر رمضان. و أمّا التحمّل لأجل الاعتكاف فلم يقم عليه دليل. نعم، مقتضى الاحتياط ذلك.

الثالثة: ما لو كانت الزوجة المعتكفة مطاوعة للزوج المعتكف في الجماع، و من الظاهر بمقتضى ما مرّ أنّ على كلّ واحد منهما كفّارة واحدة إن كان الجماع واقعا في الليل، و كفّارتان إن وقع في النهار.

«1»، 2) في ص 167- 169.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 391

..........

______________________________

هذا تمام الكلام حول مباحث الاعتكاف، و قد وقع الفراغ من تسويده يوم ولادة مولود الكعبة أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه و سيّد أوليائه الطاهرين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه أفضل صلوات المصلّين- جعلنا اللّه من شيعته الحقيقيّين، و أدخلنا الجنّة بشفاعته. و أنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفى اللّه عنه و عن والديه المرحومين، و جعل مستقبل أمره خيرا من ماضيه.

و كان ذلك في سنة 1424 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء و التحيّة. و من المرسوم في السنوات الأخيرة بعد الثورة الإسلاميّة في مملكتنا إيران؛ الاعتكاف في المساجد الجامعة في أيّام البيض من رجب، و هي أيّام مباركة، و فيها أدعية خاصّة و وظائف مسنونة، رزقنا اللّه ثواب اعتكافهم إن شاء اللّه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 393

[الفهارس]

فهرس مصادر التحقيق

1- إثبات الهداة، للشيخ محمد بن

الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين، المعروف بالحرّ العاملي (1033- 1104) المطبعة العلميّة، قم، 1404 ه.

2- أجود التقريرات، من تقريرات أبحاث الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (م 1355) للسيّد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي (1317- 1413) مطبعة ستارة، قم، 1420 ه.

3- الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (من أعلام القرن السادس)، دار الاسوة، قم، الطبعة الثالثة، 1422 ه.

4- اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشي» لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) جامعة مشهد، 1348 ش.

5- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1390 ه.

6- أقرب الموارد في فصح العربيّة و الشوارد، لسعيد بن عبد اللّه بن ميخائيل بن إلياس ابن يوسف الخوري الشرتوني (1265- 1330) مكتبة لبنان، بيروت، الطبعة الثانية، 1992 م.

7- الأمالي، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 394

(م 381) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

8- الانتصار، لعليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام، المعروف بالشريف المرتضى، و علم الهدى (355- 436) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المشرّفة، 1415 ه.

9- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، المعروف ب «السيرة الحلبيّة» لعليّ بن برهان الدّين الحلبي الشافعي (975- 1044) دار المعرفة، بيروت، لبنان.

10- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، للعلّامة المولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1110، 1111)

دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

11- بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن أحمد ابن رشد القرطبي (520- 595) منشورات الشريف الرضي، قم، 1406 ه.

12- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدّين، لأبي منصور جمال الدّين الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، طهران، الطبعة الاولى، 1411 ه.

13- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة الإمام الصادق عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1420- 1422 ه.

14- تحرير الوسيلة، للإمام الراحل السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش) مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

15- تذكرة الفقهاء، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم 1414- 1425، و المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طهران.

16- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 395

السمرقندي، المعروف بالعيّاشي (من أعلام القرن الثالث الهجري) المكتبة العلميّة الإسلاميّة، طهران، الطبعة الاولى، 1380- 1381 ه.

17- تفسير القمّي، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (من أعلام قرني 3 و 4) مطبعة النجف، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1387 ه.

18- تفسير كنز الدقائق و بحر الرغائب، لميرزا محمّد المشهدي ابن محمّد رضا بن إسماعيل ابن جمال الدّين القمّي (م حدود 1125) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1407- 1413 ه.

19- تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة، الاجتهاد و التقليد، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، قم، 1426 ه.

20- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه، لسماحة الفقيه آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مطبعة مهر، قم، 1400 ه.

21- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس، للفقيه الاصولي آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1423 ه.

22- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، دار التعارف للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1418 ه.

23- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الكفّارات، لسماحة الفقيه المرجع الديني آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1424 ه.

24- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النذر و العهد، لسماحة الفقيه المحقّق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 396

آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة، 1424 ه.

25- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء و الشهادات، لسماحة الفقيه آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، 1420 ه.

26- تقيه مداراتى، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، گروه إرشاد حجّاج ايرانى، الطبعة، 1365 ش.

27- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (385- 460) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1387 ه.

28- التوحيد، لأبي جعفر

محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) منشورات جماعة المدرّسين، قم.

29- ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مكتبة الصدوق، طهران، 1391 ه.

30- جامع الرواة، لمحمّد بن عليّ الأردبيلي الغروي الحائري (م بعد 1100) منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1403 ه.

31- جامع المقاصد في شرح القواعد، لنور الدين أبي الحسن عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي، المعروف بالمحقّق الثاني (868- 940) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1414- 1415 ه.

32- جمل العلم و العمل، لأبي القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، المعروف بالشريف المرتضى، و علم الهدى (355- 436) مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1387 ه.

33- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن بن باقر بن عبد الرحيم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 397

النجفي (م 1266) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السابعة.

34- الحبل المتين في إحكام أحكام الدّين، للشيخ بهاء الدين محمّد بن عزّ الدين حسين ابن عبد الصمد بن شمس الدّين محمّد بن عليّ بن الحسين بن محمّد بن صالح بن إسماعيل العامليّ الجبعي الحارثي الهمداني، الملقّب بالشيخ البهائي (953- 1030) مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، الطبعة الاولى، 1424 ه.

35- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، لشيخ المحدّثين يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (1107- 1186)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

36- الخرائج و الجرائح، لأبي الحسين سعيد بن عبد اللّه بن الحسين بن هبة اللّه بن الحسن، الشهير

ب «قطب الدّين الراوندي» (م 573) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1409 ه.

37- الخصال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1416 ه.

38- الخلاف، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ه.

39- الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، للشيخ شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي، الشهير بالشهيد الأوّل (734- 786) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه.

40- دلائل النبوّة، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384- 458) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1405 ه.

41- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، للمحقّق المولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السبزواري (م 1090) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث.

42- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، للشيخ شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي، الشهير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 398

بالشهيد الأوّل (734- 786) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1419 ه.

43- رجال النجاشي، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372- 450)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1418 ه.

44- رسائل الشريف المرتضى، لأبي القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى ابن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، المعروف بالشريف المرتضى، و علم الهدى (355- 436) مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم، 1405- 1410 ه.

45- رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني، المطبوع مع جامع الأخبار و الآثار عن النبيّ و الأئمّة الأطهار

عليهم السّلام ج 3، لعليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام، المعروف بالشريف المرتضى، و علم الهدى (355- 436) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1414 ه.

46- روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، المشهور ب «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي» لجمال الدين أبي الفتوح الحسين بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن الحسين بن أحمد الخزاعي الرازي النيسابوري (م حدود 554) بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى، مشهد، 1371 ش.

47- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، لزين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه.

48- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ بن أبي المعالي الطباطبائي الحسني الحائري (1161- 1231) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

49- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 399

القاسم بن عيسى العجلي (543- 598) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

50- سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث بن عمرو بن عامر السجستاني (202- 275) دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الاولى، 1418 ه.

51- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384- 458) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1419 ه.

52- السيرة الحلبيّة- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون.

53- سيرى كامل در اصول فقه، لشيخنا المؤلّف آية اللّه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، انتشارات فيضيّة، قم، الطبعة الاولى، 1377- 1388 ش.

54- شرائع الإسلام في مسائل

الحلال و الحرام، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ابن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي (602- 676) مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الاولى، 1389 ه.

55- شرح تبصرة المتعلّمين، للشيخ ضياء الدين ابن المولى محمّد العراقي النجفي (1278- 1361) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، الطبعة الاولى، 1414 ه.

56- الصحاح، المسمّى تاج اللغة و صحاح العربيّة، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي (م حدود 400) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1418 ه.

57- صحيح البخاري، لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (194- 256) دار الفكر للطباعة و النشر، بيروت، 1419 ه.

58- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيري النيسابوري (206- 261) دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الاولى، 1416 ه.

59- الطبقات الكبرى، لأبي عبد اللّه محمّد بن سعد بن منيع الزهري كاتب الواقدي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 400

(168- 230) دار صادر، بيروت، الطبعة الاولى، 1418 ه.

60- العدّة في اصول الفقه، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (385- 460) مطبعة ستاره، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

61- العروة الوثقى، للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (1247- 1337) مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

62- عقاب الأعمال، المطبوع مع ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مكتبة الصدوق، طهران، 1391 ه.

63- علل الشرائع، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) المكتبة الحيدريّة و مطبعتها،

النجف الأشرف، 1385 ه.

64- عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينيّة، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور (م 940) مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1403 ه.

65- العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي، انتشارات اسوة، التابعة لمنظمة الأوقاف و الامور الخيريّة، قم، الطبعة الاولى، 1414 ه.

66- عيون أخبار الرضا عليه السّلام، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) دار العلم، قم، 1377 ه.

67- غنائم الأيّام في مسائل الحلال و الحرام، لأبي القاسم ابن المولى محمّد حسن بن نظر عليّ الجيلاني الشفتي الجابلاقي القمّي، المعروف بصاحب القوانين، و يعرف بالمحقّق و الميرزا القمّي (1152- 1221) مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاولى، 1417 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 401

68- غنية النزوع إلى علمي الاصول و الفروع، للسيّد أبي المكارم حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي، المعروف بابن زهرة (511- 585) مؤسّسة الإمام الصادق عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

69- الغيبة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه.

70- فرائد الاصول، المعروف ب «الرسائل» للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1281) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاولى، 1419 ه.

71- فرج المهموم، للسيّد رضيّ الدّين أبي القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن محمّد بن طاوس العلوي الحسني، المعروف بابن طاوس (589- 664) منشورات الرضيّ، قم، 1363 ش.

72- الفقيه- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد

بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، 1390 ه.

73- الفهرست، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

74- قاعدة نفي الحرج، المطبوع ضمن ثلاث رسائل، لسماحة الفقيه المحقّق المرجع الديني آية اللّه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1425 ه.

75- القاموس المحيط، لمجد الدين أبي طاهر محمّد بن يعقوب بن محمّد بن إبراهيم الفيروزآبادي الشافعي (729- 817) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1420 ه.

76- قرب الإسناد، لعبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري، أبي العبّاس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 402

القمّي (من أعلام القرن الثالث) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1413 ه.

77- قواعد الأحكام، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1418 ه.

78- القواعد الفقهيّة، للميرزا السيّد محمّد حسن البجنوردي (1316- 1396) نشر الهادي، قم، الطبعة الاولى، 1419 ه.

79- القواعد الفقهيّة، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، 1425 ه.

80- الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1388- 1389 ه.

81- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح تقيّ الدين بن نجم الدين بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن محمّد الحلبي (374- 447) مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،

اصفهان، 1403 ه.

82- كامل الزيارات، لأبي القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمّي (م 368) نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

83- كتاب الصلاة، للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1281) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاولى، 1415 ه.

84- كتاب الصوم، للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1415) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاولى، 1413 ه.

85- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، للشيخ جعفر بن خضر بن يحيى بن مطر الجناجي النجفي، المعروف ب «كاشف الغطاء» (1156- 1228) دفتر تبليغات إسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

86- كفاية الاصول، للشيخ محمّد كاظم ابن المولى حسين الهروي الخراساني، المعروف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 403

ب «الآخوند الخراساني» (1255- 1329) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1418 ه.

87- كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام»، للمحقّق المولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السبزواري (م 1090) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1423 ه.

88- كمال الدين و تمام النعمة، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1416 ه.

89- كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، لعليّ بن حسام الدين بن عبد الملك الجونبوري، المشهور بالمتّقي الهندي (885- 975) مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه.

90- لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن عليّ بن أحمد بن أبي القاسم ابن حبقة بن منظور الأنصاري الإفريقي المصري (630- 711)، دار صادر، بيروت، الطبعة الاولى، 1997 م.

91- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة، للشيخ أبي عبد اللّه شمس الدين محمّد بن مكّي بن

محمّد بن حامد بن أحمد العامليّ النباطي، المشتهر بالشهيد الأوّل (734- 786) مركز بحوث الحجّ و العمرة، طهران، الطبعة الاولى، 1406 ه.

92- المبسوط في فقه الإماميّة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طهران، الطبعة الثانية، 1387 ه.

93- مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين بن محمّد عليّ بن أحمد بن طريح الرّماحي النجفي، المشهور بالطريحي (979- 1085) مؤسّسة البعثة، الطبعة الاولى، 1414 ه.

94- مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولى أحمد بن محمّد، الشهير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 404

بالمحقّق و المقدّس الأردبيلي (م 993) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1407- 1416 ه.

95- المحاسن، لأحمد بن أبي عبد اللّه محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي الكوفي (م 274 أو 280) المجمع العلمي لأهل البيت عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

96- المختصر النافع، لأبي القاسم نجم الدّين جعفر بن الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي (602- 676) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

97- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1412- 1418 ه.

98- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للسيّد شمس الدين محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي (946- 1009) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1410 ه.

99- المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة، لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (م 448) دار الحقّ، بيروت،

1414 ه.

100- المسائل الصاغانيّة، المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد ابن النعمان الحارثي العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد و بابن المعلّم (336- 413) دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

101- مسائل علي بن جعفر الصادق عليه السّلام (حوالي 130- 220) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1410 ه.

102- مسائل الناصريّات، لعليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام، المعروف بالشريف المرتضى، و علم الهدى (355- 436)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 405

مركز البحوث و الدراسات العلميّة، طهران، 1417 ه.

103- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، لزين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965) مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاولى، 1413- 1419 ه.

104- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل و خاتمته، للميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقي ابن الميرزا علي محمّد بن تقي النوري الطبرسي (1254- 1320)، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1408- 1409 ه.

105- مستطرفات السرائر، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى العجلي (543- 598) مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1408 ه.

106- مستمسك العروة الوثقى، للسيّد محسن بن السيّد مهدي الطباطبائي الحكيم (1306- 1390) مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الرابعة، 1390 ه.

107- مستند الشيعة في أحكام الشريعة، للمولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي (1185- 1245) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، الطبعة الاولى، 1415- 1420 ه.

108- المستند في شرح العروة الوثقى، تقريرا لأبحاث السيّد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي

قدّس سرّه (1317- 1413) للشيخ مرتضى البروجردي (1348- 1418) مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، الطبعة الثانية، 1422 ه.

109- المسند، لأبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال الشيباني (164- 241) دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

110- مشارق الشموس في شرح الدروس، للمولى الأجلّ الحسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1016- 1098) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم.

111- مصباح الاصول، تقريرا لأبحاث السيّد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي (1317- 1413) للسيّد محمّد سرور بن الحسن الواعظ الحسيني البهسودي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 406

(1289- 1357) مكتبة الداوري، قم، الطبعة الثانية، 1412 ه.

112- مصباح الفقيه، كتاب الصوم، للحاج آقا محمّد رضا ابن الشيخ المولى الفقيه محمّد هادي الهمداني النجفي (حدود 1250- 1322) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، الطبعة الاولى، 1416 ه.

113- مصباح المنير، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن عليّ الفيّومي المقري (م 770) مؤسّسة دار الهجرة، قم، الطبعة الأولى، 1405 ه.

114- معاني الأخبار، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1416 ه.

115- المعتبر في شرح المختصر، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي (602- 676) مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم، 1364 ش.

116- معتمد الاصول، تقرير أبحاث الإمام الخميني قدّس سرّه (1281- 1368)، لآية اللّه الحجّة الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني دام ظلّه، مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1420 ه.

117- المغرب في ترتيب المعرب، لأبي

الفتح و أبي المظفّر ناصر الدين بن عبد السيّد أبي المكارم بن علي بن المطرّز، برهان الدّين الخوارزمي الحنفي، الشهير بالمطرزي (538- 610) مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، الطبعة الاولى، 1999 م.

118- مفاتيح الشرائع، لمحمّد بن مرتضى بن محمود، المدعوّ بالمولى محسن، و المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091) مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم، 1401 ه.

119- المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل، المعروف بالراغب الأصبهاني (م 502) دار المعرفة، بيروت، تحقيق محمّد سيّد كيلاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 407

120- المفيد من معجم رجال الحديث، لمحمّد الجواهري، منشورات مكتبة المحلّاتي، قم، الطبعة الثانية، 1424 ه.

121- المقنع، للشيخ الأقدم أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة الإمام الهادي عليه السّلام، قم، 1415 ه.

122- المقنعة، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، الملقّب بالشيخ المفيد (338- 413) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

123- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان، لجمال الدّين أبي منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني بن عليّ بن أحمد العاملي الجبعي (959- 1011) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، الطبعة الاولى، 1362 ش.

124- منتهى المطلب في تحقيق المذهب، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة الطبع التابعة للآستانة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الاولى، 1412- 1425 ه، و الطبعة الحجريّة.

125- المهذّب، للشيخ سعد الدين أبي القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي، المعروف بالقاضي ابن البرّاج (400- 481) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1406 ه.

126- نهاية التقرير

في مباحث الصلاة، تقريرا لما أفاده السيّد حسين بن علي بن أحمد الطباطبائي البروجردي (1292- 1380) لآية اللّه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الثالثة، 1420 ه.

127- النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الاولى، 1390 ه.

128- نهج البلاغة، و هو مجموع ما اختاره أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام، المعروف بالشريف الرضيّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف، ص: 408

(359- 406) من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الهجرة، قم.

129- النوادر، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمّي (من أعلام القرن الثالث) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، 1408 ه.

130- الوافي، لمحمّد بن المرتضى بن محمود، المدعوّ بالمولى محسن، و المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091) مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام العامّة، أصفهان، 1412 ه.

131- وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للشيخ محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحسين، المعروف بالحرّ العاملي (1033- 1104) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1409- 1412 ه.

132- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، لأبي جعفر عماد الدّين محمّد بن علي الطوسي، المعروف بابن حمزة (من أعلام القرن السادس) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1408 ه.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصوم و الاعتكاف،

در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.